الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصَلِّ: فِي مُلْك الْإِرْثِ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ]
فَصْلٌ وَيُمْلَكُ الْإِرْثُ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى التَّرِكَةِ دَيْنٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْقَدِيمُ: أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ انْتِقَالَ التَّرِكَةِ إلَى مِلْكِ الْوَارِثِ. وَهَلْ يَمْنَعُ انْتِقَالَ قَدْرِهِ أَوْ كُلِّهَا؟ قَوْلَانِ: فِي الشَّرْحِ بِلَا تَرْجِيحٍ. وَيَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ: مَا لَوْ حَدَثَ فِي التَّرِكَةِ زَوَائِدُ، فَعَلَى الصَّحِيحِ: لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ، وَعَلَى الْآخَرِ يَتَعَلَّقُ.
وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا أَيْضًا مَسْأَلَةٌ وَقَعَتْ فِي أَيَّامِ ابْنِ عَدْلَانِ وَابْنِ اللَّبَّانِ وَابْنِ الْقَمَّاحِ وَالسُّبْكِيِّ والسنكلوي. وَابْنِ الْكَتَّانِيِّ، وَابْنِ الْأَنْصَارِيِّ، وَابْنِ الْبُلْغِيَائِيِّ. وَهِيَ: مَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِلْوَارِثِ، فَهَلْ يَسْقُطُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ لَوْ كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ؟ حَتَّى لَوْ كَانَ جَائِزًا وَالدَّيْنُ بِقَدْرِ التَّرِكَةِ سَقَطَ كُلُّهُ.
فَأَفْتَى جَمَاعَةٌ: بِأَنْ لَا سُقُوطَ وَبِأَنَّهُ أَخَذَ التَّرِكَةَ إرْثًا، وَالدَّيْنُ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ ; لِأَنَّ التَّرِكَةَ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ ; إذْ الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ. وَأَفْتَى جَمَاعَةٌ بِالسُّقُوطِ وَقَالُوا: إنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي نُقْصَانِ مَجْمُوعِ الْمَأْخُوذِ، فَيَكُونُ أَخَذَ قَدْرَ الدَّيْنِ عَنْ دَيْنِهِ لَا إرْثًا، وَالْبَاقِي إرْثٌ. وَهَؤُلَاءِ اسْتَنَدُوا إلَى تَقْدِيمِ الدَّيْنِ عَلَى الْإِرْثِ، مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْإِرْثَ. وَأَفْتَى السُّبْكِيُّ بِالسُّقُوطِ وَعَدَمِ التَّأْثِيرِ بِالنُّقْصَانِ وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ كِتَابًا سَمَّاهُ (مُنْيَةُ الْبَاحِثِ عَنْ دَيْنِ الْوَارِثِ) وَلَخَّصَهُ فِي فَتَاوِيهِ، فَقَالَ: يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِ الْوَارِثِ مَا يَلْزَمُ أَدَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ، لَوْ كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ، وَهُوَ نِسْبَةُ إرْثِهِ مِنْ الدَّيْنِ، إنْ لَمْ يَزِدْ الدَّيْنُ عَلَى التَّرِكَةِ، وَمِمَّا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَدَاؤُهُ مِنْهُ إنْ زَادَ. وَيَرْجِعُ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِبَقِيَّةِ مَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ. وَقَدْ يَقْضِي الْأَمْرُ إلَى التَّقَاصِّ إذَا كَانَ الدَّيْنُ لِوَارِثَيْنِ، فَإِذَا كَانَ الْوَارِثُ حَائِزًا أَوْ لَا دَيْنَ لِغَيْرِهِ وَدَيْنُهُ مُسَاوٍ لِلتَّرِكَةِ أَوْ أَقَلُّ سَقَطَ وَإِنْ زَادَ سَقَطَ مِقْدَارُهَا وَيَبْقَى الزَّائِدُ وَيَأْخُذُ التَّرِكَةَ فِي الْأَحْوَالَ إرْثًا، وَيُقَدَّرُ أَنَّهُ أَخَذَهَا دَيْنًا ; لِأَنَّ جِهَةَ الْمِلْكِ أَقْوَى وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ، وَجِهَةُ الدَّيْنِ تَتَوَقَّفُ عَلَى إقْبَاضٍ أَوْ تَعْوِيضٍ، وَهُمَا مُتَعَذِّرَانِ ; لِأَنَّ التَّرِكَةَ مِلْكُهُ. لَكِنَّا نُقَدِّرُ أَحَدَهُمَا، وَإِلَّا لَمَا بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ، تَقْدِيرًا مَحْضًا لَا وُجُودَ لَهُ.
