الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
736 -
روينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أنس رضي الله عنه " أنه مرّ على صبيانٍ فسلم عليهم وقال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يفعله " وفي رواية لمسلم عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على غِلمانٍ فسلَّم عليهم.
737 -
وروينا في سنن أبي داود وغيره بإسناد الصحيحين (1) عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على غلمانٍ يَلعبون فسلَّم عليهم " ورويناهُ في كتاب ابن السني وغيره، قال فيه " فقال: السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا صِبْيانُ " (2) .
(بابٌ في آدابٍ ومسائلَ من السَّلام)
738 -
روينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ على المَاشِي، وَالمَاشِي على القاعِدِ، وَالقَلِيلُ على الكثير " وفي رواية للبخاري " يُسَلِّمُ الصَّغيرُ على الكَبيرِ، وَالمَاشِي على القاعِدِ، وَالقَلِيلُ على الكَثِيرِ "(3) .
قال أصحابُنا وغيرُهم من العلماء: هذا المذكور هو السنّة، فلو خالفوا فسلَّم
الماشي على الراكب أو الجالس عليهما، لم يُكره، صرّح به الإِمام أبو سعد المتولي وغيره، وعلى مقتضى هذا لا يُكره ابتداء الكثيرين بالسلام على القليل، والكبير على الصغير، ويكونُ هذا تركاً لما يستحقّه من سلام غيره عليه، وهذا الأدبُ هو فيما إذا تلاقى الاثنان في طريق، أما إذا وَرَدَ على قعود أو قاعد، فإن الواردَ يبدأُ بالسلام على كُلّ حالٍ، سواء كان صغيراً أو كبيراً، قليلاً أو كثيراً، وسمَّى أقضى القضاة هذا الثاني سنّة، وسمّى الأوّل أدباً وجعلَه دون السنّة في الفضيلة.
فصل:
قال المتولي: إذا لقي رجلٌ جماعةً فأراد أن يخصّ طائفة منهم بالسلام كره،
(1) قال ابن علاّن: قال الحافظ: هو بعينه حديث الصحيحين، إلا أن فيه زيادة " يا عبون ".
(2)
قال المصنف في شرح مسلم: في هذه الأحاديث استحباب السلام على الصبيان المميزن، والندب إلى التواضع، وبذل السلام للناس كلهم، وبيان تواضعه صلى الله عليه وسلم وكمال شفقته على العالمين.
(3)
وذلك للتواضع المقرون بالاحترام والإكرام المعتبر في السلام، مع أن الغالب وجود التكبير في الكثير، وأيضا وضع السلام للتواد، والمناسب فيه أن يكون الصغير مع الكبير والقليل مع الكثير بمقتضى الأدب المعتبر شرعا وعرفا، قال الماوردي: إنما استحب ابتداء السلام للراكب، لأن وضع السلام إنما هو لحكمة إزالة الخوف من الملتقيين إذا التقيا، أو من أحدهما في الغالب، أو لمعني التواضع المناسب لحال المؤمن، أو لمعني التعظيم.
(*)
لأن القصد من السلام المؤانسة والألفة، وفي تخصيص البعض إيحاش للباقين، وربما صار سبباً للعداوة.
فصل:
إذا مشى في السوق أو الشوارع المطروقة كثيراً ونحو ذلك مما يكثر فيه المتلاقون، فقد ذكرَ أقضى القضاة الماورديّ أن السلام هنا إنما يكونُ لبعض الناس دون بعض، قال: لأنه لو سلَّم على كلّ مَن لقي لتشاغل به عن كل مهمّ، ولخرج به عن العُرْف، قال: وإنما يُقصد بهذا السلام أحدُ أمرين: إما اكتساب ودّ، وإما استدفاع مكروه.
فصل:
قال المتولّي: إذا سلَّمتْ جماعةٌ على رجل فقال: وعليكم السلام، وقصد الردّ على جميعهم سقط عنه فرضُ الردّ في حقّ جميعهم، كما لو صلَّى على جنائزَ دفعةً واحدةً فإنه يُسقط فرضَ الصلاة على الجميع.
