المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أصل الأنواء: - الأربعون العقدية - جـ ١

[أيمن إسماعيل]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء

- ‌تقديم فضيلة الشيخ الدكتور/ محمد حسن عبد الغفار - حفظه الله

- ‌المقدّمة:

- ‌الحديث الأول: ثمار الأراك في شرح حديث الافتراق

- ‌أهم الفوائد المتعلقة بحديث الباب:

- ‌الحديث الثاني: البيان المناط بفوائد حديث ذات أنواط

- ‌ حُسن المَقْصِد يحتاج إلى حُسن العَمَل

- ‌مسألة العذر بالجهل ليست على إطلاقها

- ‌ الفرق بين العَرَّاف والكاهِن:

- ‌ قصة الْكُهَّان:

- ‌ حكم تعلّم "علم التنجيم

- ‌الحديث الرابع: بلوغ العلم شرح حديث أول ما خلق الله القلم

- ‌ بيان أوّلُ المخلوقات التى خلقها الله

- ‌الحديث الخامس: السنة المأثورة في شرح حديث الصورة

- ‌الحديث السادس: المنهاج في شرح حديث الاحتجاج

- ‌ كيفية وقوع المناظرة بين آدم وموسى عليهما السلام:

- ‌ العبد بين المقدور والمأمور:

- ‌الحديث السابع: بذل الأمل شرح حديث على ما كان من العمل

- ‌ هل تَفْنَى الجنة والنار

- ‌الحديث الثامن: إتحاف الجماعة شرح حديث أسعد الناس بالشفاعة

- ‌ أمور تحصل بها شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث التاسع: الفرقان في بيان حقيقة الإيمان

- ‌الحديث العاشر: تبيين المحظور في اتخاذ المساجد على القبور

- ‌ كيف بدأ شرك القبور

- ‌على درب السابقين سار اللاحقون:

- ‌ صور اتخاذ القبور مساجد

- ‌الحديث الحادى عشر: حلة الكرامة شرح حديث "هل نرى ربنا يوم القيامة

- ‌ شبهات نفاة رؤية الله -تعالى- والرد عليها:

- ‌أهم الأسباب الجالبة لرؤية الله -تعالى- في الآخرة

- ‌ رؤية النساء لربهم في الجنة:

- ‌أقوال العلماء في فيما يستحقه من أنكر الرؤية:

- ‌الحديث الثانى عشر: إعلام الطالبين بفوائد حديث السبعين

- ‌ ما هو حكم الكي

- ‌ هل التوكل ينافي الأخذ بالأسباب

- ‌ جواز استخدام المعاريض:

- ‌هل الرؤى المنامية تصلح أن تكون مصدراً للأحكام الشرعية

- ‌ حكم التداوي:

- ‌الحديث الثالث عشربيان المسلَّمات في شرححديث قلت بَعْدَكِ أربع كلمات

- ‌تاريخ محنة الأمة:

- ‌أقوال الفرق المخالفة والرد عليهم:

- ‌حكم من قال بخلق القرآن:

- ‌ المواثيق الأربعة التي أخذها الله -تعالى- علي عباده

- ‌الحديث الخامس عشر: منحة الغافر شرح حديث أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر

- ‌ أصل الأنواء:

- ‌الحديث السادس عشر: البشارة بشرح حديث الإشارة

- ‌معتقد أهل السنة في أسماء الله تعالى:

- ‌هل الصفات هي الله - تعالى - أم غيره

- ‌ هل تُشرع الإشارة في أحاديث الصفات

- ‌الحديث السابع عشر: التنبيه والإيماء شرح حديث لا تحلفوا بالأباء

- ‌ حكم الحلف بغير الله - تعالى

- ‌الحديث الثامن عشر: الغرة والتحجيل بشرح حديث جبريل

- ‌ الإيمان بالملائكة:

- ‌ الإيمان بالكتب:

- ‌الحديث التاسع عشر: الموالاة بين التفريط والمغالاة "نظرة على حديث حاطب

- ‌ المظاهرة منها ما هو ردة ومنها ما يكون كبيرة

- ‌الحديث العشرون: التوضيح شرح حديث نزول المسيح

- ‌ الإشارات القرآنية الدالة على نزول عيسى عليه السلام:

- ‌ قوله تعالى: {قَبْلَ مَوْتِهِ} هل يعود على عيسى عليه السلام، أم على الكتابىِّ

- ‌وفاة المسيح عليه السلام:

الفصل: ‌ أصل الأنواء:

قال أبوعمر:

الرزق في هذه الآية بمعنى الشكر، كأنه قال: وتجعلون شكركم لله على ما رزقكم من الماء أن تنسبوا ذلك الرزق إلى الكوكب.

(1)

والظاهر من فعل المشركين -والله أعلم- أنهم كانوا يقصدون بقولهم:

«مطرنا بنوء كذا وكذا» :

أن حركة النوء هى التى تسببت في إسقاط المطر، لا أنها هي الفاعلة بذاتها لذلك؛ يدل عليه قوله تعالى

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ)(العنكبوت/63)

*‌

‌ أصل الأنواء:

أنْوَاء: جمع نَوء، وناء النجم أى طلع ونهض، والمعنى:

سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر، وطلوع رقيبه، وهو نجم آخر يقابله من ساعته في المشرق في كل ليلة، وإنما سُمي نوءًا؛ لأنه إذا سقط الغارب ناء الطالع - أي: نهض وطلع- وذلك الطلوع هو النوء، وبعضهم يجعل النوء السقوط، كأنه من الأضداد.

(2)

وقد كان أهل الجاهلية ينسبون نزول المطر إلى النجوم، فيقولون:

مُطرنا بنوء كذا، ويعتقدون أنه إذا سقط النجم الفلاني جاء المطر، وإذا طلع النجم الفلاني جاء المطر.

(3)

(1)

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (6/ 407)

(2)

الإتحافات السنية للمناوى (ص/40) وشرح السنة (4/ 420) والنهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 122)

(3)

والأنواء هي: منازل تُعرف للنجوم كانت معروفة عند العرب وهذه المنازل ينزل كل واحد من هذه النجوم أو يسقط في الشرق ينوءُ -أي يصعد - في مقابله نجمٌ في الغرب، كل ثلاثة عشر يوماً

فسميَ النجم بالنوء لأنه يصعد فيكون في مقابل ما سقط من النجم، وهم ثمانيةُ وعشرون منزلاً، وهي المعروفة بمنازل القمر الثمانية والعشرين، كل منزلاً فى ثلاثة عشر يوماً، فإذا ضربت ثماني وعشرون في ثلاثة عشر كان المحصلة عدد أيام السنة ثلاثمائة وأربع وستون يوماً.

*ولذلك كانوا يترقبون هذه الأنواء ويتابعونها حتى يعلموا النجم الذي سقط وما يتبعه من نجم ينئو أو يرتفع ويعلو بمقابله، وكانوا يرون أنه عند حدوث ما يكون من سقوط نجم ونوء نجم أخر أن ذلك يكون سبب في سقوط المطر، ويقولون مُطرنا بنوء كذا.

ص: 481

لذا فقد أخبرالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عن خصال أهل الجاهلية، والتى كان منها: " الْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ

".

فتعلَّقت نفس القائل بهذا السبب، ونسي نعمة الله عزوجل، وهذا الكفر لا يخرج من الملة، لأن المراد نسبة المطر إلى النوء على أنه سبب، وليس إلى النوء على أنه فاعل، وهذا مما يُطلق عليه " كفر النعمة ".

(1)

* ومما يدل على ما ذكرناه:

من القرآن:

قال تعالى (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)) (النحل: 112)

*ومن السنة:

ما رواه أبو هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- أنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِنَّ اللهَ عز وجل لَيُبَيِّتُ الْقَوْمَ بِالنِّعْمَةِ، ثُمَّ يُصْبِحُونَ، وَأَكْثَرُهُمْ كَافِرُونَ، يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا وَكَذَا ".

(2)

* وهنا نطرح سؤالاً:

ما حكم هذا القائل بنسبة المطر إلى النوء؟؟

* وجواب هذا السؤال على تفصيل:

(3)

1 -

نسبة المطر إلى النوء على سبيل الاستقلالية:

وأما من نسب المطر إلى النوء على أنه الخالق له المنزل له فلا شك في كفر هذا القائل لذلك، وهذا شرك في الربوبية، وهو من كفر التشريك، والقاعدة عند أهل العلم في ذلك:

" كل من اعتقد في غير الله -تعالى- ما لا يُعتقد إلا في الله -تعالى - فقد وقع في الكفر الأكبر "

فالله -عزوجل- هو الخالق والمنزل للمطر، قال تعالى (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ) (الواقعة/69).

والمطر مربوب لله تعالى، كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم عن المطر:(أنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ نسبة)، وعليه فإن نسبة المطر إلى النوء على سبيل

(1)

الفروع لابن مفلح (1/ 568)

(2)

أخرجه أحمد (10800) وحسَّنه الأرنؤوط.

(3)

هذا التفصيل قد ورد بمعناه في عدة مواضع من كلام أهل العلم، منها ما نقله البيهقي عن الشافعى في

" السنن الكبري"(3/ 499) ونص عليه الباجي في " المنتقى"(1/ 335)

ص: 482

الاستقلالية إنما هو شرك في الربوبية.

* وكذلك هو شرك في الأسماء والصفات:

فقد قال تعالى (ِإنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(لقمان/34)

وقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:

«مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلاَّ اللهُ، لَا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ إِلاَّ اللهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلاَّ اللهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلاَّ اللهُ، وَلَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِلاَّ اللهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ اللهُ» .

(1)

فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يعلم متى يجيء المطر إلا الله، فلو كان المطر من قبل الأنواء -على ما زعموا - لما اختص الله -تعالى- بعلم وقت سقوط المطر، ولكان النوء شريكاً لله -تعالى- في صفة علمه عزوجل للغيب.

(2)

* ومما يدل أيضًا على أن ذلك من الشرك الأكبر:

أن هذا من الإلحاد فى آيات الله، فآيات الله نوعان:

(1) آيات كونية.

(2) آيات شرعية.

فمن يحرِّف آيات الله -تعالى- فهذا من الإلحاد في آياته الشرعية، قال تعالى

(مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا)(النساء: 46)

وأما الإلحاد فى آيات الله الكونية:

فذلك بأن يربطها بغير فعل الله تعالى، كمن يقول:«غضب الطبيعة» ، هذا من الإلحاد فى آيات الله الكونية؛ لأن الطبيعة مخلوقة لله عزوجل.

ويدخل في الإلحاد في آيات الله -تعالى-الكونية:

نسبة المطر إلى غير الله تعالى.

قال ابن رجب:

فإضافة نزول الغيث إلى الأنواء، إن اعتقد أن الأنواء هي الفاعلة لذلك،

المدبرة له دون الله عز وجل، فقد كفر بالله وأشرك به كفراً ينقله عن ملة

الإسلام.

(3)

2) نسبة المطر إلى النوء على سبيل السببية:

كأن يقول " مُطرنا بنوء كذا وكذا "،

(1)

أخرجه البخاري (1039)

(2)

التوضيح لشرح الجامع الصحيح (8/ 294)

(3)

فتح الباري لابن رجب (9/ 260)

ص: 483

معتقداً أن النوء إذا ما ظهر أو تحرك تسبَّب ذلك في نزول المطر، فهنا يكون قد نسب نزول المطر إلى سبب لم يجعله الله سبباً، لا شرعاً ولا قدراً.

وقاعدة الباب هنا:

" كل من اعتقد في سبب لم يقدَّره الله -تعالى- سبباً، لا شرعاً ولا قدراً فقد وقع في الشرك الأصغر"؛ وعلة ذلك أنه شارك الله - تعالى - من الحكم لهذا الشيء بالسببية مع أن الله -تعالى - لم يجعله سبباً.

فمن المعلوم بالقطع شرعاً وقدراً أن حركة النوء ظهوراً أو اختفاءً لا علاقة لها بنزول المطر، فلا نصوص الشرع قالت بهذا، ولا كلام علماء الأرصاد والمناخ نص على ذلك.

