الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إخفاء القبيح، والتورية بما هو أحسن، وليس من باب الكذب.
(1)
3 -
عن أبي هريرة -رضى الله عنه-قال النبي صلى الله عليه وسلم: لم يكذب إبراهيم عليه السلام في شئ قط إلا في ثلاث: قوله: إني سقيم؛ ولم يكن سقيماً، وقوله لسارة: أختي؛ وقوله:
(بل فعله كبيرهم هذا).
(2)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وتباح المعاريض عند الحاجة الشرعية، وهي قد تسمى كذباً بإعتبار الإفهام؛ فإنها ليست على ما يفهمه المخاطب، وإن كانت لا تعد كذباً بإعتبار الغاية السائغة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات.
(3)
4 -
قال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -إِلَى المَدِينَةِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ، وَنَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -شَابٌّ لَا يُعْرَفُ، قَالَ:
فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ، قَالَ: فَيَحْسِبُ الحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الخَيْرِ.
(4)
** ومن الفوائد المهمة التي اشتمل عليها حديث الباب:
ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: (عُرِضَتْ علىَّ الأُممُ)
وهذا الذي عُرض على النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان في رؤيا منامية، ف
هل الرؤى المنامية تصلح أن تكون مصدراً للأحكام الشرعية
؟؟
الجواب على تفصيل:
1 -
القسم الأول:
أما رؤيا الأنبياء فهي وحي وشرع؛ مثله مثل ما يأتيهم حال اليقظة، وعليه فهي مصدر للأحكام الشرعية.
(1)
وانظر معالم السنن (1/ 250)
(2)
متفق عليه.
(3)
مجموع الفتاوى (28/ 223)
(4)
أخرجه البخاري (3911)
قال تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} (الصافات: 102).
* وجه الدلالة من أمرين:
1 -
لو لم تكن رؤيا الأنبياء وحياً لما جاز لإبراهيم عليه السلام أن يقدم على ذبح ولده.
2 -
قول إسماعيل عليه السلام (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) دل أنه من أمر الله عز وجل.
قال عبيد بن عمير: (رؤيا الأنبياء وحي)، ثم قرأ هذه الآية {إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}
(1)
قال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء أن رؤيا الأنبياء وحي لهذه الآية، وهذا واضح والحمد لله.
(2)
*ومن السنة:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
…
«الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» .
(3)
2 -
القسم الثاني:
رؤيا غير الأنبياء وهي على تفصيل:
1 -
رؤيا بعض الصحابة -رضى الله عنه- على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهي التي تحمل أحكاماً شرعية؛ فهي مصدر للأحكام بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لها، ومن ذلك:
(أ) حديث عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ-رضى الله عنه- لما طَافَ به رجل وَهو نَائِمٌ، فَلَمَّا أَصْبَح أَتَيْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْه بِمَا رَأَيْ، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم:
" إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ "
(4)
(1)
رواه البخاري (138)
(2)
الاستذكار (8/ 456)
(3)
متفق عليه.
(4)
أخرجه أحمد (16478) وصححه ابن حجر والترمذى، وقال الترمذى في علله الكبير: سألت البخاري عن هذا الحديث فقال: هو عندي صحيح، وانظر نصب الراية (1/ 259) وإرواء الغليل (246)
(ب) وعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم-أُرُوا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي المَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
(1)
فمثل هذه المنامات مصدر للأحكام الشرعية بالإتفاق؛ وذلك لإقرار النبي-صلى الله عليه وسلم -لها.
2) الرؤيا المنامية بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
فهذه قد اتفق أهل العلم على أنها لا تصلح أن تكون مصدراً للأحكام الشرعية، وإنما هي تبشير وتنبيه تصلح للإستئناس بها إذا وافقت حجة شرعية صحيحة.
ومثال ذلك: ما ذكره أَبَو جَمْرَةَ الضُّبَعِيَّ قال:
تَمَتَّعْتُ فَنَهَانِي نَاسٌ عَنْ ذَلِكَ، فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَنِي بِهَا، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى الْبَيْتِ فَنِمْتُ، فَأَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي، فَقَالَ: عُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، وَحَجٌّ مَبْرُورٌ، قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي رَأَيْتُ، فَقَالَ:
«اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم» .
(2)
أما ما سوى ذلك من الرؤى التي يراها آحاد الناس فليست بالاتفاق مصدراً للأحكام الشرعية.
قال الشوكاني:
ولا يخفاك أن الشرع الذي شرعه الله عز وجل لنا على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم -قد كمل كما في قوله تعالى" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ "(المائدة: 3)، ولم يأتنا دليل على أن رؤيته في النوم بعد موته صلى الله عليه وسلم -إذا قال فيها بقول يكون دليلاً وحجة، وبهذا تعلم أن لو قدّرنا ضبط النائم لم يكن ما رآه من قوله صلى الله عليه وسلم -أو فعله حجة عليه، ولا على غيره من الأمة.
(3)
(1)
متفق عليه.
(2)
أخرجه مسلم (1242)
(3)
إرشاد الفحول (2/ 202)