الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغيرها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل القراءة في الصلاة:" أعُوذُ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ مِنْ نَفْخِهِ وَنَفْثِهِ وهَمْزِهِ ".
وفي رواية: " أعُوذُ بالله السَّمِيعِ العَلِيمِ مِنَ الشَّيْطانِ الرََّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ " وجاء في تفسيره في الحديث، أن همزه: المؤْتةُ وهي الجنون، ونفخه: الكبر، ونفثه: الشعرُ، والله أعلم.
فصل:
اعلم أن التعوّذ مستحبّ ليس بواجب، فلو تركه لم يأثم، ولا تبطلُ صلاته سواء تركه عمداً أو سهواً، ولا يسجد للسهو، وهو مستحبّ في جميع الصلوات، الفرائض والنوافل كلها، ويستحبّ في صلاة الجنازة على الأصحّ، ويستحب للقارئ خارج الصلاة بإجماع أيضاً.
فصل:
واعلم أن التعوّذ مستحبّ في الركعة الأولى بالاتفاق، فإن لم يأت به في الأولى أتى به في الثانية، فإن لم يفعل ففيما بعدها، فلو تعوّذ في الأولى هل يستحبّ في الثانية؟ فيه وجهان لأصحابنا، أصحهما: أنه يستحبّ، لكنه في الأولى آكد، وإذا تعوّذ في الصلاة التي يُسِرُّ فيها بالقراءة، أسرّ بالتعوّذ، فإن تعوّذ في التي يُجْهَر فيها بالقراءة، فهل يجهر؟ فيه خلاف، من أصحابنا من قال: يُسرّ، وقال الجمهور: للشافعي في المسألة قولان.
أحدهما: يستوي الجهر والإِسرار، وهو نصُّه في " الأم ".
والثاني يُسنّ الجهر، وهو نصُّه في " الإِملاء ".
ومنهم مَن قال: فيه قولان.
أحدهما: يجهر، صححه الشيخ أبو حامد الاسفراييني إمام أصحابنا العراقيين، وصاحبه المحاملي وغيرهما، وهو الذي كان يفعله أبو هريرة رضي الله عنه.
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يُسِرّ، وهو الأصحّ عند جمهور أصحابنا، وهو المختار، والله أعلم.
(بابُ القراءةِ بعدَ التَّعوُّذ)
اعلم أن القراءة واجبة في الصلاة بالإِجماع مع النصوص المتظاهرة، ومذهبنا ومذهب الجمهور، أن قراءة الفاتحة واجبة لا يجزئ غيرها لمن قدر عليها.
120 -
للحديث الصحيحح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تجزئ صَلاةٌ لا يُقْرأُ فِيها
بِفاتِحَةِ الكِتابِ " رواه ابن خزيمة وأبو حاتم ابن حِبّان، بكسر الحاء، في " صحيحيهما " بالإِسناد الصحيح وحكما بصحته.
121 -
قال المصنف رحمة الله: وفي " الصحيحين " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا صَلَاة إِلَاّ بِفَاتِحَة الكِتابِ ".
قال السيوطي في " تحفطة الأبرار بنكت الأذكار ": قال الحافظ - يعني ابن حجر - لم أره بهذا اللفظ في " الصحيحين " ولا في أحدهما، والذي فيهما حديث عبادة بن الصامت بلفظ:" لا صلاة لمن لم يقرأ بِفَاتِحَة الكِتابِ ".
ويجب قراءة: بسم الله الرحمن الرحيم، وهي آية كاملة من أوّل الفاتحة، وتجب قراءة جميع الفاحة بتشديداتها (1) وهي أربع عشرة تشديدة: ثلاث في البسملة، والباقي بعدها، فإن أخلّ بتشديدة واحدة بطلت قراءته.
ويجب أن يقرأها: مرتبة متوالية، فإن ترك ترتيبها أو موالاتها، لم تصحُّ قراءته، ويعذر في السكوت بقدر التنفس.
ولو سجد المأموم مع الإِمام للتلاوة، أو سمع تأمين الإِمام فأمَّن لتأمينه، أو سأل الرحمة، أو استعاذ من النار لقراءة الإِمام ما يقتضي ذلك، والمأموم في أثناء الفاتحة، لم تنقطع قراءته على أصحّ الوجهين، لأنه معذور.
فصل:
فإن لحن في الفاتحة لحناً يخلّ المعنى، بطلت صلاته، وإن لم يخلّ المعنى صحّت قراءته، فالذي يخلّه مثل أن يقول: أنعمت، بضم التاء أو كسرها، أو يقول: إياك نعبد، بكسر الكاف، والذي لا يخلّ مثل أن يقول: ربّ العالمين، بضم الباء أو فتحها، أو يقول: نستعين، بفتح النون الثانية أو كسرها، ولو قال: ولا الضّالّين بالظاء بطلت
صلاته على أرجح الوجهين، إلا أن يعجزَ عن الضاد بعد التعلم فيُعذر.
