الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* وعن عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قال:
بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا أدعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ، وَلَا صُورَةً إِلَّا طَمَسْتَهَا، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ ".
(1)
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
نهى عن بناء المساجد على القبور ولعن من فعل ذلك، ونهى عن تكبير القبور وتشريفها وأمر بتسويتها، ونهى عن الصلاة إليها وعندها، وعن إيقاد المصابيح عليها لئلا يكون ذلك ذريعة إلى اتخاذها أوثاناً، وحرَّم ذلك على من قصد هذا ومن لم يقصده بل قصد خلافه سداً للذريعة.
(2)
- قال الصنعاني:
اتفق الناس، سابقهم ولاحقهم، وأوَّلهم وآخرهم من لدن الصحابة- رضي الله عنهم إلى هذا الوقت: أنَّ رفعَ القبور والبناء عليها بدعةٌ من البدع التي ثبت النهيُ عنها، واشتدَّ وعيدُ رسول الله لفاعلها.
(3)
…
المسألة الثالثة: قَوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب:
" أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ "
قد نهي النبي -صلي الله عليه وسلم - عن اتخاذ القبور مساجد، فما هي
صور اتخاذ القبور مساجد
؟
الجواب:
إنما يُتخذ القبر مسجداً بواحدة من هذه الصور:
الصورة الأولى:
1 -
أن يأتي المرء إلى الصلاة فيكون القبر بينه وبين القبلة؛ وهذا مما قد ورد النهى عنه؛ فعَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
«لَا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ، وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا»
(4)
والنهى عن الصلاة إلى القبورإنما ورد تحذيرًا للأمة عن التذّرع إلى عبادة الموتى من تعظيم القبور، والظاهر أن النهي يشمل الصلاة في محل فيه قبر، سواء تأخر عن المصلي أو تقدم كالصلاة في القباب والمشاهد والنهي للتحريم.
(5)
(1)
أخرجه مسلم (93)
(2)
مجموع الفتاوى (3/ 141)
(3)
تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد (ص/102)
(4)
أخرجه مسلم (972)
(5)
التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 548)
* ومن ذلك ما ذكرته عائشة -رضى الله عنها- تعقيباً على قوله صلى الله عليه وسلم " لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ "، قَالَتْ-رضى الله عنها-:
يُحَذِّرُهُمْ مِمَّا صَنَعُوا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَبْرَزُوا قَبْرَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا ".
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
ومن ذلك الصلاة عندها (القبور)، وإن لم يبن هناك مسجد، فإن ذلك أيضًا اتخاذها مسجدًا، كما قالت عائشة:«ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن خشي أن يتخذ مسجدًا» .
ولم تقصد عائشة رضي الله عنها مجرد بناء مسجد، فإن الصحابة -رضى الله عنهم - لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدًا، وإنما قصدت أنهم خشوا أن الناس يصلون عند قبره،
وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدًا، بل كل موضع يصلي فيه فإنه يسمى
مسجدًا، وإن لم يكن هناك بناء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«جعلتْ لي الأرضُ مسجدًا وطهورًا»
(1)
- قال القرطبي:
قوله صلى الله عليه وسلم "لا تصلوا إلى القبور"؛ أى لا تتخذوها قبلة، وكلّ ذلك لقطع الذريعة أن يعتقد الجهَّال في الصلاة إليها أو عليها الصلاة لها، فيؤدِّي إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام.
(2)
الصورة الثانية:
أن يأتي شخص إلى قبر فيسجد عليه، عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه:
«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبور أو يقعد عليها أو يصلي عليها.
(3)
* قال ابن حجر الهيتمي:
«واتخاذ القبر مسجداً معناه: الصلاة عليه أو إليه»
(4)
.
** الصورة الثالثة:
أن يُعْمد إلى قبر لمعظِّم فيُبنى عليه مسجد، كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم عن النصارى:
" إِنَّ أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ
(1)
اقتضاء الصراط المستقيم (ص/189)
(2)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (2/ 628) وانظر أحكام المقابر في الشريعة الإسلامية (ص/337)
(3)
رواه أبو يعلى (66/ 2) وصححه الألبانى.
