المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌معتقد أهل السنة في أسماء الله تعالى: - الأربعون العقدية - جـ ١

[أيمن إسماعيل]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء

- ‌تقديم فضيلة الشيخ الدكتور/ محمد حسن عبد الغفار - حفظه الله

- ‌المقدّمة:

- ‌الحديث الأول: ثمار الأراك في شرح حديث الافتراق

- ‌أهم الفوائد المتعلقة بحديث الباب:

- ‌الحديث الثاني: البيان المناط بفوائد حديث ذات أنواط

- ‌ حُسن المَقْصِد يحتاج إلى حُسن العَمَل

- ‌مسألة العذر بالجهل ليست على إطلاقها

- ‌ الفرق بين العَرَّاف والكاهِن:

- ‌ قصة الْكُهَّان:

- ‌ حكم تعلّم "علم التنجيم

- ‌الحديث الرابع: بلوغ العلم شرح حديث أول ما خلق الله القلم

- ‌ بيان أوّلُ المخلوقات التى خلقها الله

- ‌الحديث الخامس: السنة المأثورة في شرح حديث الصورة

- ‌الحديث السادس: المنهاج في شرح حديث الاحتجاج

- ‌ كيفية وقوع المناظرة بين آدم وموسى عليهما السلام:

- ‌ العبد بين المقدور والمأمور:

- ‌الحديث السابع: بذل الأمل شرح حديث على ما كان من العمل

- ‌ هل تَفْنَى الجنة والنار

- ‌الحديث الثامن: إتحاف الجماعة شرح حديث أسعد الناس بالشفاعة

- ‌ أمور تحصل بها شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث التاسع: الفرقان في بيان حقيقة الإيمان

- ‌الحديث العاشر: تبيين المحظور في اتخاذ المساجد على القبور

- ‌ كيف بدأ شرك القبور

- ‌على درب السابقين سار اللاحقون:

- ‌ صور اتخاذ القبور مساجد

- ‌الحديث الحادى عشر: حلة الكرامة شرح حديث "هل نرى ربنا يوم القيامة

- ‌ شبهات نفاة رؤية الله -تعالى- والرد عليها:

- ‌أهم الأسباب الجالبة لرؤية الله -تعالى- في الآخرة

- ‌ رؤية النساء لربهم في الجنة:

- ‌أقوال العلماء في فيما يستحقه من أنكر الرؤية:

- ‌الحديث الثانى عشر: إعلام الطالبين بفوائد حديث السبعين

- ‌ ما هو حكم الكي

- ‌ هل التوكل ينافي الأخذ بالأسباب

- ‌ جواز استخدام المعاريض:

- ‌هل الرؤى المنامية تصلح أن تكون مصدراً للأحكام الشرعية

- ‌ حكم التداوي:

- ‌الحديث الثالث عشربيان المسلَّمات في شرححديث قلت بَعْدَكِ أربع كلمات

- ‌تاريخ محنة الأمة:

- ‌أقوال الفرق المخالفة والرد عليهم:

- ‌حكم من قال بخلق القرآن:

- ‌ المواثيق الأربعة التي أخذها الله -تعالى- علي عباده

- ‌الحديث الخامس عشر: منحة الغافر شرح حديث أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر

- ‌ أصل الأنواء:

- ‌الحديث السادس عشر: البشارة بشرح حديث الإشارة

- ‌معتقد أهل السنة في أسماء الله تعالى:

- ‌هل الصفات هي الله - تعالى - أم غيره

- ‌ هل تُشرع الإشارة في أحاديث الصفات

- ‌الحديث السابع عشر: التنبيه والإيماء شرح حديث لا تحلفوا بالأباء

- ‌ حكم الحلف بغير الله - تعالى

- ‌الحديث الثامن عشر: الغرة والتحجيل بشرح حديث جبريل

- ‌ الإيمان بالملائكة:

- ‌ الإيمان بالكتب:

- ‌الحديث التاسع عشر: الموالاة بين التفريط والمغالاة "نظرة على حديث حاطب

- ‌ المظاهرة منها ما هو ردة ومنها ما يكون كبيرة

- ‌الحديث العشرون: التوضيح شرح حديث نزول المسيح

- ‌ الإشارات القرآنية الدالة على نزول عيسى عليه السلام:

- ‌ قوله تعالى: {قَبْلَ مَوْتِهِ} هل يعود على عيسى عليه السلام، أم على الكتابىِّ

- ‌وفاة المسيح عليه السلام:

الفصل: ‌معتقد أهل السنة في أسماء الله تعالى:

فوائد تتعلق ب‌

‌معتقد أهل السنة في أسماء الله تعالى:

1 -

الفائدة الأولى:

- أسماء الله -تعالى - ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع والنظر:

قال تعالى (هُوَ اللَّهُ الَّذي لا إِلهَ إِلّا هُوَ عالِمُ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحمنُ الرَّحيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذي لا إِلهَ إِلّا هُوَ المَلِكُ القُدّوسُ السَّلامُ المُؤمِنُ المُهَيمِنُ العَزيزُ الجَبّارُ المُتَكَبِّرُ سُبحانَ اللَّهِ عَمّا يُشرِكونَ (23) هُوَ اللَّهُ الخالِقُ البارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسماءُ الحُسنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ وَهُوَ العَزيزُ الحَكيمُ") (الحشر/24)

*وكذلك الصفات ثابتة لله عزوجل:

فمن أدلة الكتاب:

قال تعالى (وَللهِ المَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ)} النحل: 60 {

أي: ولله الوَصفُ الأفضَلُ والأطيَبُ والأحسَنُ، مِن تَوحيدِه، وتنَزُّهِه عن الولَدِ، وأنَّ له جميعَ صِفاتِ الكَمالِ المُطلَقِ مِن جَميعِ الوُجوهِ.

(1)

وقوله (الأعلى) صيغة أفعل التفضيل، أي أعلى من غيره، وهذا إنما يدل عَلَى أن الكمال المطلق في أي صفة من صفات الكمال فهو لله سبحانه وتعالى.

2 -

وقال تعالى (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَام)(الرحمن/ 27)

وقال تعالى (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)(الذاريات/ 58)

وقال تعالى: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16)) (البروج/16)

ووجه الشاهد من هذه الآيات على إثبات الصفات في قوله تعالى (ذو الجلال..) وقوله (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)

ووجه الدلالة:

القاعدة: " الأصل في الكلام التأسيس لا التأكيد "، والمعنى أن ذكر قوله تعالى " ذو القوة " يضيف معنى جديداً عن قوله " القوي "، فالأول يعطى معنى صفة لله تعالى، وأما الثاني فإنما يُراد به الاسم، فتغير بنية الكلمة يؤسس معنى جديداً، ولا يؤكد على نفس المعنى.