وَلَوْ كَانَ مَعَ دَيْنِ الْحَائِزِ دَيْنُ أَجْنَبِيٍّ، قَدَّرْنَا الدَّيْنَيْنِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ، فَمَا خَصَّ دَيْنَ الْوَارِثِ سَقَطَ وَاسْتَقَرَّ نَظِيرُهُ، كَدِينَارَيْنِ لَهُ وَدِينَارٍ لِأَجْنَبِيٍّ، وَالتَّرِكَةُ دِينَارَانِ، فَلَهُ دِينَارٌ وَثُلُثٌ
إرْثًا، وَسَقَطَ نَظِيرُهُ وَبَقِيَ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ ثُلُثَا دِينَارٍ، وَيَأْخُذُ الْأَجْنَبِيُّ ثُلُثَيْ دِينَارٍ وَيَبْقَى لَهُ ثُلُثُ دِينَارٍ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا دِينَارَانِ وَلِآخَرَ دِينَارٌ، فَلِصَاحِبِ الدِّينَارَيْنِ مِنْ دِينَارِهِ الْمَوْرُوثِ ثُلُثَاهُ، وَمِنْ دِينَارِ أَخِيهِ ثُلُثُهُ، وَالثُّلُثُ الْبَاقِي مِنْ دِينَارِهِ مُقَاصِصٌ بِهِ أَخَاهُ فَيَجْتَمِعُ لَهُ دِينَارٌ وَثُلُثٌ، وَلِأَخِيهِ ثُلُثَانِ وَمَجْمُوعُهُمَا دِينَارَانِ، وَهُوَ اللَّازِمُ لَهُمَا ; لِأَنَّ الَّذِي يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَدَاؤُهُ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ: مِنْ الدَّيْنِ وَمِقْدَارِ التَّرِكَةِ.
وَلَوْ كَانَ زَوْجَةً وَأَخًا وَالتَّرِكَةُ أَرْبَعِينَ وَالصَّدَاقُ عَشَرَةً،، فَلَهَا عَشَرَةٌ إرْثًا وَسَبْعَةٌ وَنِصْفٌ مِنْ نَصِيبِ الْأَخِ دَيْنًا، وَسَقَطَ لَهَا دِينَارَانِ وَنِصْفٌ نَظِيرَ رُبْعِ إرْثِهَا، ازْدَحَمَ عَلَيْهِ جِهَتَا الْإِرْثِ وَالدَّيْنِ.
وَلَوْ قُلْنَا: بِأَنَّ السَّبْعَةَ وَنِصْفًا مِنْ أَصْلِ التَّرِكَةِ، لَسَقَطَ رُبْعُهَا الْمُخْتَصُّ بِهَا، وَهَلُمَّ جَرًّا إلَى أَنْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ وَلِأَنَّهُ لَوْ عَادَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الِاثْنَيْنِ وَنِصْفٌ لَكَانَ بِغَيْرِ سَبَبٍ وَلَزَادَ إرْثُهُ وَنَقَصَ إرْثُهَا عَمَّا هُوَ لَهَا. وَقَدْ بَانَ بِهَذَا: أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ الْمَأْخُوذُ، وَسَوَاءٌ أُعْطِيت الدَّيْنَ أَوَّلًا، أَمْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ.
وَالْحَاصِلُ لَهَا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ سَبْعَةَ عَشَرَ وَنِصْفٌ. وَالطَّرِيقُ الْأَوَّلُ: هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ، وَهُوَ أَوْضَحُ وَأَسْهَلُ يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ التَّرِكَةَ لَا تَنْتَقِلُ قَبْلَ وَفَاءِ الدَّيْنِ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَدَقُّ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّرِكَةَ تَنْتَقِلُ قَبْلَ وَفَاءِ الدَّيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَدَّعِيَ، وَلَا تَحْلِفَ إلَّا عَلَى النِّصْفِ وَالرُّبْعِ، وَكَذَا لَا تَتَعَوَّضُ وَلَا تَقْبِضُ وَلَا تَبْرَأُ إلَّا مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ التَّرِكَةِ، فَلَا يَسْقُطُ وَمَنْ تَخَيَّلَ ذَلِكَ فَهُوَ غَالِطٌ، فَإِنْ قُلْت: مَا ادَّعَيْته مِنْ السُّقُوطِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِاسْتِنَادِ إلَى شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِلَّا فَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ بِالسُّقُوطِ يَتَفَاوَتُ الْمَأْخُوذُ، وَظَنَّ آخَرُونَ أَنْ لَا سُقُوطَ أَصْلًا قُلْت: أَمَّا مَنْ ظَنَّ أَنْ لَا سُقُوطَ أَصْلًا، فَكَلَامُهُ مُتَّجَهٌ إذَا قُلْنَا: التَّرِكَةُ لَا تَنْتَقِلُ، فَإِنْ قُلْنَا بِالِانْتِقَالِ، فَلَا. وَأَمَّا مَنْ ظَنَّ التَّفَاوُتَ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَأَمَّا كَلَامُ الْأَصْحَابِ الدَّالُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ، فَفِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي الْجِرَاحِ، إذَا خَلَّفَ زَوْجَتَهُ حَامِلًا وَأَخًا لِأَبٍ، وَعَبْدًا، فَجَنَى عَلَيْهَا فَأَجْهَضَتْهُ قَالُوا: يَسْقُطُ مِنْ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغُرَّةِ مَا يُقَابِلُ مِلْكَهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى مِلْكِهِ حَقٌّ