المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كيف بدأ شرك القبور - الأربعون العقدية - جـ ١

[أيمن إسماعيل]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء

- ‌تقديم فضيلة الشيخ الدكتور/ محمد حسن عبد الغفار - حفظه الله

- ‌المقدّمة:

- ‌الحديث الأول: ثمار الأراك في شرح حديث الافتراق

- ‌أهم الفوائد المتعلقة بحديث الباب:

- ‌الحديث الثاني: البيان المناط بفوائد حديث ذات أنواط

- ‌ حُسن المَقْصِد يحتاج إلى حُسن العَمَل

- ‌مسألة العذر بالجهل ليست على إطلاقها

- ‌ الفرق بين العَرَّاف والكاهِن:

- ‌ قصة الْكُهَّان:

- ‌ حكم تعلّم "علم التنجيم

- ‌الحديث الرابع: بلوغ العلم شرح حديث أول ما خلق الله القلم

- ‌ بيان أوّلُ المخلوقات التى خلقها الله

- ‌الحديث الخامس: السنة المأثورة في شرح حديث الصورة

- ‌الحديث السادس: المنهاج في شرح حديث الاحتجاج

- ‌ كيفية وقوع المناظرة بين آدم وموسى عليهما السلام:

- ‌ العبد بين المقدور والمأمور:

- ‌الحديث السابع: بذل الأمل شرح حديث على ما كان من العمل

- ‌ هل تَفْنَى الجنة والنار

- ‌الحديث الثامن: إتحاف الجماعة شرح حديث أسعد الناس بالشفاعة

- ‌ أمور تحصل بها شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث التاسع: الفرقان في بيان حقيقة الإيمان

- ‌الحديث العاشر: تبيين المحظور في اتخاذ المساجد على القبور

- ‌ كيف بدأ شرك القبور

- ‌على درب السابقين سار اللاحقون:

- ‌ صور اتخاذ القبور مساجد

- ‌الحديث الحادى عشر: حلة الكرامة شرح حديث "هل نرى ربنا يوم القيامة

- ‌ شبهات نفاة رؤية الله -تعالى- والرد عليها:

- ‌أهم الأسباب الجالبة لرؤية الله -تعالى- في الآخرة

- ‌ رؤية النساء لربهم في الجنة:

- ‌أقوال العلماء في فيما يستحقه من أنكر الرؤية:

- ‌الحديث الثانى عشر: إعلام الطالبين بفوائد حديث السبعين

- ‌ ما هو حكم الكي

- ‌ هل التوكل ينافي الأخذ بالأسباب

- ‌ جواز استخدام المعاريض:

- ‌هل الرؤى المنامية تصلح أن تكون مصدراً للأحكام الشرعية

- ‌ حكم التداوي:

- ‌الحديث الثالث عشربيان المسلَّمات في شرححديث قلت بَعْدَكِ أربع كلمات

- ‌تاريخ محنة الأمة:

- ‌أقوال الفرق المخالفة والرد عليهم:

- ‌حكم من قال بخلق القرآن:

- ‌ المواثيق الأربعة التي أخذها الله -تعالى- علي عباده

- ‌الحديث الخامس عشر: منحة الغافر شرح حديث أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر

- ‌ أصل الأنواء:

- ‌الحديث السادس عشر: البشارة بشرح حديث الإشارة

- ‌معتقد أهل السنة في أسماء الله تعالى:

- ‌هل الصفات هي الله - تعالى - أم غيره

- ‌ هل تُشرع الإشارة في أحاديث الصفات

- ‌الحديث السابع عشر: التنبيه والإيماء شرح حديث لا تحلفوا بالأباء

- ‌ حكم الحلف بغير الله - تعالى

- ‌الحديث الثامن عشر: الغرة والتحجيل بشرح حديث جبريل

- ‌ الإيمان بالملائكة:

- ‌ الإيمان بالكتب:

- ‌الحديث التاسع عشر: الموالاة بين التفريط والمغالاة "نظرة على حديث حاطب

- ‌ المظاهرة منها ما هو ردة ومنها ما يكون كبيرة

- ‌الحديث العشرون: التوضيح شرح حديث نزول المسيح

- ‌ الإشارات القرآنية الدالة على نزول عيسى عليه السلام:

- ‌ قوله تعالى: {قَبْلَ مَوْتِهِ} هل يعود على عيسى عليه السلام، أم على الكتابىِّ

- ‌وفاة المسيح عليه السلام:

الفصل: ‌ كيف بدأ شرك القبور

فتأمل:

قد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أمرين: عن الشرك، ووسائله.

