الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنده، فقيل له: فعلتَ هذا؟ فقال: فعلته ليراني الجهّالُ مثلكُم، وفي رواية: ليراني أحمق مثلك.
(بابُ النَّهي عن انتهارِ الفُقَراءِ والضُّعَفاءِ واليتيم والسَّائلِ ونحوهم، وإلانةُ القوْل لهم والتواضعُ معهم)
قال الله تعالى: (فأمَّا اليَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ، وأمَّا السَّائلَ فَلا تَنْهَرْ)[الضحى: 9 - 10] وقال تعالى: (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)
…
إلى قوله تعالى: (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ)[الأنعام: 52] وقال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ)[الكهف: 28] وقال تعالى: (وَاخْفِضْ جَناحَكَ للِمُؤْمِنِينَ)[الحجر: 88] .
1082 -
وروينا في " صحيح مسلم " عن عائذ بن عمرو - بالذال المعجمة - الصحابي رضي الله عنه: أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا: ما أخذتْ سيوفُ الله من عنق عدوّ الله مأخذها، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدِهم، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال:" يا أبا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أغْضَبْتَهُمْ؟ لَئِنْ كُنْتَ أغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أغْضَبْتَ رَبَّكَ "(1)، فأتاهم فقال: يا إخوتاه أغضبتُكم؟ فقالوا: لا.
قلت: قولهم مأخذَها، بفتح الخاء: أي لم تستوفِ حقها من عنقه لسوء فعاله.
(بابٌ في ألفاظٍ يُكرهُ استعمالُها)
1083 -
روينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن سهل بن حُنيف، وعن عائشة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي ".
1084 -
وروينا في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ جاشَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي ".
قال العلماء: معنى لَقِسَتْ وجاشت (2) : غثت، قالوا: وإنما كُرِه " خبثت " للفظ الخبث والخبث.
قال الإِمام أبو سليمان الخطابي: لقست وخبثت معناهما واحد، وإنما كُره خبث
(1) وفي الحديث فضيلة ظاهرة لسلمان ورفقته، وفيه مراعاة قلوب الضعفاء، وأهل الدين وإكرمهم
وملاطفتهم.
(2)
وهي من الارتفاع كأن ما في البطن يرتفع إلى الحلق فيحصل الغثي، والمعنى: ضاقت.
(*)
للفظ الخبث (1) ، وبشاعة الاسم منه، وعلَّمهم الأدب في استعمال الحسن منه، وهجران القبيح، و " جاشت " بالجيم والشين المعجمة، و " لقست " بفتح اللام وكسر القاف.
فصل:
1085 -
روينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يَقُولُونَ الكَرْمَ (2) إنَّمَا الكَرْمُ قَلْبُ المؤْمِنِ " وفي رواية لمسلم " لا تُسَمُّوا العِنَب الكَرْمَ، فإنَّ الكَرْمَ المُسْلِمُ " وفي رواية " فإنَّ الكَرْمَ قَلْب المُؤْمِنِ "(3) .
1086 -
وروينا في " صحيح مسلم " عن وائلَ بن حِجر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تَقُولُوا الكَرْمَ، وَلَكِنْ قُولُوا العِنَبَ والحَبَلَةَ ".
قلت: الحَبَلة بفتح الحاء والباء، ويُقال أيضاً بإسكان الباء، قاله الجوهري وغيرُه، والمراد من هذا الحديث النهي عن تسمية العنب كرماً، وكانت الجاهليةُ تسمّيه كرماً، وبعضُ الناس اليوم تُسمّيه كذلك، ونهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن هذه التسمية، قال الإِمام الخطابي وغيره من العلماء: أشفق النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم حسنُ اسمها إلى شربِ الخمر المتخذة من ثمرها، فسلبَها هذا الاسم، والله أعلم.
فصل:
1087 -
روينا في " صحيح مسلم " عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إِذَا قالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أهْلَكُهُمْ ".
(1) ولا يردّ عليه ما في الحديث الآخر من قوله: " فيصبح خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ " لان المنهي عنه إخبار المرء بذلك عن نفسه، والنبيّ صلى الله عليه وسلم إنَّما أخبر عن صفة غيره وعن شخض منهم مذموم الحال، ولا يمنع إطلاق هذا اللفظ في مثل ذلك.
(2)
في البخاري، " ويقولون الكرم " يزيادة واو العطف في أوله، والمعطوف عليه محذوف: أي يقولون: العنب
ويقولون: الكرم، فالكرم خبر خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هو، أو مبتدأ خبره محذوف: أي شجر العنب والكرم.
(3)
قال المصنف رحمه الله: قال العلماء: سبب كراهة ذلك أن لفظة الكرم، كانت العرب - أي في الجاهلية - تطلقها على شعير؟ العنب؟ ، وعلى العنب، وعلى الخمر المتخذة من العنب، سموها كرما كلونها متخذة منه، ولانها - أي فيما يدعونه - تحمل على الكرم والسخاء، وهيجت نفوسهم إليه، فوقعوا فيها أو قاربوا ذلك، وإنما يستحق ذلك الرجل المسلم، أو قلب المؤمن كرما لما فيه من الايمان والهدي والنور والتقوى والصفات المستحقة لهذا الاسم، وكذا الرجل المسلم.
وقال القاضي عياض في " المشارق ": نهي صلى الله عليه وسلم أن يقال للعنب: الكرم، وكان اسم الكرم أليق بالمؤمن وأعلق به لكثرة خيره ونفعه واجتماع الخصال المحمودة من السخاء وغيره فيه، فقال: إنما الكرم الرجل المؤْمِنِ، وفي رواية: قلب المؤمن.
(*)
قلت: روي أهلكُهم برفع الكاف وفتحها، والمشهور الرفع، ويُؤيِّده أنه جاء في رواية رويناها في " حلية الأولياء " في ترجمة سفيان الثوري:" فَهُوَ مِنْ أهْلَكِهمْ ".
قال الإِمام الحافظ أبو عبد الله الحميدي في " الجمع بين الصحيحين " في الرواية الأولى، قال بعض الرواة: لا أدري هو بالنصب أم بالرفع؟ قال الحميدي: والأشهر الرفع، أي: أشدُّهم هلاكاً، قال: وذلك إذا قال على سبيل الإزراء عليهم والاحتقار لهم وتفضيل نفسه عليهم، لأنه لا يدري سرّ الله تعالى في خلقه، هكذا كان بعضُ علمائنا يقولُ، هذا كلام الحميدي.
وقال الخطابي: معناه: لا يزالُ يعيبُ الناسَ ويذكرُ مساويهم ويقول: فسدَ النَّاسُ وهلكوا ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك فهو أهلكُهم: أي أسوأ حالاً فيما يَلحقُه من الإِثم في عيبهم والوقيعة فيهم، وربما أدّاه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أن له فضلاً عليهم، وأنه خير منهم فيهلك، هذا كلام الخطابي فيما رويناه عنه في كتابه " معالم السنن ".
1088 -
وروينا في سنن أبي داود رضي الله عنه قال: حدّثنا القعنبي عن مالك عن سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، فذكر هذا الحديث، ثم قال: قال مالكٌ: إذا قال ذلك تحزناً لما يرى في الناس قال: يعني من أمر دينهم فلا أرى به بأساً، وإذا قال ذلك عجباً بنفسه وتصاغراً للناس فهو المكروه الذي يُنهى عنه.
قلتُ: فهذا تفسير بإسناد في نهاية من الصحة، وهو أحسن ما قيل في معناه، وأوجزه، ولا سيما إذا كان عن الإِمام مالك رضي الله عنه.
فصل:
1089 -
روينا في سنن أبي داود بالإِسناد الصحيح عن حذيفةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تَقُولُوا ما شاءَ اللَّهُ وَشاءَ فُلانٌ، وَلَكِنْ قولُوا ما شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ ما شَاءَ فُلانٌ ".
