الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معنى عليم لا غير؛ لأن كونه كذلك يوجب مساواته تعالى للأعمى والأصم الذى يعلم أن السماء خضراء ولا يراها، وأن فى العالم أصواتًا ولا يسمعها.
(1)
2) الثانية:
جوازالإشارة في الصفات:
ورد في حديث الباب أن أَبا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
" رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَة: {إِنَّ اللهَ يَامُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ، إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ، إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء/58]، وَيَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ.
ففي هذا الحديث قد أشار النبي صلى الله عليه وسلم بالسبابة والإبهام إلى العين والأذن، وليس ذلك لأثبات صفتى العين والأذن، وإنما لإثبات صفتي السمع والبصر، وهى من صفات الله -تعالى- الذاتيه.
(2)
* وهنا السؤال:
هل تُشرع الإشارة في أحاديث الصفات
؟؟
الصحيح أن الإشارة في أحاديث الصفات الإلهية إنما تكون بضوابط:
*الضابط الأول: أن تكون الإشارة على سبيل التوقيف:
بمعنى أنها تكون فقط في الأحاديث التى وردت فيها الإشارة، ومن ذلك ما يلى:
1) عن ابْنِ عُمَرَ -رضى الله عنهما - أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " يَأْخُذُ اللهُ عز وجل سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ، فَيَقُولُ: أَنَا اللهُ - وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا - أَنَا الْمَلِكُ "، قال ابن عمر:
حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ:
أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟
(3)
2) عَنْ ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:
«إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى
(1)
ذكره تعليقاً على قول البخاري في كتاب التوحيد من صحيحه: باب قوله تَعَالَى: (وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا)[النساء: 58]، وانظر شرح صحيح البخارى لابن بطال (10/ 416)
(2)
وأما صفة العين لله -تعالى- في ثابتة له عزوجل بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وأما صفة الأذن فهذه مما نتوقف فيها لعدم ورود أدلة الشرع بإثباتها ولا نفيها.
(3)
أخرجه مسلم (2788)
عَلَيْكُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ - وَإِنَّ المَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ»».
(1)
2) الضابط الثاني: "أن تكون الإشارة لتحقيق المعنى، دون الكيف":
فقوله تعالى (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ) وقوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، مع ما ورد في غير ما موضع من السنة من أحاديث الإشارة لا يدل إلا على حقيقة واحدة وهى أن المراد بالإشارة في أحاديث الصفات -ومنها حديث الباب -إنما هو لإثبات المعنى، دون أن يتعلق ذلك بتشبيه ولا تمثيل لصفات الله - تعالى- بشيء من خلقه.
ومحل التمثيل فيها ما كان من نطقها، أما ما كان بالإشارة فلا يسمى تمثيلاً.
والإشارة إلى ذلك يقصد بها تفهيم الناس معنى الصفة، ولا يقصد بها تشبيه ذلك بالمخلوق، فالتمثيل معناه:
ذكر المثال أو المِثل، فالمثال منفي عن الله قطعاً؛ لأنه لا مثل له، والمثل منه ما هو منفي، ومنه ما هو مثبت، فهو ينقسم إلى قسمين: الأول: مثل للتشبيه وهو منفي عنه قطعاً، والثاني: مثَل للتفهيم.
(2)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وفي السنن عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قرأ على المنبر (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً) ووضع إبهامه على أذنه وسبابته على عينه، ولا ريب أن مقصوده بذلك تحقيق الصفة، لا تمثيل الخالق بالمخلوق.
(3)
3 -
الضابط الثالث "الأمن من وقوع الفتنة":
وذلك بأن نأمن على السامعين ألا يقعوا في فتنة التشبيه، بحيث أنك إذا ما ذكرت أحاديث الإشارة عند البعض فقد يظن أن صفات الخالق تشابه صفات المخلوقين.
