المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌المقدّمة: إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، - الأربعون العقدية - جـ ١

[أيمن إسماعيل]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء

- ‌تقديم فضيلة الشيخ الدكتور/ محمد حسن عبد الغفار - حفظه الله

- ‌المقدّمة:

- ‌الحديث الأول: ثمار الأراك في شرح حديث الافتراق

- ‌أهم الفوائد المتعلقة بحديث الباب:

- ‌الحديث الثاني: البيان المناط بفوائد حديث ذات أنواط

- ‌ حُسن المَقْصِد يحتاج إلى حُسن العَمَل

- ‌مسألة العذر بالجهل ليست على إطلاقها

- ‌ الفرق بين العَرَّاف والكاهِن:

- ‌ قصة الْكُهَّان:

- ‌ حكم تعلّم "علم التنجيم

- ‌الحديث الرابع: بلوغ العلم شرح حديث أول ما خلق الله القلم

- ‌ بيان أوّلُ المخلوقات التى خلقها الله

- ‌الحديث الخامس: السنة المأثورة في شرح حديث الصورة

- ‌الحديث السادس: المنهاج في شرح حديث الاحتجاج

- ‌ كيفية وقوع المناظرة بين آدم وموسى عليهما السلام:

- ‌ العبد بين المقدور والمأمور:

- ‌الحديث السابع: بذل الأمل شرح حديث على ما كان من العمل

- ‌ هل تَفْنَى الجنة والنار

- ‌الحديث الثامن: إتحاف الجماعة شرح حديث أسعد الناس بالشفاعة

- ‌ أمور تحصل بها شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث التاسع: الفرقان في بيان حقيقة الإيمان

- ‌الحديث العاشر: تبيين المحظور في اتخاذ المساجد على القبور

- ‌ كيف بدأ شرك القبور

- ‌على درب السابقين سار اللاحقون:

- ‌ صور اتخاذ القبور مساجد

- ‌الحديث الحادى عشر: حلة الكرامة شرح حديث "هل نرى ربنا يوم القيامة

- ‌ شبهات نفاة رؤية الله -تعالى- والرد عليها:

- ‌أهم الأسباب الجالبة لرؤية الله -تعالى- في الآخرة

- ‌ رؤية النساء لربهم في الجنة:

- ‌أقوال العلماء في فيما يستحقه من أنكر الرؤية:

- ‌الحديث الثانى عشر: إعلام الطالبين بفوائد حديث السبعين

- ‌ ما هو حكم الكي

- ‌ هل التوكل ينافي الأخذ بالأسباب

- ‌ جواز استخدام المعاريض:

- ‌هل الرؤى المنامية تصلح أن تكون مصدراً للأحكام الشرعية

- ‌ حكم التداوي:

- ‌الحديث الثالث عشربيان المسلَّمات في شرححديث قلت بَعْدَكِ أربع كلمات

- ‌تاريخ محنة الأمة:

- ‌أقوال الفرق المخالفة والرد عليهم:

- ‌حكم من قال بخلق القرآن:

- ‌ المواثيق الأربعة التي أخذها الله -تعالى- علي عباده

- ‌الحديث الخامس عشر: منحة الغافر شرح حديث أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر

- ‌ أصل الأنواء:

- ‌الحديث السادس عشر: البشارة بشرح حديث الإشارة

- ‌معتقد أهل السنة في أسماء الله تعالى:

- ‌هل الصفات هي الله - تعالى - أم غيره

- ‌ هل تُشرع الإشارة في أحاديث الصفات

- ‌الحديث السابع عشر: التنبيه والإيماء شرح حديث لا تحلفوا بالأباء

- ‌ حكم الحلف بغير الله - تعالى

- ‌الحديث الثامن عشر: الغرة والتحجيل بشرح حديث جبريل

- ‌ الإيمان بالملائكة:

- ‌ الإيمان بالكتب:

- ‌الحديث التاسع عشر: الموالاة بين التفريط والمغالاة "نظرة على حديث حاطب

- ‌ المظاهرة منها ما هو ردة ومنها ما يكون كبيرة

- ‌الحديث العشرون: التوضيح شرح حديث نزول المسيح

- ‌ الإشارات القرآنية الدالة على نزول عيسى عليه السلام:

- ‌ قوله تعالى: {قَبْلَ مَوْتِهِ} هل يعود على عيسى عليه السلام، أم على الكتابىِّ

- ‌وفاة المسيح عليه السلام:

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌المقدّمة: إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره،

بسم الله الرحمن الرحيم

‌المقدّمة:

إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفُسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مُضلّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبدُه ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب: 70 - 71].

أمّا بعدُ:

فإنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله- تعالى-، وخير الهَدي هَديُ محمد- صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدَثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أمّا بعدُ

فلا شكَّ أنّ أعظم زادٍ يلقى به العبد ربه- تعالى- يوم القيامة إنما هو صحة الاعتقاد في الله- تعالى- وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخِر.

فمقام العقيدة مقام عظيم وخطير، فكم زلّت أقدام، وضلّت أفهام، وتشعبت فِرَق بسبب سوء الفهم واتباع الهوى.

قال ابن القيّم:

"وهل أوقعَ القدَريّةَ والمُرجئةَ والخوارجَ والمعتزِلةَ والجَهْميةَ والرافضةَ وسائرَ الطوائف أهل البدع إلا سوءُ الفَهم عن الله ورسوله؟ حتى صار الدين بأيدي أكثر الناس هو موجَب هذه الأفهام".

(1)

لِذا الواجبُ على كل مسلم أن يتعلم ما يُصلح به عقيدتَه، ولمَ لا؟ وهي رأس

(1)

الروح (ص /63).

ص: 7

ماله وزادُه في مسيره إلى الله تعالى.

قال تعالى:

{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19].

وعن أنس- رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم أنه قال:

«طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» .

(1)

فإن لم يكن طلب علم الاعتقاد فرضًا، فأيُّ علم يكون طلبه فرضًا بعد ذلك؟!

ويكفي في خطورة هذا الباب: أن الخطأ فيه ليس كالخطأ في غيره؛

قال تعالى:

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 116].

قال المُزَنِيّ:

"كنت عند الشافعي أُسائله عن مسائلَ بِلِسان أهل الكلام، قال: فجَعَلَ يسمعُ مني وينظرُ إليّ

ثم يُجيبُني عنها بأقصرِ جواب، فلما اكتفيت قال لي: يا بنيّ، أدلك على ما هو خير لك من هذا؟

قلت: نعم، فقال:

"يا بنيّ، هذا علمٌ إن أنت أصبتَ فيه لم تؤجر، وإن أخطأت فيه كَفَرْتَ".

(2)

ولما ذكر القُرطبي مسألة مهمة من مسائل إفراد الله- تعالى- بالعبادة، قال- رحمه الله:

"وهذه المسألة أفضل للطالب من حفظ ديوان كامل في الفقه؛ لأنَّ جميع العبادات البدنية لا تصح إلا بتصحيح هذه المسألة في القلب، فافهمْ ذلك".

(3)

(1)

أخرجه ابن ماجه (224) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(15)، وهو من حديث حفص بن سليمان. متروك، قال السخاوي: وحفص ضعيف جدًا، بل اتهمه بعضهم بالكذب والوضع. قال البيهقي: هذا حديث متنه مشهور، وأسانيده ضعيفة، لا أعرف له إسنادًا يَثبت بمثله الحديث، والله أعلم.

قال العراقي: قد صحح بعض الأئمة بعض طرق هذ الحديث. قال المزّي: إن طُرُقه تبلُغ به رتبة الحسن.

تنبيه: قال السخاوي:

قد ألحق بعض المصنفين بآخِرِ هذا الحديث زيادة "ومُسْلِمَةٍ"، وليس لها ذِكرٌ في شيء من طرقه، وإن كان معناها صحيحًا.

وانظر المقاصد الحسنة (ص/275)، والمدخل إلى السنن الكبرى (ص/325)، ومأخذ العلم (ص/59).

(2)

وانظر مناقب الشافعي (1/ 460)، وطبقات الشافعية الكبرى (2/ 98).

(3)

وانظر الجامع لأحكام القرآن (14/ 17).

ص: 8

فأرجى ما يلقى به العبد ربه- عز وجل أن يكون صحيح المعتقَد، فهذا سبيل النجاة.

قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} [الشعراء: 88 - 89]. قال مُجاهِد والحسَن: {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} يعني: من الشرك. وقال أبو عثمان النيسابوري: "هو القلب الخالي من البدعة، المطْمئن إلى السنة".

(1)

وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو- رضي الله عنهما أن رَسُولَ اللهِ- صلى الله عليه وسلم قال:

«إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الخَلَائِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟

أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟

فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ.

قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ، فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ».

(2)

وفي هذا المعنى قال ابن رجب:

"فإنْ كَملَ توحيدُ العبد وإخلاصه لله فيه، وقام بشروطه كلِّها بقلبه ولسانه وجوارحه، أو بقلبه ولسانه عند الموت؛ أوجبَ ذلك مغفرةَ ما سلفَ من الذنوب كلها، ومنعه من دخول النار بالكُلّية. فمن تحقَّق بكلمة التوحيد قلبه؛ أَخرجتْ منه كل ما سِوى اللهِ محبةً وتعظيمًا وإجلالًا ومهابةً وخشيةً ورجاءً وتوكلًا، وحينَئذٍ تَحرق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مِثل زَبَدِ البحر، ورُبّما قلَبتْها حسناتٍ".

(3)

وقد حرَصتُ في هذا الكتاب على أن يشتمل في كل مبحث من مباحثه على أمور أربعة، بها يكمُل بنيان العقيدة في حياة طالب العلم:

الأول: ذكر عقيدة أهل السنة في المسألة.

(1)

وانظر جامع البيان في تأويل القرآن (19/ 366)، وتفسير القرآن العظيم (6/ 150).

(2)

أخرجه الترمذي (2639)، وقال:"هذا حديث حسَن غريب "، وصححه الألباني في "الصحيحة" (ح: 135).

(3)

روائع التفسير (1/ 340).

ص: 9

الثاني: ذكر أدلة هذا المعتقَد من: الكتاب، والسنة، والإجماع، والنظَر.

الثالث: ذكر شُبهات المخالفين لأهل السنة.

الرابع: ذكر الرد على تلك الشبهات.

* وهكذا يكون البناء العقَدي لطالب العلم مبنيًّا على ترسيخ التأسيس، و كشف التلبيس:

ترسيخ التأسيس: وذلك بمعرفة المعتقَد، ومعرفة أدلة هذا المعتقَد.

كشف التلبيس: وذلك بالوقوف على شبهات المخالفين، الذين أبَوْا إلا أن يخالفوا نهج أهل السنة والجماعة، حتى حادُوا عن طريق البيّنات إلى بُنَيّات الطريق.

* ولقد كان جُلُّ اهتمام العلماء في منشأِ الأمر متوجهًا نحو تأسيس عقيدة السلف وتبيينها، حتى اضطُرُّوا بعد ذلك إلى الرد على نابتة السوء من أهل البدع ومَن على شاكلتهم.

قال الدارمي:

"وما ظَنَنّا أنا نُضطر إلى الاحتجاج على أحد ممن يدَّعي الإسلام في إثبات العرش والإيمان به، حتى ابتُلِينا بهذه العِصابة المُلحدة في آيات الله؛ فشغلونا بالاحتجاج لِما لم تختلف فيه الأمم قبلنا، وإلى الله نشكو ما أَوْهَتْ هذه العصابة مِن عُرَى الإسلام، وإليه نلجأ، وبه نستعين".

(1)

*وصدقَ رحمه الله، فحينما تقرأ في شبهات أهل البدع وأباطيلهم فسترى عقولًا فيها باضَ الشيطان وفرَخ، حتى أنتج لأوليائه فِكَرًا بلهاء، بل زندقة صلعاء، لا تملك أمامها إلا أن تحمد ربك على سلامة العقل، والعافية في الدين.

* ولا شك أن الرد على أهل البدع من أفضل ما يتقرَّب به طالب العلم إلى الله عز وجل، وهذا ضَرْبٌ من الجهاد في سبيل الله تعالى.

وقد روجع شيخ الإسلام ابن تيمية في كثرةِ رده على أهل البدع، كما حكى ذلك

(1)

الرد على الجهمية (ص/26). قوله: "ما أوهب هذه العصابة

"، قال صاحب التاج: أوهبَ لك الشيءَ: أمكنك أن تأخذه وتناله. ا. هـ، فيكون المراد أنهم جعلوا عُرى الإسلام سهلة المَنال لأعداء الإسلام.