3) نسبة المطر إلى النوء على سبيل الموافقة الزمنية:

وتوصيف هذه الحالة أن القائل بها لا يعتقد علاقة الاستقلالية ولا السببية بين المطر والنوء، وإنما هى علاقة الظرفية، حيث يرى القائل بها حدوث الموافقة الزمنية بين ظهور النجم الفلانى و نزول المطر، وهذا قاله بناءً على جريان العادة، وما توافق عند القائل وتواتر من تكرر نزول المطر في أوقات بعينها يصعد فيها نجم أو يسقط.

وعليه صارت الباء في قوله " مُطرنا بنوء كذا " هي باء الظرفية، كما ورد في قوله تعالى (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138))

وأما حكم هذه الحالة فمحل خلاف بين العلماء بين المجوِّز لها والمانع.

قال الشافعي:

أما من قال: مُطرنا بنوء كذا على معنى مُطرنا بوقت كذا، فإنما ذلك كقوله مُطرنا في شهر كذا، ولا يكون هذا كفراً، وغيره من الكلام أحب إليَّ منه، أحب أن يقول مُطرنا في وقت كذا.

(1)

وحجة الشافعى فى ذلك ما ذكره البيهقى بقوله:

قال الشافعي:

وقد روي عن عمر- رضي الله عنه أنه قال وهو على المنبر:

" كم بقي من نوء الثريا؟

(1)

الأم (2/ 222) وهذا ما رجحه أيضاً ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 122)،

فقد قال رحمه الله:

أما من جعل المطر من فعل الله -تعالى- وأراد بقوله: «مطرنا بنوء كذا» أي في وقت كذا، وهو هذا النوء الفلاني، فإن ذلك جائز: أي إن الله قد أجرى العادة أن يأتي المطر في هذه الأوقات.

ص: 484

فقام العباس -رضى الله عنه- فقال:

لم يبق منه شيء إلا العواء، فدعا ودعا الناس حتى نزل عن المنبر، فمطر مطراً أحيا الناس منه "

فقال الشافعي:

وقول عمر - رضى الله عنه- هذا يبين ما وصفتُ؛ لأنه إنما أراد كم بقي من وقت الثريا، لمعرفتهم بأن الله - تعالى - قدَّر الأمطار في أوقات فيما جرَّبوا، كما علموا أنه قدَّر الحرَّ والبرد فيما جرَّبوا في أوقات.

(1)

قال ابن الجوزي:

وأما قول عمر - رضى الله عنه - كم بقي من نوء الثريا؟ ":

فإنه أراد كم بقي من الوقت الذي جرت العادة أنه إذا تم أتى الله بالمطر؟

ومن لم يكن اعتقاده أن الكوكب يفعل لم يضره هذا القول، وقد أجاز العلماء أن يقال: مطرنا في نوء كذا، ولا يقال بنوء كذا.

(2)

* والراجح -والله أعلم- المنع من هذه العبارة.

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن:

وإما أن يقول: مُطرنا بنوء كذا مثلاً، لكن مع اعتقاده أن المؤثر هو الله وحده، ولكن أجري العادة بوجود المطر عند سقوط ذلك النجم، والصحيح أنه يحرم نسبة ذلك إلى النجم ولو على طريق المجاز.

(3)

* ومما يؤيد ذلك أمور:

1) الأول:

سد ذريعة الوصول إلى العبارات الأخري الموافقة لها في اللفظ، وإن اختلف المقصد عند القائل.

وهذا أصل معتبر في الشرع، قال تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا

(1)

معرفة السنن والآثار (3/ 101)

وأثر عمر -رضى الله عنه- قد أخرجه الطبري في "جامع البيان في تأويل القرآن "(23/ 155) بإسناد فيه مجهول، وفيه عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلس، فالإسناد ضعيف.

وذكره ابن قتيبة في كتابه "الأنواء"(ص/14) وابن العربي في أحكام القرآن (3/ 1149) من غير سند. وانظر الموافقات بتحقيق: أبى عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان (2/ 117)

(2)

كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/ 262)

وهذا أيضاً ما وجَّه به قال الحافظ ابن كثير كلام عمر - رضى الله الله عن- حيث قال:

وهذا محمول على السؤال عن الوقت الذي أجرى الله فيه العادة بإنزال المطر، لا أن ذلك النوء مؤثّر بنفسه في نزول المطر، فإن هذا هو المنهيّ عن اعتقاده. "تفسير ابن كثير"(4/ 299)

(3)

: الشرك في القديم والحديث (ص/457)

ص: 485

رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا) (البقرة/104)

ففي الأية دلالة بيَّنة على النهي عن اللفظ ولو كان جائزاً، لئلا يُتوصل به إلى ما هو غير جائز.