(1)
أخرجه البخاري (7407)
(2)
سلسلة الأسماء والصفات للددو (3/ 5)
(3)
شرح العقيدة الأصفهانية (ص/133)
*فالقاعدة هنا: " ليس كل ما يُعرف يُقال "
وهى قاعدة مستنبطة من عدة أدلة شرعية:
منها حديث معاذ-رضى الله عنه- لما استأذن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يحدِّث بحديث فضل الشهادتين، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَلَا أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِذًا يَتَّكِلُوا»
(1)
وقد بوَّب البخاري لهذا الحديث بقوله: باب " مَنْ خَصَّ بِالعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ، كَرَاهِيَةَ أَنْ لَا يَفْهَمُوا"، ثم ذكر تحته أيضاً قول عَلِيّ بن أبي طالب رضى الله عنه:(حَدِّثُوا النَّاسَ، بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ)
(2)
ثم ذكربعده حديث معاذ-رضى الله عنه- السابق، وإنما لم يذكره معاذ إلا عند موته؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم لم يأذن له في ذلك؛ لمَّا خشي من تنزيله غير منزلته، وَعَلَّمَهُ معاذاً لأنه من أهله.
قال ابن حجر:
وقول عليِّ فيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة، وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوِّي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب، والله أعلم.
(3)
وعند مسلم باب: " بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْحَدِيثِ بِكُلِّ مَا سَمِعَ"،
وقد أسند تحته قول عَبْد اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضى الله عنه:
(4)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه - قَالَ:
حَفِظْتُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وِعَاءيْنِ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ فِي النَّاسِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ، لَقُطِعَ هَذَا البُلْعُوْمُ.
(5)
(1)
متفق عليه.
(2)
ذكره البخاري معلقاً (127) ووصله مسنداً القاضي المحدث المهلب بن أبي صفرة التميمي المالكي الأندلسي في " المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح":
أنبانَا عُبَيْدُ الله بن موسي، عَنْ مَعْرُوفٍ بْنُ خَرَّبُوذَ عَنْ أبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: (حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ الله عز وجل وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم
(3)
فتح الباري (1/ 330)
(4)
صحيح مسلم (1/ 107)
(5)
رواه البخاري (120)
وقد حمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم.
وقد كان أبو هريرة -رضى الله عنه- يكني عن بعضه، ولا يصرح به خوفاً على نفسه منهم، كقوله: أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان، يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية، لأنها كانت سنة ستين من الهجرة، واستجاب الله دعاء أبي هريرة، فمات قبلها بسنة.
وقال ابن المنير:
جعل بعضهم هذا الحديث ذريعة إلى تصحيح باطلهم حيث اعتقدوا أن للشريعة ظاهرا وباطنا، وذلك الباطل، إنما حاصله الانحلال من الدين، وإنما أراد أبو هريرة -رضى الله عنه- بقوله:
قطع، أي: قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم، وتضليله لسعيهم، ويؤيد ذلك أن الأحاديث المكتومة لو كانت من الاحكام الشرعية ما وسعه كتمانها.
قال القرطبي:
" قال علماؤنا: وهذا الذي لم يبثه أبو هريرة -رضى الله عنه- وخاف على نفسه فيه الفتنة أو القتل إنما هو مما يتعلق بأمر الفتن، والنص على أعيان المرتدين، والمنافقين، ونحو هذا مما لا يتعلق بالبينات والهدى، والله تعالى أعلم " انتهى.
وانظر كوثَر المَعَاني كَشْفِ خَبَايا صَحِيحْ البُخَاري (4/ 76) وفتح الباري (1/ 217) و"الجامع لأحكام القرآن "(2/ 186)
وقال الذهبي ـ معلقًا على قول أبي هريرة -:
هذا دالٌّ على جواز كتمان بعض الأحاديث التي تحرّك فتنة في الأصول أو الفروع، أو المدح أو الذم، أما حديث يتعلّق بحِلٍّ أو حرام فلا يجوز كتمانه بوجه"
(1)
.
