الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدعوات، فإنه يوافق فيها الإمام سرّاً.
وإن جهر الإِمام بالقنوت، فإن كان المأموم يسمعه أمَّن على دعائه، وشاركه في الثناء في آخره، وإن كان لا يسمعه، قنت سرّاً، وقيل: يؤمِّن، وقيل له أن يشاركه مع سماعه، والمختار الأوّل.
وأما غير الصبح إذا قنت فيها حيث يقول به، فإن كانت جهريّة وهي المغرب والعشاء، فهي كالصبح على ما تقدّم، وإن كانت ظهراً أو عصراً، فقيل: يُسرّ فيها بالقنوت، وقيل: إنها كالصبح.
163 -
والحديث الصحيح في قنوت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين قَتلوا القرَّاء ببئر معونة يقتضي ظاهرُه الجهرَ بالقنوت في جميع الصلوات، ففي صحيح البخاري في باب تفسير قول الله تعالى:(لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شئ) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم جَهَرَ بالقنوت في قنوت النازلة.
(بابُ التشهّدِ في الصَّلاة)
اعلم أن الصلاة إن كانت ركعتين فحسب، كالصبح والنوافل، فليس فيها إلا تشهّدٌ واحد، وإن كانت ثلاث ركعات أو أربعاً، ففيها تشهّدان: أوّل، وثان.
ويتصوّر في حقّ المسبوق ثلاثة تشهّدات، ويتصور في حقه في صلاة المغرب أربعة تشهّدات، مثل أن يُدركَ الإِمام بعد الركوع في الثانية، فيتابعه في التشهّد الأوّل والثاني، ولم يحصل له من
الصلاة إلا ركعة، فإذا سلَّم الإِمام قام المسبوق ليأتي بالركعتين الباقيتين عليه، فيصلي ركعة، ويتشهّد عقبها لأنها ثانيته، ثم يصلِّي الثالثة ويتشهد عقيبها.
أما إذا صلَّى نافلة فنوى أكثر من أربع ركعات ولو نوى مائة ركعة، فالاختيار أن يقتصر فيها على تشهّدين، فيصلِّي ما نواه إلا ركعتين ويتشهد، ثم يأتي بالركعتين، ويتشهد التشهد الثاني ويسلِّم.
قال بعض من أصحابنا: لا يجوز أن يزيد على تشهدين، ولا يجوز أن يكون بين التشهد الأوّل والثاني أكثر من ركعتين، ويجوز أن يكون بينهما ركعة واحدة، فإن زاد على تشهدين، أو كان بينهما أكثر من ركعتين، بطلت صلاته.
وقال آخرون: يجوز أن يتشهد في كل ركعة، والأصحّ جوازه في كل ركعتين، لا في كل ركعة، والله أعلم.
واعلم أن التشهد الأخير واجب عند الشافعي وأحمد وأكثر العلماء، وسنّة عند أبي حنيفة ومالك.
وأما التشهد الأوّل فسنّة عند الشافعي ومالك وأبي حنيفة والأكثرين، وواجب عند أحمد، فلو تركه عند الشافعي صحَّت صلاته، ولكن يسجد للسهو سواء تركه عمداً أو سهواً، والله أعلم.
فصل:
وأما لفظ التشهد، فثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث تشهدات (1) .
164 -
أحدها: رواية ابن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّباتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد چلله الصالحين، أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلَاّ اللَّهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رواه البخاري ومسلم في " صحيحيهما ".
الثاني: رواية ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " التَّحِيَّاتُ المُبارَكاتُ، الصَّلَواتُ الطَّيِّباتُ لِلَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وبركاته، السلام علينا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلَاّ اللَّه، وأن مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ "، رواه مسلم في " صحيحه ".
الثالث: رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" التَّحِيَّاتُ الطَّيِّباتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلَاّ اللَّه وأنَّ محَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ "، رواه مسلم في " صحيحه ".
165 -
وروينا في سنن البيهقي بإسناد جيد (2) عن القاسم قال: علمتني عائشةُ رضي الله عنها قالت: هذا تشهُّدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: " التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّباتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ الله وبركاته، السلام علينا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلَاّ اللَّهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُه "، وفي هذا فائدة حسنة، وهي أن تشهُّدَه صلى الله عليه وسلم بلفظ تشهُّدُّنا.
166 -
وروينا في موطأ مالك، وسنن البيهقي، وغيرهما بالأسانيد الصحيحة، عن عبد الرحمن بن عمر القاريِّ - وهو بتشديد الياء - أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(1) مراد المصنف رحمة الله الثابتة في الصحيحين أو أحدهما، وإلا فهناك روايات أخرى في غيرهما ثابتة أيضا.
(2)
قال الحافظ في تخريج الأذكار: في سنده محمد بن صالح بن دينار، وهو مختلف فيه، فوثّقه أحمد وأبو داود وغيرهما، وقال أبو حاتم الرازي: ليس بقوي، وكذلك لينه الدارقطني، وأما ابنه صالح، فلم أجد له ذكراً بجرح ولا تعديل ولا ترجمة في كتب الرحال وابن أبي حاتم وابن حبان وابن عدي، وهو في درجة المستور، فلم أعراف مستند الشيخ - يعني النووي - في وصف هذا الإِسناد بالجودة، وقد قال البهيقي بعد تخريجه: الصحيح عن عائشة موقوفاً فأشار إلى شذوذ الزيادة، والعلم عند الله.