* وقد كان أبوهريرة - رضى الله عنه - يقول إذا أصبح وقد مُطر الناس:

مُطرنا بنوء الفتح، ثم يتلو هذه الآية {مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2]

(1)

أي: فتح ربنا علينا، فاستعمل النوء في الفتح الإلهي للإشارة إلى رد معتقد الجاهلية من إسناده للكواكب، كأنه يقول:

إذا لم تعدلوا عن لفظ نوء فأضيفوه إلى الفتح، وهذا منه - رضى الله عنه - تأكيداً لما ذكرنا من غلق هذا الباب سداً للذريعة، وهذ نفسه مما يؤخذ من قول الشافعي السابق:" وغيره من الكلام أحب إليّ "، فإنما قصد به حسم المادة.

" أما إن قال ذلك -أى مُطرنا بنوء كذا -على معنى أن العادة نزول المطر عند نوء من الأنواء، وأن ذلك النوء لا تأثير له في نزوله، وأن المنفرد بإنزاله الله، فلا يكفر مع أن هذا اللفظ لا يجوز إطلاقه بوجه، وإن لم يعتقد ما ذكرنا لورود الشرع بالمنع منه، ولما فيه من إيهام السامع، كما أنه يُنهى عن إطلاق ذلك لئلا يعتقد أحد اعتقاد أهل الجاهلية، ولا يتشبه بهم في نُطقهم.

(2)

2) الثانى:

لم يُعرف لا بالنصوص الشرعية ولا بالأسباب القدرية الكونية ولا حتى بمجرد الموافقة الزمنية أية علاقة بين نزول المطر وحركة النجوم والأنواء.

بل الذى ورد في أدلة الشرع هو نفى علاقة النوء بسقوط المطر؛ وذلك كما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا عَدْوَى وَلَا هَامَةَ وَلَا نَوْءَ وَلَا صَفَرَ"

(3)

*والنفي يرد على أربعة أنواع:

(1) نفي وجود. (2) نفي تأثير. (3) نفي صحة. (4) نفي كمال.

(1)

أخرجه مالك في الموطأ (655) في الاستسقاء، باب الاستمطار بالنجوم، بلاغاً، وإسناده منقطع.

(2)

وانظر شرح الزرقاني على موطأ مالك (1/ 656) والكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (2/ 546)

(3)

أخرجه أحمد (9165) ومسلم (2220)

ص: 486

*ومثال النوع الأول:

قوله صلى الله عليه وسلم " لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ "

(1)

، فهذا نفي لوجود أى شخص أغير من الله تعالى، وكذلك قولنا "لا إله إلا الله "، فهذا في حقيقته نفي لوجود أي إله بحق إلا الله عزوجل.

*ومثال النوع الثانى:

قوله صلى الله عليه وسلم: (لاعدوى ولاطيرة).

(2)

هذا نفي للتأثير، والمعنى:

أنه لا عدوى مؤثرة بذاتها كما كان يعتقد أهل الجاهلية، وكذلك قوله:" لا طيرة " مؤثرة في دفع ضر أو جلب نفع فالنفي هنا نفى تأثير لا نفى وجود.

*ومثال النوع الثالث:

قوله صلى الله عليه وسلم: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ» .

(3)

والمعنى: لا صلاة صحيحة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.

*ومثال النوع الرابع:

قوله صلى الله عليه وسلم: (لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ)

(4)

فهذا نفي لكمال الإيمان الواجب، وليس لأصله، كما ذهب إليه الخوارج.

*فإذا سألت:

قوله صلى الله عليه وسلم: " لَا نَوْءَ " يتبع أى قسم؟

* فالجواب:

هو تابع للقسم الثانى؛ حيث كان أهل الجاهلية عند سقوط مطر ينسبونه إلى النجم الساقط والنجم الغارب، يقولون: مُطرنا بنوء كذا، فقيل لهم:

" لا نوء ": أي لا أثر لنجم في نزول المطر، وإنما المطر من الله تعالى.

