الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي التَّتِمَّةِ، فَجَزَمَ بِاشْتِرَاطِ التَّعَرُّض فِيهِ لِنِيَّةِ الْقَضَاء دُون الْأَدَاء، لِتَمْيِيزِهِ بِالْوَقْتِ. انْتَهَى.
قُلْت: وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِي الصَّوْم الْخِلَاف فِي نِيَّة الْأَدَاءِ، وَبَقِيَ الْحَجّ وَالْعُمْرَة وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا لَا يُشْتَرَطَانِ فِيهِمَا ; إذْ لَوْ نَوَى بِالْقَضَاءِ الْأَدَاءَ لَمْ يَضُرُّهُ وَانْصَرَفَ إلَى الْقَضَاءِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاء حَجّ أَفْسَدَهُ فِي صِبَاهُ أَوْ رِقِّهِ، ثُمَّ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ فَنَوَى الْقَضَاء، انْصَرَفَ إلَى حَجَّة الْإِسْلَام وَهِيَ الْأَدَاء.
وَأَمَّا صَلَاة الْجِنَازَة: فَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ يُتَصَوَّر فِيهَا الْأَدَاء وَالْقَضَاء لِأَنَّ وَقْتهَا مَحْدُود بِالدَّفْنِ، فَإِنْ صَحَّ أَنَّهَا بَعْده قَضَاء فَلَا يَبْعُد جَرَيَان الْخِلَاف فِيهِمَا.
وَأَمَّا الْكَفَّارَة: فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي كَفَّارَة الظِّهَار عَلَى أَنَّهَا تَصِير قَضَاء إذَا جَامَعَ قَبْل أَدَائِهَا وَلَا شَكَّ فِي عَدَم الِاشْتِرَاط فِيهَا.
وَأَمَّا الزَّكَاة: فَيُتَصَوَّر الْقَضَاء فِيهَا فِي زَكَاة الْفِطْر، وَالظَّاهِر أَيْضًا عَدَم الِاشْتِرَاط، وَإِذَا تَرَكَ رَمْيَ يَوْم النَّحْر أَوْ يَوْمًا آخَر تَدَارَكَهُ فِي بَاقِي الْأَيَّام، وَلَا دَمَ، وَهَلْ هُوَ أَدَاء أَوْ قَضَاء؟ سَيَأْتِي الْكَلَام فِيهِ فِي مَبْحَثه.
[الْأَمْر الْخَامِس: مِمَّا يَتَرَتَّب عَلَى التَّمْيِيز الْإِخْلَاصُ]
مِمَّا يَتَرَتَّب عَلَى التَّمْيِيز: الْإِخْلَاصُ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تُقْبَل النِّيَابَة ; لِأَنَّ الْمَقْصُود اخْتِبَار سِرّ الْعِبَادَة، قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ وَغَيْرُهُ: لَا يَجُوز التَّوْكِيل فِي النِّيَّة إلَّا فِيمَا اقْتَرَنَتْ بِفِعْلٍ، كَتَفْرِقَةِ زَكَاة، وَذَبْح أُضْحِيَّة، وَصَوْم عَنْ الْمَيِّت وَحَجّ وَقَالَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ: الْإِخْلَاص أَمْر زَائِد عَلَى النِّيَّة لَا يَحْصُل بِدُونِهَا وَقَدْ تَحْصُل بِدُونِهِ، وَنَظَرُ الْفُقَهَاء قَاصِر عَلَى النِّيَّة، وَأَحْكَامهمْ إنَّمَا تَجْرِي عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْإِخْلَاص فَأَمْره إلَى اللَّه، وَمِنْ ثَمَّ صَحَّحُوا عَدَم وُجُوبِ الْإِضَافَة إلَى اللَّه فِي جَمِيع الْعِبَادَات.