*وأما أدلة السنة على إثبات الأسماء و الصفات:

عن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

(1)

الجامع لأحكام القرآن (10/ 119) وتفسير القرأن العظيم (4/ 578)

ص: 494

قَالَ:

" إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ "

(1)

*وعن بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ -رضى الله عنه- قَالَ:

سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ:

"اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ"، قَالَ: فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:

"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أعطى.

(2)

* عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ بِـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذكروا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ:

لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ؛ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ.

(3)

* عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إِنَّ الْيَهُودَ جَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا:

يَا مُحَمَّدُ صِفْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَد"

(4)

*وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه -عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

" بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا، فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ، أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا

(1)

أخرجه مسلم (2677) والترمذي (3508)

(2)

أخرجه الترمذى (3475) وأبوداود (1494) وصححه الألبانى.

(3)

متفق عليه.

وقد ذكر ابن حزم في سياق كلامه عن إنكار الصفات هذا الحديث وأشار إلى ضعفه، حيث غمز في أحد رواته وهو سعيد ابن أبي هلال، ولا شك أن هذا الكلام عارٍ عن الصحة، فقد وثّق هذا الراوي:

الذهبي والخطيب وابن حبان والدارقطني وابن خزيمة وابن عبد البر، وأخرج له الشيخان، وقال عنه ابن حجر:"ثقة ثبت، ضعفه ابن حزم وحده ".

وانظر الفصل (1/ 378) وسير أعلام النبلاء (6/ 128) ولسان الميزان (3141)

(4)

رواه أحمد (21219) والواحدي في "أسباب النزول"(262) والترمذي (3364)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" رقم (608)، وابن حزيمة في "التوحيد"(45)، الدارمي في "الرد على الجهمية برقم (28) من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه، والحاكم (3987) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وحسَّن الحافظ إسناده في الفتح ((13/ 356)، وحسَّنه الألباني في "صحيح سنن الترمذي (268).

ص: 495

تَرَى؟ قَالَ: بَلَى وَعِزَّتِكَ، وَلَكِنْ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ ".

(1)

ووجه الدلالة من ذلك:

أن أيوب عليه السلام قد أقسم بصفة من صفات الله تعالى، ومعلوم بالنص والإجماع حرمة القسم إلا بالله تعالى، فدل ذلك أن صفاته -تعالى- منه، وقائمة به تعالى.

*وأما الإجماع:

فقد أجمع أهل السنة على إثبات الأسماء والصفات لله - تعالى - على مايليق به

(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشوري/11)

قال ابن عبد البر:

أهل السنة مجموعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز إلا أنهم لا يكيّفون شيئا من ذلك ولا يحدُّون فيه صفة محصورة.

(2)

*ومن العقل من وجهين:

*الأول:

" كل صفة كمال اتصف بها المخلوق فالله سبحانه وتعالى أولى بالاتصاف بها، وأن كل صفة نقص هي عيب في المخلوق فالله سبحانه وتعالى منزه عنها من باب أولى ". وهذا هو قياس الأولى، فإذا كان الإنسان يُمدح بأن له صفات كمال -على ما يليق به- وهو مخلوق، فمن باب أولى أن يُوصف الخالق -سبحانه - بصفات الكمال كلها.

(3)

(1)

أخرجه البخاري (3391) وأحمد (10638)

(2)

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (3/ 351)

(3)

تنبيه:

قولنا " كل صفة كمال اتصف بها المخلوق فالله أولى أن يتصف بها.. ، فهذا متعلق بصفات الكمال المطلق، كالعزة والقوة والحكمة، لا الكمال النسبي، كصفة الولد -مثلاً- صفة كمال في المخلوق، وهي نقص في الخالق. وكذا يقال في صفات: النوم والطعام.

وكذلك قولنا "و كل صفة نقص في المخلوق فالله منزه عنها من باب أولى " فهذا متعلق أيضاً بصفات النقص المطلق، كالعجز و الفقر، لا الكمال النسبي، كصفة الكبر -مثلاً- فهي صفة كمال لله تعالى، وصفة نقص من ناحية الشرع في حق المخلوق.

ص: 496

*الثاني:

أن الذي لا وصف له هو المعدوم، ومن ثم فإن نفاة صفات لله -تعالى - إنما في الحقيقة يعبدون عدمًا.

لذا فهم في الحقيقة لم يثبتوا خالقاً، فقولهم:

بأن الله -تعالى - لا يعلم، ولا يتكلم، ولا يسمع، ولا يرى، وليس له يد، وليس له وجه، ولا قدرة ولا إرادة وليس فوق السماوات ولا تحتها، وقولهم بنفى جميع الأسماء والصفات عن الله -تعالى -هذا في الحقيقة ما أفاد شيئا؛ لأنه لا يوجد شيء مسلوب الأسماء والصفات إلا العدم، فكل موجود لا بد له من صفات، حتى الجماد، لذا فقد آل الأمر بالمعطلة النفاة إلى أن صاروا يعبدون عدماً، ولا يثبتون خالقاً.

فالجهمية النفاة غالوا في التنزية فعبدوا عدماً، والمقاتلية والرافضة المجسمة غالوا في التشبية فعبدوا صنماً.

(1)

وأهل السنة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، بل هم أسعد الناس بقوله تعالى} لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ {.

قال أبو يوسف القاضي:

صنفان ما على وجه الأرض شر منهما: الجهمية والمقاتلية.

(2)

2 -

الفائدة الثانية: أسماء الله حسنى:

قال تعالى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} الآية. فأخبر الله -تعالى - أنّ له الأسماء وأنّها حُسنى.

وإنما سُمِّيت بذلك لأنها دالة على معاني

(1)

والمقاتلية: أتباع مقاتل بن سليمان البلخي، قال أبو حنيفة قال:

أتانا من المشرق رأيان خبيثان: جهم معطل، ومقاتل مشبّه ". وقال عنه ابن حبان:

كان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم، وكان مشبهًاً يشبّه الرب بالمخلوقين، وكان يكذب مع ذلك الحديث.

وانظر "تاريخ بغداد"(13/ 164) و"المجروحين من المحدِّثين "(16/ 348)

*تنبيه:

مقاتل بن سليمان الخراساني، إمام مشهور من أئمة التفسير، والخلاف في نسبة مقالة التشبيه إليه طويل، ويحتاج ذلك إلى تحرير ومراجعة تاريخية، وقد نفى بعض الدارسين هذه المقالة عن مقاتل، وذلك بناءً على عدد من الأدلة والشواهد. وانظر العقود الذهبية (1/ 173)

(2)

السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 108).