فصل:
فإن لم يُحسن الفاتحة قرأ بقدرها من غيرها، فإن لم يُحسن شيئاً من القرآن أتى من الأذكار كالتسبيح والتهليل ونحوهما بقدر آيات الفاتحة، فإن لم يحسن شيئاً من الأذكار، وضاق الوقتُ عن التعلّم، وقف بقدر القراءة ثم يركع، وتُجزئه صلاتُه إن لم، يكن فرّط في التعلم، فإن كان فرّط في التعلم، وجبت الإِعادة، وعلى كلّ تقدير متى تمكَّن من التعلم وجب عليه تعلّم الفاتحة أما إذا كان يُحسنُ الفاتحة بالعجمية ولا يُحسنها بالعربية، فلا يجوز له قراءتها بالعجمية، بل هو عاجز، فيأتي بالبدل على ما ذكرناه.
(1) في نسخة: وتجب قراءة الفاتحة بجميع تشديداتها.
(*)
فصل:
ثم بعد الفاتحة يقرأ سورة أو بعض سورة ; وذلك سنّة، لو تركه صحَّتْ صلاتُه ولا يسجد للسهو، وسواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة، ولا يستحبّ قراءة السورة في صلاة الجنازة على أصحّ الوجهين، لأنها مبنية على التخفيف، ثم هو بالخيار إن شاء قرأ سورة، وإن شاء قرأ بعض سورة، والسورة القصيرة أفضلُ من قدرها من الطويلة.
ويستحبّ أن يقرأ السورة على ترتيب المصحف، فيقرأ في الثانية سورة بعد السورة الأولى، وتكون تليها، فلو خالف هذا جاز (1) ، والسنّة أن تكون السورة بعد الفاتحة، فلو قرأها قبل الفاتحة، لم تحسب له قراءة السورة.
وَاعْلَمْ أنَّ ما ذكرناه من استحباب السورة هو للإِمام والمنفرد، وللمأموم فيما يسرّ به الإِمام أما ما يجهر به الإِمام، فلا يزيد المأموم فيه على الفاتحة إن سمع قراءة الإِمام، فإن لم يسمعها أو سمع همهمة (2) لا يفهمها، استحبّت له السورة على الأصحّ بحيث لا يشوِّشُ على غيره.
فصل:
السنّة أن تكونَ السورة في الصبح والظهر من طوال المفصل (3) ، وفي العصر والعشاء من أوساط المفصل، وفي المغرب من قصار المفصل، فإن كان إماماً خفَّف عن ذلك إلا أن يعلم أن المأمومين يُؤثرون التطويل.
والسنّة: أن يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الصبح يوم الجمعة سورة (آلم تنزيل) السجدة، وفي الثانية:(هل أتى على الإِنسان) ويقرأهما بكمالهما، وأما ما يفعله بعض الناس من الاقتصار على بعضهما، فخلاف السنّة، والسنّة أن يقرأ في صلاة العيد، والاستسقاء في الركعة الأولى بعد الفاتحة:(ق)، وفي الثانية:(اقتربت الساعة)، وإن شاء قرأ في الأولى:(سبّح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية: (هل أتاك حديث الغاشية) ، فكلاهما سنّة، والسنة أن يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الجمعة (سورة الجمعة) وفي الثانية (المنافقون)، وإن شاء في الأولى:(سبّح)، وفي الثانية:(هل أتاك) فكلاهما سنّة، وليحذر الاقتصار على بعض السورة في هذه المواضع، فإن أراد التخفيف أدرج قراءته من غير هذرمة.
والسنّة أن يقرأ في ركعتي سنّة الفجر، في الأولى بعد الفاتحة: (قولوا آمنّا بالله وما أنزل إلينا
…
) ، وفي الثانية: الآية، وفي الثانية:
(1) أي ولو كان خلاف الأولى.
(2)
وفي بعض النسخ: همهمة، وهما بمعنى واحد، أي: الكلام الخفي الذي لا يفهم.
(3)
الصحيح أن المفصل يبدأ من سورة ق إلى آخر المصحف.
(*)
(قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء
…
) الآية، وإن شاء في الأولى:(قل يا أيها الكافرون) وفي الثانية: (قل هو الله أحد) وفكلاهما صحّ.
122 -
في " صحيح مسلم " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله، ويقرأ في ركعتي سنّة المغرب ; وركعتي الطواف والاستخارة في الأولى:(قل يا أيها الكافرون) وفي الثانية: (قل هو الله أحد) وأما الوتر، فإذا أوتر بثلاث ركعات، قرأ في الأولى بعد الفاتحة:(سبّح اسم ربك) وفي الثانية: (قل يا أيها الكافرون) وفي الثالثة: (قل هو الله أحد) مع المعوّذتين، وكل هذا الذي ذكرناه جاءت به أحاديث في الصحيح وغيره مشهورة استغنينا عن ذكرها لشرتها، والله أعلم.
