الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَسَّ على المسلمين، وعليه فلا يستدل به على كون
المظاهرة منها ما هو ردة ومنها ما يكون كبيرة
؟
*والرد عليه:
إذا ثبت أن ما فعله حاطب رضي الله عنه ليس ردة، وهذا مجمع عليه مع أن رسالته لو وصلت إلى مشركي مكة لاستعدَّت قريش للحرب، وهذا خلاف ما قصد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من تعمية خبر غزوه لهم، فما عمله حاطب رضي الله عنه إعانةٌ عظيمة للكفار في حربهم للمسلمين في غزوة من أهم الغزوات الفاصلة في الإسلام، إذا ثبت ذلك عُلم أن الإعانة لا تكون كفراً حتى يكون الحامل عليها محبة الكفار والرغبة في انتصارهم على المسلمين، وعلم
أن القول بأن إعانة الكفار على المسلمين كفر وردة مهما كان الحامل عليها كما
هو ظاهر كلام ابن حزم في المحلى مستدلاً ببعض أحاديث الوعيد فيه نظر ظاهر.
(1)
* كما يقال هنا أن التجسس على أخبار المسلمين في حقيقته هو نوع مظاهرة للمشركين، فكل ما كان مؤدياً لأن يكون للكافرين على المؤمنين سبيلاً فهو من المظاهرة التى حرَّمها الشرع.
2) فإن قيل:
القول بحمل حديث الباب على أن فعل حاطب -رضى الله عنه- كان من الموالاة العملية التى لا تُخرج من الملة، قد يكون فيه موافقة للمرجئة القائلين بحصر الكفر الأكبر في أعمال القلوب، وأنه لا كفر إلا بالحجود أو الاستحلال!!!
* والرد عليه أن يقال:
لا يستدل بترجيحٍ في مسألة ما على كون ذلك منهجاً عاماً للقائل، فلو أن إماماً من أئمة السنة يثبت صفات الله -تعالى- ثم رأيناه قد تأول أية من أيات الصفات على غير ظاهرها فلا يقال عندها بنسبته للنفاة أو المحرَّفة.
وكذلك هنا نقول، " أن عدم الذكر ليس ذكراً للعدم "، بمعنى أن عدم حمل حديث الباب على الكفر الأكبر لا يعنى أننا نحصر الكفر في أعمال القلوب، كما يدعى المنازع، ولكنَّا حملناه على ذلك للقرائن والمقدمات التى تم ذكرها آنفا.
(1)
تسهيل العقيدة الإسلامية (ص/571)
* أضف إلى ذلك:
أن النبي - صلى لله عليه وسلم - لما وقف على أمر حاطب قال له:
ما حملك على ذلك؟
فلو كان أصل فعله بذاته لا يحتمل التفصيل لما استفصل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان " ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال "، فإن الاستفصال في مقام الاحتمال لا ينزل منزلة العموم في المقال، بل يكون الحكم فيه تفصيل وتبيين.
(3 فإن قيل:
ألا يستدل بقوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107)) (النحل/107) على كفر من والى أعداء الله -تعالى- ولو لغرض دنيوى؟؟؟
والرد على ذلك:
أن الاستدلال بهذه الأية كفر كل من قدَّم أمر الدنيا على الآخرة مما يقال فيه إنَّ " الدليل أخص من الدعوى"؛ فقد ورد سياق هذه الأية فيمن أُكره على كلمة الكفر، حيث رُخص له في ذلك مادام قلبه مطمئناً بالإيمان، ثم ذكر الله -تعالى- في مقابل ذلك " مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا " فاختاره وآثره على الإيمان، وباح به طائعاً، فعليهم غضب من الله، ولهم عذاب عظيم.
قال ابن كثير:
لأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، فأقدموا على ما أقدموا عليه من الردة لأجل الدنيا، ولم يهد الله - تعالى - قلوبهم ويثبتهم على الدين الحق، فطبع على قلوبهم.
(1)
2) القسم الثانى: الموالاة الكبرى:
أن تكون موالاتهم لنصرة دينهم وتسلطهم على دين الإسلام والمسلمين، فمثل هذا يكون كفراً أكبر مخرجاً من دين الإسلام. فمن ظاهر المشركين وعاونهم على المسلمين لأجل دينهم فلاشك في كفره.
وفى مثل هذا قال الله تعالى (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ
(1)
تفسير القرآن العظيم (4/ 605)
الْمَصِيرُ (28)) [آل عمران: 28]
قال ابن جرير الطبرى قوله تعالى: (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ)
يعني:، يعني بذلك: فقد برئ من الله وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه، ودخوله في الكفر.
(1)
وقال تعالى {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .
قال القرطبي في قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) أي:
من يعاضدهم ويناصرهم على المسلمين، فحكمه كحكمهم في الكفر والجزاء، وهذا الحكم باقٍ إلى يوم القيامة، وهو قطع الموالاة بين المسلمين والكافرين.
(2)
قال ابن حزم:
وصح أن قول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}
إنما هو ظاهره، بأنه كافر من جملة الكفار فقط، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين.
(3)
*قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن:
إن الموالاة تنقسم إلى قسمين:
1) موالاة مطلقة عامة:
وهذه كفر صريح، وهي بهذه الصفة مرادفة لمعنى التولي لأجل الدين، وعلى ذلك تُحمل الأدلة الواردة في النهي الشديد عن موالاة الكفار، وأن من والاهم فقد كفر.
2) موالاة خاصة:
وهي موالاة الكفار لغرض دنيوي مع سلامة الاعتقاد، وعدم إضمار نية الكفر والردة كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة في إفشاء سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزو مكة كما هو مذكور في سبب نزول سورة الممتحنة.
(4)
ومثل هذا الكلام في تقسيم الموالاة إلى عامة مطلقة وخاصة منقول عن القرطبي وابن الجوزى وابن العربي وسليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب وصاحب الأضواء.
(5)
(1)
انظر جامع البيان في تأويل القرآن (6/ 313)
(2)
انظر الجامع لأحكام القرآن (6/ 217) وأحكام القرآن لابن العربي (4/ 1782)
(3)
انظرالمحلى (11/ 138) أحكام أهل الذمة (1/ 67)
(4)
انظر الدرر السنّية (1/ 235، 236)
(5)
وانظر زاد المسير (ص/390) ونوافض الإيمان القولية والعملية (ص/ 277) وأضواء البيان (2/ 111)
قال الشيخ السعدى:
{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وذلك الظلم يكون بحسب التولي، فإن كان تولياً تاماً، صار ذلك كفراً مخرجاً عن دائرة الإسلام، وتحت ذلك من المراتب ما هو غليظ، وما هو دون ذلك.
(1)
* وعليه نقول:
*وعليه فلابد من التنبيه على مسألة:
أن الاستدلال بحديث حاطب على أن كل موالاة لأعداء الإسلام لا تخرج من الملة فهذا مما يقال فيه إنَّ الدليل أخص من الدعوى.
ومن المعلوم أن قضايا الأعيان لا ترد نقضاً على الكلّيات لاحتمالها.
فقد تقرّر في القرأن أنّ نصرة أهل الكفر على أهل الإسلام كفر ونفاق، وتواردت الآيات والآثار وإجماع العلماء على ذلك حتى صار أصلاً مطرداً في الباب؛ فما وَرَد مُوهِماً خلافَ الأصل مثل قصة حاطب رضي الله عنه فلا يرد نقضاً على الأصل؛ لأنّ قضايا الأعيان لا تقدح في الأصول، إما لاحتمالها في ذاتها، أو لإمكان ردّها إلى الأصل المعلوم بتأويل يمنع التخلّف عن الأصل، أو يجزم بعدم دخولها في الأصل لمأخذٍ آخر فلا تكون الواقعة من أفراد الأصل.
لذا فالقول بأن كل موالاة لأعداء الله - تعالى- نفاق أكبر مخرج من الملة فليس هذا على عمومه، فقد دلَّ حديث الباب أن النصرة العملية ذنب، لكنها ليست كفراً وحدها؛ لأن ما وقع من حاطب لم يكن حُبًّا ولا تفضيلاً، ولا فعل ذلك عن تَمَنٍّ لنصرة دين الكفار على الإسلام.
بل إن شيخ الإسلام مع تكفيره للتتار، قال عمَّن يقاتل المسلمين مع التتار:
" وأيضاً لا يقاتل معهم - غير مكره - إلا فاسق، أو مبتدع، أو زنديق. . ".
فها هو فصل أصناف المقاتلين معهم، ولم يجعلهم قسماً واحداً، ولم يكفر بمجرد القتال معهم.
(2)
(1)
تيسير الكريم الرحمن (ص/856)
(2)
انظر مجموع الفتاوى (28/ 552) والولاء والبراء بين الغلو والجفاء (ص/16)
* ويتبين لنا مما سبق أمور:
الأول:
مناط التكفير في باب الولاء والبراء إنما هو على عمل القلب لا على آثاره وثمراته، فإذا اجتمعا حكم به، وإذا اختلفا فالحكم لعمل القلب دون عمل الجوارح.
فحب الكافر لكفره أو تمني انتصار دين الكفار على دين المسلمين هذا هو الكفر في باب الولاء والبراء.