ص: 10

عنه أحد تلامذته، وهو أبو حفصٍ البزَّار، حيث قال:

"ولقد أكثر شيخ الإسلام- رضي الله عنه التصنيف في الأصول، فضلًا عن غيرها من بقية العلوم، فسألته عن سبب ذلك، فقال:

إني رأيتُ أهل البدع والضلالات والأهواء قصدوا إبطال الشَّرِيعَة، وأوقعوا النَّاس فِي التشكيك فِي أصول دينهم، فبان لي أنه يجب على كل من يقدر على دفع شُبَههم وأباطيلهم وَقطع حجتهم وأضاليلهم أن يَبْذُلَ جُهده ليكشف رذائلهم، ويُزيِّف دلائلهم ذبًّا عَن المِلّة الحنيفية والسّنّة الصحِيحَة الجليّة.

فهذا ونحوُه هو الذي أَوْجَبَ أنّي صرَفتُ جُلَّ همّي إلى الأصول، وألزمَني أن أوردتُ مقالاتِهم وأجبتُ عنها بما أنعم الله- تعالى- به من الأجْوبة النقلية والعقلية".

(1)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:

"ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإنّ بيان حالهم وتحذيرَ الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمدَ بنِ حنبل:

الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحبُّ إليك، أوْ يتكلم في أهل البدع؟

فقال:

إذا قام وصلَّى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضلُ".

(2)

* وما فَتِئَ علماءُ الأمة و حُماة المِلّة يسطِّرون فى الرد على أهل البدع والأهواء،

وأمثلة ذلك لا حصر لها، لكن من باب التمثيل نذكر:

الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد بن حنبل، والرد على المنطقيِّين لشيخ الإسلام ابن تيمية، والصواعق المرسَلة على الجهمية والمعطّلة لابن قيّم الجوزية، والرد على الجهمية للدارمي

وغير ذلك كثير.

*ولا شكَّ أن الرد على أهل البدع وكسْرَ أقلامهم وقمْعَ نَهْجهم هو ضَرْبٌ من ضُروب الجهاد في سبيل الله تعالى.

(1)

الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (ص/35).

(2)

مجموع الفتاوى (28/ 231)، وطبقات الحنابلة (3/ 400).

ص: 11

*ومما يُستأنس به لهذا الأصل: ما قد رواه أَنَسٌ- رضي الله عنه عن النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم أنه قالَ: «جاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ» .

(1)

قال أبو العباس ابن تيمية:

"فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدَع مناظرةً تَقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلامَ حقَّه، ولا وفَّى بموجَب العلم والإيمان، ولا حَصَلَ بكلامه شفاءُ الصدور وطُمَأنينة النفوس، ولا أفاد كلامُه العلمَ واليقينَ.

وقد أوجب الله- تعالى- على المؤمنين الإيمان بالرسول والجهاد معه، ومِن الإيمان به تصديقُه في كل ما أخبر به، ومن الجهاد معه دفعُ كل مَن عارض ما جاء به وألحد في أسماء الله وآياته".

(2)

وكان هذا دأبًا ومنهجًا لأبي العباس ابن تيمية فى جهاد أهل البدع بقلمه ويده، ما لم يترتب على ذلك مفسدة، كما حكى تلميذه ابن كثير قائلًا:

"وراح الشيخ تقي الدين ابن تيمية إلى مسجد النارنج، وأمرَ أصحابَه ومعهم حجَّارون بقطع صخرة كانت هناك بنهر قَلُوط- تُزارُ ويُنذَرُ لها- فقطعَها، وأراح المسلمين منها ومن الشرك بها، فأزاح عن المسلمين شبهة كان شرها عظيمًا".

(3)

قال ابن القَيّم:

"وتبليغ سُنّته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نُحور العدوّ؛ لأن ذلك التبليغ يفعله كثير من الناس، وأما تبليغ السُّنَن فلا تَقُوم به إلا وَرَثة الأنبياء وخُلَفاؤهم في أُمَمهم، جعلَنا الله- تعالى- منهم بمَنّه وكرمه".

