الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث عشر
بيان المسلَّمات في شرح
حديث قلت بَعْدَكِ أربع كلمات
* نص حديث الباب:
عَنْ جُوَيْرِيَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ:«مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:
" لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ ".
* تخريج الحديث:
أخرجه مسلم (2726) كتاب " الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار"، باب التسبيح أول النهار وعند النوم، وأحمد (26758)
* نقول:
مذهب أهل السنة والجماعة إثبات صفة الكلام لله عز وجل، فهى صفة ثابتة لله -تعالى- بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
فإن الله -تعالي - لم يزل ولا يزال متكلماً إذا شاء، بحرف وصوت، وهي صفة ذاتية فعلية.
*ومن أدلة ذلك من القرآن:
1 -
قال تعالى (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)(النساء: 164)
2 -
قال تعالى (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ)(الأعراف/143)
وأما أدلة السنة:
1 -
ا لأحاديث القدسية التي يرويها النبي صلى الله عليه وسلم -فيها دلالة بينَّة على إثبات صفة الكلام لله عز وجل، ومن ذلك:
1 -
ما رواه أبو هُرَيْرَة -رضى الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
" قَالَ اللهُ تبارك وتعالى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ".
(1)
*ومن الأحاديث النبوية الدالة على ذلك:
1 -
حيث الباب:
فقول النبي صلى الله عليه وسلم:
" لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، .... ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ
…
ومِدَادَ كَلِمَاتِهِ ".
قد أضاف الكلام إلى الله -عزوجل - إضافة صفة إلى موصوف، فدل ذلك على أنها صفة حقيقة لله تعالى، وذلك على ما يليق به تعالى.
2 -
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رضى الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:
"مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَسَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ ".
(2)
3 -
وعن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما قال:
لما قُتل عبد الله -يعني أباه-قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-:
" مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا ".
(3)
4 -
وعن أبي هُرَيْرَةَ-رضى الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
" احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنَ الجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَاتِهِ وَبِكَلَامِهِ ".
(4)
** أما الإجماع:
فقد أجمع السلف على إثبات صفة الكلام لله عز وجل.
(1)
رواه أحمد (7999) ومسلم (2985)
(2)
متفق عليه.
(3)
رواه الترمذي (1030)، وانظر صحيح الجامع (7905).
وقوله صلي الله عليه وسلم: " كفاحاً: أي مواجهة، ليس بينه وبين الله -تعالى- حجاب ولا رسول.
(4)
متفق عليه.
قال ابن القيم:
وقول أتباع الرسل هو إثبات صفة الكلام، وقد دل القرآن وصريح السنة والمعقول وكلام السلف على أن الله سبحانه وتعالي يتكلم بمشيئته، كما دل على أن كلامه صفة قائمة بذاته، وهي صفة ذات وفعل.
(1)
…
والعقل يثبت صفة الكلام لله عز وجل:
نحن نعلم بالضرورة أن ما يكون متكلماً أكمل ممن لا يكون كذلك، فإذا كان مجرد إثبات هذه الصفة من الكمال، ومجرد سلبها من النقص؛ وجب ثبوتها لله تعالي.
(2)
*فوائد مهمة:
1 -
الله - تعالى- يتكلم بصوت:
قال تعالى (وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(الشعراء/10)
وجه الدلالة: النداء لا يكون إلا بصوت مسموع.
* ومن السنة:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ-رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:
" يَقُولُ اللَّهُ عز وجل يَوْمَ القِيَامَةِ: يَا آدَمُ، يَقُولُ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيُنَادَى بِصَوْتٍ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ ".
(3)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
إن ما أخبر الله -تعالي - به في كتابه من تكليم موسى، وسماع موسى لكلام الله -تعالى- يدل على أنه كلمه بصوت، فإنه لا يسمع إلا الصوت، وصوته - تعالى- ليس كأصوات شيء من مخلوقاته، فإن الله لا يماثل المخلوقين في شيء من الصفات، فمن شبَّه الله بخلقه فقد ألحد في أسمائه وآياته.
(4)
وقال رحمه الله:
قد أخبر الله - تعالى - في القرآن بندائه لعباده في أكثر من عشرة مواضع، والنداء لا يكون إلا صوتاً باتفاق أهل اللغة وسائر الناس.
(5)
(1)
الصواعق المرسلة (ص/501)
(2)
مجموع الفتاوى (6/ 90)
(3)
متفق عليه.
