الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ عادَ مَرِيضاً، أوْ زَارَ أخاً لَهُ في اللَّهِ تَعالى، نادَاهُ مُنادٍ بأنْ طِبْتَ وَطابَ مَمْشاكَ، وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجنة منزلا "(1) .
، [فصل في استحباب طلب الإِنسان من صاحبه الصالح أن يزورَه، وأن يكثرَ من زيارته] .
774 -
روينا في " صحيح البخاري " عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم
لجبريل صلى الله عليه وسلم: " ما يَمْنَعُكَ أنْ تَزُورَنا أكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنا؟ فنزلتْ (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَاّ بِأمْرِ رَبِّكَ، لَهُ ما بَيْنَ أيْدِينا وَما خَلْفَنا)[مريم: 64] .
(بابُ تَشْمِيتِ العَاطسِ وحُكم التَّثَاؤُب)
775 -
روينا في " صحيح البخاري " عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ اللَّهَ تَعالى يُحِبُّ العُطاسَ، وَيَكْرَهُ التَثاؤُبَ، فإذا عَطَسَ أحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعالى، كان حَقّاً على كُلّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أنْ يقول له: يرحمك الله.
وأمَّا التَّثاؤُبُ، فإنَّما هُوَ مِنَ الشَّيْطان، فإذا تَثَاءَبَ أحَدُكُمْ، فَلْيَرُدَّهُ ما اسْتَطاعَ، فَإن أحدَكم إذا تَثاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطانُ ".
قلتُ: قال العلماء: معناه: أن العطاسَ سببه محمود، وهو خفّة الجسم التي تكون لقلة الأخلاط وتخفيف الغذاء، وهو أمر مندوب إليه، لأنه يُضعف الشهوة ويُسَهِّلُ الطاعة، والتثاؤب بضدّ ذلك، والله أعلم.
776 -
وروينا في " صحيح البخاري " عن أبي هريرة أيضاً عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " إذا عَطَسَ أََحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أخُوهُ أوْ صَاحبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فإذَا قالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بالَكُمْ " قال العلماء: بالكم: أي شأنكم.
777 -
وروينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أنس رضي الله عنه قال: " عَطَسَ رجلان عند النبيّ صلى الله عليه وسلم " فشمّت أحدَهما، ولم يشمّت الآخر، فقال الذي لم يشمّته: عَطَسَ فلان فشمّته، وعطستُ فلم تشمّتني، فقال: هَذَا حَمِدَ اللَّهَ تَعالى، وَإنَّكَ لَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ تَعالى ".
778 -
وروينا في " صحيح مسلم " عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (1) وهو حديث حسن شواهده.
(*)
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذَا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعالى فَشَمِّتُوهُ، فإنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلا تُشَمِّتُوهُ ".
779 -
وروينا في " صحيحيهما " عن البراء رضي الله عنه قال: " أمَرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع: أمَرَنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإجابة الداعي، وردّ السلام، ونصر المظلوم، وإبرار القسم "(1) .
وروينا في " صحيحيهما " عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " حَقُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلامِ، وَعِيادَةُ المَرِيض، وَاتِّباعُ الجَنائِز، وإجابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ العاطِس ".
وفي رواية لمسلم " حَقُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ سِتٌّ: إذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فأجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّه تَعالى فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فاتبعه ".
فصل:
اتفق العلماء على أنه يُستحبّ للعاطس أن يقولَ عقب عطاسه: الحمد لله، فلو قال: الحمد لله ربّ العالمين كان أحسن، ولو قال: الحمد لله على كُلّ حالٍ كان أفضل.
780 -
روينا في سنن أبي داود وغيره بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا عطس أََحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ لِلَّهِ على كُلّ حالٍ، وَلْيَقُلْ أخُوهُ أوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّه، وَيَقُولُ هُوَ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ".
781 -
وروينا في كتاب الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما " أن رجلاً عَطَسَ إلى جنبه فقال: الحمدُ لله والسَّلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عمر: وأنا أقول: الحمدُ لله والسلامُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هكذا علّمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، علّمنا أن نقول: الحَمْدُ لِلَّهِ على كُلّ حالٍ "(2) .
