الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرَّابِعَةُ: الِاسْتِثْنَاءُ الْحُكْمِيِّ، هَلْ هُوَ كَالِاسْتِثْنَاءِ اللَّفْظِيِّ؟ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا لَا يُؤَثِّرُ قَطْعًا، وَلَوْ تَلَفَّظَ بِهِ ضُرَّ. كَمَا لَوْ بَاعَ الْمُوصَى بِمَا يَحْدُثُ مِنْ حَمْلِهَا وَثَمَرَتِهَا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ شَرْعًا وَلَوْ بَاعَ وَاسْتَثْنَاهَا لَفْظًا لَمْ يَصِحَّ الثَّانِي: مَا يُؤَثِّرُ قَطْعًا، كَمَا لَوْ تَلَفَّظَ بِهِ كَبَيْعِ دَارِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ، وَالْحَمْلِ.
الثَّالِثُ: مَا يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ صَرَّحَ بِاسْتِثْنَائِهَا بَطُلَ كَبَيْعِ دَارِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ وَالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ.
الرَّابِعُ: مَا يَبْطُلُ فِي الْأَصَحِّ، كَبَيْعِ الْحَامِلِ بِحُرٍّ، وَبِحَمْلٍ لِغَيْرِ مَالِكهَا، كَمَا لَوْ بَاعَ الْجَارِيَةَ إلَّا حَمْلَهَا.
[الْقَوْلُ فِي الدَّوْرِ]
ِ: مَسَائِلُ الدَّوْرِ هِيَ: الَّتِي يَدُورُ تَصْحِيحُ الْقَوْلِ فِيهَا إلَى إفْسَادِهِ، وَإِثْبَاتُهُ إلَى نَفْيِهِ. وَهِيَ: حُكْمِيٌّ، وَلَفْظِيٌّ، فَالْأَوَّلُ: مَا نَشَأَ الدَّوْرُ فِيهِ مِنْ حُكْمِ الشَّرْعِ وَالثَّانِي: مَا نَشَأَ مِنْ لَفْظَةٍ يَذْكُرُهَا الشَّخْصُ. وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ الدَّوْرُ فِي مَسَائِلِ الْوَصَايَا وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهَا. وَقَدْ أَفْرَدَ فِيهَا الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ كِتَابًا حَافِلًا، وَأَفْرَدَ كِتَابًا فِيمَا وَقَعَ مِنْهُ فِي سَائِرِ الْأَبْوَابِ.
وَهَا أَنَا أُورِدُ لَكَ مِنْهُ نَظَائِرَ، مُفْتَتِحًا بِمَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ الْمَشْهُورَةِ، مَسْأَلَةٌ: قَالَ لَهَا: إنْ، أَوْ إذَا، أَوْ مَتَى، أَوْ مَهْمَا طَلَّقْتُكِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ طَلَّقَهَا. فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: لَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ أَصْلًا، عَمَلًا بِالدَّوْرِ وَتَصْحِيحًا لَهُ ; لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الْمُنَجَّزُ لَوَقَعَ قَبْلَهُ ثَلَاثٌ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَقَعُ الْمُنَجَّزُ لِلْبَيْنُونَةِ. وَحِينَئِذٍ: لَا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِعَدَمِ شَرْطِهِ، وَهُوَ التَّطْلِيقُ.
وَالثَّانِي: يَقَعُ الْمُنَجَّزُ فَقَطْ.
وَالثَّالِثُ: يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ: الْمُنْجَزَةُ، وَطَلْقَتَانِ مِنْ الْمُعْتِقِ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا.
وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الرَّاجِح مِنْ الْأَوْجُهِ، فَالْمَعْرُوفُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَبِهِ اشْتَهَرَتْ الْمَسْأَلَةُ " بِالسَّرِيجِيَّةِ "، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَالْقَفَّالَانِ، وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَالرُّويَانِيُّ، وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ، وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ، وَالْغَزَالِيُّ وَعَنْ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ بِهِ فِي كِتَابِ الْمَنْثُورِ، وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَأَنَّهُ مَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَرَجَّحَ الثَّانِي ابْنُ الْقَاصِّ، وَأَبُو زَيْدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَالْمُتَوَلِّي، وَالشَّرِيفُ نَاصِرٌ الْعُمَرِيُّ، وَرَجَعَ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ آخِرًا قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْفَتْوَى بِهِ أَوْلَى، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَابَعَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ، وَتَصْحِيحُ التَّنْبِيهِ.
وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّنْقِيحِ، وَالْمُهِمَّاتِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: إذَا كَانَ صَاحِبُ مَذْهَبِنَا قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، خُصُوصًا: الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ شَيْخُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَفَّالُ: شَيْخُ الْمَرَاوِزَةِ، كَانَ هُوَ الصَّحِيحُ وَنَقَلَهُ أَيْضًا فِي النِّهَايَةِ عَنْ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ وَنَصَرَهُ السُّبْكِيُّ أَوَّلًا، وَصَنَّفَ فِيهِ تَصْنِيفَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَأَكْثَرُ مَا رُدَّ بِهِ: أَنَّ فِيهِ بَابَ الطَّلَاقِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ الْحِيلَةَ فِيهِ حِينَئِذٍ: أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا يُطَلِّقُهَا، فَإِنَّهُ يَقَعُ، وَلَا يُعَارِضُهُ الْمُعَلِّقُ، بِلَا خِلَافٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا وَإِنَّمَا وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ، فَإِنْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: إنْ وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي، اسْتَوَتْ الصُّورَتَانِ، وَذَكَرَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: أَنَّ الْحِيلَةَ فِي حَلِّ الدَّوْرِ: أَنْ يَعْكِسَ، فَيَقُولَ: كُلَّمَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْكِ طَلَاقِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، فَإِذَا طَلَّقَهَا وَجَبَ أَنْ يَقَعَ الثَّلَاثُ ; لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْقَبْلِيِّ - وَالْحَالَةُ هَذِهِ - مُعَلَّقٌ عَلَى النَّقِيضَيْنِ، وَهُوَ الْوُقُوعُ وَعَدَمُهُ وَكُلُّ مَا كَانَ لَازِمًا لِلنَّقِيضَيْنِ، فَهُوَ وَاقِعٌ ضَرُورَةً. وَيُشْبِهُهُ قَوْلُهُمْ فِي الْوِكَالَةِ: كُلَّمَا عَزَلْتُك، فَأَنْتَ وَكِيلِي. نَفَاذُ الْعَزْلِ: أَنْ يَقُولَ: كُلَّمَا عُدْت وَكِيلِي، فَأَنْتَ مَعْزُولٌ، ثَمَّ يَعْزِلُهُ. ذِكْرُ نَظَائِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: قَالَ: إنْ آلَيْتُ مِنْكِ، أَوْ ظَاهَرْت مِنْكِ، أَوْ فَسَخْت بِعَيْبِكِ ; أَوْ لَاعَنْتُكِ، أَوْ رَاجَعْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ بِهِ: لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَفِي صِحَّتِهِ الْأَوْجُهُ.
قَالَ: إنْ فَسَخْت بِعَيْنِي أَوْ إعْسَارِي، أَوْ اسْتَحْقَيْت الْمَهْرَ بِالْوَطْءِ، أَوْ النَّفَقَةِ، أَوْ الْقَسَمِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ وُجِدَ نَفَذَ الْفَسْخُ، وَثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ، وَإِنْ أَلْغَيْنَا الطَّلَاقَ الْمُنَجَّزَ ; لِأَنَّ هَذِهِ فُسُوخٌ وَحُقُوقٌ تَثْبُتُ قَهْرًا، وَلَا تَتَعَلَّقُ بِمُبَاشَرَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ فَلَا يَصْلُحُ تَصَرُّفُهُ دَافِعًا لَهَا، وَمُبْطِلًا لِحَقِّ غَيْرِهِ قَالَ: إنْ وَطِئْتُكِ وَطْئًا مُبَاحًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ، ثُمَّ وَطِئَ لَمْ تَطْلُقْ قَطْعًا إذْ لَوْ طَلُقَتْ: لَمْ يَكُنِ الْوَطْءُ مُبَاحًا، وَلَيْسَ هُنَا سَدُّ بَابِ الطَّلَاقِ قَالَ: مَتَى وَقَعَ طَلَاقِي عَلَى حَفْصَةَ فَعَمْرَةُ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، وَمَتَى وَقَعَ طَلَاقِي عَلَى عَمْرَةَ فَحَفْصَةُ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا لَمْ تَطْلُقْ هِيَ وَلَا صَاحِبَتُهَا، فَلَوْ مَاتَتْ عَمْرَةُ ثُمَّ طَلَّقَ حَفْصَةَ طَلُقَتْ ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ حِينَئِذٍ مِنْ إثْبَاتِ الطَّلَاقِ نَفْيُهُ.
قَالَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو: مَتَى وَقَعَ طَلَاقُك عَلَى امْرَأَتِك فَزَوْجَتِي طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَقَالَ عَمْرٌو لِزَيْدٍ مِثْلَ ذَلِكَ، لَمْ يَقَعْ طَلَاقُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى امْرَأَتِهِ مَادَامَ زَوْجَةُ الْآخَرِ فِي نِكَاحِهِ.
قَالَ لَهَا: مَتَى دَخَلْت وَأَنْتِ زَوْجَتِي فَعَبْدِي حُرٌّ قَبْلَهُ وَقَالَ لِعَبْدِهِ: مَتَى دَخَلْت وَأَنْتَ عَبْدِي، فَامْرَأَتِي طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ دَخَلَا مَعًا لَمْ يُعْتَقْ وَلَمْ تَطْلُقْ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يُخَالِفُ أَبُو زَيْدٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سَدُّ بَابِ التَّصَرُّفِ قَالَ لَهُ: مَتَى أَعْتَقْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ قَبْلَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَعَلَى الثَّانِي: يُعْتَقُ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا قَالَ: إنْ بِعْتُك، أَوْ رَهَنْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ قَبْلَهُ، فَبَاعَهُ فَعَلَى الثَّانِي: يَصِحُّ، وَلَا عِتْقَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا قَالَ لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا: إنْ اسْتَقَرَّ مَهْرُكِ عَلَيَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ وَطِئَ.
فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا يَسْتَقِرُّ الْمَهْرُ بِهَذَا الْوَطْءِ ; لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَقَرَّ بَطَلَ النِّكَاحُ قَبْلَهُ، وَإِذَا بَطَلَ النِّكَاحُ سَقَطَ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَعَلَى الثَّانِي يَسْتَقِرُّ وَلَا تَطْلُقُ قَالَ: أَنْتَ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ أُخَالِعَك بِيَوْمٍ عَلَى أَلْفٍ تَصِحُّ لِي ثُمَّ خَالَعَهَا عَلَى أَلْفٍ.
فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا يَصِحُّ الْخَلْعُ، وَعَلَى الثَّانِي يَصِحُّ، وَيَقَعُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ، قَالَ: إنْ وَجَبَتْ عَلَيَّ زَكَاةُ فِطْرِكِ، فَأَنْتَ حُرٌّ وَطَالِقٌ قَبْلَ وُجُوبِهَا فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا تَجِبُ زَكَاةُ فِطْرِهِ وَفِطْرِهَا وَعَلَى الثَّانِي: تَجِبُ ; وَلَا يُعْتَقُ وَلَا تَطْلُقُ ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ.