الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو ظفر به المتأخرون لجالدوا عليه بالسيوف، ولعبدوه من دون الله، فهم قد اتخذوا من القبور أوثاناً من لا يداني هذا ولا يقاربه، وأقاموا لها سدنة، وجعلوها معابد أعظم من المساجد.
(1)
…
المسألة الثانية: و
على درب السابقين سار اللاحقون:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
لَتَتَّبِعُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، بَاعًا بِبَاعٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، وَشِبْرًا بِشِبْرٍ، حَتَّى لَو أَنَّ أَحَدَهُمْ دَخَلَ جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ.
(2)
وصدق النبى صلى الله عليه وسلم فيما حدَّث ووقع ما به تنبأ، فقد سار على درب اليهود والنصارى فئام من المسلمين فاتخَذوا قبور الصالحين مساجد، فهذه كانت
سنة اليهود والنصارى؛ فعن ابْنِ عَبَّاسٍ -رضى الله عنهما- قَال:
لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ:
" لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ".
(3)
فظهرت جملة من البدع والشركيات من النذروالذبح للمقبور والطواف حول القبر، ودعاء الموتى وطلب الشفاعة منهم والتوسل بهم.
والذي تسبب في كل ذلك ليس إلا الغلو في تعظيم الصالحين، فكهذا فعل الغلو في أهله.
* قال ابْنُ عَبَّاسٍ-رضى الله عنهما- قَالَ لى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ الْعَقَبَةِ،
"هَاتِ الْقُطْ لي حَصَيَاتٍ هِيَ حَصَا الْخَذْفِ "، فَلَمَّا وُضِعْنَ فِي يَدِهِ، قَالَ:
"بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ".
(4)
(1)
إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 204)
(2)
متفق عليه.
(3)
متفق عليه.
(4)
أخرجه مالك مرسلاً (414)، وقال ابن عبد البر:" هذا الحديث صحيح عند من قال بمراسيل الثقات، وعند من قال بالمسند لإسناد عمر بن محمد له وهو ممن تقبل زيادته "(التمهيد (5/ 41))
ورواه أحمد (7352) وابن حبان (3871)، وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية فى "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص/ 288) وقال: هدا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح. وصححه الألباني في حجة النبي (ص/80)
تأمل:
يحذِّر النبي- صلى الله عليه وسلم أمته من الغلو في الدين، ولو كان الأمر في بضع حصيات، فكيف بالغلو المؤدي إلى الشركيات؟؟!!!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وقوله: «إياكم والغلو في الدين» عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال، والغلو: مجاوزة الحد، بأن يزاد في حمد الشيء أو ذمه على ما يستحق ونحو
ذلك. ا. هـ
(1)
* وهل سلك اليهود طريق الكفر إلا من باب الغلو في الأحبار والرهبان، قال تعالى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]
* وهل سلك النصارى طريق الكفر إلا من باب الغلو في المسيح عليه السلام، قال الله عز وجل {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُواْ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} [النساء: 171].
* لذا فقد أغلق الشرع كل السبل وسد كل الذرائع الموصلة إلى الغلو في الصالحين،
فنهى عن اتخاذ القبور مساجد، ونهى عن الصلاة عند القبور، وعن تعليتها:
* قال صلى الله عليه وسلم قال: "اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا، لَعَنَ اللَّهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"
(2)
- قال ابن عبدالبر:
وكانت العرب تصلي إلى الأصنام وتعبدها، فخشي رسول الله- صلى الله عليه وسلم على أمته أن تصنع كما صنع بعض من مضى من الأمم: كانوا إذا مات لهم نبي عكفوا حول قبره كما يصنع بالصنم، وذلك الشرك الأكبر فكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يخبرهم بما في ذلك من سخط الله وغضبه، وأنه مما لا يرضاه خشية عليهم امتثال طرقهم.
(3)
(1)
اقتضاء الصراط المستقيم (ص/289)
(2)
أخرجه أحمد (7358) و صححه الألباني في فقه السيرة (ص 53) الوثن: الصنم، وهو الصورة من ذهب كان أو من فضة، أو غير ذلك من التمثال، وكل ما يعبد من دون الله فهو وثن، صنما كان أو غير صنم.
(3)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (5/ 45)