ص: 497

الحسن والجمال والجلال و العظمة، والحسنى: أي: البالغة في الحُسن أعلاه، لا شيء أحسن منها، فالحسنى هي: المتناهِيّة في الحُسن، فكلُّ أسماء الله حسنى.

وهذا هو معنى قول أهل السنة إن أسماء الله -تعالى- مشتقّة، فالمراد أنها ليست أعلاماً محضة كما يقول المعتزلة، بل إن كل اسم يتضمن صفة حسن وعظمة، فكل اسم من أسمائه - تعالى - يدل على الذات المسمَّاة، وعلى الصفة التي تضمنها الاسم، كالعليم يدل على الذات والعلم، والقدير يدل على الذات والقدرة، والرحيم يدل على الذات والرحمة.

قال أبو العباس ابن تيمية:

الله - سبحانه - له الأسماء الحسنى كما سمَّى نفسه بذلك وأنزل به كتبه وعلمه من شاء من خلقه، كاسمه الحيَّ والعليم والرحيم والحكيم والأول والآخر والعليَّ والعظيم والكبير ونحو ذلك، وهذه الأسماء كلها أسماء مدح وحمد تدل على ما يحمد به، ولا يكون معناها مذمومًا.

(1)

*وقد خالف في هذا المعتزلة الذين جعلوا أسماء الله -تعالى- جامدة وليست مشتقة، والمعنى أنهم قالوا إن أسماء الله -تعالى - ليست دالة على أوصاف ومعاني لله تعالى، فقالوا: لفظ الجلالة " الله" مجرد علَم يدل على ذات الله عزوجل، وليس علَماً متضمناً لمعاني الكمال والعظمة.

وقالوا: سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، فجعلوا دلالة الأسماء مقصورة على الذات فقط دون الصفة.

(2)

*وفعل المعتزلة هذا إنما يعد من الإلحاد في أسماء الله، فإن الإلحاد في الأسماء

(1)

بيان تلبيس الجهمية (3/ 298)

(2)

وبذلك فالمعتزلة جعلوا أسماء الله -تعالى- في منزلة أسماء البشر، يراد بها الدلالة على الذات فقط دون الوصف، فقد يسمَّى الشخص "كريم"وهو من أشد الناس بخلاً،، وتتلخص شبهة القوم في إنكار صفات الله -عزوجل-في زعمهم أن اتصافه - تعالى- بالصفات يلزم منه إثبات التعدد، لهذا نفوا عن الله -تعالى- سائر الصفات وسمُّوا لذلك أنفسهم أهل التوحيد، ومرادهم بذلك أنهم هم الذين حققوا وصف الله بالواحد بنفي الصفات.

ص: 498

الحسنى له عدّة معانٍ منها:

المعنى الأول:

جُحودها ونفيُها كما نفتْها الجهميّة.

وهذا أعظم الإلحاد فيها، فالذي يقول:"إن الله ليس له أسماء، لأنّ الأسماء موجودة في المخلوقين، فإذا أثبتناها صار تشبيهاً".

فهذا جاحدٌ لأسماء الله، ملحِدٌ فيها- والعياذُ بالله- أعظم الإلحاد، وهذا كُفرٌ بالله عز وجل.

ب) المعنى الثاني:

تأويلُها عما دلّت عليه، كما فعلت المعتزلة فإنهم يُثبتون الأسماء ولكنّهم ينفون معانيها وما تدل عليه من الصّفات، فالذي لا يُثْبِتُ الصّفات مُلحدٌ في أسماء الله، لأنّه جحد معانيها، وجعلها ألفاظاً مجرَّدة لا تدلّ على شيء.

(1)

جـ) المعنى الثالث:

أن يدخل فيها ما ليس منها.

د) المعنى الرابع:

تعطيل الأسماء عن معانيها وجحد حقائقها؛ كقول من يقول من الجهمية وأتباعهم: إنَّها ألفاظٌ مجردةٌ لا تتضمن صفات ولا معاني.

3) الفائدة الثالثة:

أسماء الله - تعالى - توقيفية:

وهذا الذى عليه الجمهور من أهل السنة والجماعة، أن أسماء الله -تعالى- لا تُعرف إلا بما ورد به الأثر الصحيح.

فلا نثبت لله -تعالى- اسماً إلا بدليل من كتاب أو سنة، ومن أدلة ذلك:

أ) قوله تعالى (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (البقرة /3)

فأصل من أصول الإيمان هو الإيمان بالغيب، ومن الإيمان بالغيب أن نؤمن بمجمله دون الخوض فيما لا نعلم، وأسماء الله -تعالى- من هذا الباب الغيبي الذى لا سبيل للعلم به إلا بوحى.

ب) قوله تعالى (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)

فقوله: الأسماء: (الـ) هذه تسمى العهدية، أي التي تعهدونها، ونحن لا نعهد من الأسماء إلا ماجاء به الشرع.

(1)

إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (1/ 554)

ص: 499

كما أن قوله سبحانه وتعالى: {فَادْعُوهُ بِها} يعني ادعوا الله بأسمائه التي سمَّى بها نفسه أو سمَّاه بها رسوله، ففيه دليل على أن أسماء الله تعالى توقيفية لا اصطلاحية.

فمن ادَّعى أن الله -تعالى- من أسمائه اسم كذا

فعليه الدليل، وإلا دخل فى قوله تعالى " إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69) "(يونس/68 - 69)

وقوله تعالى " وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ "(الإسراء/36).

فتسمية الله بما لم يسمِ به نفسه أو إنكارما سمَّى به نفسه جناية فى حقه تعالى، فوجب سلوك الأدب فى ذلك.

والتوقيف في أسماء الله - تعالى- يقتضى ألا نسميه -تعالى- إلا بما ورد به النص، فإنه يُسَمَّى جَوادا ولا يُسَمَّى سَخِيًّا، وإن كان في معنى الجواد، ويُسَمَّى رَحِيمًا ولا يُسَمَّى رَقيقا، ويُسَمَّى عَالِمًا، ولا يُسَمَّى عاقلاً.

(1)

قال أحمد:

"لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا نتجاوز القرآن والسنة".

(2)

قال ابن حزم:

ونرد على من أقدم على أن يسمِّى الله - تعالى - بغير نص، فنقول:

لا تتعد ما جاء به النص.

(3)

وقال أبو القاسم القشيري:

الأسماء تؤخذ توقيفاً من الكتاب والسنة والإجماع، فكل اسم ورد فيها وجب إطلاقه في وصفه، وما لم يرد لا يجوز، ولو صح معناه.