فسؤاله عن الشرك في قوله: هل كان فيها وثن؟، وسؤاله عن وسائله في قوله:

هل كان فيها عيد من أعيادهم؟.

(1)

فقوله صلى الله عليه وسلم: (فأوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله)

دل على أن مشابهة المشركين في أفعالهم، ولو ظاهراً إنما هو معصية لله عزوجل، وعندها لايغنى عن المرء صدق نيته، بل لا بد أن يقرن بصدق النية حسن العمل.

ومن هذا الباب فقد سد الشرع الباب على أناس يغالون في الصالحين ويرفعونهم فوق مكانتهم، لئلا يقع منهم شرك في المحبة والدعاء.

وقد وقع المحظور حتي تعلَّقت القلوب بالقبور، وتوجهوا إليها بما لا يُتوجه به إلا لله عزوجل، واعتقدوا فيها ما لا يُعتقد إلا في الله عزوجل.

*وهذا فيه عدة مسائل: المسألة الأولى:‌

‌ كيف بدأ شرك القبور

؟؟

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: ذَكَرَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ وَأُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنهما لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَقَالَ:

" إِنَّ أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "

(2)

*فمن هنا جاءت بداية تزيين الشيطان لعبادة وتعظيم الصالحين والتعلق بالقبور.

فكانوا إذا مات منهم الرجل الصالح جاء الشيطان لقومه فأوحى إليهم:

أن اصنعوا له صورة؛ حتي اذا ما رأيتم صورته ذكرتم عبادته وصلاحه وتقواه؛

فيكون هذا حافزاً لكم علي ان تقتضوا بفعله و هديه.

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:

صَارَتْ الْأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ

(1)

القول المفيد شرح كتاب التوحيد (1/ 236)

(2)

متفق عليه.

ص: 294

بَعْدُ، أَمَّا وَدٌّ فَكَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَأَمَّا سُوَاعٌ فَكَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ، ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ عِنْدَ سَبَإٍ، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ، لِآلِ ذِي الْكَلَاعِ، أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا، أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ:

أَنْ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا، وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ.

(1)

فمن هنا جاءت بداية عبادة القبور ونشأة القبورية، حيث أن الشيطان قد استدرج الناس بحيله ومَكره إلى الشرك بعبادة القبور، وذلك حين قال لهم:

هل لكم أن أصورهم لكم إذا نظرتم إليهم - ذكرتموهم فيذهب حزنكم وتنشطون في العبادة، فقلوا: نعم، فصورهم لهم.

ثم لما تقدَّم الزمن وانقرض الآباء والأبناء وأبناء الأبناء ونُسِي العلمُ، جاء الشيطان في صورة الإنسان وقال لمن بعدهم:

إن من كان قبلكم من سلفكم كانوا يعبدونهم؛ فعبدوهم، ثم صارت سنة في العرب في الجاهلية.

وبذلك فقد صار قوم نوح عليه السلام أول فرقة مشركة قبورية وثنية - ظهرت على وجه الأرض في تاريخ البشرية.

وكما نص الحافظ ابن كثير أن أصل عبادة الأصنام من المغالاة في القبور وأصحابها.

* فعبادة القبور هي أصل شرك العالم، وأن المشركين القبوريين قد ظهروا في عهد نوح عليه السلام بسبب عبادة هؤلاء الأولياء الخمسة، وعكوف القبورية في ذلك العهد على قبورهم، وبذلك وجدت القبورية على الأرض، ثم تطورت القبورية حتى انتشرت في العرب وغيرهم.

(2)

وقد أورد ابن حجرعن السهيلي أن يغوث هو ابن شيث بن آدم فيما نقل،

(1)

رواه البخاري (4920) في كتاب التفسير، بَابُ {وَدًّا وَلَا سُواعًا، وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ} [نوح: 23]

(2)

جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (1/ 407)

ص: 295

وكذلك سواع وما بعده، وكانوا يتبركون بدعائهم، فلما مات منهم أحد مثلوا صورته فتمسحوا بها إلى زمن مهلائيل فعبدوا بتدريج الشيطان لهم.

(1)

-- وهكذا حاد الشيطان بالناس عن صراط الله المستقيم إلى طريقه السقيم.

عن عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ-رضى الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ:

(إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ، مِمَّا عَلَّمَنِي فِي يَوْمِي هَذَا:

، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَأَضَلَّتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ).

(2)

*وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال في تفسير قوله الله {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَة}

[البقرة: من الآية 213]: كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الإسلام"

(3)

-- ومما سبق نخلص بقضية مهمة:

" "أن أول شرك وقع في الأرض إنما كان سببه تعظيم الصالحين والغلو فيهم ".

فالمبالغة في مدح الصالحين قد أدت بكثير منهم في آخر الأمر إلى الوقوع في شرك الربوبية ومن ثَم شرك الألوهية وشرك الأسماء والصفات:

أ) شرك الربوبية:

وذلك باعتقاد أن بعض الأولياء يتصرفون في الكون، وأنهم يسمعون كلام من دعاهم ولو من بعد، وأنهم يجيبون دعاءه، وأنهم ينفعون ويضرون، وأنهم يعلمون الغيب.

ب) شرك الألوهية:

فترتب على وقوعوهم في شرك الربوبية قيامهم بدعاء الأموات من دون الله، والإستغاثة بهم، وهذا والعياذ بالله من أعظم الشرك.

ج) شرك الأسماء والصفات:

قال تعالى {أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخْرَى (20) {فسمَّوا "اللات" من "الإله " المستحق للعبادة، و"العزّى" من "العزيز" و "مناة"

(1)

فتح الباري (8/ 668)

(2)

أخرجه مسلم (2865)

(3)

أخرجه الطبري في تفسيره (2/ 334)، والحاكم في المستدرك (2/ 442)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

ص: 296

من "المنان" إلحادًا في أسماء الله وتجرياً على الشرك به.

(1)

لذا فقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو في مدحه، فقال:«لَا تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ» .

(2)

ولما قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم " ما شاء اللُه وشئتَ "، عقَّب عليه، وقال:«أجعلتني لله نداً بل ما شاء الله وحده»

(3)

وإذا كان هذا في حقه صلى الله عليه وسلم، فغيره من البشر أولى.

(4)

و صدق شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال:

"والنفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين، فلأن يُشرَك بقبر الرجل الذي يعتقد نبوته أو صلاحه، أعظم من أن يشرك بخشبة أو حجرعلى تمثاله.

(5)

* وتأمل في فعل صحابة النبى صلى الله عليه وسلم في سد الذرائع الموصلة إلى شرك الغلو في الصالحين:

لما فتح الصحابة -رضى الله عنهم- مدينة تستر وجدوا جسد النبي دانيال عليه السلام الذى قُدّر أنه مات قبل ثلاثمائة سنة من البعثة النبوية تقريباً، وجدوه وما تغير منه شئ، فحفروا بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقة، فلما كان الليل دفنوه، وقاموا بتسوية القبور كلها، لتعمية قبره على الناس؛ فقد رأوا أنَّ السماء كانت إذا حبست عن الناس أبرزوا السرير فيمطرون، فأراد الصحابة -رضى الله عنهم- غلق هذا الباب من الفتنة.

(6)

قال ابن القيم-رحمه الله تعقيباً على ذلك:

ففى هذه القصة ما فعله المهاجرون والأنصار من تعمية قبره لئلا يفتتن به الناس، ولم يبرزوه للدعاء عنده والتبرك به،

(1)

جامع البيان في تأويل القرآن (22/ 522) و تيسير الكريم الرحمن (ص/819)

(2)

رواه البخاري (3445)

(3)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص/116) وحسنه الألباني في الصحيحة (1/ 56 - 57)

(4)

الدرر السنية (3/ 247)

(5)

اقتضاء الصراط المستقيم (ص/192)

(6)

قال صاحب كتاب التوضيح الرشيد في شرح التوحيد " وهو أثر صحيح. أورده الربعي رحمه الله في كتاب فضائل الشام، انظر تخريج كتاب فضائل الشام (ص 51)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في أشرطة فتاوى سلسلة الهدى والنور (ش/ 304).

ص: 297