الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حين ذهبوا إلى نفي الأمرين فراراً من الوقوع في التناقض الذي وقع فيه الأشاعرة.
(1)
وصدق من قال:
" الأشاعرة لُحاء سنة، ومخ اعتزال "
ومن المسائل المتعلقة بهذا البحث؛ مسألة مهمة:
أهم الأسباب الجالبة لرؤية الله -تعالى- في الآخرة
؟؟
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةً - يَعْنِي البَدْرَ - فَقَالَ:
«إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ، كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا» ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ}
(2)
فقوله صلي الله عليه وسلم: "فافعلوا":
يقتضي أن المحافظة عليها هنا لأجل ابتغاء هذه الرؤية، ويقتضي أن المحافظة سبب لهذه الرؤية. ووجه مناسبة ذكر هاتين الصلاتين عند ذكر الرؤية أن الصلاة أفضل الطاعات، وقد ثبت لهاتين الصلاتين من الفضل على غيرهما ما ذكر من اجتماع الملائكة فيهما ورفع الأعمال، فهما أفضل الصلوات فناسب أن يجازى المحافظ عليهما بأفضل العطايا، وهو النظر إلى الله تعالى.
(3)
* قال الدارقطني:
يزورون ربهم -تبارك وتعالي- ويرفع الحجاب بينه وبينهم، فينظرون إليه وينظر إليهم، وذلك قوله "قال تعالى (ولَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا).
(4)
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والرسول صلى الله عليه وسلم قد جعل صلاتي الغداة والعشي سبباً " للرؤية " وصلاة الجمعة سبباً " للرؤية " في وقتها؛ مع ما في الصلاة من مناسبة الرؤية كان العلم بمجموع هذه الأمور يفيد ظنا قويا أن هاتين الصلاتين سبب للرؤية في وقتهما في الآخرة والله أعلم بحقيقة الحال.
(5)
(1)
البيهقي وموقفه من الإلهيات (ص/391)
(2)
متفق عليه. وقد بؤب له البخاري بقوله: فضل صلاة الفجر، مما يدل على أن المحافظة على صلاة الفجر من أهم الأسباب التي يُرزق بها المرء رؤية الله في الأخرة.
(3)
مجموع الفتاوي (6/ 423) وفتح الباري (ج 2 / ص 329)
(4)
رؤية الله (ص/169)
(5)
مجموع الفتاوى (6/ 426)
*قال ابن رجب:
ولا نسبة لما حصل لقلوبهم في الدنيا من لطائف القرب والأنس والاتصال إلى ما يشاهدونه في الآخرة عياناً، فتتنعم قلوبهم وأبصارهم وأسماعهم بقرب الله ورؤيته، وسماع كلامه، ولا سيما في أوقات الصلوات في الدنيا، كالجمع والأعياد، والمقربون منهم يحصل ذلك لهم كل يوم مرتين: بكرة وعشيا في وقت صلاة الصبح وصلاة العصر، ولهذا لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة يرون ربهم، حض عقيب ذلك على المحافظة على صلاة العصر وصلاة الفجر.
(1)
ذكر ما صح في رؤية الله -تعالي - تكون في الآخرة يوم الجمعة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي -صلي الله عليه وسلم- قال:
"إن أهل الجنة يرون ربهم -تعالي- في كل يوم جمعة في رمال الكافور، وأقربهم منه مجلسا أسرعهم إليه يوم الجمعة وأبكرهم غدواً "
(2)
وعن أنس-رضى الله عنه- مرفوعاً:
إذا كان يوم الجمعة تجلي الله -تعالي- لأهل الجنة، فينظرون إلي وجهه عز وجل، فَلَيْسَ هُمْ فِي الْجَنَّةِ بِأَشْوَقَ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِيَزْدَادُوا نَظَرًا إِلَى رَبِّهِمْ عز وجل وَكَرَامَتِهِ، وَلِذَلِكَ دُعِيَ يَوْمَ الْمَزِيدِ.
(3)
* قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه:
سارعوا إلى الجمعة؛ فإن الله عز وجل يبرز لأهل الجنة في كل يوم جمعة في كثيب من كافور أبيض، فيكونون في الدنو منه على مقدار مسارعتهم في الدنيا إلى الجمعة. .