قلت: ويُستحبّ لكل مَن سمعه أن يقول لَه: يرحمك الله، أو يرحمكم الله، أو
(1) وتتمه الحديث: " ونهانا عن خواتيم - أو عن تختم - بالذهب، وعن شرب بالفضة، وعن اليائر (جمع
ميئرة، وهو وطاء كانت النساء يضعنه لأزواجهن على السروج وكان من مراكب العجم) وعن السقي (وهي ثياب مضلعة بالحرير) وعن لبس الحرير، والاستبرق، والدييباح ".
(2)
في سنده حضرمي بن عجلان مولى الجارود، لم وثقه غير ابن حبّان، وباقي رجاله ثقات، ويشهد لبعضه الذي قبله.
رحمك الله، أو رحمكم الله.
ويُستحبّ للعاطس بعد ذلك أن يقول: يهديكم الله ويُصلح بالكم، أو يَغْفِرُ اللَّهُ لَنا ولكم 782 - وروينا في " موطأ مالك " عنه عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: إذا عَطَسَ أحدُكم فقيل له: يرحمُك الله، يقول: يرحمنا الله وإياكم، ويغفرُ الله لنا ولكم (1) .
وكل هذا سنّة ليس فيه شئ واجب، قال أصحابنا: والتشميتُ وهو قوله: يرحمك الله، سنّة على الكفاية، لو قاله بعضُ الحاضرين أجزأ عنهم، ولكن الأفضل أن يقوله كلُّ واحد منهم لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي قدّمناه: 783 - " كانَ حَقّاً على كُلّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أنْ يقول له: يرحمك الله " وهذا الذي ذكرناه من استحباب التشميت هو مذهبنا.
واختلف أصحابُ مالك في وجوبه، فقال القاضي عبد الوهاب: هو سنّة، ويجزئ تشميتُ واحد من الجماعة كمذهبنا، وقال ابن مُزَيْنٍ: يَلزم كلَّ واحد منهم، واختاره ابن العربي المالكي.
فصل:
إذا لم يحمد العاطس لا يُشَمَّتُ، للحديث المتقدم، وأقلُّ الحمد والتشميت وجوابِه أن يرفعَ صوتَه بحيث يُسمِعُ صاحبَه.
فصل:
إذا قال العاطسُ لفظاً آخرَ غير " الحمد لله " لم يستحقّ التشميت.
784 -
روينا في سنن أبي داود والترمذي عن سالم بن عبيد الأشجعي الصحابي رضي الله تعالى (2) عنه قال: " بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عَطَسَ رجلٌ من القوم، فقال: السلام عليكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَعَلَيْكَ وَعَلى أُمِّكَ (3)، ثم قال: إذَا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَلْيَحْمَدِ اللَّه تَعالى، فذكر بعض المحامد، وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ،
وَلْيَرُدَّ - يعني عليهم - يَغْفِرُ اللَّهُ لَنا ولكم " (4) .
فصل:
إذا عَطَسَ في صلاته يُستحبّ أن يقول: الحمد لله، ويُسمع نفسَه، هذا
(1) إسناده صحيح.
(2)
قال الغرناطي في " سلاح المؤمن ": ليس لسالم في الكتب الستة سوى الحديثين، أحدهما هذا، والثاني: أغمي على النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه، رواه الترمذي في " الشمائل " وابن ماجه.
(3)
قال ملاّ علي القاري في " المرقاة ": يمكن أن يقال: معناه: عليك وعلى أمك السلام من جهة عدم التعليم والإعلام، وليس المراد به رد السلام، بل القصد زجره عن هذا الكلام الواقع في غير المرام.
(4)
انظر التعليق عليه في جامع الأصول 4 / 328.
(*)
مذهبنا.
ولأصحاب مالك ثلاثة أقوال.
أحدُها هذا، واختاره ابن العربي! والثاني: يحمد في نفسه، والثالث قاله سحنون: لا يحمَد جهراً ولا في نفسه.
فصل:
السنّة إذا جاءَه العطاسُ أن يضعَ يدَه أو ثوبَه أو نحو ذلك على فمه، وأن يخفضَ صوتَه.
785 -
روينا في سنن أبي داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " كان الله صلى الله عليه وسلم إذا عطَس وضعَ يدَه أو ثوبَه على فمه، وخفضّ أو غضّ بها صوتَه - شكّ الراوي أيّ اللفظين قال - قال الترمذي: حديث صحيح.