(4)

*ومن النظر:

فمن المعلوم أنه لا يجوز تسمية الرسول صلى الله عليه وسلم -بما ليس من أسمائه،

(1)

لباب التأويل في معاني التنزيل (2/ 276) وتفسير القرآن للسمعاني (2/ 235) والقواعد المثلى (ص/13)

(2)

لمعة الاعتقاد (ص/ 9).

(3)

الفصل والملل (1/ 421) وممن نص على ذلك من الأئمة: السجزي في رسالته إلى أهل زبيد (ص/122)

وقوام السنة الأصبهانى في " الحجة في بيان المحجة "(2/ 383)

(4)

شرح الكوكب المنير (1/ 288)

وأبو القاسم القشيري هو عبد الكريم بن هوازن النيسابوري الشافعي، الملقب بـ "زين الإسلام"، قال ابن السبكي:

"كان فقيها بارعا، أصولياً محققاً، متكلماً سنياً، محدثاً حافظاً، مفسراً متقناً، نحويا لغوياً أديبا. أشهر كتبه " التفسير الكبير" و"الرسالة" وغيرها. توفي سنة 465 هـ. انظرترجمته في طبقات الشافعية للسبكي (5/ 153)

ص: 500

وكذا كل كبير من الخلق، فإذا امتنع ذلك في حق المخلوقين فامتناعه في حق الله تعالى أولى.

(1)

قال السفاريني:

والحق أن أسماءه توقيفية

ولنا بذا أدلة وفيِّة "

(2)

*وقد عدَّ العلماء أن من أنواع الإلحاد التى حذَّر الله -تعالى - منها في قوله تعالى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

أن يدخل فيها ما ليس منها.

قال البغوي:

قال أهل المعاني: الإلحاد في أسماء الله تسميته بما لم يتسم به ولم ينطق به كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

(3)

لأنّ القاعدة في أسماء الله:

" أن لا يُسمّى إلاّ بما سمّى به نفسَه، أو سمّاه به رسولُه صلى الله عليه وسلم " فما لم يسمِّ الله به نفسَه ولم يسمِّه به رسولُه صلى الله عليه وسلم فلا يجوز أن يُطلَق على الله تعالى.

* تنبيه:

إذا كانت الأسماء والصفات لابد أن تكون توقيفية وأن تكون حسنى، فمثل هذا مما يُغتفر في مقام الإخبار عن الله تعالى.

فالأخبار لا يشترط فيها الحسن، ولكن يشترط ألا تنزل إلى مرتبة السوء والنقص، ومثال ذلك: قولنا - مثلاً - " حرَّم الشارع شرب الخمر "، فالشارع هنا ليس اسماً لله -تعالى- ولا صفة؛ فإنه لا حُسن فيه، وإنما هو خبرعن الله تعالى.

*ولهذا نظائر في الكتاب والسنة:

فمن الكتاب:

قوله تعالى (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ)

ففي الأية جاء السؤال: أى شيء؟؟،

(1)

شرح الكوكب المنير (1/ 289) والمقصد الأسنى (ص/109)

(2)

لوامع الأنوار البهية (ص/124)

(3)

معالم التنزيل (3/ 357).

ص: 501

وجاء الجواب: قل الله

* ومن السنة:

قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ "

(1)

فقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن الله -تعالى- بلفظ " شخص ".

وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ".

(2)

فالدهر ليس اسماً لله -تعالى - ولا صفة له؛ وذلك لأمرين: -

1 -

أنه لا حُسْن فيه من كل وجه.

2 -

أنه قد ورد فى نص الحديث قوله تعالى:

" وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ"

قال الله "بيدي الأمر أقلب الليل و النهار" فتبين أن معنى أن الله -تعالى- هو الدهر أي: أن الله هو المتصرف فى أمور الدهر.

* يؤيده:

قوله تعالى" وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ"(الجاثية/24)، فلو كان الدهر اسماً من أسماء الله -تعالى- لما كفر الدهريون.

* وعليه فالقاعدة: " يُغتفر في باب الأخبار ما لا يُغتفر في غيره "

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

فالفرق بين مقام المخاطبة ومقام الإخبار فرق ثابت بالشرع والعقل، وبه يظهر الفرق بين ما يدعى الله به من الأسماء الحسنى، وبين ما يخبر به عنه وجل مما هو حق ثابت، لإثبات ما يستحقه سبحانه من صفات الكمال، ونفي ما تنزه عنه عز وجل من العيوب والنقائص، فإنه الملك القدوس السلام، سبحانه وتعالى عمَّا يقول الظالمون علواً كبيراً.

وقال تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه} [الأعراف: 180] مع قوله {قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم} [الأنعام: 19]،

(1)

أخرجه مسلم (1499)

(2)

متفق عليه.

ص: 502

ولا يقال في الدعاء: يا شيء.

(1)

قال ابن القيم:

ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفاً، كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه.

(2)

سؤال: - كم اسماً الله تعالى؟

الصحيح فى هذه المسألة أن أسماء الله -تعالى- لا تحصر بعدد معين، بل لله -تعالى- أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده، لا يعلمها ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وهذا قول جماهير العلماء وقد اتفق سلف الأمة و أئمتها على هذا، وقد نقل النووي اتفاق العلماء على هذا.

(3)

ومن أدلة ذلك: -

1) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ-رضى الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

"مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ، إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ أَوْ حُزْنٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ بَصَرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا".

(4)

وبهذا الحديث قد استدل الخطابي وابن كثير وابن القيم وغيرهم على أن اسماء الله -تعالى-لا حصر، فقوله " أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ":

دليل على أن أسماءه أكثر من تسعة وتسعين، وأن له أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده، لا يعلمها غيره.

(5)

(1)

درء تعارض العقل والنقل (1/ 298) والنهج الأسمى في شرح الأسماء الحسنى (ص/33)

(2)

بدائع الفوائد (1/ 145)

(3)

مجموع الفتاوى (22/ 482) وشرح النووي على مسلم (9/ 5)

(4)

أخرجه أحمد (3712) والحاكم (1877) وصححه، وصححه ابن القيم في شفاء العليل (ص/ 274) والألباني في السلسلة الصحيحة (1/ 336) وصححه الشيخ أحمدشاكر.

(5)

شفاء العليل (ص/277)

ص: 503

2) وروى الشيخان من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضى الله عنه- في حديث الشفاعة الطويل: يَقُولُ أهل الموقف: يَا مُحَمَّدُ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلِيَقْضِ بَيْنَنَا " قَالَ:

" فَأَقُولُ: نَعَمْ، فَآتِي بَابَ الْجَنَّةِ، فَآخُذُ بِحَلْقَةِ الْبَابِ فَأَسْتَفْتِحُ، فَيُقَالُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدُ فَيُفْتَحُ لِي فَأَخِرُّ سَاجِدًا، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي، وَلَا يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ بَعْدِي، فَيَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ مِنْكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي ".