ولَمَّا طعن بعض المغرضين في شيخ الإسلام ابن تيمية، وكان من جملة ما شنَّعوا به عليه أنه يحدِّث الناسَ بدقائق المسائل التي لا تتحملها عقولهم؛ ردّ رحمه الله عن نفسه هذه الفرية قائلًا:
"وأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: لا يَتَعَرَّضُ لأحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَآيَاتِهَا عند الْعَوَامِّ: فأَنا ما فاتَحْت عَامِّيًّا في شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَطُّ ".
(2)
قال الشاطبي:
التحدُّث مع العوام بما لا تفهمه ولا تعقل مغزاه هو من باب وضع الحكمة غير موضعها، فسامعها إما أن يفهمها على غير وجهها، وهو الغالب، وذلك فتنة تؤدي إلى التكذيب بالحق، وإلى العمل بالباطل، وإما لا يفهم منها شيئاً، وهو أسلم، ولكن المحدِّث لم يعطِ الحكمة حقها من الصون، بل صار التحدُّث بها
(1)
سير أعلام النبلاء (2/ 597)
(2)
مجموع الفتاوى (5/ 266)
كالعابث بنعمة الله، ومقتضى الحكمة لا تعلَّم الغرائب إلا بعد إحكام الأصول، وإلا دخلت الفتنة.
(1)
فالضابط الثالث هذا أهم هذه الضوابط؛ وذلك حسماً لمادة التشبيه التى نفتها أدلة الكتاب والسنة والإجماع والنظر.
* فإن قيل:
قول الإمام مالك:
من وصف شيئاً من ذات الله مثل قوله {وقالت اليهود يد الله مغلولة} فأشار بيده إلى عنقه، ومثل قوله {وهو السميع البصير} فأشار إلى عينه وأذنه أو شيئا من يديه قطع ذلك منه؛ لأنه شبَّه الله بنفسه.
(2)
، فهو يمنع الإشارة عند الحديث عن الصفات الإلهية.
*والجواب من وجوه:
1 -
الأول:
هذه الرواية عن مالك منقطعة، لذا فثبوتها عن مالك غير متحقق.
2 -
على فرض صحة سندها فإن النصوص الشرعية التي أفادت جواز الإشارة بالضوابط السابقة لا شك أنها مقدَّمة على ما سواها من أقوال.
3 -
أن غير مالك من الأئمة في زمنه وبعد زمنه رووا هذه الأحاديث، فكانوا يشيرون بأيديهم لتقريب المعنى، ومن دلائل ذلك:
أ) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَخَافُ عَلَيْنَا وَقَدْ آمَنَّا بِكَ، وَصَدَّقْنَاكَ بِمَا جِئْتَ بِهِ، فَقَالَ:
«إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ عز وجل يُقَلِّبُهَا» ، وَأَشَارَ الْأَعْمَشُ بِإِصْبَعَيْهِ.
(3)
ب) قال عبد الله بن أحمد:
سمعت أبي رحمه الله، ثنا يحيى بن سعيد، بحديث سفيان عن الأعمش، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«أَنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ عَلَى أُصْبُعٍ» ،
(1)
الاعتصام (ص/272)
(2)
الفتاوى الكبرى (6/ 416) والتمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (3/ 351)
(3)
اخرجه ابن ماجه (3834) وصححه الألبانى.
قَالَ أَبِي رحمه الله:
جَعَلَ يَحْيَى يُشِيرُ بِأَصَابِعِهِ، وَأَرَانِي أَبِي كَيْفَ جَعَلَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ يَضَعُ أُصْبُعًا أُصْبُعًا، حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا.
(1)
ج) قال ابن منده بعد أن روى حديث: «إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن» هكذا، قال:
ووصف سفيان الثوري بالسبابة والوسطى فحركهما، وهذا حديث ثابت باتفاق، وكذلك حديث النواس بن سمعان حديثاً ثابتاً رواه الأئمة المشاهير ممن لا يمكن الطعن على واحد منهم.
(2)
وصلى الله على النبي وعلى آله وصحبه وسلم.
(1)
السنة (489)
(2)
وانظر الرد على الجهمية (47) والعقود الذهبية (1/ 176)