786 -
وروينا في كتاب ابن السني عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ اللَّهَ عز وجل يَكْرَهُ رَفْعَ الصَّوْتِ بالتَّثاؤُبِ والعُطاسِ "(1) .
787 -
وروينا فيه عن أُمّ سلمة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: " التَّثاؤُبُ الرَّفِيعُ وَالعَطْسَةُ الشَّدِيدَةُ مِنَ الشيطان ".
فصل:
إذا تَكرّرَ العطاسُ من إنسان متتابعاً، فالسنّة أن يشمِّته لكل مرّة إلى أن يبلغ ثلاث مرّات.
788 -
روينا في " صحيح مسلم " وسنن أبي داود والترمذي عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه " أنه سمعَ النبي صلى الله عليه وسلم وَعَطَسَ عندَه رجلٌ، فقال له: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، ثم عَطَسَ أخرى، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: الرَّجُلُ مَزْكُومٌ " هذا لفظ رواية مسلم.
وأما رواية أبي داود والترمذي فقالا: قال سلمة: " عَطَسَ رجل عندَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شاهدٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، ثم عَطَسَ الثانية أو الثالثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، هَذَا رَجُلٌ مَزْكُومٌ " قال الترمذي: حديث حسن صحيح (2) .
(1) وإسناده ضعيف، ولكراهة رَفْعَ الصَّوْتِ بالتَّثاؤُبِ شواهد بالمعني.
(2)
قال الحافظ في " الفتح ": الذي مسبة - يعنزي النووي - إلى أبي داود والترمذي من إعادة قوله صلى الله عليه وسلم للعاطس: " يرحمك الله "، ليس في شئ من نسخها كما سأبنية، فقد أخرجه أيضا أبو عوانة وأبو نعيم في " مسخرجيهما "، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي، وأحمد، وابن أبي شيبة، وابن السني وأبو نعيم أيضاً في " عمل اليوم والليلة " وابن حبّان في صحيحه، والبيهقي في " الشعب " كلهم نم رواية عكرمة بن عمار عن إِياس بن سلمة عن أبيه، وهو الوجه الذي أخرجه منه مسلم، وألفاظهم متقاربة، وليس عند أحد منهم إعادة " رحمك الله " في الحديث، وكذلك ما نسبة إلى أبي داود والترمذي أن عندهما " ثم عَطَسَ الثانية أو الثالثة " فيه نظر، فإن لفظ أبي داود " أنْ رجلاً عَطَسَ " والباقي مثل سياق مسلم سواء، إلا لم يقل:" أخرى " ولفظ الترمذي مثل ما ذكره النووي إلى قوله: " ثم عطس " فإنه ذكره بعده مثل أبي داود سواء، = (*)
789 -
وأما الذي رويناه في سنن أبي داود والترمذي عن عبيد الله بن رفاعة الصحابيّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يُشَمَّتُ العاطِسُ ثَلاثاً، فإنْ زَادَ، فإنْ شِئْتَ فَشَمِّتْهُ، وَإنْ شِئْتَ فَلا " فهو حديث ضعيف (1)، قال فيه الترمذي: حديث غريب، وإسناده مجهول.
= وهذه رواية ابن المبارك عنده، وأخرجه من رواية يحيى القطان، فأحال به على رواية ابن المبارك، فقال نحوه، إلا أنه قال له في الثانية: أنت مزكوم، وفي رواية شعبة: قال يحيى القطان: وفي رواية
عبد الرحمن بن مهدي: قال له في الثالثة: أنت مزكوم، وهؤلاء الأربعة رووه عن عكرمة بن عمار، وأكثر الروايات المذكورة ليس فيها تعرض للثالثة، ورجح النووي رواية من قال: في الثالثة، على رواية من قال: في ثانية.
قال الحافظ: " وقد وجدت الحديث من رواية يحيى القطان يوافق ما ذكره النووي، وهو ما أخرجه قاسم بن أصبغ في " مصنفه " وابن عبد البر من طريقه قال: حدثنا محمد بن عبد السلام، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى القطان، حدثنا عكرمة
…
فذكره بلفظ: " عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمته، ثم عطس فشمته، ثم عطس فقال له في الثالثة: أنت مزكوم " هكذا رأيته فيه: ثم عطس فشمته، وقد أخرجه الإمام أحمد عن يحيى القطان، ولفظه:" ثم عطس الثانية والثالثة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الرجل مزكوم "، قال الحافظ: وهذا اختلاف شديد في لفظ هذا الحديث: لكن الأكثر على ترك ذلك التشميت بعد الأولى.
وأخرجه ابن ماجه من طريق وكيع عن عكرمة بلفظ آخر.
قال: يشمت العاطس ثلاثا، فما زاد فهو مزكوم، وجعل الحديث كله من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وأفاد تكرير التشميت، وهو رواية شاذة لمحافظة جميع أصحاب عكرمة بن عمار في سياقة، ولعل ذلك عن عكرمة المذكور لما حدث به وكيعا، فإن في حفظه مقالا، فإن كانت محفوظة، فهو شاهد قوي لحديث أبي هريرة - يعني الحديث الذي بعد حديث عبيد بن رقاعة - ويستفاد منه مشروعية تشميت العاطس عليه، ما لم يزد على ثلاث إذا حمد، سواء تتابع عطاسه أم لا، فلو تتابع ولم يحمد لغلبة العطاس عليه، ثم كرر الحمد بعدد العطاس، فهل يشمت بعد الحمد؟ فيه نظر، وظاهر الخبر: نعم.
(1)
قال الحافظ في " الفتح " 10 / 499 في الأدب، باب تشميت العاطس: إطلاقه عليه الضعف ليس بجيد، إذ لا يلزم من الغرابة الضعف، قال الحافظ: وأما وصف الترمذي إسناده بكونه مجهولا، فلم يرد جميع رجال الإسناد، فإن معظمهم موثقون، وإنما وقع في روايته تغيير اسم بعض رواته وإبهام اثنين منهم، وذلك أن أبا داود والترمذي أخرجاه معا من طريق عبد السلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرحمن، ثم اختلفا، فأما رواية أبي داود ففيها عن يحيى بن إسحاق بن طلحة عن أمه حميدة أو عبيدة بن عبيد بن رفاعة عن أبيها، وهذا إسناد حسن، والحديث مع ذلك مرسل كما سأبينه، وعبد السلام بن حرب من رجال الصحيح، ويزيد هو أبو خالد الدالاني وهو صدوق في حفظه شئ، ويحيى بن إسحاق وثقه يحيى بن معين، وأمه حميدة روى عنها أيضا زوجها إسحاق بن أبي طلحة، وذكرها ابن حبان في ثقات التابعين، وأبوها عبيد بن رفاعة، ذكروه في الصحابة لكونه وله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وله رؤية، قاله ابن، السكن، قال: ولم يصح سماعه، وقال البغوي: روايته مرسلة، وحديثه عن أبيه عند الترمذي والنسائي وغيرهما، وأما رواية الترمذي ففيها عن عمر بن إسحاق بن أبي طلحة عن أمه عن أبيها، كذا سماه عمر، ولم يسم أمه ولا أباها، وكأنه - يعني الترمذي - لم يمعن النظر، فمن ثم قال: إن إسناد مجهول، وقد = (*)
790 -
وروينا في كتاب ابن السني بإسناد فيه رجل لم أتحقق حاله (1) وباقي إسناده صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيُشَمِّتهُ جَلِيسُهُ، وَإِنْ زَاد على ثَلاثَة فَهُوَ مَزْكُومٌ، وَلا يُشَمَّتُ بَعْدَ ثَلاثٍ ".
واختلف العلماء فيه، فقال ابن العربي المالكي: قيل: يقال له في الثانية: إنك مزكوم، وقيل: يقال له في الثالثة، وقيل: في الرابعة، والأصحّ أنه في الثالثة.
قال: والمعنى فيه أنك لست ممّن يُشمَّت بعد هذا، لأن هذا الذي بك زكامٌ ومرض، لا خفّة العطاس.
فإن قيل: فإذا كان مرضاً، فكان ينبغي أن يُدعى له ويُشمّت، لأنه أحقّ بالدعاء من غيره؟ فالجواب أنه يُستحبّ أن يُدعى له لكن غير دعاء العطاس المشروع، بل دعاء المسلم للمسلم بالعافية والسلامة ونحو ذلك، ولا يكون من باب التشميت.
فصل:
إذا عَطَسَ ولم يحمد الله تعالى، فقد قدَّمنا أنه لا يُشمّت، وكذا لو حمد الله تعالى ولم يسمعه الإِنسان لا يشمّته، فإن كانوا جماعة فسمعه بعضُهم دون بعض، فالمختار أنه يُشمّته من سمعه دون غيره.