(4)
الزواجر (1/ 121) وانظر تحذيرالساجد للعلامة الألبانى (ص/29)
مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
(1)
وقد ترجم البخاري رحمه الله لحديث (لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مسجدا) بقوله: (باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور)؛ فجعل من معنى الاتخاذ البناء على القبور المساجد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
اتخاذ القبور مساجد يتناول شيئين: أن يبني عليها مسجداً، أو يصلي عندها من غير بناء،
…
وهو الذي خافه النبي- صلى الله عليه وسلم وخافته الصحابة إذا دفنوه بارزا: خافوا أن يُصلي عنده فيتخذ قبره مسجداً.
(2)
…
المسألة الرابعة: حكم المساجد التي بنيت علي القبور:
والمعنى:
هذه المساجد التى بها قبور ويؤمها الناس للصلاة فيها، هل ينبش هذا القبر وينقل إلى المقابر العامة، أم يُهدم المسجد نفسه؟؟
*نقول أولاً:
قال تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ.....) فالأصل في المسجد أن يُبنى لله - تعالى- وحده لا شريك له. وقال عزوجل (وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا..) فما أُسست المساجد ولا شرعت في الإسلام إلا لإقامة ذكر الله.
وقال تبارك وتعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ
…
)
عن أنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضى الله عنه-قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -قَاعِدًا فِي الْمَسْجِدِ وَأَصْحَابُهُ مَعَهُ، إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: مَهْ مَهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«لَا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ» ، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ:
(3)
تأمل:
إذا كانت المساجد لا تصلح للقذر والنجس الحسي، وهذه أشياء يطهرها
(1)
سبق تخريجه.
(2)
مجموع الفتاوى (27/ 106)
(3)
رواه مسلم (285)
مثل الدلو من الماء، فكيف تصلح لأن تكون محلاً للنجس المعنوى، من الشركيات، والتقرب إلى غير الله بما لا
يُتقرب به إلا لله تعالى؟!!!
عودٌ إلى الجواب عن سؤال الباب في حكم المساجد التى بها قبور، وجواب ذلك على تفصيل:
أ) الصورة الأولى:
إن كان القبر قد وضع أولاً ثم بُنى عليه المسجد، وهذا فعل محرم باتفاق الأئمة الأربعة، فيجب هدم المسجد باتفاق أهل العلم؛ وذلك لأن هذا المسجد مما لم يُرد به وجه الله تعالى، فقد أُسس على غير تقوى من الله -تعالى - ولا رضوان.
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وقد اتفق أئمة الدين على أنه لا يشرع بناء المساجد على القبور، ويجب هدم كل مسجد بني على قبر كائناً من كان الميت؛ فإن ذلك من أكبر أسباب عبادة الأوثان.
(1)
- وقال رحمه الله:
ليس لأحد أن يصلي في المساجد التي بنيت على القبور ولو لم يقصد الصلاة عندها. فلا يقبل ذلك لا اتفاقا ولا ابتغاء لما في ذلك من التشبه بالمشركين والذريعة إلى الشرك.
(2)
* قال ابن القيم:
لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها يوما واحداً، فإنها شعائر الكفر، وهذا حكم المشاهد التي بُنيت على القبور التي اتخذت أوثانا وطواغيت تُعبد من دون الله، لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالته، وكثير منها بمنزلة اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، أو أعظم شركاً عندها، وبها.
(3)
* وتأمل:
قال تعالى (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ
(1)
وانظر مجموعة الرسائل والمسائل (1/ 54) وكشَّاف القناع عن متن الإقناع (2/ 141)
(2)
مجموع الفتاوى (27/ 488)
(3)
زاد المعاد (ص/443)
الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) (التوبة/107/ 108)
فقد نهى الله -تعالى- النبيَ صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مسجد الضرار لكونه أُسس لتفريق كلمة المسلمين وللكفر بالله - تعالى -ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيقاس عليه المساجد التى أُسست على الأضرحة تعظيماً لها، والتى يُفعل عندها من الشركيات الموبقة ما لا يعلمه إلا الله تعالى.