قال الخطابي وغيره: هذا إرشادٌ إلى الأدب، وذلك أن الواو للجمع والتشريك، و " ثم " للعطف مع الترتيب والتراخي، فأرشدَهم صلى الله عليه وسلم إلى تقديم مشيئة الله تعالى على مشيئة مَن سواه.
وجاء عن إبراهيم النخعي أنه كان يكرهُ أن يقول الرجل: أعوذ بالله وبك، ويجوز أن يقول: أعوذ بالله ثم بك، قالوا: ويقول: لولا الله ثم فلان لفعلت كذا، ولا تقل: لولا الله وفلان.
فصل:
ويُكره أن يقول: مُطرنا بنوْءِ كذا، فإن قاله معتقداً أن الكوكب هو الفاعل هو كفر، وإن قاله معتقداً أن الله تعالى هو الفاعل وأن النوْءَ المذكور علامة لنزول
المطر، لم يكفر، ولكنه ارتكب مكروهاً لتلفظه بهذا اللفظ الذي كانت الجاهلية تستعملُه، مع أنه مشتركٌ بين إرادة الكفر وغيره، 1090 - وقد قدَّمنا الحديث الصحيح المتعلق بهذا الفصل في " باب " ما يقول عند نزول المطر ".
فصل:
يحرمُ أن يقولَ إن فعلتُ كذا فأنا يهوديّ أو نصراني، أو برئ من الإسلام
ونحو ذلك (1) ، فإن قاله وأرادَ حقيقة تعليق خروجه عن الإِسلام بذلك، صارَ كافراً في الحال، وجرتْ عليه أحكامُ المرتدّين، وإن لم يُردْ ذلك لم يكفرْ، لكن ارتكبَ محرّماً، فيجبُ عليه التوبة، وهي أن يُقلعَ في الحال عن معصيته، ويندمَ على ما فعل، ويَعْزِمَ على أن لا يعودَ إليه أبداً، ويستغفر الله تعالى ويَقولُ: لا إِله إلَاّ الله محمدٌ رسولُ الله (2) .
فصل:
يحرم عليه تحريماً مغلّظاً أن يقولَ لمسلم: يا كافر.
1091 -
روينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذَا قالَ الرَّجُلُ لأخِيهِ: يا كافِرٌ، فَقَدْ باءَ بِها أحَدُهُما، فإن كانَ كما قال، وَإِلَاّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ ".
1092 -
وروينا في " صحيحيهما " عن أبي ذرّ رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مَنْ دَعا رَجُلاً بالكُفْرِ أوْ قَالَ: عَدُوُّ اللَّه (3) وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إلَاّ حارَ عَلَيْهِ " وهذا لفظ رواية مسلم، ولفظ البخاري بمعناه، ومعنى حار: رجع.
فصل:
لو دعا مسلم على مسلم فقال: اللَّهمّ اسلبه الإِيمانَ عصى بذلك، وهل يكفر الداعي بمجرد هذا الدعاء؟ فيه وجهان لأصحابنا حكاهما القاضي حسين من أئمة
(1) قال ابن علاّن في " شرح الاذكار ": وجميع ما ذكر ليس بيمين لعروه عن ذكر اسم الله تعالى وصفته، ولان المحلوف به حرام، فلا ينعقد به اليمين، كقوله: إن فعلتُ كذا فأنا زان أو سارق.
فإن قلت: يشكل على ما ذكر ما في " صحيح البخاري " من عدة طريق أن خبابا طلب من العاص بن وائل السهمي دينا له فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد، فقال: لا أكفر به حتى يميتك الله ثم يبعثك.
وقد يجاب بأنه لم يقصد التعليق وإنما أراد تكذيب ذلك اللعين في أنكار البعث، ولا ينافيه قوله " حتى " لانها تأتي بمعنى " إلا " المنقطعة، فتكون بمعنى " لكن " التي صرحوا بأن ما بعدها كلام مستأنف، وعليه خرج حديث " حتى يكون أبواه يهودانه " أي لكن أبواه، أشار إليه بعض المحققين.
(2)
قال ابن علاّن في " شرح الاذكار ": قال المصنف: وظاهر خبر " مَنْ حَلَفَ فَقالَ في حَلِفِهِ: باللَاّتِ والعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لا إِلهَ إِلَاّ اللَّهُ " الاقتصار على " لا إله إلا الله ".
(3)
بالرفع والنصب، فالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو عدو الله، والنصب على النداء، أي: يا عدو الله.
(*)
أصحابنا في الفتاوى أصحُّهما: لا يكفر، وقد يُحتجّ لهذا بقول الله تعالى إخباراً عن موسى صلى الله عليه وسلم : (رَبَّنا اطْمِسْ على أمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ على قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا
…
) الآية [يونس: 88] وفي هذا الاستدلال نظر، وإن قلنا: إنَّ شرعَ من قبلنَا شرعٌ لنا.
فصل:
لو أكرهَ الكفّار مسلماً على كلمة الكفر، فقالها وقلبه مطمئنّ بالإِيمان، لم يكفر بنصّ القرآن وإجماع المسلمين، وهل الأفضل أن يتكلَّم بها ليصونَ نفسَهُ من القتل؟ فيه خمسةُ أوجه لأصحابنا.
الصحيحُ: أن الأفضلَ أن يصبرَ للقتل ولا يتكلّم بالكفر، ودلائلُه من الأحاديث الصحيحة، وفعل الصحابة رضي الله عنهم مشهورة.
والثاني: الأفضلُ أن يتكلَّمَ ليصونَ نفسَه من القتل.
والثالث: إن كان في بقائه مصلحةٌ للمسلمين، بأن كان يرجو النكايةَ في العدوّ، أو القيام بأحكام الشرع، فالأفضلُ أن يتكلَّم بها، وإن لم يكن كذلك، فالصبرُ على القتل أفضل.
والرابع: إن كان من العلماء ونحوهم ممّن يُقتدى بهم، فالأفضلُ الصبر لئلا يغترّ به العوامّ.
والخامسُ: أنه يجبُ عليه التكلّم، لقول الله تعالى:(وَلا تُلْقُوا بأيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ)[البقرة: 195] وهذا الوجه ضعيف جداً.
فصل:
لو أكره المسلمُ كافراً على الإِسلام فنطقَ بالشهادتين، فإن كان الكافرُ حربياً، صحّ إسلامه، لأنه إكراه بحقّ، وإن كان ذميّاً، لم يصِرْ مسلماً، لأنّا التزمنا الكفّ عنه، فإكراهُه بغير حق، وفيه قولٌ ضعيفٌ أنه يصيرُ مسلماً، لأنه أمره بالحقّ.
فصل:
إذا نطقَ الكافرُ بالشهادتين بغير إكراه، فإن كان على سبيل الحكاية، بأن قال: سمعتُ زيداً يقول: لا إِله إلَاّ الله محمدٌ رسولُ الله، لم يُحكم بإسلامه، وإن نطقَ بهما بعد استدعاء مسلم بأن قال له مسلمٍ: قُلْ: لا إِله إلَاّ الله محمدٌ رسولُ الله، فقالهما، صارَ مسلماً، وإن قالهما ابتداءً لا حكايةً ولا باستدعاء، فالمذهبُ الصحيحُ المشهورُ الذي عليه جمهور أصحابنا أنه يصيرُ مسلماً، وقيل لا يصيرُ لاحتمال الحكاية.
فصل:
ينبغي أن لا يُقال للقائم بأمر المسلمين خليفة الله، بل يُقال الخليفة، وخليفةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، وأمير المؤمنين.
(1) وهو قوله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بالله من بعد إيمانه، إِلاّ مَن أُكره وقلبه مطمئن بالإِيمان)[النحل: 106] .
(*)
روينا في " شرح السنّة " للإِمام أبي محمد البغوي رضي الله عنه قال رحمه الله: لا بأسَ أن يُسمَّى القائم بأمر المسلمين: أمير المؤمنين، والخليفة، وإن كان مخالفاً لسيرة أئمة العدل، لقيامه بأمر المؤمنين وسمع المؤمنين له.