(*)
وهو على المنبر وهو يعلِّم الناس التشهد يقول: قولوا: " التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِياتُ لِلَّهِ، الطَّيِّباتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ الله وبركاته، السلام علينا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلَاّ اللَّه وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ ".
167 -
وروينا في الموطأ، وسنن البيهقي، وغيرهما أيضاً بإسناد صحيح، عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول إذا تشهَّدتْ:" التَّحِيَّاتُ الطَّيِّباتُ الصَّلَوَاتُ الزَّاكِياتُ لِلَّهِ، أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلَاّ اللَّه وأن محمدا عبده ورسوله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ".
وفي رواية عنها في هذه الكتب: " التَّحِيَّاتُ الصَّلَوَاتُ الطَيِّباتُ الزَّاكِياتُ لِلَّهِ، أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلَاّ اللَّه وحدَه لا شريك له، وأن محمدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، السَّلامُ عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ".
168 -
وروينا في الموطأ، وسنن البيهقي أيضاً بالإِسناد الصحيح، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه كان يتشهد فيقول:" بسم اللَّهِ، التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِيات لِلَّهِ، السَّلامُ على النَّبِيّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنا وَعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، شَهِدْتُ أنْ لا إلهَ إِلَاّ اللَّهُ، شَهِدْتُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ " والله أعلم.
فهذه أنواع من التشهد.
قال البيهقي: والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحاديث (2) : حديث ابن مسعود، وابن عباس، وأبي موسى، هذا كلام البيهقي.
وقال غيره: الثلاثة صحيحة (3) وأصحّها حديث ابن مسعود (4) .
واعلم أنه يجوز التشهّد بأيّ تشهّد شاء من هذه المذكورات، هكذا نصّ عليه إمامنا الشافعي (5) وغيره من العلماء رضي الله عنهم.
وأفضلُها عند الشافعي: حديث ابن عباس
(1) وهذا وإن كان موقوفا فهو حكم المرفوع، لأن ذلك مما لا يقال بالرأي.
(2)
أي: مما في الصحيحين أو أحدهما، وإلا فقد ثبت غيرها كما تقدم.
(3)
قال الحافظ: كونها صحيحة لا نزاع فيه لأنها في الصحيحين، اتفقا على حديث ابن مسعود، وانفرد مسلم بحديثي ابن عباس وأبي موسى.
(4)
لأن البخاري ومسلم اتفقا عليه، وما اتفقا عليه أصح مما أنفرد به أحدهما.
(5)
قال الحافظ: لم يخص الشافعي ذلك بالثلاث المذكورات بل ذكر معها عن ابن عمر وجابر وعن عمر
وعائشة الله عنهم.
(*)
للزيادة التي فيه من لفظ المباركات.
قال الشافعي وغيره من العلماء رحمهم الله: ولكون الأمر فيها على السعة والتخيير اختلفت ألفاظ الرواة، والله أعلم.
فصل] :
الاختيار أن يأتي بتشهد من الثلاثة، الأُول بكماله، فلو حذفَ بعضَه فهل يجزيه؟ فيه تفصيل.
فاعلم أن لفظ المباركات، والصلوات، والطيبات والزاكيات، سنّة ليس بشرط في التشهّد، فلو حذفها كلَّها واقتصر على قوله: التحيات للَّه السلام عليك أيُّها النبيّ
…
إلى آخره، أجزأه.
وهذا لا خلاف فيه عندنا.
وأما في الألفاظ من قوله: السلام عليك أيُّها النبيُّ
…
إلى آخره، فواجب لا يجوز حذف شئ منه إلا لفظ " ورحمة الله وبركاته "، ففيهما ثلاثة أوجه لأصحابنا، أصحها: لا يجوز حذف واحدة منهما، وهذا هو الذي يقتضيه الدليل لاتفاق الأحاديث عليهما.
والثاني: يجوز حذفهما.
والثالث يجوز حذف " وبركاته "(1) دون " رحمة الله ".
وقال أبو العباس بن سُريْج من أصحابنا: يجوز أن يقتصر على قوله: التحيات للَّه، سلام عليك أيّها النبيّ، سلام على عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلَاّ اللَّه وأنَّ محمداً رسول الله.
وأما لفظ السلام، فأكثر الروايات، السلام عليك أيُّها النبيّ، وكذا " السلام علينا " بالألف واللام فيهما.
وفي بعض الروايات: " سلام " بحذفهما فيهما.
قال بعض أصحابنا: كلاهما جائز، ولكن الأفضل:" السلام " بالألف واللام لكونه الأكثر، ولما فيه من الزيادة والاحتياط.
169 -
أما التسمية قبل التحيات، فقد روينا حديثاً مرفوعاً في " سنن النسائي " والبيهقي وغيرهما بإثباتها، وتقدم إثباتها في تشهّد ابن عمر، لكن قال البخاري والنسائي
وغيرهما من أئمة الحديث: إن زيادة التسمية غير صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلهذا قال جمهور أصحابنا: لا تستحب التسمية، وقال بعض أصحابنا: تستحب، والمختار أنه لا يأتي بها، لأن جمهور الصحابة الذين رووا التشهّد لم يرووها.
(1) أي: لإغناء السلام عنه ولأنها حذفت في بعض الروايات كما ذكر.
(*)