قال أبوعبيدة بن عبد الله بن مسعود:
فكان عبد الله لا يسبقه أحد إلى الجمعة، فجاء يوماً وقد سبقه رجلان، فقال:(رجلان وأنا الثالث، إن شاء الله يبارك في الثالث).
(4)
(1)
جامع العلوم والحكم (ص/201)
(2)
أخرجه ابن بطة في الإبانة (ح/30) وقال محققه: حسن لغيره.
قلت: يشهد له أثر ابن مسعود-رضى الله عنه- الأتي بعده، الموقوف وله حكم الرفع.
(3)
أخرجه الأجري في الشريعة (ح/612) و الطبراني في الأوسط (2084)
قال ابن القيم في حادي الأرواح (ص/313) وهذا حديث عظيم الشان، رواه أئمة السنة وتلقوه بالقبول، و جمَّل به الشافعي مسنده. وقال الألباني في صحيح الترغيب (3761): حسن لغيره.
(4)
أخرجه الدارقطني في "رؤية الله"(ح/166) وابن بطة في الإبانة (ح/31) وصححه شيخ الإسلام في مجموع الفتاوي (6/ 403) ثم قال رحمه الله:
وهذا الذي أخبر به ابن مسعود -رضى الله عنه- أمر قد أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يكون أخذه عن أهل الكتاب؛ لوجوه:
(أحدها) أن الصحابة -رضى الله عنهم-قد نهوا عن تصديق أهل الكتاب فيما يخبرونهم به: فمن المحال أن يحدث ابن مسعود رضي الله عنه -بما أخبر به اليهود على سبيل التعليم ويبني عليه حكما.
(الثاني): أن ابن مسعود رضي الله عنه خصوصاً كان من أشد الصحابة رضي الله عنهم إنكاراً لمن يأخذ من أحاديث أهل الكتاب.
(الثالث) أن الجمعة لم تشرع إلا لنا، والتبكير فيها ليس إلا في شريعتنا، فيبعد مثل أخذ هذا عن الأنبياء المتقدمين ويبعد أن اليهودي يحدث بمثل هذه الفضيلة لهذه الأمة وهم الموصوفون بكتمان العلم والبخل به وحسد هذه الأمة.
وانظرمجموع الفتاوي (6/ 405) ومسالك أهل السنة فيما أشكل من نصوص العقيدة (2/ 271)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر جملة من لأحاديث فى رؤية المؤمنين لربهم -تعالى- يوم الجمعة:
وهذه الأحاديث عامتها إذا جرد إسناد الواحد منها لم يخل عن مقال قريب أو شديد، لكن تعددها وكثرة طرقها يغلب على الظن ثبوتها في نفس الأمر؛ بل قد يقتضي القطع بها، وأيضا فقد روي عن الصحابة والتابعين ما يوافق ذلك، ومثل هذا لا يُقال بالرأي؛ وإنما يقال بالتوقيف.
(1)
قال ابن القيم:
أوما سمعت بشأنهم يوم المزيـ
…
د وأنه شأن عظيم الشان
هو يوم جمعتنا ويوم زيارة الـ
…
رحمان وقت صلاتنا وأذان
والسابقون إلى الصلاة هم الألى
…
فازوا بذاك السبق بالإحسان
سبق بسبق والمؤخر ههنا
…
متأخر في ذلك الميدان
والأقربون إلى الإمام فهم أولو
…
الزلفى هناك فها هنا قربان.
(2)
…
ومن فروع هذا المبحث: رؤية الكافرين لربهم يوم القيامة:
* من المسائل التى وقع فيها الخلاف بين أهل السنة:
مسألة رؤية الله - تعالى- في
(1)
مجموع الفتاوي (6/ 403)
(2)
القصيدة النونية (ب/347)
العرصات، هل هي حاصلة لجميع الناس، بمن فيهم من الكافرين والمنافقين، أم هي للمؤمنين خاصة؟؟
اختلف العلماء في ذلك على أقوال:
القول الأول:
رؤية حاصلة يوم القيامة لجميع أهل الموقف، وقال به شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، واختاره ابن حزم، وأدلة هذا القول:
1) قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ)(الإنسان/6)
فالأية ذكرت لفظ الإنسان، فيعم كل على عرصات يوم القيامة، واللقاء يدل على الرؤية و المعاينة.
