الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدوية رضي الله تعالى عنها قالت: استغفارُنا يحتاجُ إلى استغفار كثير.
وعن بعضِ الأعراب أنه تعلَّقَ بأستار الكعبة وهو يقول: اللَّهمّ إن استغفاري مع إصراري لؤم، وإن تركي الاستغفارَ مع علمي بسَعَة عفوك لعجز، فكم تَتَحَبَّبُ إليّ بالنعم مع غِناكَ عني، وأَتَبَغَّضُ إليك بالمعاصي مع فقري إليك، يا مَن إذا وَعدَ وَفَّى، وإذا توعَّدَ تجاوز وعفا، أدخلْ عظيمَ جُرمي في عظيم عفوكَ يا أرحم الراحمين.
(بابُ النّهي عن صَمْتِ يَوْمٍ إلى الليل)
1231 -
روينا في سنن أبي داود بإسناد حسن عن عليّ رضي الله عنه قال: حفظتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلام وَلا صُماتَ يَوْمٍ إلى اللَّيْلِ "(1) .
وروينا في " معالم السنن " للإِمام أبي سليمان الخطابي رضي الله عنه قال في تفسير هذا الحديث: كان أهل الجاهلية من نُسْكهم الصُّماتُ، وكان أحدُهم يعتكفُ اليومَ والليلة فيصمتُ ولا ينطق، فنُهوا: يعني في الإِسلام عن ذلك، وأُمروا بالذكر والحديث بالخير.
1232 -
وروينا في " صحيح البخاري " عن قيس بن أبي حازم رحمه الله قال: دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على امرأة من أحْمَسَ يُقال لها: زينب، فرآها لا تتكلم، فقال: ما لها لا تتكلم؟ فقالوا: حَجَّتْ مُصْمِتَةً، فقال لها: تكلمي فإن هذا لا يَحِلّ، هذا مِنْ عَمَلِ الجاهِلِيَّةِ، فتكلمت.
فصل:
في آخر ما قصدتُه من هذا الكتاب، وقد رأيتُ أن أضمَّ إليه أحاديث تتمُّ محاسنُ الكتاب بها إن شاء الله تعالى، وهي
الأحاديث التي عليها مدارُ الإِسلام
، وقد اختلفَ العلماءُ فيها اختلافاً منتشراً، وقد اجتمعَ مِن تداخل أقوالهم مع ما ضممتُه إليها ثلاثون حديثاً.
1233 -
الحديث الأول: حديثُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " إنَّمَا الأعْمالُ بالنِّيَّاتِ " وقد سبق بيانَه في أول هذا الكتاب (2) .
(1) في إسناده ضعف، قال الحافظ السخاوي في " المقاصد الحسنة ": رواه أبو داود عن علي في حديث، وقد أعله غير واحد، وحسنه النووي متمسكا بسكوت أبي داود عليه، لاسيما وهو عند الطبراني في " الصغير "(2) انظر الصفحة (4) .
(*)
1234 -
الحديث الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أحْدَثَ (1) في أمْرِنَا هَذَا ما لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ " رويناه في " صحيحي البخاري ومسلم ".
1235 -
الثالث: عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ، وَإنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُما مُشْتَبِهاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهاتِ اسْتَبرأ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ، كالرَّاعي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ، ألَا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمىً، ألَا وَإنَّ حِمَى اللَّهِ تَعالى مَحَارِمُهُ، ألا وَإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وَهِيَ القَلْبُ " رويناه في " صحيحيهما ".
1236 -
الرابع: عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: حدّثنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: " إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمَاً نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بأرْبَعِ كَلِماتٍ: بِكَتْب رِزْقِهِ، وَأجَلِهِ وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٍّ أو سعيد، فوالذي لا إِلهَ غَيْرُهُ إنَّ أحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ، حتَّى ما يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَها إلا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهل النَّارِ فيدْخُلُها وَإنَّ أحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ حَتَّى ما يَكُونُ بَيْنَهُ وبَيْنَها إلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُها " رويناه في " صحيحيهما ".
1237 -
الخامس: عن الحسن بن عليّ رضي الله عنهما قال: حَفِظتُ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم : " دَعْ ما يَرِيبُكَ إلى ما لا يَرِيبُكَ " رويناه في الترمذي والنسائي، قال
الترمذي: حديث صحيح.
قوله يَريبك بفتح الياء وضمّها لغتان، والفتح أشهر.
1238 -
السادس: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ ما لا يَعْنِيهِ " رويناه في كتاب الترمذي وابن ماجه، وهو حسن.
1239 -
السابع: عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحبُّ لِنَفْسِهِ " رويناه في " صحيحيهما ".
1240 -
الثامن: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن اللَّهَ تَعالى طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلَاّ طَيِّباً، وَإنَّ اللَّهَ تَعالى أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المرسلين، فقال
(1) أي أنشأ واخترع من قِبَل نفسه في أمرنا، أي: شأننا الذي نحن عليه وهو ما شرعه الله ورسوله واستمر العمل به.
(*)
تَعالى: (يا أيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)[المؤمنون: 51] وَقالَ تعالى: (يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)[البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعث أغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ: يا رَبّ يا رَبّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِي بالحَرَامِ، فأنّى يُسْتَجابُ لِذَلِكَ " رويناه في " صحيح مسلم ".
1241 -
التاسع: حديث " لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ " رويناه في الموطأ مرسلاً، وفي سنن الدارقطنيّ وغيره من طرق متصلاً، وهو حسن.
1242 -
العاشر: عن تميم الداري رضي الله عنه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " الدّين النَّصِيحَةُ، قلنا: لمن؟ قال: لِلَّهِ وَلِكِتابِهِ، وَلِرسُولهِ، ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعامَّتِهِم " رويناه في " صحيح مسلم ".
1234 -
الحادي عشر: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ما نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فاجْتَنِبُوهُ، وَما أمَرْتُكُمْ بِهِ فافْعَلُوا مِنْهُ ما اسْتَطَعْتُمْ، فإنَّما أهْلَكَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
كَثْرَةُ مَسائِلِهِمْ وَاخْتِلافهُمْ على أنْبِيائِهِمْ " رويناه في " صحيحيهما ".
1244 -
الثاني عشر: عن سهل بن ساعدي رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دُلَّني على عملٍ إذا عملتُه أحبّني الله وأحبّني الناس؟ فقال: " ازْهَدْ في الدُّنْيا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيما عِنْدَ النَّاس يُحِبَّكَ النَّاسُ " حديث حسن رويناه في كتاب ابن ماجه (2) .
1245 -
الثالث عشر: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يَحِلُّ دَمُ امرئ مُسْلمٍ يَشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلَاّ اللَّهُ وأنِّي رَسولُ الله إِلَاّ بإحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّانِي، وَالنَّفْسِ بالنَّفْسِ، وَالتَّارِكِ لِدِينِهِ المُفَارِقِ للجَمَاعَةِ " رويناه في " صحيحيهما ".
1246 -
الرابع عشر: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إِلهَ إِلَاّ اللَّهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ،
(1) وأوله عند مسلم: أيها الناس إن الله طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلا طيبا
…
الحديث.
(2)
ورواه أيضا الطبراني في " الكبير " وأبو نُعيم في " الحلية " وابن حبّان في " روضة العقلاء " والحاكم في " صحيحه " والبيهقي في " شعب الايمان " وآخرون، وهو حديث حسن.
(*)
وَيُؤْتُوا الزَّكاة، فإذَا فَعَلُوا ذلكَ عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهُمْ وَأمْوَالَهمْ إِلَاّ بِحَقِّ الإِسْلَامِ، وَحِسابُهُمْ على الله تعالى " رويناه في " صحيحيهما ".
1247 -
الخامس عشر: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " بُنِيَ الإِسْلامُ على خَمْسٍ: شهادةَ أن لا إِلهَ إِلَاّ الله، وأن محمدا رسول اللَّهِ، وَإقامِ الصَّلاةِ، وَإيتاءِ الزَّكاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ " رويناه في " صحيحيهما ".
1248 -
السادس عشر: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لادَّعَى رجالٌ أمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ، لَكِنِ البَيِّنَةُ على المُدَّعِي وَاليَمِينُ على مَنْ أنْكَرَ " هو حسن بهذا اللفظ، وبعضه في " الصحيحين ".
1249 -
السابع عشر: عن وَابِصَةَ بن معبد رضي الله عنه أنه أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: " جِئْتَ تَسألُ عَنِ البِرّ وَالإِثْمِ؟ قال: نعم، فقال: اسْتَفْتِ قَلْبَكَ: البِرُّ ما اطْمأنَّت إِلَيْهِ النَّفْس وَاطْمأنَّ إِلَيْهِ القَلْبُ، وَالإِثْمُ: ما حاكَ في النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ في الصَّدْرِ، وَإنْ أفْتاكَ النَّاسُ وَأفْتَوْكَ " حديث حسن رويناه في مسندَيْ أحمد والدارمي وغيرهما.
1250 -
وفي " صحيح مسلم " عن النواس بن سمعانَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " البرّ: حُسْنُ الخُلُقِ، وَالإِثْمُ ما حاكَ في نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أنْ يَطّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ".
1251 -
الثامن عشر: عن شَدَّادِ بن أوسٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ اللَّهَ تَعالى كَتَبَ الإِحْسانَ على كل شئ، فإذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذبحة، وَلْيُحِدَّ أحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ " رويناه في " صحيح مسلم "، والقتلة والذبحة، بكسر أولها.
1252 -
التاسع عشر: عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ كان يؤمن باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، وَمَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ " رويناه في " صحيحيهما ".
1253 -
العشرون: عن أبي هريرة رضي الله عنه " أن رجلاً قالَ للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني، قال: لا تَغْضَبْ، فردّد مِراراً، قال: " لا تَغْضَبْ " رويناه في البخاري.
1254 -
الحادي والعشرون: عن أبي ثعلبة الخُشنيِّ رضي الله عنه عن
(1) رواه بهذا اللفظ البيهقي، ولفظه عند مسلم:" لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه ".
(*)
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ اللَّهَ عز وجل فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوها، وَحَدَّ حُدُوداً فَلا تَعْتَدُوها، وَحَرَّمَ أشْياءَ فَلا تَنْتَهِكُوها، وَسَكَتَ عَنْ أشْياءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيانٍ فَلا تَبْحَثُوا عَنْها " رويناه في " سنن الدارقطني " بإسناد حسن (1) .
1255 -
الثاني والعشرون: عن معاذ رضي الله عنه قال: " قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني منَ النَّارِ! قال: لَقَدْ سألْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وإنه ليسير على مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ: تَعْبُدُ الله لا تشرك بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البَيْتَ، ثم قال: ألا أدُّلُّكَ على أبْوَابِ الخَيْرِ: الصَّوْمُ جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، ثم تلا: (تتجافى جنوبهم عن المَضَاجِع) حتى بلغ (يَعْمَلُونَ) [السجدة: 16 - ثم قال: ألا أُخْبِرُكَ برأس الأمر، وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجِهادُ، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه، ثم قال: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فقلتُ: يا نبيّ الله، وإنّا لمؤاخَذُونَ بما نتكلم به؟ فقال: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ، أوْ على مَناخِرهِم، إلَاّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ؟ " رويناه في الترمذي وقال: حسن صحيح.
وذِروة السنام: أعلاه، وهي بكسر الذال وضمّها.
وملاك الأمر بكسر الميم: أي مقصوده.
1256 -
الثالث والعشرون: عن أبي ذرّ ومعاذ رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُما كُنْتَ، وأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَة تَمْحُها، وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ " رويناه في الترمذي وقال: حسن، وفي بعض نسخه المعتمدة: حسن صحيح.
1257 -
الرابع والعشرون: عن العِرباضِ بن ساريةَ رضي الله عنه قال: " وَعَظَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم موعظةً [بليغة] وَجِلت منها القلوب، وذرفتْ منها العيون، فقلنا: يا رسولَ الله كأنها موعظةُ مُودّع فأوصنا، قال: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ [عز وجل] ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإنْ تأمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ [حبشي] ، وَإنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافاً كَثِيراً، فَعَليْكُم بسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْها بالنَّواجِذِ، وَإيَّاكُمْ وَمُحْدَثاتِ
(1) وهو حديث حسن.
(*)
الأُمُورِ، فإنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ " رويناه في سنن أبي داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
1258 -
الخامس والعشرون: عن أبي مسعود البدريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ مِمَّا أدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولى: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فاصْنَعْ مَا شِئْتَ " رويناه في البخاري.
1259 -
السادس والعشرون: عن جابر رضي الله عنه: " أن رجلاً سألَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيتَ إذا صَلَّيْتُ المكتوبات، وصمتُ رمضانَ، وأحللتُ الحلالَ، وحرّمتُ الحرامَ، ولم أزدْ على ذلك شيئاً، أدخلُ الجنة؟ قال: نَعَمْ " رويناه في مسلم.
1260 -
السابع والعشرون: عن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: " قلت: يا رسول الله، قل لي في الإِسلام قولاً لا أسألُ عنه أحداً غيرك، قال: قُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ " رويناه في مسلم.
قال العلماءُ: هذا الحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم ، وهو مطابق لقول الله تعالى:(إنَّ الَّذينَ قالُوا: رَبُّنا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يحزنون)[الاحفاف: 13] قال جمهور العلماء: معنى الآية والحديث: آمنوا والتزموا طاعةَ الله.
1261 -
الثامن والعشرون: حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سؤال جبريل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الإِيمان والإِسلام والإِحسان والساعة، وهو مشهور في " صحيح مسلم " وغيره.
1262 -
التاسع والعشرون: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كنتُ خَلْفَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: يا غُلامُ إني أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ (1) ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجاهَكَ (2) ، إذَا سَألْتَ فاسألِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ باللَّهِ، وَاعْلَمْ أنَّ الأمة لو
(1) احفظ الله: أي بحفظ دينه وأمره: مطيعا لربك، مؤتمرا بأوامره، منتهيا عن نواهيه وزواجره، فإن
تحفظه كذلك يحفظك في نفسك وأهلك ودنياك سيما عند الموت، إذا الجزاء من جنس العمل، وهي من أبلغ العبارات وأجزها وأجمعها لسائر الاحكام الشرعية قليلها وكثيرها، فهو من بدائع جوامعه صلى الله عليه وسلم التي اختصه الله تعالى بها.
(2)
تجاهك بضم التاء وفتح الهاء، وأصله " وجاهك " بضم الواو كسرها ثم قلبت تاء، وهو بمعنى أمانك في الرواية الثانية: أي تجده معك بالحفظ والاحاطة والتأييد حيثما كنت فتأنس به وتستغني به عن خلقه، فهو تأكيد لما قبله، وهو من لمجاز البليغ.
(*)
اجْتَمَعَتْ على أنْ ينفعوك بشئ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَاّ بشئ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا على أنْ يَضُرُوكَ بشئ لَمْ يَضُرُوكَ إِلا بشئ قد كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ " رويناه في الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وفي رواية غير الترمذي زيادة " احْفَظِ اللَّهَ تَجدْهُ أمامَكَ، تَعَرَّفْ إلى الله في الرَّخاءِ يَعْرِفْكَ في الشِّدَّةِ، وَاعْلَمْ أنَّ ما أخْطأكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَمَا أصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ " وفي آخره " وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وأنَّ مَعَ العُسْرِ يُسراً " هذا حديث عظيم الموقع.
الثلاثون: وبه اختتامها واختتام الكتاب، فنذكره بإسناد مستظرف، ونسأله الله الكريم خاتمة الخير.
1263 -
أخبرنا شيخنا الحافظ أبو البقاء خالد بن يوسف النابلسيّ ثم الدمشقي رحمه الله تعالى قال: أخبرنا أبو طالب عبد الله، وأبو منصور يُونس وأبو القاسم حسين بن هبة الله بن صصري، وأبو يَعلى حمزة، وأبو الطاهر إسماعيل، قالوا: أخبرنا الحافظ أبو القاسم عليّ بن الحسين هو ابن عساكر (1) قال: أخبرنا الشريفُ أبو القاسم عليّ بن إبراهيم بن العباس الحسيني خطيب دمشق، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن يحيى بن سلوان، قال: أخبرنا أبو القاسم الفضل بن جعفر قال:
أخبرنا أبو بكر عبد الرحمن بن القاسم بن الفرج الهاشميّ قال: أخبرنا أبو مسهر (2) قال: أخبرنا سعيدُ بن عبد العزيز (3) عن ربيعةَ بن يزيدَ (4) عن أبي إدريسَ
(1) هو علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي الحافظ الكبير، ثقة الدين أبو القاسم صاحب كتاب " تاريخ دمشق " الكبير، المعروف ب " تاريخ ابن عساكر " توفي رحمه الله سنة 571 هـ.
(2)
هو عبد الاعلى بن مسهر بن عبد الاعلى بن مسلم الغساني أب مسهر الدمشقي، وهو ثقة فاضل، توفي رحمه الله سنة 218 هـ.
(3)
هو سعيدُ بن عبد العزيز بن أبي يحيى التنوخي الدمشقي، مفتي دمشق وعالمها، قرأ القرآن على عبد الله بن عامر، ويزيد بن أبي مالك، وسأل عطاء بن رباح، وروى عن عبد العزيز بن صهيب والزهري وربيعة بن يزيد وغيرهم، قال الإِمام أحمد بن حنبل: هو والاوزاعي عندي سواء، وقال الحاكم صاحب " المستدرك ": هو لاهل الشام كمالك لاهل المدينة في التقدم والفضل والفقه والامانة، توفي رحمه الله سنة 167 هـ.
(4)
هو ربيعة بن يزيد الابادي القصير، أبو شعيب الدمشقي، وهو فقيه أهل دمشق مع مكحول.
قال ابن حبان: كان من خيار أهل الشام، توفي بإفريقيا في إمارة هشام بن إسماعيل، خرج غازيا فقتله البربر سنة 123 هـ.
رحمه الله.
(*)
الخولاني (1) ، عن أبي ذرّ (2) رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن جبريلَ صلى الله عليه وسلم ، عن اللَّهُ تبارك وتعالى أنه قال:" يا عِبادي إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً فَلا تَظَّالَمُوا، يا عِبادي إِنَّكُمُ [الَّذينَ] تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وأنا الَّذي أغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلا أُبالي، فاسْتَغْفِرُوني أغْفِرْ لَكُمْ، يا عبادي كُلُّكُمْ جائعٌ إلَاّ مَنْ أطْعَمْتُهُ فاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عبادي كُلُّكُمْ عارٍ إِلَاّ مَنْ كَسَوْتُهُ فاسْتَكْسُونِي أكْسِكُمْ، يا عِبادي لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا على أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَنْقُصْ ذلكَ منْ مُلْكِي شيئا، يا عبادي لو أن أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُِمْ كانُوا على أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ واحد مِنْكُمْ لَمْ يَزِدْ ذلكَ في مُلْكي شَيْئاً، يا عبادي لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا في صَعيدٍ وَاحدٍ فَسألُونِي فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسانٍ مِنْهُمْ ما سألَ لَمْ يَنْقُصْ ذلكَ مِنْ مُلْكِي [شَيْئاً] إِلَاّ كما يَنْقُصُ البَحْرُ أنْ يُغْمَسَ المِخْيَطُ فِيه غَمْسةً وَاحدَةً، يا عِبادي إنَّما هِيَ أعْمالُكُمْ أحْفَظُها عَلَيْكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّوَجَلَّ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلَاّ نَفْسَهُ ".
قال أبو مسهر: قال سعيدُ بن عبد العزيز: كان أبو إدريس إذا حدّثَ بهذا الحديث جثا على ركبتيه.
هذا حديث صحيح، رويناه في " صحيح مسلم " وغيره (3) ، ورجال إسناده مني إلى أبي ذرّ رضي الله عنه كلُّهم دمشقيون، ودخل أبو ذرّ رضي الله عنه دمشق، فاجتمع في هذا الحديث جمل من الفوائد.
منها صحة إسناده وَمَتنه، وعلوّه وتسلسله بالدمشقيين رضي الله عنهم وبارك فيهم.
(1) هو عائذ الله بن عبد الله بن عمرو - ويقال: عبد الله بن إدريس بن عائذ بن عبد الله بن عتبة بن غيلان أبو إدريس الخولاني العوذي والعيذي، رُوي عن عمرَ بن الخطاب، وأبي الدرداء، ومعاذ بن جبل، وأبي ذر وبلال وغيرهم من الصحابة.
وعنه الزهري وربيعة بن يزيد، وبسر بن عبيد الله وغيرهم
…
قال سعيدُ بن عبد العزيز: كان أبو إدريس الخولاني: عالم الشام بعد أبي الدرداء، توفي رحمه الله سنة 80 هـ.
(2)
أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، قيل: اسمه جندب بن جنادة بن عبد الله، وقيل: ابن السكن، توفي رضي الله عنه بالربذة - قرية من قرى المدينة - في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة (32 هـ) وصلى عليه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ومناقبه كثيرة جدا.
(3)
أخرجه مسلم من رواية سعيدُ بن عبد العزيز عن ربيعةَ بن يزيدَ عن أبي إدريسَ الخولاني عن أبي ذرّ، وأخرجه أيضا مسلم من رواية قتادة عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن أبي ذرّ، وأخرجه الإِمام أحمد والترمذي وابن ماجه من رواية شَهْر بن حَوْشَب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذرّ، وأخرجه الطبراني بمعناه من حديث أبي موسى الاشعري.
(*)
ومنها ما اشتمل عليه من البيان لقواعد عظيمة في أصول الدين وفروعه والآداب ولطائف القلوب وغيرها، ولله الحمد.
روينا عن الإِمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى قال: ليس لأهل الشام حديث أشرف من هذا الحديث.
هذا آخرُ ما قصدتُه من هذا الكتاب، وقد مَنّ الله الكريمُ فيه بما هو أهلٌ له من الفوائد النفيسة والدقائق اللطيفة من أنواع العلوم ومهماتها، ومُستجادَاتِ الحقائق ومَطلُوبَاتِها. ومن تفسير آياتٍ من القرآن العزيز وبيانِ المراد بها، والأحاديث الصحيحة وإيضاح مقاصدها، وبيان نُكَتٍ من علوم الأسانيد ودقائقِ الفقه ومعاملاتِ القلوب وغيرها، والله المحمودُ على ذلك وغيره من نعمه التي لا تُحصى، وله المِنّة أن هداني لذلك، ووفّقني لجمعه ويَسَّرَه عليّ، وأعانني عليه، وَمَنّ علي بإتمامه، فله الحمدُ والامتنانُ والفضلُ والطَّوْلُ والشكرانُ، وأنا راجٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تعالى دعوة أخٍ صالح أنتفعُ بها تقرّبني إلى الله الكريم، وانتفاع مسلمٍ راغب في الخير ببعض ما فيه أكون مساعداً له على العمل بمرضاة ربّنا، وأستودعُ الله الكريمَ اللطيفَ الرحيمَ منّي ومن والديّ وجميعِ أحبابنا وإخواننا ومَنْ أحسنَ إلينا وسائرِ المسلمين: أديانَنا وأماناتِنا وخواتِيمَ أعمالنا، وجميعَ ما أنعمَ اللَّهُ تَعالى به علينا، وأسألُه سبحانه لنا أجمعين سلوكَ سبيل الرشاد، والعِصْمة من أحوال أهل الزَّيْغ والعِناد، والدَّوامَ على ذلك وغيره من الخير في ازدياد، وأتضرّعُ إليه سبحانه أن يرزقنا التوفيقَ في الأقوال والأفعال للصواب، والجريَ على آثار ذوي البصائر والألباب، إنه الكريم الواسعُ الوهَّاب، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلتُ وإليه متاب، حَسْبُنا اللَّهُ وَنِعْمَ الوكيل، ولا حو وَلا قُوَّةَ إِلَاّ باللَّهِ العَلِيّ العَظيمِ، والحمدُ لله ربّ العالمين [أوّلاً وآخراً] وظاهراً وباطناً] ، وصلواتُه وسلامُه الأطيبان [الأتمّان] الأكملان على سيدنا محمد خير خلقه أجمعين، كلما ذكره الذاكرون، وغَفَل عن ذكره الغافلون، وعلى سائر النبيّينَ وآل كلٍّ وسائر الصالحين.
قال مصنفه أبو زكريا يحيى بن شرف مُرِّي بن حسن بن حسين بن محمد النووي عفا الله عنه:
فرغت من جمعه في المحرم سنة سبع وستين وسمتائة سوى أحرف ألحقتها بعد ذلك، وأجزت روايته لجميع المسلمين.