*تنبيه:

ما يتم تدواله في المطبوعات من تقسيم السنة إلى النوَّات، كنوَّة الغطاس و المَكنسة وأعياد الميلاد

، وكذلك ما يتناقله البعض من قولهم نوَّة كذا أو كذا، فينسبون المطر إلى هذه النوَّات، فهذا مما يتبع القسم الثالث الذى ذكرناه في نسبة المطر إلى النوء من باب الموافقة الزمنية لا غير، وقد وضحنا حكم هذه الصورة، وذكرنا الراجح فيها.

(1)

متفق عليه.

(2)

متفق عليه.

(3)

متفق عليه.

(4)

أخرجه أحمد (12406)، انظر صَحِيح الْجَامِع (7179)

ص: 487

* فرع:

الله -تعالى- قد قدَّر الأسباب:

أ) وجعل سبحانه وتعالى الالتفات إليها إعتماداً وتوكلاً عليها قدحاً في التوحيد. لأنه ليس هناك شيء يستقل بالتأثير بدون مشيئة الله تعالى، قال الله تعالى في السحرة:(وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ)(البقرة/102).

ب) وجعل سبحانه الإعراض عنها بالكلية من القدح في الشرع.

ج) وجعل سبحانه الأخذ بها علامة من علامات التوحيد الصحيح.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد. ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع، وإنما التوكل والرجاء معنى يتألف من موجب التوحيد والعقل والشرع.

(1)

* ومن هذا الباب نقول:

إذا تحقق إنتفاء العلاقة بين النوء ونزول المطر من كل وجه بقي أن يُعلم أن الله -تعالى -قد قدَّر لنزول المطرأسباباً، وهي إرسال الرياح.

قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(الأعراف/57)

فقوله تعالى (فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ

) هذه باء السببية، والضمير بعدها يعود إلى قوله الأول (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ

)

* وتأمل قوله تعالى {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر: 22]

وهو أن الرياح تُلِّقح السحاب بما ينزل بسببه المطر.

(2)

(1)

مجموع الفتاوى (8/ 169)

فالله -عزوجل- خالق الأسباب والمسببات، والمسبب هو الأثر المترتب على وجود السبب.

ومن حكمة الله - تعالى - أنه ربط الأسباب بمسبباتها، ولكن لا يلزم من وجود الأسباب وجود المسببات، وقد توجد المسبّبات مع غياب الأسباب، فالأمر ليس معادلة رياضية، فقد يتواجد السبب ويتخلَّف الأثر، كما وقع لإبراهيم عليه السلام لما أُلقي في النار، وقد يوجد الأثر مع تخلُّف السبب، كما وقع لمريم عليها السلام لما حملت بلا مس من البشر.

وقد توسعنا في بسط ذلك في رسالة مستقلة سمَّيناها "إيقاف الطالبين على فوائد حديث السبعين"

(2)

أشار القرآن الكريم إلى وظيفة هامة تقوم بها الرياح، هذه الوظيفة هي عملية التلقيح، يقول تعالى:

{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر: 22]

فتقوم الرياح بالتلقيح الريحي للنباتات، وكشف العلم عن نوع آخر من التلقيح هو تلقيح السحاب، فالرياح بمشيئة الله تعالى تثير السحاب بتزويد الهواء بالرطوبة اللازمة، وإن إرسال الرياح بنوى التكثف المختلفة يعين بخار الماء الذي بالسحاب على التكثف، كما يعين قطيرات الماء المتكثفة في السحاب على مزيد من النمو حتى تصل إلى الكتلة التي تسمح لها بالنزول مطراً أو ثلجاً أو برداً بإذن الله تعالى.

(ذكره عادل الصعدي نقلاً من موقع: " جامعةالإيمان"

ص: 488

* سؤال وجواب:

هل معرفة توقعات نزول الأمطار من نشرة أحوال الطقس تدخل في ادعاء علم الغيب؟

* الجواب:

معرفة أحوال الطقس لا تدخل في ادعاء علم الغيب، وإنما تبنى على توقعات بهبوب رياح جرت العادة على مجيئها نفس هذا لتوقيت من كل عام مثلاً، فتسبب نزول الأمطار.