(4)

قال الغَزالي:

"فهذا حُكم العقيدة التي تعبّد الخلق بها، وحُكم طريق النِّضال عنها وحِفظها، فأمّا إزالة الشبهة وكشف الحقائق ومعرفة الأشياء على ما هي عليه وإدراك الأسرار التي يُتَرْجمها ظاهرُ ألفاظ هذه العقيدة فلا مِفتاح له إلا المُجاهَدة

".

(5)

(1)

أخرجه أحمد (12246)، وأبو داود (2504)، وانظر صحيح أبي داود (2262).

(2)

مجموع الفتاوى (20/ 165).

(3)

البداية والنهاية (18/ 46).

(4)

جِلاء الأفهام (ص 415).

(5)

قواعد العقائد (ص 111).

ص: 12

قال ابن رجب:

"وكذلك من يشتغل بالعلم؛ لأنه أحد نوعَي الجهاد، فيكون اشتغاله بالعلم للجهاد في سبيل الله والدعوة إليه، فلْيأخذْ مِن أموال الفَيْء أو الوُقوف على العلم قَدْرَ الكِفاية ليتقوَّى على جهاده، ولا ينبغي أن يأخذ أكثر من كفايته من ذلك".

(1)

أقول:

إنّ المتصفِّح لأسطُر هذا الكتاب سيقف على حقيقةٍ هي من الأهمية بمكان، وهي أنّ أخصَّ ما ميَّزَ أهل السنة والجماعة مِن غيرهم مِن فِرَق الأمة أمران:

(تعظيم الأثَر، والثبات على المنهج).

فتعظيم الأثر هو أحد أهمّ الدلائل على صحة الادّعاء أنّ أهل السنة والجماعة هم الفِرْقة الناجية.

فاعتصام أهل السنة والجماعة بالآثار أمرٌ بيّنٌ واضحٌ وُضوحَ الشمس في رائعة النَّهار، وليس أدلّ على صحة هذا الأمر- الذي هو اتباع ظواهر النصوص والعَضّ عليها بالنَّواجِذ- مِن كونه صار سُبّةً يُرمى بها أهل السنة والجماعة.

فالآثار هي غنيمة أهل السنة، {وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} ، فقد تمسَّكوا بالمسطور، ونبذوا محدَثات الأمور، حتى خرجت عقيدتهم مِن بَينِ فَرْثٍ ودمٍ لَبَنًا خالصًا سائغًا لِلشّاربينَ.

وأما الأمر الثاني "الثبات على المنهج":

فمن سمات أهل السنة والجماعة الثباتُ على المنهج، وهذه مما حَظِيَ به أهل السنة والجماعة دُونَ غيرهم من الفرق، فتقرأ كثيرًا عن الاختلاف البيِّن الواسع والتخبُّط الظاهر الشاسع بين المتقدمينَ والمتأخرينَ في كل فرقة من الفرق الضالّة، وتسمع كثيرًا قول القائل: متأخِّرو القدرية، ومتقدِّمو الأشاعرة

إلخ، ومِثل هذا لا تراه- بفضل الله- عند أهل السنة والجماعة.

وكم من إمامٍ من الأئمة الكبار في تلك الفِرَق رأيناه يُظهر الندامة على عُمره الذي أضاعه في القِيلِ والقالِ، والطريقِ السقيمِ الضالّ؛ لِيُعلنَ العودة إلى سَواء السبيل وشِفاء العَليل، إلى آثار النُّبُوّة والتنزيل!

(1)

الحِكَم الجديرة بالإذاعة (ص/33).

ص: 13

وأخيرًا

هذا جُهْدُ المُقِلِّ، قد أنفقتُ فيه جُهدي، وبذلت وُسْعي، وقد سطَّرته وأنا أعلمُ أنّه عملٌ بشريٌّ يعتريه الخطأ والتقصير، وهذا المعنى قد ذكره الله- عز وجل في قوله- تعالى-:

{

وَلَوْ كَانَ من عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].

وفي هذا المعنى قال الصَّحابيُّ الجَليل عبد الله بنُ مسعود رضي الله عنه:

"فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فمِنَ اللَّهِ وإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ".

(1)

وأمّا أنا فقد اعترفتُ بقُصوري فيما اعتمدتُ عن الغاية، وتقصيري عن الانتهاء إلى النهاية، فأسأل الناظرَ فيه ألّا يعتمد العَنَتَ ولا يقصدَ قَصْدَ مَن إذا رأى حسنًا سَتَرَهُ، وعيبًا أَظْهَرَهُ، ولْيتأمَّلْهُ بعين الإنصاف لا الانحراف، فمَن طلبَ عيبًا وَجَدَّ وَجَدَ، ومَن افتقد زَلَلَ أخيه بعين الرِّضا فقد فَقَدَ.

(2)

*فيا أَيها القارئ لِما سطَّرتُه والناظرُ فيه، هذه بِضاعةُ صاحِبِها المُزْجاةُ مَسُوقةٌ إليك، وهذا فَهْمُهُ وعقله معروضٌ عليك، لك غُنْمُهُ، وعلى مؤلِّفه غُرْمُهُ، ولك ثمرتُه، وعليه عائدتُه، فإنْ عَدِمَ منك حمدًا وشكرًا، فلا يَعْدَم منك مَغفرةً وعُذْرًا، وإِنْ أَبَيْتَ إلا المَلامَ فبابُه مفتوح.

(3)

فاللهَ- تعالى- أسألُ أن يتقبل هذه الورقات بقَبولٍ حَسَنٍ، وأنْ يُنبتها- نشرًا وعملًا بين المسلمين- نباتًا حسنًا، وأن يجعلها خالصة لوجهه- تعالى- ولا يجعلَ لأحدٍ فيها شيئًا.

ولا يفوتُني أن ألتمس مِن كل من قرأ هذا الكتاب أن يتفضل مشكورًا بإبداء نُصحه وملاحظاته؛ فإنَّ المؤمن مِرْآة أخيه المؤمن، والله -تعالى- في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، واللهَ -تعالى-أسألُ أنْ يوفقَنا لِما فيه الصواب.

وَنَادَيْتُ أللَّهُمَّ يَا خَيْرَ سَامِعٍ

أَعِذْنِي مِنَ التَّسْمِيعِ قَوْلًا وَمِفْعَلَا

إِلَيكَ يَدِي مِنْكَ الأَيَادِي تَمُدُّهَا

أَجِرْنِي فَلا أَجْرِي بِجَوْرٍ فَأَخْطَلَا

(1)

سنن أبي داود (2116).

(2)

مُعجَم الأدباء (1/ 16).

(3)

طريق الهجرتين (ص/7).

ص: 14

أَمِينَ وَأَمْنًا لِلأَمِينِ بِسِرِّهَا

وَإنْ عَثَرَتْ فَهْوَ الأَمُونُ تَحَمُّلَا

أَقُولُ لِحُرٍّ وَالْمُرُوءةُ مَرْؤُهَا

لِإخْوَتِهِ الْمِرْآةُ ذُو النُّورِ مِكْحَلَا

أَخي أَيُّهَا الْمُجْتَازُ نَظْمِي بِبَابِهِ

يُنَادَى عَلَيْهِ كَاسِدَ السُّوقِ أَجْمِلَا

وَظُنَّ بِهِ خَيْرًا وَسَامِحْ نَسِيجَهُ

بِالِاغْضاءِ وَالْحُسْنَى وَإِنْ كانَ هَلْهَلَا

وَسَلِّمْ لَإِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إِصَابَةٌ

وَالُاخْرَى اجْتِهادٌ رَامَ صَوْبًا فَأَمْحَلَا

وَإِنْ كانَ خَرْقٌ فَادَّرِكْهُ بِفَضْلَةٍ

مِنَ الْحِلْمِ وَلْيُصْلِحْهُ مَنْ جَادَ مِقْوَلا

(1)

للتواصل مع المؤلف الشيخ أيمن إسماعيل الموقع الرسمي للشيخ: https://aymenesmail.com

الايميل: aymanismail 700@gmail.com

قناة اليوتيوب: https://youtube.com/user/ay mnismail

الصفحة الرسمية على الفيس بوك: https://www.facebook.com/ayman.ismaeil 66

(1)

أبيات من متن الشاطبية (1/ 6).

ص: 15