الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْهَا، لَوْ شَرِبَ الْمُسْكِرَ لَيْلًا وَبَقِيَ سُكْرُهُ جَمِيعَ النَّهَارِ، لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ صَحَا فِي بَعْضِهِ فَهُوَ كَالْإِغْمَاءِ فِي بَعْضِ النَّهَارِ. وَمِنْهَا لَوْ سَكِرَ الْمُعْتَكِفُ، بَطَل اعْتِكَافُهُ وَنُتَابِعُهُ أَيْضًا.
وَاعْلَمْ: أَنَّ فِي بُطْلَانِ الِاعْتِكَافِ بِالسُّكْرِ وَالرِّدَّةِ، سِتَّةَ طُرُقٍ، نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْعَفْوِ عَمَّا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ فِي الْمَاءِ وَالثَّوْبِ.
الْأَوَّلُ وَهُوَ الْأَصَحُّ: يَبْطُلُ بِهِمَا قَطْعًا ; لِأَنَّهُمَا أَفْحَشُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ.
وَالثَّانِي: لَا ; قَطْعًا.
وَالثَّالِثُ فِيهِمَا قَوْلَانِ.
وَالرَّابِعُ: يَبْطُلُ فِي السُّكْرِ دُونَ الرِّدَّةِ ; لِأَنَّ السَّكْرَانَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمُقَامِ فِي الْمَسْجِدِ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ فِيهِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَالْمُرْتَدُّ مِنْ أَهْلِ الْمُقَامِ فِيهِ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ إقْرَارُهُ فِيهِ.
وَالْخَامِسُ: يَبْطُلُ فِي الرِّدَّةِ دُونَ السُّكْرِ ; لِأَنَّهُ كَالنَّوْمِ بِخِلَافِهَا ; لِأَنَّهَا تُنَافِي الْعِبَادَاتِ.
وَالسَّادِسُ، يَبْطُلُ فِي السُّكْرِ لَامْتِدَادِ زَمَانِهِ، وَكَذَا الرِّدَّةُ إنْ طَالَ زَمَانُهَا، وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ زَمَانُهَا.
وَمِنْهَا: لَا يَصِحُّ وُقُوفُ السَّكْرَانِ بِعَرَفَةَ، سَوَاءٌ كَانَ مُتَعَدِّيًا أَمْ لَا، كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
وَمِنْهَا: فِي وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَيْهِ إذَا سَلَّمَ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ، وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الرَّدُّ عَلَيْهِمَا، وَلَا يُسَنُّ ابْتِدَاؤُهُمَا. فَهَذِهِ فُرُوعٌ لَيْسَ السَّكْرَانُ فِيهَا كَالصَّاحِي.
وَبَقِيَ فَرْعٌ، لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ وَهُوَ: لَوْ بَانَ إمَامُهُ سَكْرَانَ، فَهَلْ تَجِبُ الْإِعَادَةُ كَمَا لَوْ بَانَ مَجْنُونًا ; لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى حَالُهُ أَوَّلًا، كَمَا لَوْ بَانَ مُحْدِثًا؟ الظَّاهِرُ: الْأَوَّلُ.
[حَدُّ السُّكْرِ]
ِ " فِيهِ عِبَارَاتٌ " قَالَ الشَّافِعِيُّ: السَّكْرَانُ هُوَ الَّذِي اخْتَلَطَ كَلَامُهُ الْمَنْظُومُ وَانْكَشَفَ سِرُّهُ الْمَكْتُومُ. وَقَالَ الْمُزَنِيّ: هُوَ الَّذِي لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَا بَيْنَ أُمِّهِ وَامْرَأَتِهِ. وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُفْصِحُ بِمَا كَانَ يَحْتَشِمُ مِنْهُ. وَقِيلَ: الَّذِي يَتَمَايَلُ فِي مَشْيِهِ وَيَهْذِي فِي كَلَامِهِ وَقِيل: الَّذِي لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ، فَإِذَا انْتَهَى تَغَيُّرُهُ إلَى حَالَةٍ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ
السَّكْرَانِ، فَهُوَ الْمُرَادُ بِالسَّكْرَانِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ، وَلَمْ يَرْتَضِ الْإِمَامُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ، وَقَالَ: الشَّارِبُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: أَوَّلُهَا: هِزَّةٌ وَنَشَاطٌ، يَأْخُذُهُ إذَا دَبَّتْ الْخَمْرُ فِيهِ وَلَمْ تَسْتَوْلِ عَلَيْهِ بَعْدُ، وَلَا يَزُولُ الْعَقْلُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِلَا خِلَافٍ، فَهَذَا يَنْفُذُ طَلَاقُهُ وَتَصَرُّفَاتُهُ لِبَقَاءِ عَقْلِهِ.
الثَّانِيَةُ: نِهَايَةُ السُّكْرِ: وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ طَافِحًا وَيَسْقُطُ كَالْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ، لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَكَادُ يَتَحَرَّكُ، فَلَا يَنْفُذُ طَلَاقُهُ وَلَا غَيْرُهُ ; لِأَنَّهُ لَا عَقْلَ لَهُ.
الثَّالِثَةُ: حَالَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَهُمَا: وَهُوَ أَنْ تَخْتَلِطَ أَحْوَالُهُ وَلَا تَنْتَظِمَ أَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ وَيَبْقَى تَمْيِيزٌ وَفَهْمٌ وَكَلَامٌ، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ سُكْرٌ، وَفِيهَا الْقَوْلَانِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ تَابَعَهُ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ، وَجَعَلَا لَفْظَهُ كَلَفْظِ النَّائِمِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الطَّلَاقِ: وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ جَعَلَهُ عَلَى الْخِلَافِ، لِتَعَدِّيهِ بِالتَّسَبُّبِ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، قَالَ: وَهُوَ أَوْفَقُ لِإِطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقَدْ خَالَفَ فِي مَوَاضِعَ، فَجَزَمَ بِأَنَّ الطَّافِحَ الَّذِي سَقَطَ تَمْيِيزُهُ بِالْكُلِّيَّةِ كَلَامُهُ لَغْوٌ.
وَمِنْهَا: فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ فَقَالَ: السُّكْرُ إنْ حَصَلَ بِسَبَبٍ يَفْسُقُ بِهِ، فَإِنْ قُلْنَا: الْفَاسِقُ لَا يَلِي، فَذَاكَ، وَإِنْ قُلْنَا: يَلِي أَوْ حَصَلَ بِسَبَبٍ لَا يَفْسُقُ، فَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُ السَّكْرَانِ فَالسُّكْرُ كَالْإِغْمَاءِ، وَإِنْ جَعَلْنَا تَصَرُّفَهُ كَتَصَرُّفِ الصَّاحِي، فَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ تَزْوِيجُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ لِاخْتِلَالِ نَظَرِهِ، ثُمَّ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا بَقِيَ لَهُ تَمْيِيزٌ وَنَظَرٌ، فَأَمَّا الطَّافِحُ الَّذِي سَقَطَ تَمْيِيزُهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَكَلَامُهُ لَغْوٌ، وَمِنْهَا: فِي أَوَاخِرِ الطَّلَاقِ قَالَ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْهُ وَهُوَ سَكْرَانُ، أَوْ مَجْنُونٌ طَلُقَتْ.
قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: يُشْتَرَطُ أَنَّ السَّكْرَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ وَيَتَكَلَّمُ. وَأَمَّا كَلَامُهَا فِي سُكْرِهَا، فَتَطْلُقُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ إلَّا إذَا انْتَهَتْ إلَى السُّكْرِ الطَّافِحِ. وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي الْأَيْمَانِ.