فصل:
لو تركَ (سورة الجمعة) في الركعة الأولى من صلاة الجمعة، قرأ في الثانية (سورة الجمعة) مع (سورة المنافقين) ، وكذا صلاةُ العيد والاستسقاء والوتر وسنّة الفجر وغيرها مما ذكرناه مما هو في معناه إذا ترك في الأولى ما هو مسنون أتى في الثانية بالأوّل والثاني، لئلا تخلو صلاته من هاتين السورتين، ولو قرأ في صلاة الجمعة في الأولى: سورة المنافقين، قرأ في الثانية: سورة الجمعة، ولا يُعيد المنافقين، وقد استقصيتُ دلائلَ هذا في " شرح المهذّب "(1) .
فصل:
123 -
ثبتَ في الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوِّل في الركعة الأولى من الصبح وغيرها ما لا يطوّل في الثانية، فذهب أكثر أصحابنا إلى تأويل هذا، وقالوا: لا يطوّل الأولى على الثانية، وذهب المحققون منهم إلى استحباب تطويل الأولى لهذا الحديث الصحيح، واتفقوا على أن الثالثة والرابعة تكونان أقصرُ من الأولى والثانية، والأصحُّ أنه لا تستحبّ السورة فيهما، فإن قلنا باستحبابها، فالأصحّ أن الثالثة كالرابعة، وقيل بتطويلها عليها.
فصل:
أجمع العلماء على الجهر بالقراءة الصبح والأوليين من المغرب والعشاء، وعلى الإِسرار في الظهر والعصر والثالثة من المغرب، والثالثة والرابعة من العشاء، وعلى الجهر في صلاة الجمعة والعيدين، والتراويح والوتر عقبها، وهذا مستحبّ للإِمام والمنفرد فيما ينفرد به منها، وأما المأموم فلا يجهر في شئ من هذا بالإِجماع، ويسنّ الجهر في صلاة كسوف القمر والإِسرار في صلاة كسوف الشمس، ويجهر في صلاة الاستسقاء، ويُسرّ في الجنازة إذا صلاّها في النهار، وكذا إذا صلاّها
(1) وهو الذي يسمى " المجموع ".
(*)
بالليل على الصحيح المختار، ولا يجهر في نوافل النهار غير ما ذكرناه من العيد والاستسقاء.
واختلف أصحابنا في نوافل الليل، فقيل: لا يجهر، وقيل: يجهر، والثالث وهو الأصح وبه قطع القاضي حسين والبغوي: يقرأ بين الجهر والإِسرار، ولو فاتته صلاة بالليل فقضاها في النهار، أو بالنهار فقضاها بالليل، فهل يعتبر في الجهر والإِسرار وقت الفوات، أم وقت القضاء؟ فيه وجهان، أظهرهما: يعتبر وقت القضاء، وقيل: يُسِرُّ مطلقاً.
واعلم أن الجهر في مواضعه، والإِسرار في مواضعه سنّة ليس بواجب، فلو جهر موضع الإِسرار، أو أسرّ موضع الجهر، فصلاته صحيحة، ولكنه ارتكب المكروه كراهة تنزيه، ولا يسجد للسهو، وقد قدّمنا أن الإِسرار في القراءة والأذكار المشروعة في الصلاة لابدّ فيه من أن يسمع نفسه، فإن لم يسمعها من غير عارض لم تصحّ قراءته ولا ذكره.
فصل:
124 -
قال أصحابنا: يستحبّ للإِمام في الصلاة الجهرية أن يسكت أربع سكتات إحداهنّ: عقيب تكبيرة الإِحرام ليأتي بدعاء الاستفتاح، والثانية: بعد فراغه من الفاتحة سكتة لطيفة جداً بين آخر الفاتحة وبين آمين، ليعلم أن آمين ليست من الفاتحة، والثالثة بعد آمين سكتة طويلة بحيث يقرأ المأموم الفاتحة (1) ، والرابعة بعد الفراغ من السورة يفصل بها بين القراءة وتكبيرة الهوي إلى الركوع.
فصل:
فإذا فَرغَ من الفاتحة اسْتُحِبَّ له أن يقول: آمين.
125 -
والأحاديث الصحيحة في هذا كثيرة، مشهورة في كثرة فضله وعظيم أجره، وهذا التأمين مستحبّ لكل قارئ، سواء كان في الصلاة أم خارجاً منها، وفيها أربع لغات، أفصحهن وأشهرهنّ: آمين بالمدّ والتخفيف، والثانية: بالقصر والتخفيف، والثالثة: بالإِمالة، والرابعة: بالمدّ والتشديد.
فالأوليان مشهورتان، والثالثة والرابعة حكاهما الواحدي في أوّل " البسيط "، والمختار الأولى، وقد بسطت القول في بيان هذه اللغات وشرحها وبيان معناها ودلائلها وما يتعلق بها في كتاب " تهذيب الأسماء واللغات ".
(1) لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يسكت سكتة طويلة بين آمين وقراءة السورة بحيث يقرأ المأمومون خلفه سورة الفاتحة.
(*)