قال: ويُسمَّى خليفة لأنه خلفَ الماضي قبلَه، وقام مقامه.
قال: ولا يُسمى أحدٌ خليفة الله تعالى بعد آدم وداود عليهما الصلاة والسلام.
قال الله تعالى: (إني جاعِلٌ في الأرْضِ خَلِيفَةً)[البقرة: 30] وقال تعالى: (يا دَاوُدَ إنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفةً في الأرْضِ)[ص: 26] وعن ابن أبي مُليكة أن رجلاً قال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: يا خليفة الله، فقال: أنا خليفة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنا راضٍ بذلك.
وقال رجلٌ لعمرَ بن العبد العزيز رضي الله عنه: يا خليفة الله، فقال: ويلَك لقد تناولتَ تناولاً بعيداً، إن أُمّي سمّتني عمر، فلو دعوتني بهذا الاسم قبلتُ، ثم كَبِرتُ فكُنِّيتُ أبا حفص، فلو دعوتني به قبلتُ، ثم وليتموني أمورَكم فسمَّيتُوني أمَير المؤمنين، فلو دعوتني بذاك كفاك.
وذكر الإِمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي البصري الفقيه الشافعي في كتابه " الأحكام السلطانية " أن الإِمامَ سُمِّيَ خليفةً، لأنه خلفَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في أُمته، قال: فيجوز أن يُقال الخليفة، على الإِطلاق، ويجوز خليفة
رسول الله.
قال: واختلفوا في جواز قولنا خليفة الله، فجوّزه بعضُهم لقيامه بحقوقه في خلقه، ولقوله تعالى:(هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ في الأرْضِ)[فاطر: 39] وامتنع جمهورُ العلماء من ذلك، ونسبُوا قائلَه إلى الفجور، هذا كلام الماوردي.
قلتُ: وأوّلُ مَن سُمِّي أميرَ المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لا خلاف في ذلك بين أهل العلم.
وأما ما توهمه بعضُ الجهلة في " مسيلمة " فخطأٌ صريح، وجهلٌ قبيح، مخالف لإِجماع، العلماء، وكُتبهم متظاهرة على نقلُ الاتفاق على أن أوّل مَن سُمِّي أميرَ المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
1093 -
وقد ذكر الإِمام الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ في كتابه " الاستيعاب " في أسماء الصحابة رضي الله عنهم بيان تسمية عمر أمير المؤمنين أوّلاً، وبيان سبب ذلك، وأنه كان يُقال في أبي بكر رضي الله عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فصل:
يحرمُ تحريماً غليظاً أن يقولَ للسلطان وغيره من الخلق شاهان شاه، لأن معناه: ملك الملوك، ولا يُوصف بذلك غير الله سبحانه وتعالى.
1094 -
وروينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ أخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى رَجُلٌ يُسَمَّى مَلِكَ الأمْلاكِ " وقد قدّمنا بيان هذا في " كتاب الأسماء " وأن سفيانَ بن عيينة قال: ملك الأملاك، مثل شاهان شاه.
فصل:
في لفظ السيد: اعلم أن السيد يُطلق على الذي يفوق قومَه، ويرتفعُ قدرُه عليهم، ويُطلق على الزعيم والفاضل، ويُطلق على الحليم الذي لا يستفزّه غضبُه، ويُطلق على الكريم، وعلى المالك وعلى الزوج، وقد جاءت أحاديثُ كثيرةٌ بإطلاق سيد على أهل الفضل.
1095 -
فمن ذلك ما رويناه في " صحيح البخاري " عن أبي بكرةَ رضي الله عنه، أن
النبي صلى الله عليه وسلم صَعِدَ بالحسن بن عليّ رضي الله عنهما المنبرَ فقال: " إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ الله تعالى أنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ ".
1096 -
وروينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار لما أقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه:" قُومُوا إلى سَيِّدِكُمْ " أو " خَيْرِكُمْ " كذا في بعض الروايات " سيّدكم أو خيرِكم " وفي بعضها " سيّدكم " بغير شك.
1097 -
وروينا في " صحيح مسلم " عن أبي هريرة رضي الله عنه أن سعدَ بن عبادة رضي الله عنه قال: " يا رسولَ الله أرأيتَ الرجلَ يجدُ مع امرأته رجلاً أيقتله؟
…
الحديث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" انْظُرُوا إلى ما يَقُولُ سَيِّدُكُمْ ".
1098 -
وأما ما وردَ في النهي، فما رويناه بالإِسناد الصحيح في " سنن أبي دَاود " عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تَقُولُوا لِلمُنافِقِ سَيِّدٌ، فإنَّه إنْ يَكُ سَيِّداً فَقَدْ أسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عز وجل ".
قلت: والجمع بين هذه الأحاديث أنه لا بأس بإطلاق فلان سيد، ويا سيدي، وشبه ذلك إذا كان المسوَّد فاضلاً خيّراً، إما بعلم، وإما بصلاح، وإما بغير ذلك، وإن كان فاسقاً، أو متهماً في دينه، أو نحو ذلك، كُره له أن يقال سيّد.
وقد روينا عن الإِمام أبي سليمان الخطابي في " معالم السنن " في الجمع بينهما نحو ذلك.
فصل:
يُكره أن يقول المملوك لمالكه: ربي، بل يقول: سيدي، وإن شاء قال: مولاي.
ويُكره للمالك أن يقول: عبدي وأمتي، ولكن يقول: فتايَ وفتاتي أو غلامي.
1099 -
روينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يَقُلْ أحَدُكُمْ: أطْعِمْ رَبَّكَ، وضئ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ، وَلْيَقُلْ: سَيِّدِيِ وَمَوْلايَ، وَلا يَقُلْ أحَدُكُمْ: عبْدِي أمَتِي، وَلْيَقُلْ: فَتايَ، وَفَتاتِي وَغُلامي ".
وفي رواية لمسلم " وَلا يَقُلْ أحَدُكُمْ: رَبِّي، وَلْيَقُلْ: سَيِدي وَمَوْلايَ ".
وفي رواية له: " لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأمَتِي، فَكُلُّكُمْ عَبِيدٌ، وَلا يَقُلِ العَبْدُ رَبي، وَلْيَقُلْ سَيِّدِي ".
وفي رواية له: " لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأمَتي، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، وكُلُّ نِسائِكُمْ إماءُ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: غُلامي وَجارِيَتِي، وَفَتايَ وَفَتاتِي ".
قلتُ: قال العلماء: لا يُطلق الربُّ بالألف واللام إلاّ على الله تعالى خاصة، فأما مع الإضافة فيقال: ربّ المال، وربّ الدار، وغير ذلك.
ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في ضالّة الإِبل: " دَعْها حتَّى يَلْقاها رَبُّها " والحديث الصحيح " حتَّى يُهِمَّ ربَّ المَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ " وقول عمر رضي الله عنه في " الصحيح ": ربّ الصُّرَيْمة والغُنَيْمة.
ونظائره في الحديث كثيرة مشهورة.
وأما استعمال حملة الشرع ذلك، فأمر مشهور معروف.
قال العلماء: وإنما كره للمملوك أن يقول لمالكه: ربي، لأن في لفظه مشاركة لله تعالى في الربوبية.
وأما حديث " حتى يلقاها ربُّها " و " ربّ الصريمة " وما في معناهما، فإنما استعمل لأنها غير مكلفة، فهي كالدار والمال، ولا شك أنه لا كراهة في قول: ربّ الدار، وربّ المال.
وأما قول يوسف صلى الله عليه وسلم : (اذكرني عند ربك) فعنه جوابان: أحدهما: أنه خاطبه بما يعرفه، وجاز هذا الاستعمال للضرورة، كما قال موسى صلى الله عليه وسلم للسامري:(وَانْظُرْ إلى إلهك)[طه: 97] أي الذي اتخذته إلهاً.
والجواب الثاني: أن هذا شرعُ مَنْ قَبْلنَا، وشرعُ من قبلنا لا يكون شرعاً لنا إذا ورد شرعُنا بخلافه، وهذا لا خلاف فيه.
وإنما اختلف أصحاب الأصول في شرع من قبلنا إذا لم يردْ شرعُنا بموافقته ولا مخالفته، هل يكون شرعاً لنا، أم لا؟.
فصل:
قال الإمام أبو جعفر النحاس في كتابه " صناعة الكتاب ": أما المولى فلا نعلم اختلافاً بين العلماء أنه لا ينبغي لأحدٍ أن يقول لأحد من المخلوقين: مولاي.
قلت: وقد تقدم في الفصل السابق جواز إطلاق مولاي، ولا مخالفة بينه وبين هذا، فإن النحاس تكلَّم في المولى بالألف واللام، وكذا قال النحاس: يقال سيد، لغير الفاسق، ولا يقال السيد، بالألف واللام لغير الله تعالى، والأظهر أنه لا بأس بقوله المولى والسيد بالألف واللام بشرطه السابق.
فصل:
في النهي عن سبّ الريح: وقد تقدم الحديثان في النهي عن سبّها، وبيانهما في " باب ما يقول إذا هَاجَتِ الرِّيح ".
فصل:
يُكره سبّ الحمى.
1100 -
روينا في " صحيح مسلم " عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلَ على أُمّ السائب - أو أُمّ المسيب - فقال:" ما لَكِ يا أُمّ السَّائِبِ - أو يا أُمّ المسيِّب - تُزَفْزِفِينَ؟ " قالت: الحمّى لا باركَ الله فيها، فقال:" لا تَسُبِّي الحُمَّى، فإنَّها تُذْهِبُ خَطايا بني آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ ".
قلتُ: تزفزفين: أي تتحركين حركة سريعة، ومعناه: ترتعد، وهو بضم التاء وبالزاي المكرّرة، وروي أيضاً بالراء المكرّرة، والزاي أشهر، وممّن حكاهما ابن الأثير، وحكى صاحب " المطالع " الزاي وحُكي الراء مع القاف، والمشهور أنه بالفاء سواء كان بالزاي أو بالراء.
1101 -
فصل:
في النهي عن سبّ الديك: روينا في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تَسُبُّوا الدّيكَ، فإنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلاةِ ".
1102 -
فصل:
في النهي عن الدعاء بدعوى الجاهلية وذمّ استعمال ألفاظهم: روينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعا بِدَعْوَى
الجاهِلِيَّةِ " وفي رواية " أوْ شَقَّ أوْ دعا " بأو.
فصل:
ويُكره أن يُسمَّى المحرَّمُ صفراً (1) ، لأن ذلك من عادة الجاهلية.
فصل:
يحرمُ أن يُدعى بالمغفرة ونحوها لمن مات كافراً، قال الله تعالى: (ما كانَ لِلنَّبيّ والَّذينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لهم أنهم
(1) قال ابن علاّن في " شرح الاذكار " قيل: كانوا يسمونه صفرا الاول، ويقولون لصفر: صفر الثاني، فلهذا سمي المحرم شهر الله.
قال الحافظ السيوطي: سئلت لم خص المحرم بقولهم: شهر الله دون سائر الشهور، مع أن فيها ما يساويه في الفضل أو يزيد عليه كرمضان؟ ووجدت ما يجاب به بأن هذا الاسم إسلامي دون سائر الشهور، فإن اسمها كلها على ما كانت عليه في الجاهلية، وكان اسم المحرم في الجاهلية: صفر الاول، والذي بعده: صفر الثاني، فلما جاء الاسلام سماه الله المحرم، فأضيف إلى الله تعالى بهذا الاعتبار، وهذه فائدة لطيفة رأيتها في " الجمهرة ". اه.
ونقل ابن الجوزي أن الشهور كلها لها أسماء في الجاهلية غير هذه الاسماء الاسلامية، قال: فاسم المحرم: بائق، وصفر: نقيل، وربيع الاول: طليق، وربيع الاخر: تاجر، وجمادي الاولي: أسلح، وجمادي الاخرة: أفتح، ورجب: أحلك، وشعبان: كسع، ورمضان: زاهر وشوال: بط، وذو القعدة: حق، وذو الحجة: نعيش.
(*)
أصْحابُ الجَحِيمِ) [التوبة: 113] وقد جاء الحديث بمعناه، والمسلمون مجمعون عليه.
فصل:
يحرم سبّ المسلم من غير سبب شرعي يجوّز ذلك.
1103 -
روينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سِبابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ ".
1104 -
ورويناه في " صحيح مسلم " وكتابي أبي داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وصحّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" المُسْتَبَّانِ ما قالا، فعلى البادئ مِنْهُما ما لَمْ يَعْتَدِ المَظْلُومُ " قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
فصل:
ومن الألفاظ المذمومة المستعملة في العادة قوله لمن يخاصمه: يا حمار، يا تيس، يا كلب، ونحو ذلك، فهذا قبيح لوجهين.
أحدهما: أنه كذب، والآخر: أنه إيذاء، وهذا بخلاف قوله: يا ظالم ونحوه فإن ذلك يُسامح به لضرورة المخاصمة، مع أنه يصدق غالباً، فقلّ إنسانٌ إلا وهو ظالم لنفسه ولغيرها.
فصل:
قال النحاس: كرهَ بعضُ العلماء أن يُقال: ما كان معي خَلْقٌ إلاّ اللَّه.
قلت: سبب الكراهة بشاعةُ اللفظ من حيث أن الأصل في الاستثناء أن يكون متصلاً، وهو هنا مُحال، وإنما المراد هنا الاستثناء المنقطع، تقديرُه ولكن كان الله معي، مأخوذ من قوله:(وَهُوَ مَعَكُمْ أينما كنتم)[الحديد: 4] وَيَنْبغي أن يُقال بدلَ هذا: ما كان معي أحدٌ إلَاّ الله سبحانه وتعالى، قال: وكره أن يُقال: اجلس على اسم الله، وليقلْ اجلس باسم الله.
فصل:
حكى النحّاسُ عن بعض السلف أنه يُكره أن يقولَ الصائمُ: وحقِّ هذا الخاتم الذي على فمي، واحتجّ له بأنه إنما يُختم على أفواه الكفار، وفي هذا الاحتجاج نظر، وإنما حجته أنه حلفٌ بغير الله سبحانه وتعالى، وسيأتي النهي عن ذلك إن شاء الله تعالى قريباً، فهذا مكروهٌ لما ذكرنا، ولما فيه من إظهار صومه لغير حاجة، والله أعلم.
1105 -
فصل:
روينا في سنن أبي داود، عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أو غيره عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما قال: " كنّا نقول في الجاهلية: أنعم الله بك عيناً (1) ، وأنعم صباحاً (2) .
فلما كان الإِسلام نُهينا عن ذلك ".
(1) أي: أقر الله عينك بمن: (2) من النعومة، وأنعم عليك من النعمة.
(*)
قال عبد الرزاق: قال معمر: يُكره أن يقول الرجل: أنعم الله بك عيناً، ولا بأسَ أن يقول: أنعم الله عينَك.
قلتُ: هكذا رواه أبو داود عن قتادة أو غيره، ومثل هذا الحديث قال أهل العلم:
لا يُحكم له بالصحة، لأن قتادة ثقة وغيرُه مجهول، وهو محتمل أن يكون عن المجهول، فلا يثبتُ به حكم شرعي، ولكن الاحتياط للإِنسان اجتناب هذا اللفظ لاحتمال صحته، ولأن بعض العلماء يحتجّ بالمجهول، والله أعلم.
1106 -
فصل:
في النهي أن يتناجى الرجلان إذا كان معهما ثالث وحده.
روينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذَا كُنْتُمْ ثَلاثَة فَلا يَتَنَاجَى (1) اثْنَانِ دُونَ الآخَرِ حتَّى تَخْتَلِطُوا بالنَّاسِ مِنْ أجْلِ أنَّ ذلكَ يُحْزنُهُ ".
1107 -
وروينا في " صحيحيهما "، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إِذَا كانُوا ثَلَاثَةً فَلا يَتَنَاجَى اثْنانِ دُونَ الثَّالِثِ " ورويناه في سنن أبي داود، وزاد قال أبو صالح الراوي عن ابن عمر: قلتُ لابن عمر: فأربعة؟ قال: لا يضرّك.
فصل:
في نهي المرأة أن تخبرَ زوجَها أو غيرَه بحسنِ بدنِ امرأةٍ أخرى إذا لم تدعُ إليه حاجة شرعية من رغبة في زواجها ونحو ذلك: 1108 - روينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تُباشِرِ المرأةُ المَرأةَ فَتَصِفُها لزَوْجِها كأنَّهُ ينظر إليها ".
فصل:
يُكره أن يُقال للمتزوّج: بالرِّفاءِ والبنينَ، وإنما يُقال له: باركَ الله لك، وباركَ عليك، كما ذكرناه في " كتاب النكاح ".
فصل:
روى النَّحاسُ عن أبي بكر محمد بن يحيى - وكان أحد الفقهاء العلماء الأدباء - أنه قال: يُكره أن يُقال لأحدٍ عند الغضب: أذْكُرَ اللَّهَ تَعالى خوفاً من أن يحملَه الغضبُ على الكفر، قال: وكذا لا يُقال له: صلِّ على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، خوفاً من هذا.
فصل:
من أقبح الألفاظ المذمومة، ما يَعتادُه كثيرون من الناس إذا أرادَ أن يَحلِفَ
(1) قال ابن علاّن في " شرح الجامع الصغير ": كذا للاكثر بالالف المقصورة ثابتة في الخط بصورة ياء، وتسقط في اللفظ لا لتقاء الساكنين، وهو بلفظ الخبر، ومعناه النهي.
(*)
على شئ فيتورّع عن قوله: والله، كراهيةَ الحنث أو إجلالاً لله تعالى وتصوّناً عن الحلف، ثم يقول: الله يعلم ما كان كذا، أو لقد كان كذا ونحوه، وهذه العبارةُ فيها خطرٌ، فإن كان صاحبُها متيقناً أن الأمر كما قال فلا بأس بها، وإن كان تشكَّكَ في ذلك فهو من أقبح القبائح لأنه تعرّضَ للكذب على الله تعالى، فإنه أخبرَ أن الله تعالى يعلمُ شيئاً لا يتيقنُ كيف هو، وفيه دقيقة أخرى أقبحُ من هذا، وهو أنه تعرّض لوصف الله تعالى بأنه يعلمُ الأمرَ على خلاف ما هو، وذلك لو تحقَّقَ كان كافراً، فينبغي للإِسان اجتنابُ هذه العبارة.
فصل:
ويُكره أن يقولَ في الدّعاء: اللَّهم اغفر لي إن شئت، أو إن أردتَ، بل يجزمُ بالمسألة.
1109 -
روينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: اللَّهُمّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ المَسألةَ، فإنَّهُ لا مُكْرِهَ لَهُ ".
وفي رواية لمسلم: " ولَكنْ ليَعْزِمْ وَلْيُعظِمِ الرَّغْبَةَ، فإنَّ الله لا يتعاظمه شئ أعْطاهُ ".
1110 -
وروينا في " صحيحيهما " عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذَا دَعا أحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ المسألةَ، وَلا يَقُولَنَّ اللَّهمَّ إنْ شِئْتَ فأعْطِني فإنَّه لا مستكره له ".
فصل:
ويُكره الحلفُ بغير أسماء الله تعالى وصفاته، سواءٌ في ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم ، والكعبة، والملائكة، والأمانة، والحياة، والروح، وغير ذلك.
ومن أشدِّها كراهة: الحلف بالأمانة.
1111 -
روينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن ابن عمر رضي الله عنهما عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ اللَّهَ يَنْهاكُمْ أنْ تَحْلِفُوا بأبائِكُمْ، فَمَنْ كانَ حَالِفاً فَلْيَحْلِفْ بالله، أوْ لِيَصمُت " وفي رواية في الصحيح: " فَمَنْ كانَ حالِفاً فَلا يَحْلِفْ إِلاّ باللَّهِ أوْ لِيَسْكُتْ ".
وروينا في النهي عن الحلف بالأمانة تشديداً كثيراً.
1112 -
فمن ذلك ما رويناه في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ حَلَفَ بالأمانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا ".
فصل:
يُكره إكثارُ الحلف في البيع ونحوه وإن كان صادقاً.
1113 -
روينا في " صحيح مسلم " عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إيَّاكُمْ وكَثْرَةَ الحَلِفِ في البَيْعِ، فإنَّهُ يُنْفِقُ ثُمَّ يَمْحَقُ ".
فصل:
يُكره أن يُقال قوسُ قزح لهذه التي في السماء.
1114 -
روينا في حلية الأولياء " لأبي نعيم، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تَقُولُوا قَوْسَ قُزَحَ، فإنَّ قُزَحَ شَيْطانٌ، وَلَكِنْ قُولُوا قَوْسَ اللَّهِ عز وجل، فهُوَ أمانٌ لأهْلِ الأرْضِ " (1) .
قلت: قُزح بضم القاف وفتح الزاي، قال الجوهري وغيره: هي غير مصروفة، وتقولُه العوامّ: قدح، بالدال، وهو تصحيف.
فصل:
يُكره للإِنسان إذا ابتُلي بمعصيةٍ أو نحوها أن يخبرَ غيرَه بذلك، بل ينبغي أن يتوب إلى الله تعالى فيقلعَ عنها في الحال، ويندمَ على ما فعل، ويعزم أن لا يعود إلى مثلها أبداً، فهذه الثلاثة هي أركان التوبة، لا تصحّ إلا باجتماعها، فإن أخبرَ بمعصيته شيخَه أو شبهَه ممّن يرجو بإخباره أن يعلِّمه مخرجاً من معصيته، أو ليعلِّمَه ما يَسلمُ به من الوقوع في مثلها، أو يعرِّفَه السببَ الذي أوقعه فيها، أو يدعوَ له، أو نحوَ ذلك، فلا بأسَ به، بل هو حسنٌ، وإنما يُكره إذا انتفتْ هذه المصلحةُ.
1115 -
روينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كُلُّ أُمّتِي معافىً إلا المُجاهِرينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ (2) أنْ يَعْمَلَ الرَّجُل باللَّيْلِ عَمَلاً ثًمَّ يُصْبحُ وَقَدْ سَتَرَهُ تَعالى عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: يا فُلانُ عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذَا وكَذَا، وَقَدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عليه ".
فصل:
يَحرمُ على المكلّف أن يحدِّث عبدَ الإِنسان، أو زوجته أو ابنه، أو غلامَه، ونحوَهم بما يُفسدهم به عليه إذا لم يكنْ ما يُحدِّثهم به أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر.
قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنوا على البِرّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا على الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ)[المائدة: 2] وقال تعالى: (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 18] .
(1) هو في " حلية الأولياء " 2 / 309 في ترجمة أبي رجاء العطاردي، وفي سنده زكريا بن حكيم الحبطي البصري، وهو ضعيف.
(2)
وجاء بلفظ " وإن من المجافة " وفي مسلم: وإن من الاجهار، قال الحافظ في " الفتح " قوله: وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ، كذا لابن السكن والكشميهني، وعليه شرح ابن بطال، وللباقين: المجانة، بدل: المجاهرة، وفي رواية لمسلم: الجهار، وفي رواية الاسماعيلي: الاهجار، وفي رواية لأبي نعيم في " المستخرج ": وإن من الهجار، فتحصلنا على أربعة، أشهرها: الجهار.
(*)
1116 -
وروينا في كتابي أبي داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من خبب زوجة امرئ أوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا "(1) .
قلتُ: خبَّبَ بخاء معجمة ثم باء موحدة مكرّرة، ومعناه: أفسده وخدعه.
فصل:
ينبغي أن يُقال في المال المخرج في طاعة الله تعالى: أنفقتُ وشبهُه، فيقال: أنفقتُ في حجتي ألفاً، وأنفقتُ في غزوتي ألفين، وكذا أنفقتُ في ضيافة ضيفاني، وفي خِتان أولادي، وفي نكاحي، وشبه ذلك: ولا يقولُ ما يقوله كثيرون من العوامّ: غَرِمْتُ في ضيافتي، وخسرتُ في حجتي، وضيّعت في سفري.
وحاصلهُ أن أنفقتَ وشبهه يكونُ في الطاعات.
وخسرتُ وغرِمتُ وضيّعت ونحوها يكونُ في المعاصي والمكروهات، ولا تُستعمل في الطاعات.
فصل:
مما يُنهى عنه ما يقولُه كثيرون من الناس في الصلاة إذا قال الإِمام (إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعينُ) فيقول المأموم: إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نستعين، فهذا مما ينبغي تركه والتحذير منه، فقد قال صاحب " البيان " من أصحابنا: إنَّ هذا يُبطل الصلاة، إلا أن يقصد به التلاوة، وهذا الذي قاله وإن كان فيه نظرٌ والظاهرُ أنه لا يُوَافق عليه، فينبغي أن يُجتنبَ، فإنه وإن لم يُبطلِ الصلاةَ فهو مكروهٌ في هذا الموضع، والله أعلم.
فصل:
مما يتأكد النهيُ عنه والتحذيرُ منه ما يقولُه العوامّ وأشباهُهم في هذه المكوس التي تُؤخذُ مما يبيع أو يشتري ونحوهما، فإنهم يقولون: هذا حقّ السلطان، أو عليك حقّ السلطان، ونحو ذلك من العبارات المشتملة على تسميته حقاً أو لازماً ونحو ذلك، وهذا من أشدّ المنكرات، وأشنع المستحدثات، حتى قال بعضُ العلماء: من سمَّى هذا حقاً فهو كافرٌ خارجٌ عن ملّة الإِسلام، والصحيحُ أنه لا يكفرُ إلا إذا اعتقده حقاً مع علمه بأنه ظلم، فالصوابُ أن يُقال فيه المكسُ، أو ضريبةُ السلطان، أو نحو ذلك من العبارات، وبالله التوفيق.
فصل:
يكره أن يسألُ بوجه الله تعالى غير الجنة.
1117 -
روينا في سنن أبي داود عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يُسألُ بوجه الله إلا الجنة "(2) .
(1) وهو حديث حسن.
(2)
وإسناده ضعيف، وقد جاء الحديث أيضا بلفظ " ملعون من سأل بوجه الله " رواه لطبراني عن أبي موسى الاشعري، وقد حسن إسناده الحافظ العراقي في " العمدة " كما في " فيض القدير " للمناوي، وضعفه غيره.
(*)
فصل:
يُكره منعُ من سألَ بالله تعالى وتشفَّع به.
1118 -
روينا في سنن أبي داود والنسائي بأسانيد الصحيحة عن ابن عمر رضي الله
عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ اسْتَعاذَ باللَّهِ فأعِيذُوهُ، وَمَنْ سألَ باللَّهِ تَعالى فأعْطُوهُ، وَمَنْ دَعاكُمْ فأجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تَرَوْا أنَّكُمْ قَدْ كافأتموه ".
فصل:
الأشهرُ أنه يُكره أن يُقال: أطالَ الله بقاءَك.
قال أبو جعفر النحّاس في كتابة " صناعة الكتاب ": كَرِهَ بعضُ العلماء قولهم: أطالَ الله بقاءك، ورخَّصَ فيه بعضُهم.
قال إسماعيل بن إسحاق: أوَّلُ مَن كتب " أطالَ الله بقاءَك " الزنادقة.
وروي عن حماد بن سلمة رضي الله عنه أن مكاتبة المسلمين كانت: من فلان إلى فلان: أما بعد، سلامٌ عليك، فإني أحمدُ الله الذي لا إِله إِلَاّ هو، وأسألُه أن يصلِّيَ على محمد وعلى آل محمد، ثم أحدثتِ الزنادقةُ هذه المكاتبات التي أوّلُها: أطالَ اللَّه بقاءَك.
فصل:
المذهبُ الصحيحُ المختار أنه لا يُكره قول الإِنسان لغيره: فِداكَ أبي وأُمي، أو جعلني الله فداك، وقد تظاهرتْ على جواز ذلك الأحاديثُ المشهورة التي في " الصحيحين " وغيرهما، وسواءٌ كانَ الأبوان مسلمين أو كافرين، وكَرِهَ ذلك بعضُ العلماء إذا كانا مسلمين.
قال النحاس: وكرهَ مالكُ بن أنس: جعلني الله فداك، وأجازَه بعضُهم.
قال القاضي عياض: ذهبَ جمهورُ العلماء إلى جواز ذلك، سواءٌ كان المفديُّ به مسلماً أو كافراً.
قلت: وقد جاء من الأحاديث الصحيحة في جواز ذلك ما لا يُحصى، وقد نبَّهتُ على جمل منها في " شرح صحيح مسلم ".
فصل:
ومما يُذمّ من الألفاظ: المِراء، والجِدال، والخُصومة.
قال الإِمام أبو حامد الغزالي: المراء: طعنُك في كلام الغير لإِظهار خَلل فيه لغير غرض سوى تحقير قائله، وإظهار مزيَّتِك عليه، قال: وأما الجدالُ، فعبارةٌ عن أمر يتعلّقُ بإظهار المذاهب وتقريرها، قال: وأما الخصومةُ، فلِجَاجٌ في الكلام ليستوفيَ به مقصودَه من مال أو غيره، وتارة يكون ابتداءً، وتارة يكون اعتراضاً، والمِراء لا يكون إلا اعتراضاً، هذا كلام
الغزالي.
واعلم أن الجدال قد يكون بحقّ وقد يكون بباطل، قال الله تعالى: (وَلا تُجادِلُوا
أهْلَ الكِتابِ إِلَاّ بالَّتِي هِيَ أحْسَنُ) [العنكبوت: 46] وقال تعالى: (وَجادِلْهُمْ بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[النحل: 125] وقال تعالى: (ما يُجادِلُ في آياتِ اللَّهِ إلَاّ الَّذِينَ كَفَروا)[غافر: 4] فإن كان الجدالُ للوقوفِ على الحقّ وتقريرِه كان محموداً، وإن كان في مدافعة الحقّ، أو كان جدالاً بغير علم كان مذموماً، وعلى هذا التفصيل تنزيلُ النصوص الواردة في إباحته وذمّه، والمجادلة والجدال بمعنى، وقد أوضحتُ ذلك مبسوطاً في " تهذيب الأسماء واللغات ".
قال بعضُهم: ما رأيتُ شيئاً أذهبَ للدين، ولا أقصَ للمروءة، ولا أضيعَ للذة، ولا أشغلَ للقلب من الخصومة.
فإن قلتَ: لا بُدَّ للإِنسان من الخصومة لاستبقاء حقوقه.
فالجوابُ ما أجابَ به الإِمامُ الغزالي: أن الذمَّ المتأكّدَ إنما هو لمن خاصمَ بالباطل أو بغير علمٍ، كوكيل القاضي، فإنه يتوكَّلُ في الخصومة قبل أن يعرفَ أن الحقّ في أيّ جانب هو فيخاصمُ بغير علم.
