الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ اسْتَعْمَلَ غُلَامِي. فَقَالَ: الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ»
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْخَرَاجُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَلَّةُ الْعَبْدِ يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ فَيَسْتَغِلُّهُ زَمَانًا، ثُمَّ يَعْثُرُ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ دَلَّسَهُ الْبَائِعُ، فَيَرُدُّهُ، وَيَأْخُذُ جَمِيعَ الثَّمَنِ. وَيَفُوزُ بِغَلَّتِهِ كُلّهَا ; لِأَنَّهُ كَانَ فِي ضَمَانِهِ، وَلَوْ هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِهِ، انْتَهَى.
وَكَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: مَعْنَاهُ مَا خَرَجَ مِنْ الشَّيْءِ: مِنْ غَلَّةٍ، وَمَنْفَعَةٍ، وَعَيْنٍ، فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي عِوَضُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ ضَمَانِ الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ لَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِ، فَالْغَلَّةُ لَهُ، لِيَكُونَ الْغُنْمُ فِي مُقَابَلَةِ الْغُرْمِ.
وَقَدْ ذَكَرُوا هُنَا سُؤَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَوْ كَانَ الْخَرَاجُ فِي مُقَابَلَةِ الضَّمَانِ ; لَكَانَتْ الزَّوَائِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ، ثُمَّ الْعَقْدُ، أَوْ انْفَسَخَ، لِكَوْنِهِ مِنْ ضَمَانِهِ، وَلَا قَائِلَ بِهِ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْخَرَاجَ مُعَلَّلٌ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالْمِلْكِ وَبَعْدَهُ بِهِ، وَبِالضَّمَانِ مَعًا: وَاقْتُصِرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالضَّمَانِ ; لِأَنَّهُ أَظْهَرُ عِنْد الْبَائِع، وَأَقْطَعُ لِطَلَبِهِ، وَاسْتِبْعَادِهِ أَنَّ الْخَرَاجَ لِلْمُشْتَرِي.
الثَّانِي: لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ: الضَّمَانَ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الزَّوَائِدُ لِلْغَاصِبِ، لِأَنَّ ضَمَانَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَمَانِ غَيْرِهِ. وَبِهَذَا اُحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ " إنَّ الْغَاصِبَ لَا يَضْمَنُ مَنَافِعَ الْمَغْصُوبِ ". وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِذَلِكَ فِي ضَمَانِ الْمِلْكِ، وَجَعَلَ الْخَرَاجَ لِمَنْ هُوَ مَالِكُهُ، إذَا تَلِفَ تَلِفَ عَلَى مِلْكِهِ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي، وَالْغَاصِبُ لَا يَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ. وَبِأَنَّ الْخَرَاجَ: هُوَ الْمَنَافِعُ، جَعَلَهَا لِمَنْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ بَلْ إذَا أَتْلَفَهَا، فَالْخِلَافُ فِي ضَمَانِهَا عَلَيْهِ، فَلَا يَتَنَاوَلُ مَوْضِعَ الْخِلَافِ.
نَعَمْ: خَرَجَ عَنْ هَذَا مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ مَا لَوْ أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ عَبْدًا، فَإِنَّ وَلَاءَهُ يَكُونُ لِابْنِهَا وَلَوْ جَنَى جِنَايَةً خَطَأً، فَالْعَقْلُ عَلَى عَصَبَتِهَا، دُونَهُ، وَقَدْ يَجِيءُ مِثْلُهُ فِي بَعْضِ الْعَصَبَاتِ، يَعْقِلُ وَلَا يَرِثُ.
[الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ مُسْتَحَبٌّ]
ٌّ " فُرُوعُهَا كَثِيرَةٌ جِدًّا لَا تَكَادُ تُحْصَى: فَمِنْهَا: اسْتِحْبَابُ الدَّلْكِ فِي الطَّهَارَة، وَاسْتِيعَابُ الرَّأْس بِالْمَسْحِ، وَغَسْلُ الْمَنِيِّ بِالْمَاءِ، وَالتَّرْتِيبُ فِي قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ، وَتَرْكُ صَلَاةِ الْأَدَاءِ خَلْفَ الْقَضَاءِ، وَعَكْسُهُ، وَالْقَصْرُ فِي سَفَرٍ يَبْلُغ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ، وَتَرَكَهُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ، وَلِلْمَلَّاحِ الَّذِي يُسَافِرُ بِأَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ، وَتَرْكُ الْجَمْعِ. وَكِتَابَةُ الْعَبْدِ الْقَوِيِّ الْكَسُوبِ، وَنِيَّةُ الْإِمَامَةِ. وَاجْتِنَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ
وَاسْتِدْبَارِهَا مَعَ السَّاتِرِ، وَقَطْعَ الْمُتَيَمِّمِ الصَّلَاةَ إذَا رَأَى الْمَاءَ ; خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ الْجَمِيعَ.
وَكَرَاهَةُ الْحِيَلِ فِي بَابِ الرِّبَا. وَنِكَاحُ الْمُحَلِّل خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ حَرَّمَهُ.
وَكَرَاهَةُ صَلَاةِ الْمُنْفَرِد خَلْفَ الصَّفِّ، خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَهَا.
وَكَذَا كَرَاهَةُ مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ بِلَا عُذْرٍ، وَالِاقْتِدَاءُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ ; خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ:
لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ شُرُوطٌ: أَحَدُهَا: أَنْ لَا يُوقِعَ مُرَاعَاتُهُ فِي خِلَافٍ آخَرَ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ فَصْلُ الْوِتْرِ أَفْضَلَ مِنْ وَصْلِهِ، وَلَمْ يُرَاعِ خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ لَا يُجِيزُ الْوَصْلَ.
الثَّانِي: أَنْ لَا يُخَالِفَ سُنَّةً ثَابِتَةً ; وَمِنْ ثَمَّ سُنَّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُبَالِ بِرَأْيِ مَنْ قَالَ بِإِبْطَالِهِ الصَّلَاةَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ; لِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ رِوَايَةِ نَحْوِ خَمْسِينَ صَحَابِيًّا.
الثَّالِثُ: أَنْ يَقْوَى مُدْرِكُهُ ; بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ هَفْوَةً. وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ أَفْضَلَ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ ; وَلَمْ يُبَالِ بِقَوْلِ دَاوُد: إنَّهُ لَا يَصِحُّ.
وَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إنَّ الْمُحَقِّقِينَ لَا يُقِيمُونَ لِخِلَافِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَزْنًا.
تَنْبِيهٌ:
شَكَّكَ بَعْضُ الْمُحَقَّقِينَ عَلَى قَوْلِنَا بِأَفْضَلِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ فَقَالَ: الْأَوْلَوِيَّةُ وَالْأَفْضَلِيَّةُ، إنَّمَا تَكُونُ حَيْثُ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ. وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأُمَّةُ عَلَى قَوْلَيْنِ: قَوْلٌ بِالْحِلِّ ; وَقَوْلٌ بِالتَّحْرِيمِ، وَاحْتَاطَ الْمُسْتَبْرِئُ لِدِينِهِ، وَجَرَى عَلَى التَّرْكِ ; حَذِرًا مِنْ وَرْطَاتِ الْحُرْمَة لَا يَكُونُ فِعْلُهُ ذَلِكَ سُنَّةً ; لِأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ مِنْ غَيْر عِقَابٍ عَلَى التَّرْكِ، لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَالْأَئِمَّةُ كَمَا تَرَى بَيْن قَائِلٍ بِالْإِبَاحَةِ، وَقَائِلٍ بِالتَّحْرِيمِ. فَمِنْ أَيْنَ الْأَفْضَلِيَّةُ؟
وَأَجَابَ ابْنُ السُّبْكِيّ: بِأَنَّ أَفْضَلِيَّتَهُ لَيْسَتْ لِثُبُوتِ سُنَّةٍ خَاصَّةٍ فِيهِ، بَلْ لِعُمُومِ الِاحْتِيَاطِ وَالِاسْتِبْرَاءِ لِلدِّينِ، وَهُوَ مَطْلُوبٌ شَرْعًا مُطْلَقًا، فَكَانَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ أَفْضَلُ، ثَابِتًا مِنْ حَيْثُ الْعُمُومُ، وَاعْتِمَادُهُ مِنْ الْوَرَعِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا.