الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بابُ جَواز إعلامِ أصحاب الميّتِ وقرابتِه بموتِه وكراهةِ النَّعي)
450 -
روينا في كتاب الترمذي، وابن ماجه، عن حذيفة رضي الله عنه قال: إذا
مِتُّ فلا تُؤذنوا (1) بي أحداً، إني أخاف أن يكون نعياً، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي (2) .
قال الترمذي: حديث حسن.
451 -
وروينا في كتاب الترمذي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:" إيَّاكُمْ وَالنَّعْيَ، فإنَّ النَّعْيَ مِنْ عَمَلِ الجاهِلِيَّةِ ".
وفي رواية عن عبد الله ولم يرفعه.
قال الترمذي: هذا أصحّ من المرفوع، وضعَّف الترمذي الروايتين.
452 -
وروينا في " الصحيحين " أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي إلى أصحابه.
453 -
وروينا في " الصحيحين " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال في ميت دفنوه بالليل ولم يعلم به: " أفلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ؟ ".
قال العلماء المحققون والأكثرون من أصحابنا وغيرهم: يُستحبّ إعلامُ أهل الميت وقرابته وأصدقائه لهذين الحديثين قالوا: النعيُ المنهي عنه إنما هو نعي الجاهلية، وكان من عادتهم إذا مات منهم شريفٌ بعثوا راكباً إلى القبائل يقول: نعايا فلان، أو يا نعايا العرب: أي: هلكت العرب بمهلك فلان، ويكون مع النعي ضجيج وبكاء.
وذكر صاحب " الحاوي " وجهين لأصحابنا في استحباب الإِيذان بالميت وإشاعة موته بالنداء والإِعلام، فاستحبّ ذلك بعضهُم للميت الغريب والقريب، لما فيه من كثرة المصلّين عليه والدّاعين له.
وقال بعضُهم: يُستحبّ ذلك للغريب، ولا يُستحبّ لغيره.
قلت: والمختار استحبابه مطلقاً إذا كان مجرّد إعلام.
(بابُ ما يُقالُ في حَالِ غَسْلِ الميّتِ وتَكفِينه)
يُستحبّ الإِكثار من ذكر الله تعالى والدعاء للميت في حال غسله وتكفينه.
قال أصحابنا: وإذا رأى الغاسلُ من الميّت ما يُعجبه: من استنارة وجهه، وطيب ريحه، ونحو ذلك، استُحبَّ له أن يحدّثَ الناسَ بذلك، وإذا رأى ما يَكره: من سوادِ وجه، ونتن رائحته، وتغيّر عضو، وانقلاب صورة، ونحو ذلك، حرّم عليه أن يحدّث أحداً به.
454 -
واحتجوا بما رويناه في سنن أبي داود، والترمذي، عن ابن عمر رضي الله
(1) من الإِيذان: وهو الإعلام.
(2)
وأما محض الأعلام بذلك فلا بأس به، والذي عليه الجمهور أن مطلق الإِعلام بالموت جائز.
(*)
عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتاكُمْ وكُفُّوا عَنْ مَساوِيهِمْ "(1) ضعفه الترمذي.
455 -
وروينا في " السنن الكبير " للبيهقي، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" مَنْ غَسَّلَ مَيِّتاً فَكَتَمَ عَلَيْهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أرْبَعِينَ مَرَّةً ".
ورواه الحاكم أبو عبد الله في " المستدرك " على " الصحيحين "، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم (2) ، ثم إن جماهير أصحابنا أطلقوا المسألة كما ذكرته.
وقال أبو الخير اليمني صاحب " البيان " منهم: لو كان الميت مبتدعاً مظهراً للبدعة، ورأى الغاسلُ منه ما يكره، فالذي يقتضيه القياس أن يتحدّث به في الناس ليكونَ ذلك زجراً للناس عن البدعة.
وهو حديث حسن بشواهده
(باب الأذكار الصَّلاة على الميّت) اعلم أن الصلاة على الميت فرض كفاية، وكذلك غسله وتكفينه ودفنه، وهذا كلُّه مجمع عليه.
وفيما يسقط به فرض الصلاة أربعة أوجه: أصحّها عند أكثر أصحابنا: يسقط بصلاة رجل واحد، والثاني: يُشترط اثنان، والثالث: ثلاثة، والرابع: أربعة: سواء صلُّوا جماعة أو فُرادى.
وأما كيفية هذه الصلاة، فهي أن يكبرَ أربعَ تكبيرات ولا بُدَّ منها، فإن أخلَّ بواحدة، لم تصحّ صلاته، وإن زاد خامسة، ففي بطلان صلاته وجهان لأصحابنا، الأصحّ: لا تبطل (3) ، ولو كان مأموماً فكبَّر إمامُه خامسة، فإن قلنا: إن الخامسة تبطل الصلاة، فارقه المأموم، كما لو قام إلى ركعة خامسة، وإن قلنا بالأصحّ: أنها لا تبطل، لم يفارقه، ولم يتابعه على الصحيح المشهور، وفيه وجه ضعيف لبعض أصحابنا، أنه يتابعه، فإذا قلنا بالمذهب الصحيح: أنه لا يتابعه، فهل ينتظره ليسلّم معه، أم يسلّم في الحال؟ فيه وجهان، الأصحّ: ينتظره، وقد أوضحتُ هذا كلَّه بشرحه ودلائله في " شرح المهذّب ".
ويستحبّ أن يرفعَ اليد مع كل تكبيرة (4) .
وأما صفة التكبير وما يستحبّ فيه، وما يبطله، وغير ذلك من فروعه، فعلى ما قدمته في " باب صفة الصلاة " وأذكارها.
وأما الأذكارُ التي تُقال في صلاة الجنازة بين التكبيرات، فيقرأ بعد التكبيرة الأولى الفاتحة، وبعد الثانية يُصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد الثالثة: يدعو للميت، والواجب منه ما
(1) وهو حديث حسن بشواهد.
(2)
بل هو حديث حسن كما قال في " الأذكار ".
(3)
وقد ثبت ذلك في " صحيح مسلم ".
(4)
وقد قاسه الشافية على الصلوات الخمس.
(*)
يقع عليه اسم الدعاء، وأما الرابعة، فلا يجب بعدها ذكر أصلاً، ولكن يُستحبّ ما سأذكره إن شاء الله تعالى.
واختلف أصحابنا في استحباب التعوّذ، ودعاء الافتتاح عُقيب التكبيرة الأولى قبل الفاتحة، وفي قراءة السورة بعد الفاتحة على ثلاثة أوجه.
أحدُها: يستحبّ الجميع، والثاني: لا يُستحبّ، والثالث وهو الأصحّ: أنه يُستحبّ التعوّذ دون الافتتاح والسورة.
واتفقوا على أنه يُستحبّ التأمين عقيب الفاتحة.
456 -
وروينا في " صحيح البخاري " عن ابن عباس رضي الله عنهما، نه صلى على جنازة، فقرأ فاتحة الكتاب وقال: لتعلموا أنها سنّة.
وقوله: سنّة، في معنى قول الصحابي: من السّة كذا وكذا.
جاء في " سنن أبي داود " قال: إنها من السنّة، فيكون مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما تقرّر وعُرف في كتب الحديث والأصول.
قال أصحابنا: والسنّة في قراءتها الإِسرار دون الجهر، سواء صُلِّيت ليلاً أو نهاراً، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي قاله جماهير أصحابنا.
وقال جماعة منهم: إن كانت الصلاة في النهار أسرّ، وإن كانت في الليل جهر.
وأما التكبيرة الثانية، فأقلّ الواجب عقيبها أن يقول: اللَّهُمَّ صَلّ على مُحَمَّدٍ.
ويُستحبّ أن يقول: وعلى آلِ مُحَمَّدٍ، ولا
يجب ذلك عند جماهير أصحابنا.
وقال بعض أصحابنا: يجب، وهو شاذّ ضعيف، ويُستحبّ أن يدعوَ فيها للمؤمنين والمؤمنات إن اتسع الوقت له، نصّ عليه الشافعي، واتفق عليه الأصحاب، ونقل المزني (1) عن الشافعي، أنه يُستحبّ أيضاً أن يحمد الله عز وجل، وقال باستحبابه جماعة من الأصحاب، وأنكره جمهورهم، فإذا قلنا باستحبابه، بدأ بالحمد لله، ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو للمؤمنين والمؤمنات، فلو خالف هذا الترتيب، جاز، وكان تاركاً للأفضل.
وجاءت أحاديث بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
457 -
رويناها في " سنن البيهقي "، ولكني قصدتُ اقتصار هذا الباب، إذ موضعُ بسطه كتب الفقه، وقد أو ضحته في " شرح المهذب.
"
(1) قال الحافظ العسقلاني في مؤلفه في فضل الشافعي: المزني أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن عمرو بن إسحاق.
ولد سنة خمس وسبعين ومائة، ولزم الشافعي لمَّا قدم مصر، وصنّف المبسوط والمختصر من علم الشافعي، واشتهر في الآفاق، وكان آية في الحِجاج والمناظرة، عابداً عاملاً متواضعاً غوّاصاً على المعاني.
مات في شهر رمضان سنة أربع وستين ومائتين، اهـ.
(*)
وأما التكبيرة الثالثة، فيجب فيها الدعاء للميت، وأقلُّه ما ينطلق عليه الاسم، كقولك: رحمه الله، أو غفر الله له، أو اللهمَّ اغفرْ له، أو ارحمه، أو الطفْ به، ونحو ذلك.
وأما المستحبّ فجاءت فيه أحاديث وآثار.
458 -
فأما الأحاديث، فأصحّها ما رويناه في " صحيح مسلم " عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَارْحَمْهُ، وَعافِهِ، وَاعْفُ عَنْهُ، وأكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بالمَاءِ والثَّلْجِ وَالبَرَدِ، ونَقِّهِ منَ الخَطايا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وأبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِ، وَأهْلاً خَيْراً مِنْ أهْلِهِ، وَزَوْجاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ، وأدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وأعِذْهُ مِنْ عَذَابِ
القَبْرِ أو مِنْ عَذَابِ النَّارِ " حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت.
وفي رواية لمسلم: " وَقِهِ فتْنَةَ القَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ ".
459 -
وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، والبيهقي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلّى على جنازة، فقال:" اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنا وَمَيِّتِنا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرنا، وَذَكَرِنا وأُنْثانا، وشَاهِدِنا وغائِبِنا، اللَّهُمَّ مَنْ أحْيَيْتَه مِنَّا فأحْيِهِ على الإِسْلامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ على الإِيمان، اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنا أجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ ".
قال الحاكم أبو عبد الله: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم (1) ".
ورويناه في " سنن البيهقي " وغيره، من رواية أبي قتادة: وروينا [هـ] في كتاب الترمذي، من رواية أبي إبراهيم الأشهلي (2) عن أبيه، وأبوه صحابي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الترمذي: قال محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - أصحُّ الروايات في حديث: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنا وَمَيِّتِنا "، رواية أبي إبراهيم الأشهلي عن أبيه.
قال البخاري: وأصحُّ شئ في الباب، حديث عوف بن مالك.
ووقع من رواية أبي داود: " فأحْيِهِ على الإِيمَانِ، وَتَفَّهُ على الإِسْلامِ ".
والمشهور في معظم كتب الحديث، " فأحْيِهِ على الإِسْلامِ، وَتَوَفَّهُ على الإِيمَانِ " كما قدّمناه.
(1) وهو حديث صحيح، صححه الحاكم ووافقه الذهبي ولكن على شرط مسلم دون شرط البخاري كما قال الحافظ في تخريج الأذكار.
(2)
أبو إبراهيم الأشهلي مجهول، ولكن الحديث حسن بشواهده.
(*)
460 -
وروينا في سنن أبي داود، وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " إذا صَلَّيْتُمْ على المَيِّتِ فأخْلِصُوا لَهُ الدُّعاءَ "(1) .
461 -
وروينا في " سنن أبي داود " عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الصلاة على الجنازة: " اللَّهُمَّ أنْتَ رَبُّهَا، وأنْتَ خَلَقْتَها، وأنْتَ هَدَيْتَهَا للإِسْلام، وأنْتَ
قَبَضْتَ رُوحَها، وأنْتَ أعْلَمُ بِسِرّها وَعَلانِيَتِهَا، جِئْنا شُفَعاءَ فاغْفِرْ لَهُ " (2) .
462 -
وروينا في سنن أبي داود، وابن ماجه، عن واثلةَ بن الأسقع رضي الله عنه، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين، فسمعته يقول:" اللَّهُمَّ إنَّ فُلانَ بن فُلانَة فِي ذِمَّتِكَ وحبل جوارك، فَقِهِ فِتْنَةَ القَبْر وَعَذَاب النَّارِ، وأنْتَ أهْلُ الوَفاءِ وَالحَمْدِ فاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ "(3) .
واختار الإِمام الشافعي رحمه الله دعاءً التقطه من مجموع هذه الأحاديث وغيرها (4) فقال: يقول: اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ، خَرَجَ مِنْ رَوْحِ الدُّنْيا وسعتها، ومحبوبه وأحبائه فيها، إلى ظُلْمَةِ القَبْرِ ومَا هُوَ لاقيهِ، كانَ يَشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلَاّ أنْتَ، وأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وأنْتَ أعْلَمُ بِهِ، اللَّهُمَّ إنَّهُ نَزَلَ بِكَ وأنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ به، وأصْبَحَ فَقيراً إلى رَحْمَتِكَ، وأنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ، وَقَدْ جِئْنَاكَ رَاغِبِينَ إليك، شُفَعَاءَ لَهُ، اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِناً فَزِدْ في إِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئاً فَتَجاوَزْ عنه، وآته بِرَحْمَتِكَ رِضَاكَ، وَقِهِ فِتْنَةَ القَبْرِ وَعَذَابَهُ، وَافْسحْ لَهُ في قَبْرِهِ، وَجافِ الأرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِكَ الأمْنَ مِنْ عَذَابِكَ حتَّى تَبْعَثَهُ إلى جَنَّتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، هذا نصّ الشافعي في مختصر المزني رحمهما الله.