فهذه أمور حسية وتجارب لها مقدمات ونتائج بنيت على علوم تطبيقية عُرف من خلالها أوقات الكسوف والخسوف وأوقات هبوب الرياح و نزول الأمطار.

وهذا النوع من العلوم مما يُحتاج إليه لمعرفة ما يدرك بالمشاهدة كمعرفة ظل الشمس وجهة القبلة، ونحو ذلك، فلا يدخل تحت النهي، وهو ما يسمَّى "علم التسيير".

وقد رخَّص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق، وروى ابن المنذر عن مجاهد:"أنه كان لا يرى بأسا أن يتعلم الرجل منازل القمر".

* وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية:

في قول أهل التقاويم في أن الرابع عشر من هذا الشهر يخسف القمر، وفي التاسع والعشرين تكسف الشمس، فهل يُصدَّقون في ذلك؟؟

الجواب:

الحمد لله الخسوف والكسوف لهما أوقات مقدرة كما لطلوع الهلال وقت مقدر، وذلك مما أجرى الله عادته بالليل والنهار والشتاء والصيف، وسائر ما يتبع جريان الشمس والقمر، وذلك من آيات الله تعالى.

وقد أجرى الله العادة أن الشمس لا تكسف إلا وقت الاستسرار، وأن القمر لا يخسف إلا وقت الإبدار، ووقت إبداره هي الليالي البيض التي يستحب صيام أيامها.

والعلم بالعادة في الكسوف والخسوف، فإنما يعرفه من يعرف حساب جريانهما،

ص: 489

وليس خبر الحاسب بذلك من باب علم الغيب، ولا من باب ما يخبر به من الأحكام التي يكون كذبه فيها أعظم من صدقه، فإن ذلك قول بلا علم ثابت وبناء على غير أصل صحيح.

(1)

قال ابن رجب:

المأذون في تعلمه علم التسيير لا علم التأثير، فإنه -أي علم التأثير- باطل محرم قليله وكثيره، وأما علم التسيير فيتعلم ما يحتاج إليه من الاهتداء ومعرفة القبلة، والطرق، جائز عند الجمهور.

(2)

* وعلى هذا يقال:

ما يُنقل عن أحوال الطقس كل يوم ليس من ادَّعاء علم الغيب؛ بل هي من علم الشهادة؛ لأنَّ الأقمار الصناعية تصور السحاب وحركة المنخفضات والمرتفعات والرياح، وليس في ذلك شبهة بدعوى علم الغيب؛ فهو يستند إلى أمور حسية.

(3)

تم بحمد الله.

(1)

الفتاوى الكبرى (4/ 424)

(2)

وانظر لذلك فتح الباري شرح صحيح البخاري (3/ 69) والزواجر للهيتمي (2/ 193)

(3)

وجاء في بحث عن ذلك كتبه الدكتور عبد الشكورالعروسي الأستاذ بقسم العقيدة - كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى قال فيه:

فإن قيل:

إذا كان الخلق لا يعلمون ما يستقبل من الحوادث، فكيف استطاع الفلكيون معرفة تواريخ الكسوف وساعاته، واستطاع مراقبو أحوال الطقس عن طريق المراصد الجوية الإخبار بأخباره قبل حدوثه؟

قيل:

إن ذلك من التجارب البشرية المتكررة التي مكنت العلماء الذين يقومون بالرصد المتواصل من توقع تلك الحوادث على سبيل التوقع والظن، لا على سبيل العلم واليقين، فكما يستنتج أحدنا تقابل قطارين في نقطة معينة إذا كان انطلاقها في وقت واحد وسرعة واحدة سائراً كلًا منهما في الاتجاه المواجه للآخر.

فكذلك توقع الفلكيين مرور القمر بين الأرض والشمس في موضع معين في ساعة معينة لا يدل على علم الغيب، وإنما هو توقع مبني على التجارب والملاحظات المتواصلة، والاختبارات المتكررة. وهذا مما لا يجزم بحدوثه ووقوعه، والعلم بالشيء هو الجزم بما هو عليه، أو بما سيقع لا محالة، فليتأمل. اهـ

ص: 490