ويدخلُ في الذمّ أيضاً مَن يطلبُ حَقَّه، لكنه لا يقتصرُ على قدرِ الحاجة، بل يظهرُ اللددَ والكذبَ للإِيذاء والتسليط على خصمه، وكذلك من خَلَطَ بالخصومة كلماتٍ تُؤذي، وليس له إليها حاجة في تحصيل حقه، وكذلك مَن يحملُه على الخصومة محضُ العِناد لقهر الخصم وكسره، فهذا هو المذموم، وأما المظلومُ الذي ينصرُ حجَّتَه بطريق الشرع من غير لَدَدٍ وإسرافٍ وزيادةِ لجاجٍ على الحاجة من غير قصدِ عنادٍ ولا إيذاء، ففعلُه هذا ليس حراماً، ولكن الأولى تركُه ما وجد إليه سبيلاً، لأنَّ ضبطَ اللسان في الخصومة على حدّ الاعتدال متعذّر، والخصومةُ تُوغرُ الصدورَ، وتهيجُ الغضبَ، وإذا
هاجَ الغضبُ حصلَ الحقدُ بينهما، حتى يفرح كل واحد بمساءةِ الآخر، ويحزنُ بمسرّته، ويُطلق اللسانَ في عرضه، فمن خاصمَ فقد تعرّضَ لهذه الآفات، وأقلُّ ما فيه اشتغالُ القلب حتى أنه يكون في صلاته وخاطره معلقٌ بالمحاجّة والخصومة فلا يَبقى حالُه على الاستقامة.
والخصومةُ مبدأ الشرّ، وكذا الجِدال والمِراء، فينبغي أن لا يفتحَ عليه بابَ الخصومة إلا لضرورة لا بُدَّ منها، وعند ذلك يُحفظُ لسانَه وقلبَه عن آفات الخصومة.
1119 -
روينا في كتاب الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كَفَى بِكَ إثْماً أنْ لا تزال مخاصما "(1) .
(1) وإسناده ضعيف.
(*)
وجاء عن عليّ رضي الله عنه قال: إن للخصوماتِ قحما.
قلتُ: القُحَم بضم القاف وفتح الحاء الحاء المهملة: هي المهالك.
فصل:
يُكره التقعيرُ في الكلام بالتشدّق وتكلّف السجع والفَصاحة والتصنّع بالمقدمات التي يَعتادُها المتفاصحون وزخارف القول، فكلُّ ذلك من التكلُّف المذموم، وكذلك تكلّف السجع، وكذلك التحريّ في دقائق الإِعراب ووحشي اللغة في حال مخاطبة العوامّ، بل ينبغي أن يقصدَ في مخاطبته لفظاً يفهمُه صاحبُه فهماً جليّاً ولا يستثقلُه.
1120 -
روينا في كتابي أبي داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ البَلِيغَ مِنَ الرّجالِ الَّذي يَتَخَلَّل بِلِسانِهِ كما تَتَخَلَّلُ البَقَرَةُ " قال الترمذي: حديث حسن.
1121 -
ور وينا في " صحيح مسلم " عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ " قالها ثلاثاً.
قال العلماء: يعني بالمتنطعين: المبالغين في الأمور.
112 -
وروينا في كتاب الترمذي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ مِنْ أحَبِّكُمْ إليَّ، وأقْرَبِكُمْ مِنّي مَجْلِساً يَوْمَ القِيَامَةِ، أحاسِنُكُمْ أخْلاقاً، وَإنَّ أبْغَضَكُمْ إليَّ، وأبْعَدَكُمْ مِنِّي يَوْمَ القِيامَةِ، الثَّرْثارُونَ وَالمُتَشَدّقُونَ وَالمُتَفَيْقِهُونَ "، قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدّقون، فما المتفيقهون؟ قال: المُتَكَبِّرُون " قال الترمذي: هذا حديث حسن.
قال: والثرثار: هو الكثير الكلام.
والمتشدّقُ: مَن يتطاولُ على الناس في الكلام ويبذو عليهم.
واعلم أنه لا يدخلُ في الذمّ تحسين ألفاظ الخطب والمواعظ إذا لم يكن فيها إفراط وإغراب، لأن المقصودَ منها تهييج القلوب إلى طاعة الله عز وجل، ولحسن اللفظ في هذا أثر ظاهر.
فصل:
ويُكره لمن صلى العشاء الآخرة أن يتحدَّثَ بالحديث المباح في غير هذا الوقت، وأعني بالمُباح الذي استوى فعله وتركه، فأما الحديث المحرّم في غير هذا الوقت أو المكروه، فهو في هذا الوقت أشدّ تحريماً وكراهة، وأما الحديثُ في الخير، كمذاكرة العلم، وحكايات الصالحين، ومكارم الأخلاق، والحديث مع الضيف فلا
كراهةَ فيه، بل هو مستحبّ، وقد تظاهرت الأحاديثُ الصحيحةُ به، وكذلك الحديثُ للغدر والأمور العارضة لا بأس به، وقد اشتهرت الأحاديثُ بكل ما ذكرتُه، وأنا أُشيرُ إلى بعضها مختصراً، وأرمزُ إلى كثير منها.
1123 -
روينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أبي بَرزةَ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكرهُ النومَ قبل العِشاء (1) والحديثَ بعدَها.
وأما الأحاديث بالترخيص في الكلام للأمور التي قدّمتُها فكثيرةٌ.
1124 -
فمن ذلك حديث ابن عمر في " الصحيحين ": أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صلَّى العشاءَ في آخر حياته، فلما سلَّم قال: " أرأيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فإنَّ على رأسِ مِئَةِ سَنَةٍ
لا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ على ظَهْرِ الأرْضِ اليَوْمَ أحَدٌ ".
1125 -
ومنها حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، في " صحيحيهما ": أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أعتم بالصلاة حتى ابهارّ الليلُ، ثم خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فصلَّى بهم، فلما قضَى صلاته قال لمن حضره: على رِسْلِكُمْ أُعَلِّمْكُمْ، وأبْشِرُوا أنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللَّه عَلَيْكُمْ أنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أحَدٌ يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرَكُمْ " أوْ قالَ:" ما صَلَّى أحَدٌ هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرَكُمْ ".
1126 -
ومنها حديث أنس في " صحيح البخاري ": " أنهم انتظروا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فجاءَهم قريباً من شطر الليل، فصلَّى بهم: يعني العشاء، قال: ثم خطبَنا فقال: ألا إنَّ النَّاسَ قَدْ صَلُّوْا ثُمَّ رَقَدُوا، وَإنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا في صَلاةٍ ما انْتَظَرْتُمُ الصَّلاةَ ".
1127 -
ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما في مبيته في بيت خالته ميمونة قوله: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى العشاءَ، ثم دخلَ فحدّثَ أهلَه، وقوله:" نَامَ الغُلَيْم؟ ".
1128 -
ومنها حديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما في قصة أضيافه واحتباسه عنهم حتى صلّى العشاء، ثم جاء وكلَّمهم، وكلَّم امرأتَه وابنه وتكرّر كلامُهم، وهذان الحديثان في " الصحيحين "، ونظائرُ هذا كثيرة لا تنحصرُ، وفيما ذكرناه أبلغُ كفاية، ولِلَّهِ الحَمْدُ.
فصل:
يُكره أن تُسمَّى العشاء الآخرة العتمة، للأحاديث الصحيحة المشهورة في ذلك ويُكره أيضاً أن تُسمَّى المغرب عشاء.
(1) أي قبل صلاتها لانه قد يكون سببا لفوات وقتها فيؤخرها عن وقتها المختار، ولئلا يتساهل الناس في ذلك فينامون عن صلاتها جماعة.
(*)
1129 -
روينا في " صحيح البخاري " عن عبد الله بن مُغَفّل المزني رضي الله عنه وهو بالغين المعجمة - قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " لا تَغْلِبَنَّكُمُ الأَعْرَابُ على اسمِ صَلاتِكُمُ المَغْرِبِ " قال: وتقول الأعرابُ: هي العشاء.