وحكى ابن العربي خلافاً في تشميت الذين لم يسمعوا الحمد إذا سمعوا تشميتَ صاحبهم، فقيل: يشمّته، لأنه عرف عطاسه وحمده بتشميت غيره، وقيل: لا، لأنه لم يسمعه.
واعلم أنه إذا لم يحمد أصلاً يُستحبّ لمن عنده أن يذكِّره الحمد، هذا هو المختار.
وقد روينا في " معالم السنن " للخطابي نحوه عن الإِمام الجليل إبراهيم النخعي، وهو من باب النصيحة والأمر بالمعروف، والتعاون على البرّ والتقوى، وقال ابن العربي:
= تبين أنه ليس بمجهول، وأن الصواب يحيى بن إسحاق، لا عمر، فقد أخرجه الحسن بن سفيان وابن السني وأبو نعيم وغيرهم من طريق عبد السلام بن حرب فقالوا: يحيى بن إسحاق، وقالوا: حميدة بغير شك وهو المعتمد.
وقال احافظ وقال ان العربي: هذا الحديث وإن كان فيه مجهول، لكن يستحب العمل به، لأنه دعاء بحير وصلة وتودّد للجليس، فالأولى العمل به، والله أعلم.
قال: وقال ابن عبد البرّ: دلّ حديث عبيد بن رفاعة على أنه يشمّت ثلاثا، وقال أنت مزكوم بعد ذلك، وهي زيادة يجب قبولها، فالعمل بها أولى. اهـ.
وقد ذكر الحافظ لهذا الحديث شواهد كثيرة مرسلة وموقوفة، انظرها في " الفتح " 10 / 498.
(1)
قال الحافظ في الفتح: الرجل المذكور هو سليمان بن أبي داود الحرّاني، والحديث عندهما من رواية محمد بن سليمان عن أبيه، ومحمد موثق، وأبوه بقال له: الحراني، ضعيف، قال فيه النسائي: ليس بثقة ولا مأمون.
لا يفعل هذا، وزعم أنه جَهْلٌ من فاعله، وأخطأ في زعمه، بل الصواب استحبابه لما ذكرناه، وبالله التوفيق.
فصل فيما إذا عَطَسَ يهوديٌّ.
791 -
روينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: " كان اليهودُ يتعاطسُونَ عندَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَرْجُون أن يقولَ لهم: يرحمُكُم اللَّهُ (1) فيقولُ: يَهديكُم اللَّهُ وَيُصْلِحُ بالَكُمْ "(2) قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
فصل:
792 -
روينا في " مسند أبي يعلى الموصلي " عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ حَدَّثَ حَدِيثاً فَعَطَسَ عِنْدَهُ فَهُوَ حَقُّ " كل إسناده ثقات مُتقنون إلا بقية بن الوليد فمختلف فيه، وأكثرُ الحفاظ والأئمة يحتجّون بروايته عن الشاميين، وقد روي هذا الحديث عن معاوية بن يحيى الشامي (3) .
فصل:
إذا تثاءب، فالسنّة أن يرده ما استطاع، للحديث الصحيح الذي قدّمناه.
793 -
والسنّة أن يضع يده على فيه، لما رويناه في " صحيح مسلم " عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذَا تَثاءَبَ أحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ على فَمِهِ، فإنَّ الشَّيْطانَ يَدْخُلُ ".
قلتُ: وسواء كان التثاؤب في الصلاة أو خارجها، يستحبّ وضعُ اليد على الفم، وإنما يكره للمصلّي وضعُ يده على فمه في الصلاة إذا لم تكن حاجة كالتثاؤب وشبهه، والله أعلم.
(1) قال العاقولي: هذا من خبث اليهود، حبى في طلب الرحمة أردوا حصولها لا عن منة وانقياد.
اهـ.
(2)
وهو تعريض لهم بالإسلام: أي اهتدوا وآمنوا يصلح الله بالكم.
(3)
قال الحافظ السخاوي في " المقاصد الحسنة ": وله شاهد عند الطبراني ذكره السخاوي في " المقاصد الحسنة " من حديث خضر بن محمد بن شجاع عن غضيف بن سالم عن عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس مرفوعا: أصدق الحديث ما عطس عنده، وفال لم يروه عن ثابت إلا عمارة تفرد به الخضر.
(*)