فصل:
قال الماوردي: إذا دخل إنسانٌ على جماعة قليلة يعمُّهم سلامٌ واحد، اقتصر على سلام واحد على جميعهم، وما زاد من تخصيص بعضهم فهو أدب، ويكفي أن يردّ منهم واحدٌ، فمن زاد منهم فهو أدب، قال: فإن كان جمعاً لا ينتشرُ فيهم السلام الواحد كالجامع والمجلس الحفل، فسنّة السلام أن يبتدئ به الداخل في أوّل دخوله إذا شاهدَ القومَ، ويكون مؤدياً سنّة السلام في حقّ جميع مَن سمعه، ويدخلُ في فرض كفاية الردّ جميعُ مَن سمعه، فإن أرادَ الجلوس فيهم سقط عنه سنّة السلام فيمن لم يسمعه من الباقين، وإن أراد أن يجلس فيمن بعدَهم ممّن لم يسمع سلامه المتقدّم ففيه وجهان لأصحابنا، أحدُهما: أن سنّة السلام عليهم قد حصلت بالسلام على أوائلهم لأنهم جمع واحد، فلو أعاد السلام عليهم كان أدَباً، وعلى هذا أيُّ أهل المسجد ردّ عليه سقط به فرض الكفاية عن جميعهم.
والوجه الثاني: أن سنّة السلام باقية لمن لم يبلغهم سلامه المتقدم إذا أراد الجلوس فيهم، فعلى هذا لا يسقط فرض ردّ السلام المتقدم عن الأوائل بردّ الأواخر.
فصل:
ويستحبّ إذا دخلَ بيتَه أن يُسلِّم وإن لم يكن فيه أحد، وليقل: السَّلامُ عَلَيْنا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ.
وقد قدَّمنا في أول الكتاب بيان ما يقوله إذا دخل بيته (1) ،
(1) انظر الصفحة (19) .
(*)
وكذا إذا دخل مسجداً أو بيتاً لغيره ليس فيه أحد، يُستحبّ أن يُسلِّم، وأن يقول: السَّلامُ عَلَيْنا وَعلى عِباد اللَّهِ الصَّالِحِين، السَّلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ البَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
فصل:
إذا كان جالساً مع قوم ثم قام ليفارقهم، فالسنّة أن يُسلِّم عليهم.
739 -
فقد روينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الجيدة (1) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذَا انْتَهَى أحَدُكُمْ إلى المَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ، فإذَا أَرَادَ أنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَتِ الأُولى بأحَقّ مِنَ الآخِرَةِ " قال الترمذي: حديث حسن.
قلت: ظاهر هذا الحديث أنه يجب على الجماعة ردّ السلام على هذا الذي سلَّم عليهم وفارقهم، وقد قال الإِمامان القاضي حسين وصاحبه أبو سعد المتولّي: جرتْ عادةُ بعض الناس بالسلام عند مفارقة القوم، وذلك دعاءٌ يُستحبّ جوابه ولا يجب، لأن التحية إنما تكون عند اللقاء لا عند الانصراف، وهذا كلامُهما، وقد أنكره الإِمام أبو بكر الشاشي الأخير من أصحابنا وقال: هذا فاسد، لأن السَّلامَ سنّةٌ عند الانصراف كما هو سنّة عند الجلوس، وفيه هذا الحديث، وهذا الذي قاله الشاشي هو الصواب..فصل:
إذا مرّ على واحد أو أكثر، وغلبَ على ظنه أنه إذا سلَّم لا يردّ عليه، إما لتكبّر الممرور عليه، وإما لإِهماله المارّ أو السلام، وإما لغير ذلك، فينبغي أن يُسلِّم ولا يتركه لهذا الظنّ، فإنّ السلامَ مأمورٌ به، والذي أُمِرَ به المارّ أن يُسلّم، ولم يؤمر بأن يحصل الردّ، مع أن الممرور عليه قد يخطئ الظنّ فيه ويردّ.
وأما قول مَن لا تحقيق عنده: إن سلامَ المارّ سبب لحصول الإِثم فحق الممرور عليه، فهو جهالة ظاهرة، وغباوة بيِّنة، فإن المأمورات الشرعية لا تسقط عن المأمور بها بمثل هذه الخيالات، ولو نظرنا إلى هذا الخيال الفاسد لتركنا إنكار المنكر على مَن فعله جاهلاً كونه منكراً، وغلب على ظننا أنه لا ينزجر بقولنا، فإن إنكارنا عليه، وتعريفنا له قبحه يكون سبباً لإِثمه
(1) قال ابن علاّن: قال الحافظ: مخرج هذا الحديث واحد، وإن تعددت الأسانيد إلى محمد بن عجلان.
(2)
بل كلتاهما حق وسنة مشيرة إلى حسن المعاشرة وكرم الأخلاق ولطف الفتوة ولطافة المروءة، فإنه إذا فارقهم من غير سلام عليهم ربما يتشوش أهل المجلس من فرقهم وهو ساكت، فكانت التسليمة الأولى إخبارا عن سلامتهم من شره عند الحضور، فكذا الثانية إخبار عن سلامتهم منشره عند الغيبة، وليست
السلامة عند الحضور أولى منها عند الغيبه، بل الثانية أولى.
(*)