قال أصحابنا: فإن كان الميت طفلاً دعا لأبويه فقال: " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَهُما فَرَطاً، واجْعَلْهُ لَهُما سَلَفاً، واجْعَلْهُ لَهُما ذُخْراً (5) ، وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُما، وأفرغ الصبر على
(1) ورواه أيضا ابن حبّان وغيره، وهو حديث حسن.
(2)
وأخرجه الطبراني في دعاء، وهو حديث حسن كما قال الحافط في تخرج الأذكار.
(3)
وهو حديث حسن.
(4)
قال ابن علاّن في شرح الأذكار: قال الحافظ: أكثره من غيره، وبعضه موقوف على صحابي أو تابعي، وبعضه ما رأيته منقولا.
(5)
رو البخاري تعليقا 3 / 163 في الجنائز، باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة فقال: وقال الحسن: يقرأ على الطفل بفاتحة الكتاب ويقول: اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وأجرا، قال الحافظ في الفتح: وصله = (*)
قُلوبِهِما، وَلا تَفْتِنْهُما بَعْدَهُ، وَلا تَحْرِمْهُما أجْرَهُ ".
هذا لفظ ما ذكره أبو عبد الله الزبيري من أصحابنا في كتابه " الكافي "، وقاله الباقون بمعناه، وبنحوه قالوا: ويقول معه: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنا وَمَيِّتِنا
…
" إلى آخره.
قال الزبيري: فإن كانتْ امرأةً قال: " اللَّهُمَّ هَذِهِ أَمَتُكَ "، ثم يُنَسِّقُ الكلام، والله أعلم.
وأما التكبيرة الرابعة، فلا يجبُ بعدها ذكْرٌ بالاتفاق، ولكن يُستحبّ أن يقول ما نصّ عليه الشافعي رحمه الله في كتاب البويطي، قال: يقول في الرابعة: اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنا أجْرَهُ وَلا تَفْتِنّا بَعْدَهُ.
قال أبو عليّ بن أبي هريرة من أصحابنا: كان المتقدمون يقولون في الرابعة: (رَبَّنا آتنا في الدُّنْيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) .
قال: وليس ذلك بمحكيّ عن الشافعي، فإن فعله كان حسناً.
قلت: يكفي في حسنه ما قد قدّمناه في حديث أنس في باب دعاء الكرب، والله أعلم.
463 -
قلتُ: ويُحتجّ للدعاء في الرابعة بما روينا في " السنن الكبرى " للبيهقي، عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، أنه كبّر على جنازة ابنه له أربع تكبيرات، فقام بعد الرابعة كقدر ما بين التكبيرتين يستغفر لها ويدعو، ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هكذا (1) ".
وفي رواية: كبَّرَ أربعاً فمكثَ ساعةً حتى ظننا أنه سيكبّر خمساً ثم سلَّم عن يمينه وعن شماله، فلما انصرف قلنا له: ما هذا؟ فقال: إني لا أزيدكم على ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يصنعُ، أو هكذا صنعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
قال الحاكم أبو عبد الله: هذا حديث صحيح (2) .
[فصل] :
وإذا فرغَ من التكبيرات وأذكارها، سلَّمَ تسليمتين كسائر الصلوات، لما ذكرناه من حديث عبد الله بن أبي أوفى، وحكم السلام على ما ذكرناه في التسليم في
= عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد بن أبي عروبة أنه سئل عن الصلاة على الصبي فأخبرهم عن قتادة عن
الحسن أنه كان يُكَبِّر ثم يقرأ فاتحة الكتاب ثم يقول: اللهم اجعله لنا سلفا، وفرطا، وأجرا.
(1)
ولذلك يستحب طويل الدعاء بعد التكبيرة الرابعة لثبوت ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم.
انظر البيهقي 4 / 35.
(2)
قال ابن علاّن في شرح الأذكار: قال الحافظ بعد تخريجه: حديث غريب أخرجه ابن المنذر والطحاوي والحاكم والبيهقي، قال الحاكم: إنه حديث صحيح، قال الحافظ: وليس كما قال، فإن ومداره على إبراهيم بن مسلم الهجري، وهو ضعيف عند جميع الأئمة لم نجد فيه توثيقا لأحد إلا قول الأزدي: صدوق، والأزدي ضعيف، واعتذر الحاكم بعد تخريجه بقوله: لم ينقم عليه بحجه، وهذا لا يكفي في التصحيح.
(*)