الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حارثةَ المدينةَ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فأتاه فقرعَ البابَ، فقامَ إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم يجرّ ثوبَه، فاعتنقه وقبَّله " قال الترمذي: حديث حسن.
وأما المعانقةُ وتقبيلُ الوجه لغير الطفل ولغير القادم من سفر ونحوه، فمكروهان، نصَّ على كراهتهما أبو محمد البغويّ وغيره من أصحابنا.
761 م - ويدلّ على الكراهة ما رويناه في كتابي الترمذي وابن ماجه عن أنس رضي
الله عنه قال: " قال رجل: يا رسول الله! الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: لا، قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا، قال: فيأخذه بيده ويصافحُه؟ قال: نَعَمْ " قال الترمذي: حديث حسن.
قلت: وهذا الذي ذكرناه في التقبيل والمعانقة، وأنه لا بأس به عند القدوم من سفر ونحوه، ومكروه كراهة تنزيه في غيره، هو في غير الأمرد الحسن الوجه، فأما الأمردُ الحسنُ، فيحرم بكلّ حال تقبيله، سواء قدم مَن سفر أم لا.
والظاهر أن معانقته كتقبيله، أو قريبة من تقبيله، ولا فرق في هذا بين أن يكون المقبِّل والمقبَّل رجلين صالحين أو فاسقين، أو أحدهما صالحاً، فالجميعُ سواء.
والمذهبُ الصحيح عندنا تحريم النظر إلى الأمرد الحسن، ولو كان بغير شهوة، وقد أمن الفتنة، فهو حرام كالمرأة لكونه في معناها
فصل في المصافحة:
اعلم أنها سنّة مجمعٌ عليها عند التلاقي.
762 -
روينا في " صحيح البخاري " عن قتادة قال: قلتُ لأنس رضي الله عنه: أكانتِ المصافحةُ في أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.
763 -
وروينا في " صحيحي البخاري ومسلم " في حديث كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة توبته قال: فقام إليّ طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يُهرول، حتى صافحني وهنّأني (1) .
764 -
وروينا بالإِسناد الصحيح في سنن أبي داود عن أنس رضي الله عنه قال: " لما جاء أهل اليمن، قال لهم رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: " قد جاءكم أهل اليمن وهم أول من جاء بالمصافحة ".
(1) قال ابن علاّن: قال المصنف في " شرح مسلم ": فيه استحباب مصافحة القادم والقيام إكراما، والهرولة إلى لقائه بشاشة وفرحا، والمصافحة عند التلاقي سنة بلا خلاف.
(*)
765 -
وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه عن البراء رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلمين يلتقيان فيتثافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا ".
766 -
وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه قال: " قال رجل: يا رسول الله! الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ ، قال: لا، قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا، قال: فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نَعَمْ " قال الترمذي: حديث حسن.
وفي الباب أحاديث كثيرة.
767 -
وروينا في " موطأ الإِمام مالك " رحمه الله عن عطاء بن عبد الله الخراسانيّ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الغِلُّ، وَتَهَادَوْا تَحابُّوا وَتَذْهَبِ الشَّحْناءُ ".
قلت: هذا حديث مرسل (1) .
واعلم أن هذه المصافحة مستحبّة عند كل لقاء، وأما ما اعتاده الناسُ من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر، فلا أصلَ له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به، فإن أصل المصافحة سنّة، وكونهم حافَظوا عليها في بعض الأحوال، وفرّطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها، لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها.
وقد ذكر الشيخ الإِمام أبو محمد عبد السلام رحمه الله في كتابه " القواعد " أن البدع على خمسة أقسام: واجبة، ومحرّمة، ومكروهة، ومستحبّة، ومباحة.
قال: ومن أمثلة البدع المباحة: المصافحة عقب الصبح والعصر، والله أعلم.
قلتُ: وينبغي أن يحترز من مصافحة الأمرد الحسن الوجه، فإن النظرَ إليه حرام كما قدَّمنا في الفصل الذي قبل هذا، وقد قال أصحابنا: كلّ مَن حَرُمَ النظرُ إليه حَرُمَ مسُّه، بل المسّ أشدّ، فإنه يحلّ النظر إلى الأجنبية إذا أراد أن يتزوّجها.
وفي حال البيع والشراء والأخذ والعطاء ونحو ذلك، ولا يجوز مسها في شئ من ذلك، والله أعلم.
فصل:
ويُستحبّ مع المصافحة، البشاشة بالوجه، والدعاء بالمغفرة وغيرها.
761 -
روينا في " صحيح مسلم " عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قال لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئاً، ولو أن تلقى أخاكَ بِوَجْهِ طَلِيقٍ "(2) .
(1) لكنه يعتضد بما جاء له من الشواهد الموصولة.
قال الزرقاني في " شرح الموطأ ": قال ابن عبد البرّ: هذا يتصل من وجوه شتى حسان كلها.
(2)
قال المصنف: روي عيل ثلاثة أوجه: طلق، بإسكان اللام، وكسرها، وطليق، ومعناه: سهل منبسط.
(*)
769 -
وروينا في كتاب ابن السني عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ المُسْلِمَيْنِ إذَا الْتَقَيا فَتَصَافَحَا وَتَكَاشَرَا بِوُدٍّ وَنَصِيحَةٍ تَنَاثَرَتْ خَطاياهُما بَينَهُما ".
وفي رواية: " إذَا الْتَقَى المُسْلِمانِ فَتَصَافَحَا وَحَمِدَا اللَّهَ تَعالى وَاسْتَغْفَرَا، غَفَرَ اللَّهُ عز وجل لَهُمَا ".
770 -
وروينا فيه (2) عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مَا مِنْ عَبْدَيْنِ مُتَحابَّيْنِ في اللَّهِ، يَسْتَقْبِلُ أحَدُهُما صَاحِبَهُ فَيُصَافِحَهُ، فَيُصَلِّيانِ على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِلَاّ لَمْ يَتَفَرَّقَا حتَّى تُغْفَرَ ذُنُوبهُمَا ما تَقَدَّمَ منْها وَما تَأخَّرَ ".
771 -
وروينا فيه عن أنس أيضاً، قال: ما أخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيدِ رجلٍ ففارقه حتى قال: " اللَّهُمَّ آتِنا في الدُّنيا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذَابَ النَّارِ ".
فصل:
ويُكره حنْيُ الظهر في كل حال لكل أحد (3) ، ويدلّ عليه ما قدَّمنا في الفصلين المتقدمين من حديث أنس، وقوله:" أينحني له؟ قال: لا " وهو حديث حسن كما ذكرناه، ولم يأت له معارض، فلا مصيرَ إلى مخالفته، ولا يغترّ بكثرة مَن يفعله ممّن يُنسب إلى علم أو صلاح وغيرهما من خصال الفضل، فإن الاقتداء إنما يكون برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:(وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ (4) وَمَا نَهاكُمْ عَنْهُ فانتهوا)
(1) أي لابن السني، وكذلك رواه أبو داود في " سننه "، لكن قال: واستغفراه، فكان العزو إلى أبي داود أولى.
(2)
أي في ابن السني، وإسناده ضعيف، وذكره المنذري في " الترغيب والترهيب " من رواية أبي يعلى، وصدره ب " روي " وسكت عليه في آخره، وذلك دلالة على ضعفه.
قال ابن علاّن: قال الحافظ في
" الخصال المكفره للذنوب المقدمة والمتأخرة ": أخرجه ابن حبّان في كتاب الضعفاء. اهـ.
أقول: والحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه لكن ليس فيه التقليد بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا بغفران ما تقدم وما تأخر.
(3)
ومن العلماء من حرمه، وكذلك يحرم السجود بين يدي المشايخ، ولا يشكل قوله تعالى حكاية عن إخواة يوسف (ورفع أبوية على العرش وخروا له سجدا) لأن ذلك شرع من قبلنا، وقد جاء شرعنا بمنعه قال ابن الجوزي في " زاد المسير ": كان سجودهم كهيئة الركوع كما يفعل الأعاجم، قال: وكان أهل ذلك الدهر يحيى بعضهم بعضا بالسجود والانحناء، فحظره النبي صلى الله عليه وسلم، فروى أنس بن مالك قال: قال رجل: شرائعهم إذا سلموا على الكبير يسجدون له، فحرم هذا في هذه الملة، وجعل السجود مختصا بجناب الرب سبحانه.
(4)
والآية وإن كانت في الفئ والغنيمة إلا أن ما يومئ إليه من تلقي ما جاء به الرسول بالقبول والانتهاء عما = (*)
[الحشر: 7] وقال تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذينَ يُخالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ أنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ)[النور: 63] .
وقد قدَّمنا في " كتاب الجنائز " عن الفُضيل بن عِياض رضي الله عنه ما معناه: اتّبعْ طرقَ الهدَى، ولا يضرُّكَ قلّةُ السالكين، وإياك وطرقَ الضلالة، ولا تغترَّ بكثرة الهالكين، وبالله التوفيق.
فصل:
وأما إكرام الداخل بالقيام، فالذي نختاره أنه مستحبّ لمن كان فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف أو ولاية مصحوبة بصيانة، أوله ولادة أو رحم مع سنّ ونحو ذلك، ويكون هذا القيام للبِرّ والإِكرام والاحترام، لا للرياء والإِعظام، وعلى هذا الذي اخترناه استمرّ عمل السلف والخلف، وقد جمعت في ذلك جزءاً جمعت فيه الأحاديث والآثار وأقوال السلف وأفعالهم الدّالة على ما ذكرته، ذكرت فيه ما خالفها، وأوضحت الجواب عنه، فمن أشكل عليه من ذلك شئ ورغب في مطالعة ذلك الجزء
رجوت أن يزول إشكاله إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
فصل:
يستحبّ استحباباً متأكداً: زيارة الصالحين، والإِخوان، والجيران، والأصدقاء، والأقارب، وإكرامهم، وبرّهم، وصلتهم، وضبط ذلك يختلف باختلاف أحوالهم ومراتبهم وفراغهم.
وينبغي أن تكون زيارته لهم على وجه لا يكرهونه، وفي وقت يرتضونه.
والأحاديث والآثار في هذا كثيرة مشهورة.
772 -
ومن أحسنها ما رويناه في " صحيح مسلم " عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن رجلاً زارَ أخاً له في قرية أخرى، فأرصدَ الله تعالى على مَدْرَجته مَلَكاً (1) ، فلما أتى عليه قال: أين تُريد؟ قال: أُريدُ أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لكَ عليه من نعمة ترُبُّها؟ قال: لا، غيرَ أني أحببتُه في الله تعالى، قال: فإني رسولُ الله إليك بأن الله تعالى قد أحبَّكَ كما أحببتَه فيه ".
قلت: مدرجتُه بفتح الميم والراء والجيم: طريقه.
ومعنى تَرُبُّها: أي تحفظها وتراعيها وتربيها كما يُربِّي الرجلُ ولدَه.
773 -
وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة أيضاً قال: قال
= نهى عنه عام باق على عمومه، ولذا ذكرها المصنف رحمه الله في هذا المقام الذي فيه الوقوف عند حدود رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيرها.
(1)
أي وكله بحفظ المدرجة، وهي الطريق، وجعله رصدا، أي حافظا.
(*)