الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كتاب الاستغفار)
اعلم أن هذا الكتاب من أهمّ الأبواب التي يعتنى بها ويحافظ على العمل به.
وقصدت بتأخيره التفاؤلَ بأن يختم الله الكريم لنا به، نسأله ذلك وسائر وجوه الخير لي ولأحبائي وسائر المسلمين آمين.
قال الله تعالى: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالعَشِيّ وَالإِبْكارِ)[غافر: 55] وقال تعالى: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَللْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ)[محمد: 19] وقال تعالى: (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً)[النساء: 106] وقال تعالى: (لِلَّذينَ اتَّقَوْا (1) عِنْدَ رَبِهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ خالِدِينَ فِيها وأزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بالعِبادِ، الَّذينَ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذَابَ النَّارِ، الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالقانِتِينَ وَالمُنْفِقِينَ وَالمُسْتَغْفِرِينَ بالأسحَارِ) [آل عمران: 15 - 17] وقال تعالى: (وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الأنفال: 33] وقال تعالى: (وَالَّذينَ إذَا فَعَلُوا فاحِشَةً أوْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ، وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ اللَّهُ؟ وَلَمْ يُصِرُّوا على ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[آل عمران: 135] وقال تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً)[النساء: 110] وقال تعالى: (وأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمّ تُوبُوا إِلَيْهِ
…
) الآية [هود: 3] وقال تعالى إخباراً عن نوح صلى الله عليه وسلم : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كانَ غَفَّاراً)[نوح: 10] وقال تعالى حكاية عن هود صلى الله عليه وسلم : (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ
تُوبُوا إلَيْهِ..) الآية [هود: 52] والآيات في الاستغفار كثيرة معروفة، ويحصل التنبيه ببعض ما ذكرناه.
وأما الأحاديث الواردة في الاستغفار، فلا يمكن استقصاؤها، لكني أُشير إلى أطراف من ذلك.
1220 -
روينا في " صحيح مسلم " عن الأغرّ المزنيّ الصحابيّ رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّهُ لَيُغانُ على قَلْبِي، وإني لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ في اليوم مائة مَرَّةٍ ".
1221 -
وروينا في " صحيح البخاري " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " والله إنّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأتُوبُ إلَيهِ فِي اليَوْمِ أكثَرَ مِن سبعين مرة ".
(1) للذين اتقوا: خبر، مبتدؤه: جنات.
(*)
1222 -
وروينا في " صحيح البخاري " أيضاً عن شداد بن أوس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" سَيِّدُ الاسْتغْفارِ أنْ يقُولَ العَبْدُ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبّي لا إِلهَ إِلَاّ أَنْتَ خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا على عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ مَا صَنَعْتُ، أبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأبُوءُ بِذَنبي، فاغْفِرْ لي فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ أَنْتَ، مَنْ قَالَهَا بالنَّهارِ مُوقِناً بِها فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ موقِن بها فَمَاتَ قَبْلَ أنْ يُصْبحَ فَهُوَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ " قلت: أبوء: بضم الباء وبعد الواو همزة ممدودة، ومعناه: أقرُّ وأعترف.
1223 -
وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: " كنّا نعدُّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرّة: ربّ اغْفِرْ لي وَتُبْ عَلَيَّ إنَّكَ أنْتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ " قال الترمذي: حديث صحيح.
1224 -
وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً وَمِنْ كُلّ هَمٍّ فَرَجاً، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ".
1225 -
وروينا في " صحيح مسلم " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ تَعالى فَيَغفِرُ لَهُمْ ".
1226 -
وروينا في سنن أبي داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُعجبُه أن يدعوَ ثلاثاً، ويستغفرَ ثلاثاً " وقد تقدم هذا الحديث قريباً في " جامع الدعوات ".
1227 -
وروينا في كتابي أبي داود والترمذي عن مولى لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإنْ عادَ في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً " قال الترمذي: ليس إسناده بالقوي (2) .
(1) رواه أبو داود رقم (1518) في الصّلاة، بابُ في الاستغفار، وابن ماجه رقم (3819) ، ورواه أحمد في " المسند " رقم (2234) وفي سنده الحكم بن مصعب المخزومي، قال أبو حاتم: مجهول، وذكره ابن حبّان في الثقات وفي الضعفاء أيضا، وترجمه البخاري في " التاريخ الكبير " ولم يذكر فيه جرحا، وباقي رجاله ثقات.
(2)
وفيه جهالة مولى أبي بكر، ولذلك قال الترمذي: حديث غريب، إنما نعرفه من حديث أبي نضيرة وليس إسناده بالقويّ.
(*)
1228 -
وروينا في كتاب الترمذي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قالَ اللَّهُ تَعالى: يا بْنَ آدَمَ، إَّنكَ ما دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ ما كان منك ولا أُبالي، يا بْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، يابْنَ آدَمَ لَوْ أتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرْضِ خَطايَا ثُمَّ أتَيْتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِها مَغْفِرَةً " قال الترمذي: حديث حسن.
قلت: عنان السماء بفتح العين: وهو السحاب، واحدتها عنانة، وقيل العنان: ما عنّ لك منها، أي ما اعترضَ وظهر لك إذا رفعت رأسك. وأما قراب الأرض، فروي بضم القاف وكسرها، والضم هو المشهور، ومعناه: ما يُقارب ملأها، وممّن حكى كسرها صاحب " المطالع ".
1229 -
وروينا في سنن ابن ماجه بإسناد جيد عن عبد الله بن بُسْر - بضم الباء وبالسين المهملة - رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ في صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفاراً كَثِيراً ".
1230 -
وروينا في سنن أبي داود والترمذي عن ابن مسعود (1) رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قالَ: أسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذي لا إِلهَ إِلَاّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وأتُوبُ إِليْهِ غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَإنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ " قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم.
قلتُ: وهذا الباب واسع جداً، واختصاره أقرب إلى ضبطه، فنقتصر على هذا القدر منه.
فصل:
ومما يتعلَّق بالاستغفار ما جاء عن الرَّبيع بن خُثَيْم رضي الله تعالى عنه قال: لا يقلْ أحدُكم: أستغفر الله وأتوب إليه فيكون ذنباً وكذباً إن لم يفعل، بل يقولُ: اللَّهمّ اغْفِرْ لي وتُبْ عليّ، وهذا الذي قاله من قوله: اللَّهمّ اغفر لي وتب علي حسن.
وأما كراهته " أستغفرُ الله " وتسميته كذباً فلا نُوافق عليه، لأن معنى أستغفرُ الله: أطلبُ مغفرتَه، وليس في هذا كذب، ويكفي في ردّه حديث ابن مسعود المذكور قبله.
وعن الفُضيل بن عباس رضي الله تعالى عنه: استغفارٌ بلا إقلاع توبةُ الكذّابين.
ويُقاربه ما جاءَ عن رابعة
(1) رواية ابن مسعود هي عند الحاكم في " المستدرك " 1 / 511 وهو حديث صحيح صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، ورواية أبي داود والترمذي إنما هي من رواية بلال بن يسار بن زيد عن أبيه عن جده، وهي عند أبي داود رقم (1517) في الصّلاة، بابُ الاستغفار، وعند الترمذي (3572) في الدعوات، باب في دعاء الضيف، وهو حديث حسن.
(*)