ثُمَّ لِلتَّشْرِيكِ فِي النِّيَّة نَظَائِر ; وَضَابِطهَا أَقْسَامٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يُنْوَى مَعَ الْعِبَادَةِ مَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ فَقَدْ يُبْطِلُهَا، وَيَحْضُرُنِي مِنْهُ صُورَةٌ وَهِيَ مَا إذَا ذَبَحَ الْأُضْحِيَّة لِلَّهِ وَلِغَيْرِهِ ; فَانْضِمَام غَيْره يُوجِب حُرْمَة الذَّبِيحَة ; وَيَقْرُب مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ مَرَّات وَنَوَى بِكُلِّ تَكْبِيرَة افْتِتَاح الصَّلَاة، فَإِنَّهُ يَدْخُل فِي الصَّلَاة بِالْأَوْتَارِ ; وَيَخْرُج بِالْأَشْفَاعِ ; لِأَنَّ مَنْ افْتَتَحَ صَلَاةً ثُمَّ افْتَتَحَ أُخْرَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ; لِأَنَّهُ يَتَضَمَّن قَطْع الْأُولَى، فَلَوْ نَوَى الْخُرُوج بَيْن التَّكْبِيرَتَيْنِ خَرَجَ بِالنِّيَّةِ وَدَخَلَ بِالتَّكْبِيرَةِ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ بِالتَّكْبِيرَاتِ شَيْئًا ; لَا دُخُولًا وَلَا خُرُوجًا: صَحَّ دُخُوله بِالْأُولَى ; وَالْبَوَاقِي ذِكْرٌ، وَقَدْ لَا يُبْطِلهَا، وَفِيهِ صُوَر:
مِنْهَا: مَا لَوْ نَوَى الْوُضُوء أَوْ الْغُسْل وَالتَّبَرُّد، فَفِي وَجْه لَا يَصِحّ لِلتَّشْرِيكِ ; وَالْأَصَحّ الصِّحَّة ; لِأَنَّ التَّبَرُّد حَاصِل: قَصَدَهُ أَمْ لَا، فَلَمْ يَجْعَل قَصْده تَشْرِيكًا وَتَرْكًا لِلْإِخْلَاصِ
بَلْ هُوَ قَصْد لِلْعِبَادَةِ عَلَى حَسَب وُقُوعهَا ; لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَتهَا حُصُول التَّبَرُّد.
وَمِنْهَا: مَا لَوْ نَوَى الصَّوْم، أَوْ الْحَمِيَّة أَوْ التَّدَاوِي، وَفِيهِ الْخِلَاف الْمَذْكُور.
وَمِنْهَا: مَا لَوْ نَوَى الصَّلَاة وَدَفْعَ غَرِيمه صَحَّتْ صَلَاته لِأَنَّ اشْتِغَاله عَنْ الْغَرِيم لَا يَفْتَقِر إلَى قَصْد، وَفِيهِ وَجْه خَرَّجَهُ ابْنُ أَخِي صَاحِبِ الشَّامِلِ مِنْ مَسْأَلَة التَّبَرُّد.
وَمِنْهَا: لَوْ نَوَى الطَّوَافَ وَمُلَازَمَة غَرِيمه، أَوْ السَّعْي خَلْفه، وَالْأَصَحّ الصِّحَّة، لِمَا ذُكِرَ، فَلَوْ لَمْ يُفْرِد الطَّوَاف بِنِيَّةٍ لَمْ يَصِحّ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحّ بِدُونِهَا، لِانْسِحَابِ حُكْم النِّيَّة فِي أَصْلِ النُّسُكِ عَلَيْهِ. فَإِذَا قَصَدَ مُلَازَمَةَ الْغَرِيمِ كَانَ ذَلِكَ صَارِفًا لَهُ وَلَمْ يَبْقَ لِلِانْدِرَاجِ أَثَرٌ كَمَا سَيَأْتِي.
وَنَظِير ذَلِكَ فِي الْوُضُوء: أَنْ تَعْزُب نِيَّة رَفْع الْحَدَث ثُمَّ يَنْوِي التَّبَرُّد أَوْ التَّنْظِيف، وَالْأَصَحّ أَنَّهُ لَا يُحْسَب الْمَغْسُول حِينَئِذٍ مِنْ الْوُضُوء.
وَمِنْهَا: مَاحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ جَمَاعَة مِنْ الْأَصْحَاب فِيمَنْ قَالَ لَهُ إنْسَان: صَلِّ الظُّهْر وَلَك دِينَار، فَصَلَّى بِهَذِهِ النِّيَّة أَنَّهُ تُجْزِئُهُ صَلَاته، وَلَا يَسْتَحِقّ الدِّينَار، وَلَمْ يَحْكِ فِيهَا خِلَافه.
وَمِنْهَا: مَا إذَا قَرَأَ فِي الصَّلَاة آيَة وَقَصَدَ بِهَا الْقِرَاءَة وَالْإِفْهَام، فَإِنَّهَا لَا تَبْطُل.
وَمِنْهَا (1) : تَنْبِيهٌ:
مَا صَحَّحُوهُ مِنْ الصِّحَّة فِي هَذِهِ الصُّوَر هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِجْزَاء، وَأَمَّا الثَّوَاب فَصَرَّحَ ابْنُ الصَّبَّاغِ بِعَدَمِ حُصُوله فِي مَسْأَلَةِ التَّبَرُّد، نَقَلَهُ فِي الْخَادِمِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَسْأَلَةَ الصَّلَاة وَالطَّوَاف أَوْلَى بِذَلِكَ.
وَمِنْ نَظَائِر ذَلِكَ: مَسْأَلَة السَّفَر لِلْحَجِّ وَالتِّجَارَة، وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَا أَجْر لَهُ مُطْلَقًا، تَسَاوَى الْقَصْدَانِ أَمْ لَا، وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ اعْتِبَار الْبَاعِث عَلَى الْعَمَل، فَإِنْ كَانَ الْقَصْد الدُّنْيَوِيّ هُوَ الْأَغْلَب لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَجْر، وَإِنْ كَانَ الدِّينِيّ أَغْلَب كَانَ لَهُ الْأَجْر بِقَدْرِهِ، وَإِنْ تَسَاوِيَا تَسَاقَطَا.
قُلْت: الْمُخْتَار قَوْل الْغَزَالِيِّ ; فَفِي الصَّحِيحِ وَغَيْره " أَنَّ الصَّحَابَةَ تَأَثَّمُوا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي الْمَوْسِم بِمِنًى فَنَزَلَتْ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ "
الْقِسْم الثَّانِي: أَنْ يُنْوَى مَعَ الْعِبَادَة الْمَفْرُوضَة عِبَادَة أُخْرَى مَنْدُوبَة.
وَفِيهِ صُوَر:
مِنْهَا مَا لَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ وَيَحْصُلَانِ مَعًا، وَمِنْهَا مَا يَحْصُلُ الْفَرْضُ فَقَطْ، وَمِنْهَا مَا يَحْصُل النَّفَل فَقَطْ وَمِنْهَا: مَا يَقْتَضِي الْبُطْلَان فِي الْكُلّ.
فَمِنْ الْأَوَّل: أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ وَنَوَى بِهَا الْفَرْض وَالتَّحِيَّة ; صَحَّتْ، وَحَصَلَا مَعًا، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابنَا، وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا بَعْد الْبَحْث الشَّدِيد سِنِينَ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ: لَا بُدّ مِنْ جَرَيَان خِلَاف فِيهِ كَمَسْأَلَةِ التَّبَرُّد، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْفَرْق
ظَاهِر، فَإِنَّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْأَصْحَاب فِي تَعْلِيل الْبُطْلَان فِي مَسْأَلَة التَّبَرُّد هُوَ التَّشْرِيك بَيْن الْقُرْبَة وَغَيْرهَا وَهَذَا مَفْقُود فِي مَسْأَلَة التَّحِيَّة، فَإِنَّ الْفَرْض وَالتَّحِيَّةَ قُرْبَتَانِ. إحْدَاهُمَا: تَحْصُل بِلَا قَصْد، فَلَا يَضُرّ فِيهَا الْقَصْد، كَمَا لَوْ رَفَعَ الْإِمَام صَوْته بِالتَّكْبِيرِ لَيُسْمِع الْمَأْمُومِينَ، فَإِنَّ صَلَاته صَحِيحَة بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ قَصَدَ أَمْرَيْنِ، لَكِنَّهُمَا قُرْبَتَانِ. انْتَهَى.
نَوَى بِغُسْلِهِ غُسْل الْجَنَابَة وَالْجُمُعَة، حَصَلَا جَمِيعًا عَلَى الصَّحِيح، وَفِيهِ وَجْه. وَالْفَرْق بَيْنه وَبَيْن التَّحِيَّة حَيْثُ لَمْ يَجْرِ فِيهَا أَنَّهَا تَحْصُل ضِمْنًا وَلَوْ لَمْ يَنْوِهَا، وَهَذَا بِخِلَافِهَا نَوَى بِسَلَامِهِ الْخُرُوج مِنْ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَى الْحَاضِرِينَ حَصَلَا.
نَوَى حَجّ الْفَرْض وَقَرَنَهُ بِعُمْرَةِ تَطَوُّع أَوْ عَكْسه حَصَلَا.