(4)
بتصرف يسير من مجموع الفتاوى (6/ 531).
(5)
منهاج السنة النبوية (5/ 423)
وممن نص على ذلك:
البخاري في خلق أفعال العباد (ص/98) والنووي في رسالته "ذكر اعتقاد السلف في الحروف والأصوات "(ص/56) وأحمد في كتاب السنة لعبد الله بن أحمد (ص/280)
2) الله عز وجل يتكلم بحرف:
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ، فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ:{الم} حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ.
(1)
قال ابن قدامة:
ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن حرفاً متفقاً عليه أنه كافر، وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف.
(2)
*فإن قيل:
إنَّ إثبات الحرف والصوت في صفة الكلام لله عز وجل يلزم منه إثبات المخارج، وهذا مما لا يثبت في حق الله عز وجل؟
(3)
فالرد أن يقال:
1 -
هذا يخالف الكتاب والسنة وأقوال الأئمة الذين أثبتوا الصوت والحرف في صفة كلام الله عز وجل.
2 -
من المخلوقات من نطق بصوت وحرف ولم يعلم لها مخارج، فقد تكلمت الجنة والنار والسماوات والأرض والطعام والحجر والجلود.... ، وغيرها، وهذه الأشياء مما لم ينكر أحد كلامها بدعوى أنه لا مخارج لها.
فإذا كان هذا في حق المخلوقات، فكيف في حق الخالق؟!
أما قول القائل: أن المخارج مما لا يثبت في حق الله!!
(1)
أخرجه الترمذي (2910) وصححه الألباني في (الصَّحِيحَة: 3327).
(2)
وانظر لمعة الاعتقاد (ص/21)
(3)
وهذا مما اعترض به البيهقي في كتابه الأسماء والصفات (ص/296) حيث قال:
ثم إن كان المتكلم ذا مخارج، سمع كلامه ذا حروف وأصوات، وإن كان المتكلم غير ذي مخارج سمع كلامه غير ذي حروف وأصوات، والباري -جل ثناؤه - ليس بذي مخارج، وكلامه ليس بحرف ولا صوت.
نقول: وهذا مما سكت عنه السلف، ولم يتكلموا فيه نفياً ولا إثباتاً.
فقولنا في مثل هذا المقام أن نتوقف حيث أوقفنا الشرع، وأن يسعنا ما وسع سلفنا، ومن لم يسعه ما وسع السلف فلا وسَّع الله عليه.
قال ابن حجر:
وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين لأنه عهد أنها ذات مخارج، ولا يخفى ما فيه؛ إذ الصوت قد يكون من غير مخارج، وصفات الخالق لا تقاس على صفة المخلوق، وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة وجب الإيمان بها، ثم إما التفويض وإما التأويل.
(1)
*وكذا مما اعترض به المخالفون:
1 -
أن الصوت لا يثبت في حق الله عز وجل، لما فيه من المشابهة، حيث قالوا:
" تعالي الله عن شبه المخلوقين علواً كبيراً "
2 -
الأحاديث الواردة في إثبات صفة الصوت لله عز وجل ضعيفة.
، وإن صحت فليست على ظاهرها، بل يراد به صوت الملَك، لا صوت الله.
(2)
فجوابه:
أما الاعتراض الأول فجوابه:
إذا كان إثبات صفة الكلام لله عز وجل على ما يليق بالله عز وجل-وهذا مما تقول به- فلماذا لا تثبت لله عز وجل صفة الصوت على ما يليق بالله
(1)
فتح الباري شرح صحيح البخاري (13/ 640)
فائدة:
قوله رحمه الله -في آخر كلامه " إما التفويض وإما التأويل "
قلت: بل هو التفويض الذي نكل فيه العلم بالكيفية إلي الله عز وجل، وليس تفويض المعني، أما التأويل فإن
كان المقصود به صرف اللفظ عن ظاهره فلا، وإن قصد به ما كان تفسيراً لمعني فنعم، فالصوت في اللغة غير مجهول، والكيف به غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
(2)
نص على ذلك البيهقي في "الأسماء والصفات "(ص/279)، وممن ذهب إلى إنكار الصوت والحرف: الغزالي، فقال عن صفة الكلام:
فليس بصوتٍ يحدث من انسلال هواء واصطكاك أجرام، ولا حرف ينقطع بإطباق شفة أو تحريك لسان!!
أن موسى- عليه السلام سمع كلام اللّه بغير صوت و لا حرف.