(1)
الثانى:
مظاهرة الكافرين لنصرتهم على المسلمين لا يجيزه حتى حال الإكراه المعتبر،
قال الطبرى تعليقاً على قوله تعالى " إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ":
إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مُسلم بفعل.
(2)
وقد أجمع أهل العلم على أن الإكراه لا يبيح الاعتداء على المسليمن، فمن أكره على قتل مسلم فقتله فإنه يُقتل به.
ولذا فالإكراه لا يغير حكم المظاهرة، ومهما بلغ هذا الإكراه فلا يجيز إعانة الكفار على المسلمين بحال لما في ذلك من ظهور دينهم وتسلطهم على ديار المسلمين.
(3)
*ومما يُلحق بالموالاة المخرجة من الملة:
أن يلحق المسلم بدار الكفر المحاربة لدارالإسلام ويظاهرهم في عداء أهل الإسلام.
قال ابن حزم:
من لحق بدار الكفر والحرب مختارا محاربا لمن يليه من المسلمين، فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها: من وجوب القتل عليه، متى قدر عليه، ومن إباحة ماله، وانفساخ نكاحه، وغير ذلك، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبرأ من مسلم.
(4)
(1)
الولاء والبراء والعداء في الإسلام (ص/39)
(2)
جامع البيان في تأويل القرآن (6/ 313)
(3)
البيان الثاقب شرح حديث حاطب (ص/5)
(4)
المحلى (11/ 251)
* فوائد في الختام:
1) يستثنى من الموالاة التى حرَّمها الشارع أمور:
الأول: المعاملات العامة:
لا يدخل في موالاة الكافرين التى حرَّمها الشرع معاملتهم بالتجارة والبيع والشراء، ففارق بين الموالاة والمعاملة، فالمعاملات مع المشركين في المتاجرات لا شيء فيها؛ وذلك لعموم قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]
وقد روت عَائِشَةُ رضي الله عنها أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -تُوُفِّيَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ.
(1)
وقد ترجم البخاري باب: باب مشاركة الذمي والمشركين في المزارعة، ثم روى تحته حديث عَبْدِ اللَّهِ بن عمر- رضي الله عنه قَالَ:
…
(2)
*الثانى: الحب الجبلِّى:
الموالاة التى حرَّمها الشرع إنما تكون بمحبتهم لأجل دينهم، فلا شك أن محبة غير دين الإسلام إنما هى يتفرع على تسويغ ذلك الدين والرضا به، فلا شك في كفر من فعل ذلك ولو كان مبتغياً لدين الإسلام شرعة وديناً؛ يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ " مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللهِ، حَرُمَ مَالُهُ، وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ "
(3)
، وعليه فمن أحب الكفر وأهله، أو سوَّغ لغيره ديناً غير الإسلام فهذا لم يكفر بما يُعبد من دون الله تعالى.
وأما من أحب كافراً حباً جبلياً لقرابته مثلاً، أو كمن تزوج كتابية فكان حبه لها من هذا الباب فلا يدخل هذا من الموالاة المحرمة.
وقد ورد في قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (إنك لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (القصص/56)
قال الطبري:
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ) يا محمد (لا تَهْدِي مَنْ
(1)
متفق عليه.
(2)
أخرجه البخارى (2499)
(3)
أخرجه مسلم (23)
أَحْبَبْتَ) هدايته (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) أن يهديه من خلقه، بتوفيقه للإيمان به وبرسوله. ولو قيل: معناه: إنك لا تهدي من أحببته لقرابته منك، كان مذهباً.
(1)
ويستأنس لذلك بحديث الباب؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على حاطب حرصه وخوفه على ألا يلحق الأذى بقرابته بمكة، وإنما توجه الإنكار على مراسلته للحربيين من قريش الذين نصبوا الحرب والعداء لله - تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم.
3) الثالث: الإحسان إليهم بالهبة والصلة:
وذلك لعموم قوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، ولعموم حديث " في كل كبد رطبة أجر"
(2)
.
قال اللَّهِ تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]
والمعنى: لم يمنعكم من الإكرام وحسن الصلة لغير المسلمين طالما أنهم لم يناصبوكم العداء ولم يسعوا في إيذائكم ولم يقاتلوكم بسبب دينكم لا سيما إن كانوا أقرباء وذوي رحم.
قال ابن القيم:
إن الله - سبحانه - لما نهى في أول السورة -سورة الممتحنة-عن اتخاذ المسلمين الكفار أولياء وقطع المودة بينهم وبينهم، تَوَهَّم بعضهم أن برهم والإحسان إليهم من الموالاة والمودة، فبين الله سبحانه أن ذلك ليس من الموالاة المنهي عنها، وأنه لم ينه عن ذلك بل هو من الإحسان الذي يحبه ويرضاه، وكتبه على كل شيء.
(3)
وقد ترجم البخاري باب: بَابُ الهَدِيَّةِ لِلْمُشْرِكِينَ (2620)، وفي موضع آخرقال بَابُ صِلَةِ الوَالِدِ المُشْرِكِ (5978)، ثم روى عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قُلْتُ: وَهِيَ
(1)
جامع البيان في تأويل القرآن (19/ 598)
(2)
متفق عليه.
(3)
أحكام أهل الذمة (1/ 213)
رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ:«نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ» .
(1)
عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما قَالَ: رَأَى عُمَرُ حُلَّةً عَلَى رَجُلٍ تُبَاعُ، فَقَالَ
لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ابْتَعْ هَذِهِ الحُلَّةَ تَلْبَسْهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَإِذَا جَاءَكَ الوَفْدُ؟
فَقَالَ: «إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ» ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا، بِحُلَلٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ مِنْهَا بِحُلَّةٍ، فَقَالَ عُمَرُ:
كَيْفَ أَلْبَسُهَا وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ؟ قَالَ:
«إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا تَبِيعُهَا، أَوْ تَكْسُوهَا» ، فَأَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ.
(2)
* وكذا يقال في قبول الهدية من المشرك:
إذ الأصل هو جواز قبول الهدية من الكافر، تأليفاً لقلبه وترغيباً له في الإسلام، كما قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدايا بعض الكفار، كهدية المقوقس وغيره.
وقد بوَّب البخاري في صحيحه: باب قبول الهدية من المشركين، قال رحمه الله: " وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه-عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام بِسَارَةَ فَدَخَلَ قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ أَوْ جَبَّارٌ فَقَالَ أَعْطُوهَا آجَرَ.
* وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- رضي الله عنه أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا فَقِيلَ: أَلَا نَقْتُلُهَا، قَالَ:«لَا» ، فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
(3)
وختاماً:
فإذا أردنا أن نعطِّرالمجلس بكلمة في حق الصحابي الجليل حاطب -رضى الله عنه - فلن نجد أفضل ما قاله ابن القيم، ولنعم ما قال:
فتأمل قوة إيمان حاطب التي حملته على شهود بدر، وبذله نفسه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيثاره الله ورسوله على قومه وعشيرته وقرابته وهم بين ظهراني العدو وفي بلدهم، ولم يثن ذلك عنان عزمه، ولا فَل من حد إيمانه ومواجهته للقتال لمن أهله وعشيرته وأقاربه عندهم، فلما جاء
(1)
متفق عليه. وقولها (راغبة) أي في الإسلام وقيل عنه أي كارهة له.
(2)
رواه البخاري (2619) بَابُ الهَدِيَّةِ لِلْمُشْرِكِينَ.
(3)
متفق عليه. وكلمة (لهوات) جمع لهاة، وهي ما يبدو من الفم عند التبسم، وقيل هي اللحمة التي بأعلى الحنجرة من أقصى الفم.
مرض الجسِّ برزت إليه هذه القوة، وكان البُحرانُ صالحاً فاندفع المرض، وقام المريض كأن لم يكن به قلبة، ولما رأى الطبيب قوة إيمانه قد استعلت على مرض جسِّه وقهرته، قال لمن أراد فصده: لا يحتاج هذا العارض إلى فصاد:
…
«وما يدريك لعل الله اطَّلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»
وعكس هذا ذو الخويصرة التميمي وأضرابه من الخوارج الذين بلغ اجتهادهم في الصلاة والصيام والقراءة إلى حد يحقر أحد الصحابة عمله معه كيف قال فيهم: " «لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد» " وقال:
" «اقتلوهم فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم» ". وقال:
" «شر قتلى تحت أديم السماء» " فلم ينتفعوا بتلك الأعمال العظيمة مع تلك المواد الفاسدة المهلكة واستحالت فاسدة.
وتأمل في حال إبليس لما كانت المادة المهلكة كامنة في نفسه، لم ينتفع معها بما سلف من طاعاته، ورجع إلى شاكلته وما هو أولى به، وكذلك الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها، فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، وأضرابه وأشكاله، فالمعول على السرائر، والمقاصد، والنيات، والهمم، فهي الإكسير الذي يقلب نحاس الأعمال ذهباً، أو يردها خبثاً، وبالله التوفيق.
(1)
تم بحمد الله تعالى.
(1)
زاد المعاد (3/ 376)