وَلَوْ نَوَى بِصَلَاتِهِ الْفَرْض وَتَعْلِيم النَّاس جَازَ لِلْحَدِيثِ. ذَكَرَهُ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ. صَامَ فِي يَوْمِ عَرَفَة مَثَلًا قَضَاء أَوْ نَذْرًا، أَوْ كَفَّارَة ; وَنَوَى مَعَهُ الصَّوْم عَنْ عَرَفَة، فَأَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِالصِّحَّةِ، وَالْحُصُولِ عَنْهُمَا، قَالَ: وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فَأَلْحَقَهُ بِمَسْأَلَةِ التَّحِيَّةِ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ مَرْدُودٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصْلُحَ فِي صُورَةِ التَّشْرِيك وَاحِد مِنْهُمَا، وَأَنْ يَحْصُلَ الْفَرْضُ فَقَطْ فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ.
وَمِنْ الثَّانِي: نَوَى بِحَجِّهِ الْفَرْض وَالتَّطَوُّع، وَقَعَ فَرْضًا ; لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى التَّطَوُّعَ انْصَرَفَ إلَى الْفَرْض.
صَلَّى الْفَائِتَة فِي لَيَالِي رَمَضَان، وَنَوَى مَعَهَا التَّرَاوِيح فَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ حَصَلَتْ الْفَائِتَة دُون التَّرَاوِيح. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ التَّشْرِيك مُقْتَضٍ لِلْإِبْطَالِ.
وَمِنْ الثَّالِث: أَخْرَجَ خَمْسَة دَرَاهِم، وَنَوَى بِهَا الزَّكَاة وَصَدَقَة التَّطَوُّع، لَمْ تَقَع زَكَاة وَوَقَعَتْ صَدَقَة تَطَوُّع بِلَا خِلَاف.
عَجَزَ عَنْ الْقِرَاءَة فَانْتَقَلَ إلَى الذِّكْر، فَأَتَى بِالتَّعَوُّذِ وَدُعَاء الِاسْتِفْتَاح، قَاصِدًا بِهِ السُّنَّة وَالْبَدَلِيَّة لَمْ يُحْسَب عَنْ الْفَرْض، جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ.
خَطَبَ بِقَصْدِ الْجُمُعَة وَالْكُسُوف لَمْ يَصِحّ لِلْجُمُعَةِ ; لِأَنَّهُ تَشْرِيك بَيْن فَرْض وَنَفْل، جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ.
وَمِنْ الرَّابِع: كَبَّرَ الْمَسْبُوق وَالْإِمَام رَاكِع تَكْبِيرَة وَاحِدَة، وَنَوَى بِهَا التَّحْرِيم وَالْهُوِيَّ إلَى الرُّكُوعِ، لَمْ تَنْعَقِد الصَّلَاة أَصْلًا، لِلتَّشْرِيكِ. وَفِي وَجْه: تَنْعَقِد نَفْلًا، كَمَسْأَلَةِ الزَّكَاة، وَفُرِّقَ بِأَنَّ الدَّرَاهِم لَمْ تُجْزِئهُ عَنْ الزَّكَاة، فَبَقِيَتْ تَبَرُّعًا وَهَذَا مَعْنَى صَدَقَة التَّطَوُّع، وَأَمَّا تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَهِيَ رُكْن لِصَلَاةِ الْفَرْض وَالنَّفَل مَعًا، وَلَمْ يَتَمَحَّضْ هَذَا التَّكْبِير لِلْإِحْرَامِ فَلَمْ يَنْعَقِد فَرْضًا، وَكَذَا نَفْلًا ; إذْ لَا فَرْق بَيْنهمَا فِي اعْتِبَار تَكْبِيرَة الْإِحْرَام.
نَوَى بِصَلَاتِهِ الْفَرْضَ وَالرَّاتِبَةَ لَمْ تَنْعَقِدْ أَصْلًا
الْقِسْم الثَّالِث: أَنْ يَنْوِي مَعَ الْمَفْرُوضَة فَرْضًا آخَر.
قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ: وَلَا يُجْزِئ ذَلِكَ إلَّا فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة.
قُلْت: بَلْ لَهُمَا نَظِير آخَر وَهُوَ أَنْ يُنْوَى الْغُسْل وَالْوُضُوء مَعًا، فَإِنَّهُمَا يَحْصُلَانِ عَلَى الْأَصَحّ، وَفِي قَوْل نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَمَالِي لَا يَحْصُلَانِ ; لِأَنَّهُمَا وَاجِبَانِ مُخْتَلِفَانِ، فَلَا يَتَدَاخَلَانِ، كَالصَّلَاتَيْنِ.