وكذلك ممن نفى صفة الصوت عن الله عزوجل: ابن حزم الظاهري، حيث قال:" ولا يجوز أن يكون شيء من هذا بصوت أصلاً ".
وانظر الأربعين في اصول الدين (ص/77) والفصل في الملل والأهواء والنحل (2/ 45)
عز وجل، دون أن يلزم من ذلك مشابهة بين الخالق والمخلوق؟!
*أما القول بتضعيف الأحاديث الواردة في إثبات صفة الصوت
…
فجوابه:
بل هي أحاديث صحيحة قد رواها أصحاب الصحاح، كالبخاري ومسلم، وهما أصح كتابين بعد كتاب الله عز وجل بإجماع الأمة.
…
أما اعتراضه الثالث فجوابه:
هذا خلاف ظاهر الأحاديث فقد قال صلي الله عليه وسلم:
"يَحْشر اللهُ العبادَ فيناديهم بصوتٍ.... " فهل يقال في مثل هذا في صوت الملَك؟؟!
ويلزم من القول بنفي الصوت عن كلام الله عز وجل أن الله لم يُسمع أحداً من ملائكته ورسله كلامه، بل ألهمهم إياه.
الأدلة من الكتاب على أن القرآن كلام الله غير مخلوق:
أولاً: أدلة الكتاب:
1 -
قال تعالى (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)) (التوبة: 6).
وجه الشاهد: قوله تعالي: " كلام الله":
ووجه الدلالة:
أضاف الكلام إلى نفسه إضافة صفة إلي موصوف، مما يدل على أنَّ كلام الله -ومنه القرآن-هو صفة من صفات الله، وصفاته تعالي غير مخلوقة.
2 -
قال تعالى (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)
…
(الأعراف: 54)
وجه الدلالة:
القاعدة: "الأصل في العطف المغايرة "، فلما عطف الأمر على الخلق، والقرآن من الأمر، بدليل قوله تعالى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا) (الشورى: 52)، دل ذلك على أن القرآن كلامه تعالى غير مخلوق.
(1)
(1)
وقد نازع في هذا الدليل القاضي عبد الجبارفي كتابه "تنزيه القرآن"(ص/173)، وذكر أن ورود الأمر بعد ذكر الخلق لا يدل على أنه غيره، وأن للغة نظائر في ذكر الخاص بعد العام.
*ولكن نقول هنا:
نعم قد يرد الخاص بعد العام للتأكيد والتنبيه، ولكنَّ هذا خلاف الأصل، فالأصل في الكلام أن العطف للمغايرة، وحمل الكلام على الأصل أولى من حمله على الفرع، سيّما إذا أيَّد هذا الأصل أدلة الكتاب والسنة وإجماع الأمة على أن القرآن كلام الله -تعالى- غير مخلوق، فتأمل.
قال سفيان بن عيينة:
ما يقول هذه الدويبة؟ يعني بشرا المريسي قالوا:
يا أبا محمد يزعم أن القرآن مخلوق، فقال: كذب قال الله تعالى: {ألا له الخلق والأمر} فالخلق: خلق الله، والأمر القرآن.
(1)
قال أبو الحسن الأشعري:
قوله " ألا له الخلق " في جميع الخلق، ثم قال بعد ذكره الخلق " والأمر ": فأبان الأمر من الخلق، وأمرُ الله كلامه، وهذا يوجب أن كلام الله غير مخلوق.
(2)
3 -
قال تعالى (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)) (يس: 82)
وقد احتج سفيان بن عيينة وغيره من السلف على أن كلام الله -تعالى- غير مخلوق بأن الله خلق الأشياء بـ " كن "، فلو كانت " كن " مخلوقة للزم أن يكون خلق مخلوقاً بمخلوق، فيلزم التسلسل الباطل، وذلك أنه إذا لم يخلق إلا بـ " كن " فلو كانت " كن " مخلوقة للزم أن لا يخلق شيئاً، وهو الدور الممتنع.
(3)
4 -
قال تعالى (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13)) (السجدة/13)
قوله تعالي: " حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي ":
دل على أن كلام الله-عز وجل -من الله، فمن زعم أن كلام الله مخلوق؛ فقد زعم أن من الله شيئاً مخلوقاً، ومن قال بذلك فقد كفر.
وقد فسَّره بذلك: سفيان بن عيينه وأحمد بن حنبل، ونعيم بن حمَّاد، والحسن بن الصباح البزار، وعبد العزيز بن يحيى الكناني.
(4)
(1)
رواه الشريعة للآجري (117) وسنده حسن.
(2)
وانظر الإبانة عن أصول الديانة (ص/72)
(3)
وانظر مجموع الفتاوي (16/ 378) وخلق أفعال العباد (ص/30)
(4)
ذكره ابن بطه في الإبانة (5/ 218) واللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة (2/ 344)
5 -
قال تعالى (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ) (الرحمن: 1 - 3).
فلما جمع في الذكر بين القرآن الذي هو كلامه وصفته، وبين الإنسان الذي هو خلقه ومصنوعه، خص القرآن بالتعليم، والإنسان بالتخليق، فلو كان القرآن مخلوقاً كالإنسان لقال: خلق القرآن والإنسان.
(1)
6 -
قال تعالى (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ)(البقرة/145)، وقال تعالى (فَإن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ)(هود/14)
سئل الإمام أَحْمَد عمن يقول القرآن مخلوق؟
فقال: كنت لا أكفِّرهم حتى قرأت آياتٍ من القرآن " وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ "(البقرة: 120)، وقوله " بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العلم " وقوله "
أنزله بعلمه " فالقرآن من علم اللَّه تعالى، ومن زعم أن علم اللَّه - تعالى- مخلوق
فهو كافر.
(2)
ثانياً: أدلة السنة:
1 -
حديث الباب:
وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:
" سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ.
وجه الدلالة:
في الحديث دلالة على أن كلام الله غير مخلوق؛ وذلك حين عطف كلمات الله -تعالى- على مخلوقاته، والأصل في العطف المغايرة، فلو كانت كلمات الله من خلقه لما غاير بينهما.
2 -
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ-رضى الله عنهما- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ «أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ» ، ثُمَّ يَقُولُ:«كَانَ أَبُوكُمْ يُعَوِّذُ بِهِمَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ»
قَالَ أَبُو دَاود: هَذَا دَلِيلٌ عَلى أَنَّ الْقُرْآنَ لَيس بِمخلُوق.
(3)
(1)
وانظر الاعتقاد للبيهقي (ص/87)
(2)
وانظر طبقات الحنابلة (ص/18) والمحلى بالأثار (1/ 32) وتناقضات الأشاعرة (ص/84)
(3)
رواه أبوداود (4737) وأحمد (2112) وصححه الألباني.
وجه الدلالة:
استعاذ النبي -صلي الله عليه وسلم -بكلام الله عز وجل، فلو كان كلام الله -تعالى- مخلوقاً لما جوَّز الشرع الاستعاذة به، وذلك لإجماع أهل العلماء على أن الاستعادة بالمخلوق شرك.
وكان الإمام أحمد بن حنبل يستدل بهذا الحديث على أن القرآن غير مخلوق.
(1)
قال ابن بطة:
فهل يجوز أن يُعوِّذ النبي صلى الله عليه وسلم بمخلوق، وهل يأمر أمته أن يتعوذوا بمخلوق مثلهم؟!!
(2)
3 -
عن عُبَادَةَ بن الصامت -رضى الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
" إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ القَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الأَبَدِ ".
(3)
قد كان الكلام قبل خلق القلم، وإذا كان أول خلق الله من شيء القلم دل على أن
كلامه ليس بمخلوق؛ ولأنه قبل خلق الأشياء.
(4)
4 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم -قال:
" فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه ".
(5)
فلو كان كلام الله مخلوقاً لم يكن فضل ما بينه وبين سائر الكلام كفضل الله على خلقه.
(6)
ثالثاً: الإجماع:
قال أحمد بن حنبل:
- أجمع العلماء والأئمة المتقدِّمون على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، هذا الذي أدركت عليه الشيوخ.
(7)
(1)
ذكره الخطابي في معالم السنن (3/ 557) والبيهقي في الأسماء والصفات (ص/216).
(2)
وانظر الإبانة الكبرى (5/ 261)
(3)
أخرجه أحمد (22705) وأبو داود (4700) والترمذي (2155) وابن أبي عاصم في السنة (107) وصححه الألباني في صَحِيح الْجَامِع (2018) والسلسلة الصحيحة (133)
(4)
انظر الشريعة للآجري (1/ 224) وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/ 342)
(5)
أخرجه أبو داود (4734) والترمذي (2925) وصححه الترمذي.
(6)
انظر الرد على الجهمية لعثمان الدارمي (ص /162)
(7)
طبقات الحنابلة (1/ 172).