1130 -
وأما الأحاديث الواردة بتسمية عَتَمَةً، كحديث:" لو يَعْلَمُونَ ما في الصُّبْحِ وَالعَتَمَةِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً ".
فالجواب عنها من وجهين: أحدهما: أنها وقعتْ بياناً لكون النهي ليس للتحريم، بل للتنزيه.
والثاني: أنه خُوطبَ بها مَن يخافُ أنه يلتبس عليه المراد لو سمَّاها عشاءً.
وأما تسمية الصبح غداةً فلا كراهة فيه على المذهب الصحيح، وقد كثرتِ الأحاديثُ الصحيحةُ في استعمال غداة، وذكر جماعة من أصحابنا كراهة ذلك، وليس بشئ، ولا بأسَ بتسمية المغرب والعشاء عشاءين، ولا بأس بقول العشاء الآخرة.
وما نُقل عن الأصمعي أنه قال: لا يُقال العشاء الآخرة، فغلط ظاهر.
1131 -
فقد ثبتَ في " صحيح مسلم " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أيُّمَا امْرأةٍ أصَابَتْ بَخُوراً فَلا تَشْهَدْ مَعَنا العِشاءَ الآخِرَةَ ".
وثبت في ذلك كلامُ خلائقَ لا يُحصون من الصحابة في " الصحيحين " وغيرهما، وقد أوضحتُ ذلك كلَّه بشواهده في " تهذيب الأسماء واللغات " وبالله التوفيق.
فصل:
ومما يُنهى عنه إفشاءُ السرّ، والأحاديثُ فيه كثيرة، وهو حرامٌ إذا كان فيه ضررٌ أو إيذاء.
1132 -
روينا في سنن أبي داود والترمذي عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بالحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أمانَةٌ " قال الترمذي: حديث حسن.
فصل:
يُكره أن يُسألَ الرجلُ: فيم ضربَ امرأتَه من غير حاجة.
قد روينا في أوّل هذا الكتاب في " حفظ اللسان " والأحاديث الصحيحة في السكوت عمّا لا تظهر فيه المصلحة.
1133 -
وذكرنا الحديث الصحيح " منْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ ما لا يعنيه " وروينا في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يُسألُ الرَّجُلُ: فيمَ ضَرَبَ امْرأتَهُ ".
1134 -
فصل:
أما الشعر فقد روينا في مسند " أبي يعلى الموصلي " بإسناد حسن (1) عن عائشة رضي الله عنهما قالت: سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الشعر فقال: " هُوَ كلامٌ حَسَنُهُ كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام "(2) .
قال العلماء: معناه: أنَّ الشعرَ كالنثر (3) ، لكن التجرّدَ له والاقتصارَ عليه مذمومٌ (4) .
1135 -
وقد ثبتَت الأحاديثُ الصحيحةُ بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع الشعرَ، وأمرَ حسان بن ثابت بهجاء الكفّار.
1136 -
وثبتَ أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً ".
1136 -
وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: " لان يمتلئ جَوْفُ أحَدِكُمْ قَيْحاً خَيْرٌ لَهُ منْ أنْ يمتلئ شعرا " وكل ذلك على حسب ما ذكرناه.
فصل:
ومما يُنهى عنه، الفحشُ وبذاءةُ اللسان، والأحاديثُ الصحيحة فيه كثيرة معروفة، ومعناه: التعبيرُ عن الأمور المستقبحة بعبارة صريحة، وإن كانتْ صحيحةً والمتكلّمُ بها صادق، ويقعُ ذلك كثيراً في ألفاظ الوقاع ونحوها.
وينبغي أن يستعملَ في ذلك الكنايات، ويعبّر عنها بعبارة جميلة يُفهم بها الغرضُ، وبهذا جاءَ القرآن العزيز والسن الصحيحة المكرّمة، قال الله تعالى:(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيامِ الرَّفَثُ إلى نِسائِكُمْ)[البقرة: 187] وقال تعالى: (وَكَيْفَ تَأخُذُونَهُ وَقَدْ أفْضَى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ)[النساء: 21] .
وقال تعالى: (وَإنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أنْ تَمَسُّوهُنَّ)[البقرة: 237] والآيات والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة.
قال العلماء: فينبغي أن يستعملَ في هذا وما أشبهَه من العبارات التي يُستحيى من ذكرها بصريح اسمها الكنايات المفهمة، فيُكنّي عن جماع المرأة بالإِفضاءِ والدخولِ
(1) وهو حديث حسن بشواهده، انظر الفتح 10 / 445.
(2)
كهجاء المسلمين، والتشبب بامرأة أو أمرد معين، أو مدح الخمرة، مدح ظالم أو نحوه، المغالاة في المدح أو نحو ذلك.
قال الفقهاء: المميز للشعر الجائز من غيره، أن ما جاز في النثر جاز في النظم.
(3)
أي المدح والذم إنما يدوران مع المعنى ولا عبرة باللفظ موزونا كان أو لا.
(4)
أي بحيث يكون الشعر مستوليا عليه بحيث يشغله عن القرآن وغيرِه من العلوم الشرعية وذكر الله تعالى.
قال المصنف في " شرح مسلم ": فهذا مذموم في أي شعر كان، فأما إذا كان القرآن والحديث وغيرهما من العلوم الشرعية هو الغالب عليه فلا يضره حفظ اليسير مع الشعر، أي الخالي عن الفحش والقبح مع هذا، لان جوفه ليس ممتلئا شعرا.
(*)
والمعاشرةِ والوِقاع ونحوها، ولا يصرح بالنيك والجماع ونحوهما، وكذلك يُكنّي عن البول والتغوّط بقضاء الحاجة، والذهاب إلى الخلاء، ولا يصرّحُ بالخِرَاءة والبول ونحوهما، وكذلك ذكرُ العيوب كالبرص والبَخَر والصُّنان وغيرها، يعبّر عنها بعبارات جميلة يُفهم منها الغرض، ويُلحق بما ذكرناه من الأمثلة ما سواه.
واعلم أن هذا كلَّه إذا لم تدعُ حاجةٌ إلى التصريح بصريح اسمه، فإن دعتْ حاجةٌ لغرض البيان والتعليم، وخِيفَ أن المخاطَب لا يفهم المجاز، أو يفهمُ غيرَ المراد، صرّح حينئذ باسمه الصريح ليحصلَ الإِفهامُ الحقيقي، وعلى هذا يحمل ما جاء في الاحاديث من التصريح بمثل هذا، فإن ذلك محمول على الحاجة كما ذكرنا، فإن تحصيل الإِفهامُ في هذا أولى من مراعاة مجرّد الأدب، وبالله التوفيق.
1137 -
روينا في كتاب الترمذي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذئ " قال الترمذي: حديث حسن.
1138 -
وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما كان الفُحْشُ في شئ إلَاّ شانَهُ، وَما كانَ الحَياءُ في شئ إلَاّ زَانَهُ " قال الترمذي: حديث حسن.
فصل:
يحرمُ انتهارُ الوالد والوالدة وشبههما تحريماً غليظاً، قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَاّ إيَّاهُ وبالْوَالِدَيْنِ إحْسَاناً، إمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحَدُهُما أوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَريماً.
وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كما رَبَّيَاني صَغِيراً) الآية [الإِسراء: 23 - 25] .
1139 -
وروينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مِنَ الكَبائرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ، قالوا: يا رسول الله، وهل يشتُم الرجلُ والديه؟ قال: نَعَمْ، يَسُبّ أبَا الرَّجُلِ فَيسبُّ أباهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ ".
1140 -
وروينا في سنن أبي داود والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " كان تحتي امرأةٌ وكنتُ أُحبها، وكان عمرُ يكرهُها، فقال لي: طلّقْها، فأبيتُ، فأتى عمرُ رضي الله عنه النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكرَ ذلك له، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " طَلِّقْها " قال الترمذي: حديث حسن صحيح.