* قال أبو العباس أحمد بن يحيي:
أجمع أهل اللغة على أن اللقاء لا يكون إلا معاينة ونظراً بالأبصار.
(1)
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
أما اللقاء فقد فسره طائفة من السلف والخلف بما يتضمن المعاينة والمشاهدة بعد السلوك والمسير؛ وقالوا: إن لقاء الله يتضمن رؤيته سبحانه وتعالى.
(2)
*ومن أدلة السنة.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
"لَيَلْقَيَنَّ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ لَهُ: أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ؟ أَلَمْ أَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى أَيْ رَبِّ، فَيَقُولُ: فَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: الْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي
(3)
.
فهذا الحديث قد ذكر اللقاء الدال على الرؤية، والحديث في سياق لقاء العبد الكافر الذى أنكر البعث والحساب.
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وهذا حديث صحيح. وفيه أن الكافر والمنافق يلقى ربه. ويقال: ظاهره أن الخلق جميعهم يرون ربهم.
(4)
(1)
ذكره ابن القيم مسنداً ثم قال: وحسبك بهذا الإسناد صحة. وانظر المصدر السابق (ص/288)
(2)
مجموع الفتاوى (6/ 462)
(3)
متفق عليه.
(4)
مجموع الفتاوى (6/ 491)
2) عن أبي هريرة -رضى الله عنه أن النبي- صلى الله عليه وسلم قال:
يجْمَعُ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ تبارك وتعالى فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ تَعَالَى فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ ربنا.
(1)
ففيه دلالة: على رؤية الناس جميعهم لله تعالى في العرصات، وذلك قبل التمييز.
3) عن أبي سعيد الخدري - رضى الله عنه- قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم هل نرى ربنا يوم القيامة؟
فذكر الحديث، وفيه تساقط اليهود والنصارى في النار، ثم قال " حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ، أَوْ فَاجِرٍ، أَتَاهُمْ رَبُّ العَالَمِينَ فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا.
(2)
فقوله صلى الله عليه وسلم: (في أدنى صورة من التي رأوه فيها):
فيه دلالة على أن جميع أهل الموقف قد رأوه في صورته قبل التمييز وسقوط اليهود والنصارى في النار.
* قال ابن القيم:
دلت الأحاديث الصحيحة الصريحة على أن المنافقين يرونه تعالى في عرصات القيامة، بل والكفار أيضا كما في الصحيحين من حديث التجلي يوم القيامة.
(3)
القول الثاني:
أن رؤية الله - عزوجل إنما - هي للمؤمنين والمنافقين فقط، وقال به أبو بكر ابن خزيمة، ورجحه ابن العثميين، واستدلوا بما يلي:
1 -
قال تعالى (كلا إنهم عن ربهم يومئذ محجوبون).
وجه الدلالة: ثبت بالسنة رؤية المؤمنين والمنافقين، فتبين بذلك أن هذه الآية في حق الكفار لا غير.
(1)
متفق عليه.
(2)
متفق عليه.
(3)
حادى الأرواح (ص/288)
*قال ابن خزيمة معقباً على الأية:
أراد الكفار الذين كانوا يكذبون بيوم الدين، بضمائرهم، فينكرون ذلك بألسنتهم، دون المنافقين الذين كانوا يكذبون بضمائرهم ويقرون بألسنتهم بيوم الدين.
(1)
2 -
حديث جابر- رضى الله عنه - مرفوعاً:
ثُمَّ يَأْتِينَا رَبُّنَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: مَنْ تَنْظُرُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نَنْظُرُ رَبَّنَا، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: حَتَّى نَنْظُرَ إِلَيْكَ، فَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَضْحَكُ، قَالَ: فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ وَيَتَّبِعُونَهُ، وَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مُنَافِقًا، أَوْ مُؤْمِنًا نُورًا، فيتجلى لهم يضحك، قال فينطلق بهم ويتبعونه، ويُعطى كل إنسان منهم، منافق أو مؤمن، نورا. .
(2)
3 -
القول الثالث:
بأن الكفار لا يرون ربهم بحال، لا المظهر للكفر ولا المسرّ له، وهذا الذي عليه أكثر المتأخرين وجمهور أصحاب الإمام أحمد وهو قول الجمهور، ورجحه النووي، واستدلوا بما يلي:
1 -
قال تعالى (كلا إنهم عن ربهم يومئذ محجوبون).
2 -
الرؤية أعظم النعيم، فلا حظ فيها للكافرين من المعلنين أو المسرّين.
(3)
والراجح هو القول الأول:
أن الكفار والمنافقين يرون ربهم؛ وهي رؤية تعريف وتوبيخ وتعذيب - كاللص إذا رأى السلطان - وليست رؤية كرامة ولا نعيم.
فإن اللقاء ينقسم إلى: لقاء على وجه الإكرام ولقاء على وجه العذاب، فهكذا الرؤية التي يتضمنها اللقاء.
(1)
التوحيد (ص/428)
(2)
أخرجه مسلم (191)
(3)
كما تري من الأقوال التى ذكرناها أعلاه يتبين لنا أن هذه المسألة من مسائل الخلاف بين أهل السنة، لذا فما ادعاه القاضي أبو يعلى من إجماع السلف على نفي رؤية الكافرين لربهم فهذا إجماع فيه نظر.
قال شيخ الإسلام:
فأما " مسألة رؤية الكفار " فأول ما انتشر الكلام فيها وتنازع الناس فيها - فيما بلغنا - بعد ثلاثمائة سنة من الهجرة، وأمسك عن الكلام في هذا قوم من العلماء وتكلم فيها آخرون فاختلفوا فيها على " ثلاثة أقوال " مع أني ما علمت أن أولئك المختلفين فيها تلاعنوا ولا تهاجروا فيها؛ إذ في الفرق الثلاثة قوم فيهم فضل وهم أصحاب سنة. مجموع الفتاوى (6/ 486)
وقد سئل أبو حازم سلمة بن دينار الأعرج: كيف القدوم على الله؟ فقال:
المحسن كالغائب يقدم على مولاه، وأما المسئ كالآبق يقدم به على مولاه.
أما استدلال المخالف بقوله تعالى (كلا إنهم عن ربهم يومئذ محجوبون).
فجوابه: فهذا الحجب إنما يكون بعد المحاسبة، فإنه قد يقال "حجبت فلانا عنى"،
وإن كان قد تقدَّم الحجب نوع رؤية، وهذا حجب عام متصل، وبهذا الحجب يحصل الفرق بينهم وبين المؤمنين.
(1)
فإن قيل: قد قال تعالى (ولا ينظر إليهم)؟!
فجوابه: أن هذا تأويله: نفي نظر الرحمة والتكريم؛ لا مطلق النظر، أرأيت قوله تعالى:(ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون) مع قوله تعالى (وقفوهم إنهم مسئولون).
فالمنفي في السؤال هو سؤال الاستعتاب كما في قوله (ولاهم يستعتبون).
وإنما يسئلون سؤال تقريع وتوبيخ لقوله تعالى: (فوربك لنسألنهم أجمعين).
(2)
- أما استدلالهم بحديث تجلّي الله ضاحكاً للمؤمنين والمنافقين؟!
فجوابه:
فهذا واقع بعد إتيان الله -تعالى- لأهل الموقف جميعهم في صورته، كما سبق ذكره كما في قوله (فيأتيهم في أدنى صورة من التي رأوه فيها).
* أما ما ذكره الإمام ابن خزيمة بأن الاستدلال على إثبات رؤية الكفار بثبوت اللقاء لا يصح، لأن اللقاء غير الرؤية؟!
فجوابه:
نعم اللقاء غير الرؤية، ولكن اللقاء مستلزم للرؤية، فلا يقال لقي فلان
(1)
مجموع الفتاوى (6/ 503)
(2)
قاله الحسن البصري. وانظر الجامع لأحكام القرآن (6/ 478)
قلت:
يؤيد هذا الجمع ما ذكره ابن تيمية: أن القرآن والسنة يدلان على أن الله يكلم الكفار تكليم توبيخ وتقريع وتبكيت، لا تعليم تقريب و تكريم ورحمة.
وقيل في الجمع وجه آخر: أن المنفى إنما هو سؤال الاستعلام والاستخبار، لا سؤال المحاسبة والمجازاة، أى قد علم الله ذنوبهم فلا يسألهم عنها سؤال من يريد علمها، وإنما يحاسبهم عليها.، ذكره ابن القيم في طريق الهجرتين (ص/424) وهو قول ابن عباس رضى الله عنهما.