الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أُمّ أبي هريرة
…
" وذكر الحديثَ
…
إلى أن قال: " فرجعتُ فقلتُ: يا رسولَ الله قد استجاب الله دعوتك وهدى أُمّ أبي هريرة.
(بابُ في مسائل تتفرّعُ على السَّلام)
مسألة: قال أبو سعد المتولّي: التحيّة عند الخروج من الحمّام، بأن يُقال له: طابَ حمّامُك، لا أصل لها، ولكن روي أن عليّاً رضي الله عنه قال لرجل خرج من الحمّام: طَهَرْتَ فلا نَجِسْتَ.
قلت: هذا المحلّ لم يصحُّ فيه شئ، ولو قال إنسان لصاحبه على سبيل المودة والمؤالفة واستجلاب الودّ: أدام الله لك النعيم، ونحو ذلك من الدعاء فلا بأس به.
مسألة: إذا ابتدأ المارُّ الممرور عليه، فقال: صبَّحكَ الله بالخير، أو بالسعادة، أو قوّاك الله، أو لا أوحشَ الله منك، أو غير ذلك من الألفاظ التي يستعملها الناسُ في العادة، لم يستحقَّ جواباً، لكن لو دعا له قباله ذلك كان حسناً، إلا أنْ يَتْرُكَ جوابَه بالكلية زجراً له في تخلّفه وإهماله السلام وتأديباً له ولغيره في الاعتناء بالابتداء بالسلام.
فصل:
إذا أراد تقبيل يد غيره، إن كان ذلك لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه وصيانته أو نحو ذلك من الأمور الدينية، لم يُكره، بل يُستحبّ، وإن كان لغناه ودنياه وثروته وشوكته ووجاهته عند أهل الدنيا ونحو ذلك، فهو مكروه شديد الكراهة.
وقال المتولّي من أصحابنا: لا يجوز فأشار إلى أنه حرام.
751 -
روينا في سنن أبي داود عن زارع رضي الله عنه، وكان في وفد عبد القيس قال:" فجعلْنا نتبادرُ من رواحلنا فنقبِّلُ يدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ورجلَه ".
قلتُ: زارع بزاي في أوّله وراء بعد الألف على لفظ زَارع الحنطة وغيرها.
752 -
وروينا في سنن أبي داود أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما قصةً قال فيها: " فدنونا: يعني من النبيّ صلى الله عليه وسلم فقَبَّلنا يده.
وأما تقبيل الرجُل خدَّ ولده الصغير، وأخيه، وقُبلة غير خدّه من أطرافه ونحوها على وجه الشفقة والرحمة واللطف ومحبة القرابة، فسُنّةٌ.
والأحاديث فيه كثيرة صحيحة مشهورة، وسواء الولد الذكر والأنثى، وكذلك قبلته ولد صديقه وغيره من صغار الأطفال
على هذا الوجه.
وأما التقبيلُ بالشهوة، فحرام بالاتفاق.
وسواء في ذلك الولد وغيره، بل النظر إليه بالشهوة حرام بالاتفاق على القريب والأجنبي.
753 -
وروينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " قَبَّلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم الحسنَ بن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرعُ بن حابس التميمي، فقال الأقرع: إن لى عشرةً من الولد ما قبّلتُ منهم أحداً، فنظرَ إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (1) ثم قال: مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ "(2) .
754 -
وروينا في " صحيحيهما " عن عائشة رضي الله عنها قالت " قدم ناسٌ من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: تُقَبِّلُونَ صبيانَكم؟ فقالوا: نعم، قالوا: لكنَّا والله ما نُقَبِّلُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوَ أمْلِكُ أنْ كانَ اللَّهُ تَعالى نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ؟ " هذا لفظ إحدى الروايات، وهو مروي بألفاظ.
755 -
وروينا في " صحيح البخاري " وغيره عن أنس رضي الله عنه قال: " أخذَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ابنَه إبراهيم فقَبّله وشمّه ".
756 -
وروينا في سنن أبي داود عن البراء بن عازب رضي الله عنهما (3) قال: دخلتُ مع أبي بكر رضي الله عنه أوّلَ ما قَدِمَ المدينةَ، فإذا عائشةُ ابنته رضي الله عنها مضطجعةٌ قد أصابتها حُمَّى، فأتاها أبو بكر فقال: كيف أنتِ يا بنيّة؟ وقبَّلَ خدَّها.
757 -
وروينا في كتب الترمذي والنسائي وابن ماجه بالأسانيد الصحيحة (4) عن صفوان بن عَسَّال الصحابيّ رضي الله عنه وعَسَّال بفتح العين وتشديد السين المهملتين -
(1) أي نظر تعجب، أو نظر غضب.
(2)
قوله " من ال يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ " قال الكرماني: بالرفع والجزم في اللفظين.
وقال القاضي عياض: أكثرهم ضبطوه بالرفع على الخبر.
وقال أو البقاء: الجيد أن يكون " من " بمعني الذي، فيرتفع الفعلان، وإن جعلت شرطا لفعلهما جاز.
وقال السهيلي: محمله على الخبر أشبه بسياق الكلام لأنه مردود على قول
الرجل: إن لي عشرةً من الولد، أي الذي يفعل هذا الفعل لا يرحم، ولو جعلت شرطا لا نقطع مما قبله بعض الانقطاع، لأن الشرط وجوابه كلام مستأنف، ولأن الشرط إذا كان بعده فعل منفي فأكثر ما ورد منفيا ب " لم " ب " لا "، كقوله: ومن لم يتب.
قال الطيبي: لعل وضع الرحمة في الأول للمشاكلة، فإن المعني: من لم يشفق على الأولاد لا يرحمه الله، وأتى بالعام لتدخل الشفقة أو لويا.
اهـ.
(3)
قال ابن علاّن: هذا الحديث أخرجه الحافظ البخاري في " صحيحه " في آخر " باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم " وفي آخره: قال البراء: فدخلت مع أبي بكر على أهله، فإذا ابنته عائشة مضطجعة قد أصابتها حمى، فرأيت أباها يقبل خدها، وقال: كيف أنتِ يا أبنته؟ قال ابن علاّن: وكأن وجه الاقتصار على العزو لتخريج أبي داود أنه بين أن ذلك وقع أول مقدم التبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ورواية الصحيح ساكتة عن ذلك، وإلا فلا يظهر وجه ترك العزو للصحيح والاقتصار على العزو للسنن، والله أعلم.
(4)
وهو حديث حسن.
(*)
قال: قال يهوديّ لصاحبه: " اذهب بنا إلى هذا النبيّ، فأتيا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن تسعِ آياتٍ بيِّناتٍ
…
فذكرَ الحديثَ
…
إلى قوله: فقبّلوا يدَه ورجلَه، وقالا: نشهدُ أنك نبيٌّ (1) .
758 -
وروينا في سنن أبي داود بالإِسناد الصحيح المليح (2) عن إِياس بن دَغْفَل قال: رأيتُ أبا نضرة قَبّل خدّ الحسن بن عليّ رضي الله عنهما.
قلت: أبو نَضْرَةَ بالنون والضاد المعجمة: اسمه المنذر بن مالك بن قطعة، تابعي ثقة.
ودَغْفَل، بدال مهملة مفتوحة ثم غين معجمة ساكنة ثم فاء مفتوحة ثم لام.
759 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقبّل ابنه سالماً ويقول: اعجبوا من شيخ يُقَبِّلُ شيخاً (3) .
وعن سهل بن عبد الله التستري السيد الجليل أحد أفراد زهّاد الأمة وعبّادها رضي الله عنه أنه كان يأتي أبا داود السجستاني ويقول: أخرج لي لسانكَ الذي تُحدِّثُ به حديثَ
رسول الله صلى الله عليه وسلم لأُقَبِّله، فيقبِّلُه.
وأفعالُ السلف في هذا الباب أكثر من أن تُحصر، والله أعلم.
فصل:
ولا بأس بتقبيل وجه الميت الصالح للتبرّك، ولا بتقبيل الرجُل وجه صاحبه إذا قَدِمَ من سفر ونحوه.
760 -
روينا في " صحيح البخاري " عن عائشة رضي الله عنها في الحديث الطويل في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: " دخلَ أبو بكر رضي الله عنه فكشفَ عن وجهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أكبَّ عليه فقَبّله، ثم بكى "(4) .
761 -
وروينا في كتاب الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: " قدِمَ زيدُ بن
(1) انظر الحديث بطوله عند الترمذي رقم (2734) في أبواب الاستئذان والآداب، بابُ ما جاء في قبله اليد والرجل.
(2)
قال ابن علاّن في شرح الأذكار: هكذا وقع وصف هذا الإِسناد بالمليح، ولعله أراد بملاحته علوه، إذ هو من رباعيات أبي داود قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا المعتمر، عن إِياس بن دغفل قال
…
الخ.
(3)
قال ابن علاّن: سكت المصنف هنا عن بيان من خرجه، وفي " التهذيب " له: أخرجه ابن أبي خميثة في " تاريخه ".
(4)
وقد ورد من فعله صلى الله عليه وسلم، ففي " صحيح البخاري " أنه لما توفي عثمان بن مظعون جاء صلى الله عليه وسلم وكشف عن وجهه وقبله وبكى..الحديث.
(*)