وَلَوْ طَافَ بِنِيَّةِ الْفَرْض وَالْوَدَاعِ صَحَّ لِلْفَرْضِ وَهَلْ يَكْفِي لِلْوَدَاعِ؟ حَتَّى لَوْ خَرَجَ عَقِبه أَجْزَأَهُ وَلَا يَلْزَمهُ دَم؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا صَرِيحًا، وَهُوَ مُحْتَمَل، وَرُبَّمَا يُفْهَم مِنْ كَلَامهمْ أَنَّهُ لَا يَكْفِي.
وَمَا عَدَا ذَلِكَ إذَا نَوَى فَرْضَيْنِ بَطَلَا، إلَّا إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَنْعَقِد وَاحِدَة، وَإِذَا تَيَمَّمَ لِفَرْضَيْنِ، صَحَّ لِوَاحِدٍ عَلَى الْأَصَحِّ.
(تَذْنِيبٌ) :
يُشْبِه ذَلِكَ مَا قِيلَ: هَلْ يُتَصَوَّر وُقُوع حَجَّتَيْنِ فِي عَام؟ وَقَدْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ مَمْنُوع، وَمَا قِيلَ فِي طَرِيقه مِنْ أَنَّهُ يَدْفَع بَعْد نِصْف اللَّيْل فَيَرْمِي وَيَحْلِق وَيَطُوف، ثُمَّ يُحْرِم مِنْ مَكَّةَ وَيَعُود قَبْل الْفَجْر إلَى عَرَفَاتٍ، مَرْدُود بِأَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ الْمُقِيم بِمِنًى لِلرَّمْيِ لَا تَنْعَقِد عُمْرَته، لِاشْتِغَالِهِ بِالرَّمْيِ، وَالْحَاجّ بَقِيَ عَلَيْهِ رَمْي أَيَّام مِنًى قَالَ: وَقَدْ صَرَّحَ بِاسْتِحَالَةِ وُقُوع حَجَّتَيْنِ فِي عَام جَمَاعَة مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَكَذَلِكَ أَبُو الطَّيِّبِ وَحَكَى فِيهِ الْإِجْمَاع، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ الرَّابِعُ: أَنْ يَنْوِي مَعَ النَّفْلِ نَفْلًا آخَر:
فَلَا يَحْصُلَانِ. قَالَهُ الْقَفَّالُ وَنُقِضَ عَلَيْهِ بِنِيَّتِهِ الْغُسْل لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيد، فَإِنَّهُمَا يَحْصُلَانِ.
قُلْت: وَكَذَا لَوْ اجْتَمَعَ عِيد وَكُسُوف، خَطَبَ لَهُمَا خُطْبَتَيْنِ، بِقَصْدِهِمَا جَمِيعًا ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ، بِخِلَافِ الْجُمُعَة وَالْكُسُوف، وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَق بِهَا مَا لَوْ نَوَى صَوْم يَوْم عَرَفَة وَالِاثْنَيْنِ مَثَلًا، فَيَصِحّ، وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبَارِزِيِّ فِيمَا لَوْ نَوَى فِيهِ فَرْضًا لِأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي مَسْأَلَة اجْتِمَاع الْعِيد وَالْكُسُوف أَنَّ فِيمَا قَالُوهُ نَظَرًا، قَالَ: لِأَنَّ السَّنَتَيْنِ إذَا لَمْ تَدْخُل إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى لَا يَنْعَقِد عِنْد التَّشْرِيك بَيْنهمَا، كَسُنَّةِ الضُّحَى وَقَضَاء سُنَّة الْفَجْر، بِخِلَافِ تَحِيَّة الْمَسْجِد وَسُنَّة الظُّهْر مَثَلًا ; لِأَنَّ التَّحِيَّة تَحْصُل ضِمْنًا.
الْخَامِس: أَنْ يَنْوِي مَعَ غَيْر الْعِبَادَة شَيْئًا آخَر غَيْرهَا، وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي الْحُكْم.
وَمِنْ فُرُوعه: أَنْ يَقُول لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَام، وَيَنْوِي الطَّلَاق وَالظِّهَار، فَالْأَصَحّ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنهمَا، فَمَا اخْتَارَهُ ثَبَتَ وَقِيلَ: يَثْبُت. الطَّلَاق لِقُوَّتِهِ. وَقِيلَ: الظِّهَار ; لِأَنَّ الْأَصْل بَقَاء النِّكَاح.