* قال ابن حجر الهيتمي:
ويجب المبادرة لهدمها -أي المساجد التى على القبور - إذ هي أضر من مسجد الضرار؛ لأنها أسست على معصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه نهى عن ذلك وأمر صلى الله عليه وسلم بهدم القبور المشرفة.
(1)
* قال ابن القيم:
حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد الضرار وأمر بهدمه؛ لما كان بناؤه ضراراً وتفريقاً بين المؤمنين ومأوى للمنافقين، وكل مكان هذا شأنه فواجب على الإمام تعطيله، إما بهدم وتحريق، وإذا كان هذا شأن مسجد الضرار، فمشاهد الشرك التي تدعو سدنتها إلى اتخاذ من فيها أندادا من دون الله أحق بالهدم وأوجب.
(2)
* أقول:
وإذا كان الشرع قد أمر بتسوية القبور المشرفة (أى المرتفعة)؛ منعاً من التشبه بمن كان يعظّم القبور ويعبدها، فتسوَّى سداً للذريعة، فلأن تُهدم هذه المساجد التى يُتقرب فيها إلى صاحب الضريح بما لا يُتقرب به إلا إلى الله -تعالى -فهذا من باب أولى.
(1)
الزواجر (1/ 328)
(2)
المصدر السابق (ص/500)
*فائدة: ذكر الشيخ الألبانى- رحمه الله أن حديث: " أن النبى صلى الله عليه وسلم -حرق مسجد الضرار، وأمر بهدمه " = =هو حديث مشهور فى كتب السيرة، وليس له إسناد يصح. وقال: أورده الحافظ ابن كثير من طريق ابن إسحاق عن الزهرى عن الجماعة المذكورين مرسلاً، وهو فى السيرة لابن هشام بدون إسناد. ا. هـ إرواء الغليل (5/ 371)
ب) الصورة الثانية:
أن يُبنى المسجد أولاً في محلة ما ثم يُؤتى بقبر فيُدخل في المسجد، فهنا لا بد من نبش القبر وإخراجه إلى مقابر المسلمين؛ فإن المساجد ليست محلاً للدفن، وإنما قد أذن الله -تعالى-
للمساجد أن تُرفع لإقامة الصلاة و ليذكر فيها اسم الله تعالى.
* وعليه فإنه يُهدم المسجد إذا بُني على قبر، كما يُنبش الميت إذا دُفن في المسجد، نص على ذلك الإمام أحمد وغيره، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر مُنع منه، وكان الحكم للسابق.
(1)
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
لا يجوز دفن ميت في مسجد، فإن كان المسجد قبل الدفن غُيِّرَ: إما بتسوية القبر وإما بنبشه، إن كان جديداً. وإن كان المسجد بُني بعد القبر: فإما أن يزال المسجد وإما أن تزال صورة القبر فالمسجد الذي على القبر لا يصلي فيه فرض ولا نفل فإنه منهي عنه.
(2)
…
المسألة الخامسة: ما حكم الصلاة في المساجد التي فيها قبور؟
وللصلاة في مسجد فيه قبر داخل حدوده حالتان:
1 -
إذا كان ذلك بقصد التبرك بالقبر:
فقد اتفق أهل العلم على منع الصلاة عند القبر إذا كان ذلك بقصد التبرك، واعتقاد فضيلة الصلاة في مسجد به قبر عن غيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وكل من قال: إنَّ قصد الصلاة عند قبر أحد أو عند مسجد بني على قبر أو مشهد أو غير ذلك: أمر مشروع بحيث يستحب ذلك ويكون أفضل من الصلاة في المسجد الذي لا قبر فيه:
فقد مرق من الدين، وخالف إجماع المسلمين.
(3)
* قال الآلوسي:
قصد الرجل الصلاة عند القبر متبركاً به، عين المحادة لله تعالى
(1)
زاد المعاد (3/ 501)
(2)
مجموع الفتاوى (22/ 195)
(3)
مجموع الفتاوى (27/ 488)
ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإبداع دين لم يأذن به الله عز وجل؛ للنهي عنها، ثم إجماعاً، وتجب المبادرة لهدمها وهدم
القباب التي على القبور؛ إذ هي أضر من مسجد الضرار؛ لأنها أسست على معصية رسوله صلى الله عليه وسلم.
(1)
• وتبطل صلاته إن قصد التبرك بالصلاة عند القبر على الصحيح من أقوال أهل العلم، كما هو مذهب الحنابلة، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم -عن ذلك، والأصل أن النهي في مثل هذه الحالة يقتضي فساد المنهي عنه.
الحالة الثانية:
ألا يقصد التبرك بالقبر: وهذه المسالة مما اختلفت فيها أقوال العلماء:
القول الأول:
ذهب الحنابلة والظاهرية إلى تحريم الصلاة في المقبرة مطلقًا، وأن الصلاة فيها باطلة.
* لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، ومطلق النهى يقتضى الفساد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
تكره الصلاة في المساجد المبنية على القبور من غير خلاف أعلمه، ولا تصح عندنا في ظاهر المذهب؛ لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك.
(2)
- قال ابن حزم: قال أحمد بن حنبل: من صلى في مقبرة أو إلى قبر أعاد أبداً.
(3)
* القول الثانى:
والذي عليه جمهور أهل العلم وهو صحة الصلاة في المسجد الذى به قبر.
(4)
وهذا هو الراجح، والله أعلم.
قال البخاري:
رَأَى عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه -أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضى الله عنه- يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ:
…
«القَبْرَ القَبْرَ، قال أنس: فَجَعَلْتُ أَرْفَعُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهُ يَقُولُ
(1)
روح المعاني (8/ 226) وانظر جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (3/ 1642) وقد نص على مثل هذا شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 680)
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم (ص/187) وانظر الإنصاف (1/ 489،) والمحلى (2/ 345) والفروع (2/ 213)
(3)
المحلي (2/ 350)
(4)
مواهب الجليل (1/ 419) و المجموع (3/ 158).
الْقَمَرَ.
فَقَالَ: إِنَّمَا أَقُولُ الْقَبْرَ، لَا تصل إليه. قال البخاري: وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإِعَادَةِ».
(1)
- قال ابن بطال:
نهى عُمر أنسًا عن الصلاة إلى القبر، وكان له مندوحة عن استقباله وكان يمكنه الانحراف عنه يمنة أو يسرة، ولمَّا لم يأمره بإعادة الصلاة علم أن صلاته جائزة.
(2)
…
المسألة السادسة: شبهات المجوِّزين لبناء المساجد علي القبور:
الشبهة الأولى:
قال تعالى} إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا {(الكهف/21)
قالوا: ففي ذلك دلالة على مشروعية بناء المسجد على القبر؛ لأن الله - تعالى- لم يذم طلبهم هذا في كتابه، بل ذُكِرِ دون استنكار، ولو كان في ذلك شيء من الباطل لكان من المناسب أن تشير إليه.
** والرد على ذلك من وجوه:
الأول:
أن الله عز وجل لم يصف أولئك المتغلبين، بوصف يمدحون لأجله، وإنما وصفهم بالغلبة! وإطلاقها دون قرنها بعدل أو حق: يدل على التسلط والهوى والظلم، ولا يدل على علم ولا هدى، ولا صلاح ولا فلاح.
(3)
وعلى مثل هذا نص ابن رجب رحمه الله، حيث قال:
قال {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً} فجعل اتخاذ القبور على المساجد
من فعل أهل الغلبة على الأمور، وذلك يشعر بان مستند القهر والغلبة واتباع الهوى، وانه ليس من فعل أهل العلم والفضل المتبعين لما انزل الله على رسله من الهدى.
(4)
وممَّن نص على ذلك ابن كثير والقرطبي، وحكى ابن جرير في القائلين ذلك قولين:
(1)
الجامع المسند الصحيح المختصر (1/ 93) ووصله ابن حجر في التغليق (2/ 230)
(2)
شرح صحيح البخارى لابن بطال (2/ 79)
(3)
مجانبة أهل الثبور المصلين في المشاهد والقبور (ص/128)
(4)
فتح الباري شرح صحيح البخاري (3/ 193)
أحدهما:
إنهم المسلمون منهم، والثاني: أهل الشرك منهم.
(1)
ومما يؤيد ما ذهب إليه ابن رجب:
أن اتخاذ القبور مساجد لم يكن جائزاً حتي في شرع من كان قبلنا، كما دلت على ذلك الأحاديث المصرحة بلعن اليهود والنصارى على ذلك الفعل.
(2)
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
فهؤلاء الذين اتخذوا على أهل الكهف مسجداً كانوا من النصارى، الذين لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.
(3)
الثانى:
لماذا يُحتج بقول الطائفة الثانية التي علامتها الغلبة، ولا يُحتج بالأولى - وهي المنازعة للثانية
{إذ يتنازعون بينهم} وقد جاء من صفتها تسليم العلم بحال أهل الكهف إلى الله تعالى {ربهم أعلم بهم} وهذا أولى بالاقتداء من الذين وصفوا بالغلبة فقط.
(4)
الثالث:
غاية ما في الأمر أن هذه الأية من المتشابه الذي أتت المحكمات برده، فأما طريقة أهل الزيغ فكما قال الله تعالى} فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ.... {فالمحكمات في ذلك هى أدلة السنة الصريحة الصحيحة في حرمة اتخاذ القبور مساجد،
(5)
وإجماع الأمة على ذلك.
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
بناء المساجد على القبور ليس من دين المسلمين. بل
(1)
جامع البيان في تأويل القرآن (17/ 639) وتفسير القرآن العظيم (5/ 147) والجامع لأحكام القرآن (10/ 351)
(2)
وعليه فلا يقال أن الأية محمولة على أنه كان أمراً مشروعاً في شرع من قبلنا، فإن اتخاذ القبور مساجد أمر محرم في شرع من قبلنا. مستفاد من "مجانبة أهل الثبور" لعبد العزيز الراجحي (ص/131)
(3)
الاستغاثة في الرد على البكري (ص/311)
(4)
المصدر السابق (ص/162)
(5)
وقد نص ابن حزم أن أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد أحاديث متواترة، وتعقبه الحافظ العراقي بأنها متواترة مشهورة من حيث المعنى. وانظر التوضيح الرشيد في شرح التوحيد (ص/160)
هو منهي عنه بالنصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، واتفاق أئمة الدين.
بل لا يجوز اتخاذ القبور مساجد، سواء كان ذلك ببناء المسجد عليها، أو بقصد الصلاة عندها، بل أئمة الدين متفقون على النهي عن ذلك.
(1)
الرابع:
بل يقال أن هذه الأية قد استدل العلماء على بطلان هذا الفعل، فهى حجة على المستدل بها.
فقد بوَّب الشيخ محمد بن عبدالوهاب: باب: " ما جاء أن بعض هذه الأمة تعبد الأوثان "
ثم ذكر قوله تعالى {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً} .
2) الشبهة الثانية: قولهم " المسجد النبوي - ثانى أعظم المساجد بعد المسجد الحرام - به قبر النبي صلى الله عليه وسلم:
والجواب على هذه الشبهة من جوانب ثلاثة:} رد تاريخي، ورد عقدي، ورد أصولي {أولًا الرد التاريخي:
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَدْرُوا أَيْنَ يَقْبُرُونَهُ، حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا مَا نَسِيتُهُ، قَالَ:
" مَا قَبَضَ اللهُ نَبِيًّا إِلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ، ادْفِنُوهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ. فَأَخَّرُوا فِرَاشَهُ وَحَفَرُوا لَهُ تَحْتَ فِرَاشِهِ.
(2)
لذا فقد دُفن النبيُ -صلي الله عليه وسلم - في حجرته في بيت عائشة رضى الله عنها.
وقد كانت حجرتها ملاصقة للمسجد النبوى.
وفي عهد الخلفاء الأربعة -رضى الله عنهم- زاد عدد المسلمين واحتيج إلي توسعة المسجد النبوي، فقاموا بتلك التوسعات وكانوا لعلمهم وفقههم يتجنبون ادخال الحجرة التى بها قبر الرسول - صلي الله عليه وسلم - في المسجد.
- ففي خلافة عثمان رضي الله عنه لما أراد توَسعة المسجد النبوي الشريف احترز مِن أن يكون ذلك مِن جِهة الحُجرات، ولم يُدخلها فيه، وهذا عَيْن ما صَنَعه سَلَفُه عمر بن
(1)
مجموع الفتاوى (27/ 488)
(2)
أخرجه أحمد (27) وصححه الألبانى في صَحِيح الْجَامِع (5605)
الخطاب رضي الله عنهم.
- فلمَّا كان في خلافة الوليد بن عبد الملك في السَّنَة الثامِنة والثَّمانين من الهجرة، فقد أراد الوليد أن يوسِّع المسجد النبوي، فأمر عامله علي المدينة - عمر بن عبد العزيز- أن يدخل جميع حجرات زوجات النبي -صلي الله عليه وسلم - في المسجد بما في ذلك حجرة عائشة رضى الله عنها.
فاجتمع عمر بن العزيز-رحمه الله بعلماء المدينة ليشاورهم في الأمر، وكان عامَّةُ الصحابة رضي الله عنهم قد ماتوا، وكان آخرهم موتًا جابر بن عبد الله رضي الله عنه، فشَقَّ ذلك على الفقهاء والعلماء، وكان فيهم سعيدُ بنُ المُسَيَّب، فلم يرض سعيد بن المسيَّب بذلك؛ لئلا يدخل القبر في المسجد النبوي.
(1)
قال ابن كثير:
جمع عمربن عبد العزيزالفقهاء العشرة وأهل المدينة وقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين الوليد، فشق عليهم ذلك، فعند ذلك كتب عمر بن عبد العزيز إلى الوليد بما أجمع عليه الفقهاء العشرة المتقدم ذكرهم، فأرسل إليه يأمره ببناء المسجد على ما ذكر.
(2)
ومع إصرار الوليد بن عبد الملك علي ذلك فقد تم إدخال جميع حجرات أمهات المؤمنين إلي المسجد، بما في ذلك حجرة عائشة رضى الله عنها.
(3)
(1)
قال ابن كثير: ويُحكى أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة في المسجد- كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجداً - والله أعلم. وانظر البداية والنهاية (12/ 415) و تنبيه الأفهام شرح عمدة االأحكام (ص/419)
(2)
انظر البداية والنهاية (12/ 415)
(3)
ومما ذكره المؤرخون في التوسعة التى أحدثها الوليد بن عبد الملك أنه أول من غالى في أمور الزخرفة والنقوش، حيث نقش حيطانه بالفسيفساء والمرمر وعمل سقفه من الساج وحلاه بماء الذهب، ونقش رؤوس الأساطين والأعتاب بالذهب.
وفي صدد المقارنة بين ما حدث في عهد عثمان -رضى الله عنه -وما حدث في عهد الوليد يمكن الاستفادة من الخبر التالي:
"لمّا حج الوليد وقدم إلى المدينة بعد فراغ عمر من عمارة المسجد، أخذ ينظر في جدره وسقفه ونقوشه وجميل شكله، حتى إذا تم النظر، التفت إلى أبان بن عثمان وقال: أين بناؤنا من بنائكم؟ قال أبان:
بنيناه بناء المساجد، وبنيتموه بناء الكنائس.. " يقصد المغالاة في ذلك.
وهذا يدل على أن زخرفة عثمان كانت أمراً يسيراً.
وانظر تاريخ مكة المشرفة والمدينة الشريفة (ص/283) والعناصر المعمارية في المسجد النبوي لصالح الشامى.
لذا لنا أن نقول في هذا الجانب أن ما فعله الوليد بن عبدالملك في هذا الباب يشبه ما ذكره الله - تعالى- في قصة فتية الكهف} قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا {وبهذا يتضح لنا أمر مهم:
أن القبر الشريف -على صاحبه الصلاة والسلام- إنما دخل في المسجد من جرَّاء التوسعات. ** وعليه يقال:
لا بُنى المسجد النبوى على القبر الشريف، ولا قُبِرَ النبيُ صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوى.
2 -
الرد الأصولي:
اذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهي عن اتخاذ القبور مساجد سداً للذريعة وحسماً لمادة الفتنة التى تتمثل في الغلو في الصالحين، فالقاعدة الأصولية تنص على أن:
"ما منع سداً للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة"
فالمصلحة العظيمة للصلاة في المسجد النبوى، حيث تتضاعف أجر الصلاة فيه ألف صلاة عن الصلاة في غيره، تترجح على منع ذلك سداً للذرائع المذكورة.
وكلا الأمرين منتفٍ في حق المساجد الأخرى التى بها أضرحة؛ فلا الصلاة فيها متضاعفة حتى نرجَّح جانب المصلحة بالصلاة فيها، ولا نحن أمنا وقوع البدع الشركية كما هو واقع عند المشاهد والأضرحة.
3 -
الرد العقدي:
قد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد سداً لذريعة الشرك، كما سبق بيانه آنفاً،
وهذه العلة انتفت عن المسجد النبوي؛ و ذلك من وجوه:
1) الأول:
القبر النبوي الشريف ليس ظاهراً كما هو حال الأضرحة في المساجد الأخري، والتى تراها.
قال النووي وهو يذكر وضع القبر الشريف:
قد بنوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي المحذور، ثم بنوا
جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا؛ حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر.
ولهذا قال في الحديث " ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً "
(1)
.
فأين هذا من تلك الأضرحة التى أبرزت في المساجد، فأخذت زخرفها وأزيَّنت تسر الناظرين.
2 ا-الأمر الثاني:
النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا ربه فقال: " اللهم لا تجعلْ قبرى وثناً يُعبد"
(2)
وهذه الدعوة - بفضل الله- استجيبت للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد وضعت التحصينات والحواجز التى تحول دون الوصول للقبر الشريف، ويُطرد عن القبر كل من يظهر أمراً من المغالاة أو المبالغة عند القبر النبوى.
- قال أبو العباس ابن تيمية:
وقد استجاب الله دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم، فلم يُتخذ - ولله الحمد - قبره وثنًا يعبد، ولا يمكن أن يفعل عنده ما هو دون هذا وذريعة إليه مما نهى عنه، فلا يستطيع أحد أن يفعل عند قبره منكرًا.
(3)
- لذا قال ابن القيم:
فأجاب ربُ العالمين دعاءه
…
وأحاطه بثلاثة الجدران
حتى غدت أرجاؤه بدعائه
…
في عزة وحماية وصيان.
(4)
* نقول:
فأين هذا مما يفعل عند الأضرحة من البدع الشركية مما يعجز القلم عن حصره، ويستحي من ذكره
حيث الافتتان بالقبور وتحبيس الأموال عليها وطلب الدعاء منها والاستغاثة بها عند الضراء، وتقديم النذور لهم.
(5)
(1)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (5/ 14)
(2)
سبق تخريجه.
(3)
قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق (ص/103)
(4)
التمهيد لشرح كتاب التوحيد (ص/261)
(5)
ويُذكر أن رجلاً نذر خروفاً للبدوي إن نجح ابنه في الثانوية -والنذر لغير الله شرك- فشاء الله أن يمرض ويموت الخروف، فإذا بالرجل يقول: يا بدوي لم استعجلت عليه؟!! كنت سآتيك به بعد أيام!!!
فأثبت له أنه يحيي ويميت من دون الله عز وجل.