(1)

ففي قوله صلى الله عليه وسلم: "فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي "، وفي رواية " فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ الْآنَ، يُلْهِمُنِيهِ اللهُ "

دلالة أنه صلى الله عليه وسلم يتعلم تلك المحامد يوم القيامة.

3) عَنْ عَائِشَةَ-رضى الله عنها- قَالَتْ:

فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ:

«اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ،

لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ».

(2)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

فإذا كان أفضل الخلق لا يحصي ثناء عليه ولا يعرف الآن محامده التي يحمده بها عند السجود للشفاعة؛ فكيف يكون غيره عارفاً بجميع محامد الله والثناء عليه، وكل ما له من الأسماء الحسنى فإنه داخل في محامده.

(3)

*ومن النظر:

كثرة الأسماء تدل على عظم المسمَّى، ولا شيء أعظم من الله -تعالى- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى.

* إشكال والجواب عليه:

-عن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

" إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ "

(4)

استدل البعض بهذا الحديث على حصر أسماء الله -تعالى- في هذا العدد فقط.

(5)

(1)

متفق عليه.

(2)

أخرجه مسلم (486) والترمذى (3493)

(3)

مجموع الفتاوى (7/ 574)

(4)

أخرجه مسلم (2677) والترمذي (3508)

(5)

و قد ذهب ابن قدامة فى كتابه (المناظرة فى القرآن الكريم) إلى أن أسماء الله -تعالى - تسعة وتسعين اسماً فقط؛ وذلك لحديث (إن لله تسعاً و تسعين اسماً....)

وأما ابن حزم فزعم أن من زاد شيئًا في الأسماء عن التسعة والتسعين فقد ألحد في أسمائه، وهو مع قوله بهذه الأسماء الحسنى فلم يثبت منها إلا الألفاظ المجردة من المعاني المثبتة للصفات. وانظر (المحلى (1/ 30) ومقدمة "الدرة"(ص/160)

ص: 504

*والجواب:

أن هذا الحديث لم يسق لحصر أسماء الله -تعالى- في هذا العدد، وإنما سيق لبيان مسألة مهمة وهي تفاضل أسماء الله تعالى.

والمعنى أن الله -تعالى-كما فاضل بين خلقه ورسله عليهم السلام فقال عزوجل (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ)(البقرة/253)

فكذلك فقد فاضل الله -تعالى- بين أسماءه وصفاته، ولهذا أدلة كثيرة

(1)

،

ومنها هذا الحديث، فقد أفاد أن الله -تعالى- مع كثرة أسمائه التى لا حصر لها قد جعل لهذه الأسماء خاصة ميِّزة ليست في غيرها من سائر الأسماء ألا وهي أن من أحصاها دخل الجنة.

قال الخطابي:

قوله صلى الله عليه وسلم "إن لله تسعة وتسعين اسماً ": فيه إثبات هذه الأسماء المحصورة بهذ العدد، وليس فيه نفي ما عداها من الزيادة عليها، وإنما وقع التخصيص بالذكر لهذه الأسماء؛ لأنها أشهر الأسماء، وأبينها معاني وأظهرها، وجملة قوله:

"إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة" قضية واحدة لا قضيتان، ويكون تمام الفائدة في خبر "إن" في قوله:"من أحصاها دخل الجنة"، لا في قوله.:"تسعة وتسعين اسما"، وإنما هو بمنزلة قولك: إن لزيد ألف درهم أعدها للصدقة..

وهذا لا يدل على أنه ليس عنده من الدراهم أكثر من ألف درهم، وإنما دلالته: أن الذي أعده زيد من الدراهم للصدقة ألف درهم.

(2)

* أضف إلى ذلك:

أن لفظ الحديث أصالة لم يفد الحصر، ففارق بين قولك

(1)

ومن ذلك قوله تعالى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

، وكذلك دعائه صلى الله عليه وسلم:" اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك"، فالرضا والسخط صفتان لله - تعالى - وقد فاضل بينهما الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: يا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ: {اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (أخرجه مسلم)

(2)

ذكره في شأن الدعاء (ص/24) وقد ذكر مثله ابن القيم " فائدة جليلة في قواعد الأسماء الحسنى"(ص/40)

ص: 505

"أسماء الله تسعة وتسعون اسماً "، وهو ما قد يكون حجة لمن ادَّعى حصر الأسماء في هذا العدد، وقولك " إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا

" وهو نص الحديث.

*وهنا فوائد:

1) الأولى:

لم يصح حديث في تعيين أسماء الله -تعالى- الحسنى، وقد ورد في رواية حديث " إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا.... " زيادة عند الترمذى وابن ماجه والحاكم فيها سرد هذه الأسماء على التفصيل، ولكن كل طرقها ضعيفة

(1)

.

قال ابن حجر:

وقد ساق الترمذي وابن حبان الأسماء، والتحقيق أن سردها إدراج من بعض الرواة.

(2)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

لم يرد في تعيين التسعة والتسعين اسماً حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

(1)

تعيين هذه الأسماء إنما جاء في رواية الوليد بن مسلم عند الترمذي، وفي رواية زهير بن محمد عن موسى بن عقبة عند ابن ماجه، وفي رواية عبد العزيز بن الحصين عن أيوب عن محمد بن سيرين عند الحاكم في المستدرك، وقد تكلم العلماء في هذه الطرق بما يوجب ضعفها سنداً ومتناً.

*وأما رواية الترمذي في سرد هذه الأسماء فقد ضعفها ابن حزم وابن كثير والبغوى وابن القيم، وذلك للاضطراب الشديد في متنها، من حيث الزيادة والنقص في الأسماء، كما أن في سندها الوليد بن مسلم وهو مدلس. وقد قال الترمذي بعد روايتها: غريب، وقد روي من غير وجه، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولا نعلم في كثير من الروايات ذكرالأسماء إلا في هذا الحديث، وقد روى آدم بن أبي إياس هذا= =الحديث بإسناد غير هذا، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس له إسناد صحيح.

* وأما رواية ابن ماجه (3861) فهى رواية ضعيفة لضعف عبد الملك بن محمد الصنعاني.

قال الذهبي: ليس بحجة. قال ابن حجر: لين الحديث، وقال ابن حبان: وكان يجيب فيما يسئل عنه ينفرد بالموضوعات، لا يجوز الاحتجاج بروايته.

*أما رواية الحاكم ففي سندها العزيز بن حصين الترجمان، قال البخاري: ليس بالقوي، وقال مسلم وابن معين: ذاهب الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث، وضعفه ابن عدي. وقال الحافظ: أورد له العقيلي في الضعفاء " حديث الأسماء " وحديثاً آخر، وقال: لا يتابع عليهما وكلاهما فيه لين واضطراب.

وانظر الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة (1/ 669) وتهذيب التهذيب (3/ 512) والمجروحين من المحدّثين (2/ 138) ولسان الميزان (5/ 202)

(2)

بلوغ المرام (ح/1382)

(3)

الفتاوى الكبرى (2/ 380)

ص: 506

2) الثانية:

معنى من أحصاها: ورد فيها أقوال وأرجحها أنَّ أحصاها:

أي عدَّها وحفظها وتعرَّف على معانيها، وأثنى على الله -تعالى- بها، ودعاه بها، و تعبَّد لله بمقتضاها. فإذا علمتَ أنه رحيم تتعرض لرحمته، وإذا علمتَ أنه غفور تتعرض لمغفرته، وإذا علمتَ أنه سميع اتقيت القول الذي يغضبه، وإذا علمتَ أنه بصير اجتنبت الفعل الذي لا يرضاه.

(1)

* ومما يدخل في معنى الإحصاء:

الاتصاف بما تضمنه أسماء الله -تعالى- من المعاني، إلا ما خصه دليل التحريم.

وهذا الأمر دل عليه ما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله جميل يحب الجمال)

(2)

.

ومثال ذلك:

تعلم أن الله عز وجل -رحيم كريم: فتكن أنت كذلك رحيماً كريماً.

(3)

* فرع:

باب الصفات أوسع من باب الأسماء؛ لأن الصفات تتعلق بأفعال الله، وأفعاله -تعالى- لا حصر لها.

2 -

كل اسم ثبت لله -عزوجل- فهو متضمن لصفة، ولا عكس.

فكل اسم يشتق منه صفة: اسم الرحمن يتضمن صفة الرحمة، واسم العظيم يتضمن صفة العظمة،

وأما الصفات والأفعال فلا يشتق منهما أسماء لله تعالى.

(1)

القول المفيد شرح كتاب التوحيد (3/ 90)

(2)

أخرجه مسلم (91)

(3)

ويستثنى من ذلك الصفات التى اختص الله -تعالى- بها نفسه، فجعلها -سبحانه - مما يحرم على العبد أن يتصف بها: ومن ذلك صفات: الكبر والمَن، فالقائل سبحانه عن نفسه {الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ}

[الحشر / 23]

قد ذم من وُصف من بعض المخلوقين بأنه جبار متكبر قال: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)} [غافر / 35]

وقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " قَالَ اللهُ عز وجل: الْعِزُّ إِزَارِي، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي فَمَنْ نَازَعَنِي بِشَيْءٍ مِنْهُمَا عَذَّبْتُهُ) (أخرجه مسلم (2620)

وقال صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» (أخرجه مسلم /106)

قال أبو العباس ابن تيمية:

من أسمائه وصفاته ما يحمد العبد على الاتصاف به كالعلم والرحمة والحكمة وغير ذلك، ومنها ما يذم العبد على الاتصاف به كالإلهية والتجبروالتكبر. (الصفدية (2/ 338))

ص: 507

فصفة الإرادة مثلاً لا يشتق منها صفة المريد، وكذلك صفة الإستواء والإتيان والكتابة....

(1)

قال ابن القيم:

وقد أخطأ - أقبح خطأ - من اشتق له من كل فعل اسماً، وبلغ بأسمائه زيادة على الألف، فسمَّاه الماكر، والمخادع، والفاتن، والكائد ونحو ذلك، وكذلك باب الإخبار عنه بالاسم أوسع من تسميته به، فإنه يخبر عنه بأنه شيء، وموجود، ومذكور، ومعلوم، ومراد، ولا يسمَّى بذلك.

(2)

* ومثال لما ذكره ابن القيم من التوسع فى باب الاشتقاق:

قد ذكر الأصبهانى اسم "الباقي " ضمن أسماء الله تعالى، واستدل بقوله تعالى (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)) (الرحمن: 27)

وعقَّب بابطين فى "لوامع الأنوار" أن إطلاق اسم "الباقي "على الله -تعالى - فيه نظر؛ فالتعبير عن الصفة بالفعل لا يعنى أن يشتق له اسم منها.

(3)

*تقسيم الصفات:

تنقسم الصفات الإلهية إلى ثبوتية و سلبية: -

1 -

أولاً الصفات السلبية: - وضابطها أن تبدأ بـ (لا، ما)، ومن أمثلة ذلك:

قوله تعالى (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)، وقوله تعالى (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)، وقوله تعالى (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ)

وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ)

(4)

، وقوله صلى الله عليه وسلم:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا)

(5)

فمثل هذه الصفات السلبية ننفيها عن الله -تعالى - مع

(1)

بدائع الفوائد (1/ 162) وصفات الله في الكتاب والسنة (ص/22)

(2)

مدارج السالكين (3/ 348)

وقد ذكر رحمه الله -فى كتابه طريق الهجرتين (ص/330) عدة وجوه في بيان خطأ اشتقاق أسماء لله -تعالى- من الأفعال، فليرجع إليه من شاء.

(3)

وانظر الحجة على تارك المحجة (1/ 45) وتعليق الشيخ بابطين على لوامع الأنوار (1/ 39)

(4)

متفق عليه.

(5)

متفق عليه.

وإن كان البعض يتحرج من تسمية مثل هذا النوع من صفات الله بالسلبية، ويقول نسميها المنفية؛ لأن من معاني السلب:

نزع الشئ على سبيل القهر، إلا أن هذا لا يمنع أن أحد معاني السلب النفي، وعليه فلا بأس أن نسميها سلبية؛ فإنه هناك من الصفات التى وصف الله بها نفسه وهي تقتضي النقص علي بعض المعانى، والكمال على المعنى الاخر، فوصف الله بها نفسه على معنى الكمال، فإن جاز في ذلك، فهو فيما دونه أولى بالجواز.

ص: 508

إثبات كمال الضد، وإنما يقال " مع إثبات كمال الضد ": لأن النفي المحض ليس بكمال، ونظير ذلك قوله تعالى

(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا)(فاطر/44) فقد نفي الله -تعالى- العجز عن نفسه وأثبت كمال قدرته، وكذلك (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ) فالله -تعالى- قد نفي عن نفسه -تعالى السِنة والنوم لكمال قيوميته.

وكذلك يقال في قوله صلى الله عليه وسلم: «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا)

(1)

قال أبو العباس ابن تيمية:

وينبغي أن يُعلم أن النفي ليس فيه مدح ولا كمال إلا إذا تضمن إثباتاً، وإلا فمجرد النفي ليس فيه مدح ولا كمال؛ لأن النفي المحض عدم محض.

(2)

* كذلك فالصفات السلبية تكون على الإجمال لا التفصيل؛ لأن هذا هو الأدب مع الله -تعالى-والأبلغ في تعظيم الله، أما الثبوتية فتكون على التفصيل، كما تجد بيان ذلك في آية الكرسي وأواخر سورة الحشر وفواتح سورة الحديد.

*ثانياً: الصفات الثبوتية: وهى تنقسم إلى (ذاتية -فعلية - خبرية)

1 -

الصفات الذاتية:

وهي الصفات التي لا تنفك عن الله تبارك و تعالى، كالقدرة و العلم و العزة و العلو،

فلم يزل ولا يزال متصفاً بها سبحانه وتعالى. فمثل هذه الصفات لا يمكن أن تتعلق بالمشيئة.

2 -

الصفات الفعلية:

وهذه الصفات هى التى تتعلق بالمشيئة، يفعلها عزوجل إذا شاء، ولا يفعلها إذا شاء.

(1)

متفق عليه.

(2)

مجموع الفتاوى (3/ 35)

ص: 509

مثال: (الضحك - الإستواء - النزول - الغضب - المجئ - الإتيان - الكلام - الكتابة) وضابطها " إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل "

3 -

الخبرية:

وهى الصفات التى مسمَّاها عندنا أبعاض و أجزاء، وهى لله -تعالى-صفات تليق بكماله و عظمته مثال:(الساق - اليد - الوجه - الكف - الأنامل - الأصابع - القدم - الرْجل)

* نفاة الصفات الإلهية، وأهم شبهاتهم:

والقول بنفي الصفات الإلهية قول محدث فى أمة الإسلام، كما نص على ذلك أبو العباس ابن تيمية بقوله:

ومن له عناية بآثار السلف يعلم علماً يقيناً أن قول النفاة إنما حدث فيهم في أثناء المائة الثانية، وأن أول من ظهر ذلك عنه الجعد بن درهم، والجهم بن صفوان، وقد قتلهما المسلمون.

(1)

وقد ذهب الجهمية إلى نفي الصفات الإلهية بدعاوى باطلة وشبهات ساقطة.

قال عبد القادر الجيلاني:

أنكر الجهمية جميع صفات الحق عزوجل، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

(2)

بل قد نفى جهم بن صفوان عن الله -تعالى - كل صفة قد يتصف بها البشر، بدعوى نفى المشابهة، فنفى كونه حياً أو عالماً أو موجوداً أو مريداً.

(3)

* وأما المعتزلة:

فلم يثبتوا من الصفات إلا ثلاثة فقط، وهى من الصفات الذاتية:

" الحياة والعلم والقدرة "، ولكنهم ما جعلوها معانٍ قائمة بذات الله تعالى، بل هى صفات أزلية ملازمة للذات.

فجمهور المعتزلة يرون أن الله -تعالى-عالم بذاته، أوعالم بعلم وعلمه ذاته، لا بعلم زائد على ذاته، وقادر بقدرة، وقدرته ذاته، وحي بحياة، وحياته ذاته

"، وهكذا في سائر الصفات.

(4)

(1)

درء التعارض (7/ 63)

(2)

وانظر الغنية (ص/114) ومقالات الجهم بن صفوان (ص/385)

(3)

انظر التبصير في الدين (1/ 108) والملل والنحل (1/ 73)

(4)

والفرق بين هذين الرأيين أن القول بأن " الله عالم بذاته لا بعلم "، هو نفي للصفة، أما القول أن الله عالم بعلم، وعلمه ذاته فقد أثبت صفةً هي بعينها الذات "، فالخلاف لا يتعدَّى أن يكون خلافاً لفظياً.

وانظر الملل والنحل (1/ 53) ومختصر التحفة االاثنى عشرية (ص/80) والتأويل في الصفات الإلهية (ص/169)

ص: 510

قال القاضي عبد الجبار وهو يبيّن معنى التوحيد عند المعتزلة:

وأجمع مشايخنا أن الله واحد فى صفاته، وأن كل صفات الله أنها للذات، أوترجع إلى الذات، وقالوا قادر لذاته؛ وليس قادراً بقدرة، ..... فهذا قول مشايخنا فى التوحيد.

(1)

وقد نقل ابن المرتضى تلميذ القاضي عبد الجبار إجماع المعتزلة على قولهم في الصفات، فقال:

"وأما ما أجمعت عليه المعتزلة، فقد أجمعوا على أن للعالَم مُحدِثاً، قديماً، قادراً، عالماً، حياً، لا لمعانٍ.

(2)

ومعنى هذا الإجماع:

أن هذه الصفات ليست معاني تقوم بذات الله، وإنما هي أحكام تضاف إلى الله عزوجل.

وأما الأسماء التى أثبتوها فقد جعلوها أسماءً جامدة لا تدل على أية معانٍ، فقالوا سميع بلا سمع، وبصير بلا بصر.

* نقول:

والقول المؤيد بالأدلة العقلية والنقلية أن صفات الله- تعالى - داخلة في مسمَّى أسمائه، فمن استعاذ بصفة من صفات الله-عزوجل - أو حلف بها فإنما استعاذ بالله، وحلف به تعالى، و يشهد لهذا الاستعاذة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم أمته، كما في قوله:

" أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ "، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام:" اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ ".

(3)

*كما أن إنكارالصفات يعد من الإلحاد في أسماء الله -تعالى - وصفاته.

قال ابن القيم في بيان أنواع الإلحاد في أسمائه وصفاته:

ورابعها: تعطيل الأسماء عن معانيها وجحد حقائقها؛ كقول من يقول من الجهمية وأتباعهم: إنَّها ألفاظٌ مجردةٌ لا

(1)

الأصول الخمسة (ص/363)

(2)

وانظر المنية والأمل في شرح الملل والنحل (56).

(3)

الصفات الإلهية في الكتاب والسنة (ص/343)

ص: 511

تتضمن صفات ولا معاني، فيطلقون عليه اسم السميع والبصير والحي والرحيم والمتكلم والمريد، ويقولون:

لا حياة له ولا سمع ولا بصر ولا كلام ولا إرادة تقوم به.

وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلاً وشرعًا ولغة وفطرة، وهو يقابل إلحاد المشركين؛ فإنَّ أولئك أعطوا أسمائه وصفاته لآلتهم، وهؤلاء سلبوه صفات كماله وجحدوها وعطلوها فكلاهما ملحدٌ في أسمائه.

(1)

*ومن شبهات نفاة الصفات:

1 -

الشبهة الأولى: قالوا:

تعدَّد الصفات يلزم منه تعدَّد الذوات، فالقول بالتوحيد عندالمعتزلة مستلزم لنفي الصفات!

(2)

وفي ذلك يقول أبو الثناء اللامشى:

فلو كان شيء من هذه الصفات ثابتة لله - تعالى - لكانت غير الله، لا ذاته، وإذا كانت غيره فلا يخلو إما أن تكون قديمة أو محدثة:

والأول يلزم منه القول بتعدد القدماء، والثاني غير جائز على الله تعالى؛ لأن ذات

(1)

فائدة جليلة في قواعد الأسماء الحسنى (ص/48)

(2)

فالتوحيد هو أحد الأصول الخمسة للمعتزلة، ومعناه عندهم لا يتحقق إلا بنفي الصفات، ويعد واصل بن عطاء رأس المعتزلة في ذلك، فهو من أصل وأسس للقول بنفي الصفات، وكان يقول في إشارات منه إلى ذلك:"إن من أثبت لله معنى وصفة قديمة فقد أثبت إلهين". =

=وانظر "الصواعق المرسلة"(1/ 136) و"الملل والنحل"(1/ 67)

وقد نص أبوالحسن الأشعري على أن المعتزلة لم تقدر أن تفصح بذلك خوفاً من السيف فأتت بمعناه، وقالت:

إن الله عالم قادر حي سميع بصير من طريق التسمية، من غير أن يثبتوا له حقيقة العلم والقدرة والسمع والبصر".

وقال البيجورى وهو يبين شبهة المعتزلة فى نفيهم للصفات:

وإذا كانت قديمة فيلزم تعدد القدماء، وهو كفر بإجماع المسلمين، وقد كفرت النصارى بزيادة قديمين على الذات العلية، كما قال تعالى (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ) (المائدة: 73)، فكيف بالأكثر؟!!

وانظرالإبانة (ص/143) وتحفة المريد (ص/141)

وحاصل هذا الإشكال عند المعتزلة زعمهم أنهم إذا أثبتوا أن الله عز وجل متصف بصفة زائدة على ذاته، فإن ذلك يستلزم أن تكون هذه الصفة قديمة، وهذا يؤدي إلى تعدد القدماء، وهو محال.

ص: 512

البارى حينئذ تكون محلاً للحوادث، وقبول الحوداث من أمارات الحدوث.

(1)

*وعلى الجانب الأخر ترى الشيعة الإمامية يفرون من هذا اللازم الذى التزمه المعتزلة، حيث نص الشيعة على أن صفات الله هي عين ذاته، وليست زائدة على الذات، فقدرته هي حياته، وحياته هي قدرته.

(2)

*والرد:

1 -

قد توسَّط أهل السنة في هذا الباب، فلم يقولوا أن الصفات هى عين الذات، ولم يقولوا هي غيرها، بل الصفات في الحقيقة إنما هى معانٍ وأعراض قائمة بالذات، فليست هى عين الذات، فيكون لازم ذلك وحقيقته هو نفي الصفات، وليست أعياناً قائمة بذاتها حتى يقال إنَّ إثباتها منافٍ لحقيقة التوحيد.

فإنما يصح قولكم إذا كانت الصفة عيناً قائمة بذاتها منفصلة عمن يتصف بها. وأنت ترى وتقبل أن تتعدد صفات المخلوق الواحد على ما فيه من ضعف وعجز، فكيف لا تقبل ذلك في خالق هذا الشخص على كماله وعلو قدره سبحانه؟؟!!

*وقد ضرب الإمام أحمد مثلًا بديعاً للرد عليهم فقال رحمه الله:

إذا قلنا: إن الله لم يزل بصفاته كلها، أليس إنما نصف إلهاً واحداً بجميع صفاته؟! وضربنا لهم في ذلك مثلاً.

فقلنا: أخبرونا عن هذه النخلة؟ أليس لها جذع وكرب، وليف وسعف وخوص وجمار؟ .. واسمها اسم شيء واحد، وسميت نخلة بجميع صفاتها فكذلك الله، وله المثل الأعلى بجميع صفاته إله واحد.

(3)

وقال رحمه الله:

وقد سمَّى الله رجلا كافراً اسمه الوليد بن المغيرة المخزومي فقال: {ذرني ومن خلقت وحيداً} ، وقد كان هذا الذي سمَّاه الله وحيداً له عينان وأذنان ولسان

(1)

التمهيد لقواعد التوحيد (ص/66)

(2)

عقائد الإمامية الأثنى عشرية (ص/27)

(3)

الرد على الجهمية والزنادقة (ص/283)

ص: 513

وشفتان ويدان ورجلان، وجوارح كثيرة. قد سمَّاه الله وحيدا بجميع صفاته. فكذلك الله، وله المثل الأعلى، هو بجميع صفاته إله واحد.

(1)

* وتأمل في قول أحمد:

" لا نقول: إن الله لم يزل وقدرته، ولم يزل ونوره، ولكن نقول: لم يزل بقدرته ونوره ".

فالصفة لا تضاف إلى الموصوف على سبيل العطف الذى يتقتضى المغايرة، وإنما

تضاف إليه من باب إضافة الصفة إلى موصوف.

قال أبوالعباس ابن تيمية:

فلا يوجد في كلام الله ورسوله واللغة اسم الواحد على ما لا صفة له، فإن لا صفة له لا وجود له في الوجود.

(2)

وهذا كلام من شيخ الإسلام رحمه الله من الأهمية بمكان ومفاده أن إثبات الواحدانية لا يفيد شرعاً و لا لغةً نفي الصفات.

ولا يتصور بحال من الأحوال أن تخلوا ذات عن الصفات، فالمعدوم هو الذى لا صفة له، فلا بد إذا كانت الذات موجودة أن تكون موصوفة ولو بصفة الوجود فقط، لهذا لا مفر للمعتزلة ولا غيرهم من أن يثبتوا ذاتاً موصوفة بالصفات.

وهم أثبتوا صفة الوجود الأزلي وهو ما يعبرون عنه بالقديم، وهذه صفة للذات وليست هي الذات، فيلزمهم من ذلك قبول هذا الأصل الذى هو إن القول بالصفات لا ينافي القول بالتوحيد.

ومن العقل:

أن الصفات ليست ذوات قائمة بنفسها حتى يلزم من تعددها تعدد الذوات، بل هى نعوت قائمة بالموصوف.

*ومن اللغة:

فإن الصفة: ليست ذاتاً مستقلة، بل هي الاسم الدال على بعض أحوال الذات، وذلك نحو طويل وقصير وعاقل وأحمق، وغيرها، وهي الأمارة اللازمة بذات الموصوف الذي يعرف بها.

(3)

(1)

المصدر السابق (ص/284)

(2)

درء تعارض العقل والنقل (5/ 82)

(3)

وانظرالتعريفات (ص/133) والمصباح المنير (ص/393)

ص: 514