وكذلك هذه قصة أخرى تدل على جهل هؤلاء الذين يطوفون بالقبور:
يُذكر أن رجلين جاءا بجحش ودفناه، وأعدا له مقاماً ليطوف الناس به، وفعلاً عندما كان الناس يأتون إلى المسجد يطوفون بالقبر، وتقول: مقام سيدي جحش! فاختلف الرجلان على صندوق النذور -لأنه يجلب الكثير- فقال أحدهما للآخر: ما تنساش إن إحنا دافنينه سوا! وانظر التعليق على العدة شرح العمدة لأسامة سليمان (12/ 7)
وكم من هذه الأضرحة التى هي في الحقيقة أضرحة مكذوبة، كما هو الحال في ضريح الحسين عليه السلام.
* كذلك فقد كشفت قناة العاصمة المصرية عن سر عمره 40 عاماً؛ وذلك أن شجارا وقع بين عائلتين بمحافظة السويس حول أحقية رعاية مقام "سيدي أبوسريع" واقتسام النذور التي تصل إلى نحو مليون جنيه سنوياً.
فبعد أن اعتاد مواطنون من أبناء السويس وخارجها على زيارة المقام، مقدمين له النذور ومتبركين به، تبين حين حاولت العائلتان نقل رفاته، وبعد هذه الأعوام، أن ما دُفن داخل المقام هو رأس عجل، ولا يوجد أي أثر للمدعو.
* وتأمل في قول الشيخ محمد بن عبدالوهاب:
وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم....
(1)
فسمَّي هذه الأضرحة أصناماً، وسمَّى أفعالهم لها عبادة. وصدق رحمه الله؛ فالعبرة في الأفعال بالمقاصد والمعانى، وليست بالألفاظ والمبانى.
يقول حافظ إبراهيم رحمه الله وهو يصور لنا حقيقة هذا الواقع المرير:
أحياؤُنا لا يُرزَقونَ بِدِرهَمٍ
…
وَبِأَلفِ أَلفٍ تُرزَقُ الأَمواتُ
مَن لي بِحَظِّ النائِمينَ بِحُفرَةٍ
…
قامَت عَلى أَحجارِها الصَلَواتُ
يَسعى الأَنامُ لَها وَيَجري حَولَها
…
بَحرُ النُذورِ وَتُقرَأُ الآياتُ
وَيُقالُ: هَذا القُطبُ بابُ المُصطَفى
…
وَوَسيلَةٌ تُقضى بِها الحاجاتُ.
(2)
…
أقول:
ومما سبق من هذه الوجوه كله فى الرد على شبهة وجود القبر النبوي
(1)
الدرر السنية (1/ 66)
(2)
ديوان حافظ إبراهيم (1/ 318)
الشريف بالمسجد فقد كره العلماء كثرة تردد المصلِّين على زيارة القبر الشريف.
فقد سئل مالك رحمه الله عن الغريب يأتي قبر النبي كل يوم، فقال:
ما هذا من الأمر، وذكر حديث:(اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد)
قال ابن رشد:
فيُكره أن يُكثر المرور به، والسلام عليه، والإتيان كل يوم إليه لئلا يُجعل القبر بفعله ذلك كالمسجد الذي يؤتى كل يوم للصلاة فيه، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله:(اللهم لا تجعل قبري وثنًا) ".
(1)
وسئل القاضي عياض عن أناس من أهل المدينة يقفون على القبر في اليوم مرة أو أكثر، ويسلمون ويدعون ساعة، فقال:
" لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه، ولا يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولَها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك ".
(2)
* وختاماً:
وبعد ذكر هذه الوجوه التى ذكرناها في الرد على شبهة المسجد النبوي، فإن الاستدلال بوجود القبر الشريف في المسجد على مشروعية وجود الأضرحة في المساجد هو نوع من ركوب الهوى الذي أعمى القلب عن الهداية والعقل عن الفهم.
قال تعالى (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22))
(سورة فاطر: 19 - 22)
تم بحمد الله.
(1)
البيان والتحصيل (18/ 444 - 445):
(2)
" الشفا بتعريف حقوق المصطفى "(2/ 676)