الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا الَّذِي نَقَلَاهُ فِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ السُّبْكِيُّ: فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا: يَظْهَرُ أَنَّ الْكَلَامَ الْيَسِيرَ إنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، فَهُوَ الضَّارُّ وَإِلَّا فَهُوَ الَّذِي يُغْتَفَرُ كَقَوْلِهِ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَيَا فُلَانُ فَلْيُحْمَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْفَصْلِ الْيَسِيرِ بِنَحْوِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَيَا فُلَانُ لَا عَلَى مُطْلَقِ الْفَصْلِ الْيَسِيرِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ: الضَّابِطُ فِي التَّخَلُّلِ الْمُضِرِّ فِي الْأَبْوَابِ: أَنْ يَعُدَّ الثَّانِيَ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَوَّلِ وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَبْوَابِ فَرُبَّ بَابٍ يُطْلَبُ فِيهِ مِنْ الِاتِّصَالِ مَا لَا يُطْلَبُ فِي غَيْرِهِ وَبِاخْتِلَافِ الْمُتَخَلِّلِ نَفْسِهِ فَقَدْ يُغْتَفَرُ مِنْ السُّكُوتِ مَا لَا يُغْتَفَرُ مِنْ الْكَلَامِ وَمِنْ الْكَلَامِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَقْدِ مَا لَا يُغْتَفَرُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَمِنْ الْمُتَخَلِّلِ بِعُذْرٍ مَا لَا يُغْتَفَرُ مِنْ غَيْرِهِ فَصَارَتْ مَرَاتِبَ أَقْطَعُهَا لِلِاتِّصَالِ: كَلَامٌ كَثِيرٌ أَجْنَبِيٌّ وَأَبْعَدُهَا عَنْهُ: سُكُوتٌ يَسِيرٌ لِعُذْرٍ. وَبَيْنَهُمَا مَرَاتِبُ لَا تَخْفَى.
تَنْبِيهٌ:
مِنْ الْمُشْكِلِ هُنَا: مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْوَلِيِّ إذَا وَهَبَ الصَّبِيَّ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ أَنَّ الْحَاكِمَ يَقْبَلُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَبِلَهُ الصَّبِيُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ. قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ: فَهَذَا فَصْلٌ طَوِيلٌ فَلِمَاذَا يُغْتَفَرُ؟ وَأَيْضًا: فَالْإِيجَابُ صَدَرَ، وَالصَّبِيُّ غَيْرُ أَهْلٍ لِلْقَبُولِ قَالَ: وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى قَبُولِ إيجَابٍ مُتَجَدِّدٍ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ لَا مَعْنَى لِذِكْرِهِ.
[الْقَوْلُ فِي فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَسُنَنِهَا]
. قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: فُرُوضُ الْكِفَايَةِ أُمُورٌ كُلِّيَّةٌ، تَتَعَلَّقُ بِهَا مَصَالِحُ دِينِيَّةٌ، أَوْ دُنْيَوِيَّةٌ لَا يَنْتَظِمُ الْأَمْرُ إلَّا بِحُصُولِهَا فَطَلَبَ الشَّارِعُ تَحْصِيلَهَا لَا تَكْلِيفَ وَاحِدٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ، وَإِذَا قَامَ بِهِ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ أَوْ أَزْيَدُ عَلَى مَنْ يَسْقُطُ بِهِ، فَالْكُلُّ فَرْضٌ إنْ تَعَطَّلَ أَثِمَ كُلُّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ إنْ عَلِمَ بِهِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ يَلِيقُ بِهِ الْبَحْثُ وَالْمُرَاقَبَةُ وَيَخْتَلِفُ بِكِبَرِ الْبَلَدِ، وَقَدْ يَنْتَهِي خَبَرُهُ إلَى سَائِرِ الْبِلَادِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ وَلِلْقَائِمِ بِهِ مَزِيَّةٌ عَلَى الْقَائِمِ بِالْعَيْنِ ; لِإِسْقَاطِ الْحَرَجِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِهِ وَمِنْ ثَمَّ ادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَوَالِدُهُ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ: أَنَّهُ أَفْضَلُ
مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ، وَحَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ عَنْ أَهْلِ التَّحْقِيقِ وَالْمُتَبَادَرُ إلَى الْأَذْهَانِ: خِلَافُهُ وَفُرُوضُ الْكِفَايَةِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: تَجْهِيزُ الْمَيِّتِ غُسْلًا وَتَكْفِينًا وَحَمْلًا وَصَلَاةً عَلَيْهِ وَدَفْنًا، وَيَسْقُطُ جَمِيعُهَا بِفِعْلِ وَاحِدٍ وَفِي الصَّلَاةِ وَجْهٌ: أَنَّهُ يَجِبُ اثْنَانِ وَآخَرُ: ثَلَاثَةٌ، وَآخَرُ: أَرْبَعَةٌ وَلَا تَسْقُطُ بِالنِّسَاءِ وَهُنَاكَ رِجَالٌ.
وَمِنْهَا: الْجَمَاعَةُ فِي الْأَصَحِّ وَإِنَّمَا تَسْقُطُ بِإِقَامَتِهَا حَيْثُ يَظْهَرُ الشِّعَارُ فِي الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا كَفَى إقَامَتُهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَتِهَا فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ وَمِنْهَا: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ عَلَى وَجْهٍ اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ بِإِظْهَارِهِمَا فِي الْبَلَدِ أَوْ الْقَرْيَةِ بِحَيْثُ يَعْلَمُ بِهِ جَمِيعُ أَهْلِهَا لَوْ أَصْغَوْا. فَفِي الْقَرْيَةِ: يَكْفِي الْأَذَانُ الْوَاحِدُ، وَفِي الْبَلَدِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي مَوَاضِعَ.
وَعَلَى هَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: الصَّوَابُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ: إيجَابُهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَقِيلَ: يَجِبُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَلَنَا وَجْهٌ: أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي الْجُمُعَةِ دُونَ غَيْرِهَا ; لِأَنَّهُ دُعَاءٌ إلَى الْجَمَاعَةِ، وَالْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْجُمُعَةِ، وَمُسْتَحَبَّةٌ فِي غَيْرِهَا فَالدُّعَاءُ إلَيْهَا كَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا فَالْوَاجِبُ فِيهَا: هُوَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ أَوْ يَسْقُطُ بِالْأَوَّلِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
وَمِنْهَا: تَعَلُّمُ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ. وَمِنْهَا: صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى وَجْهٍ. وَمِنْهَا: صَلَاةُ الْكُسُوفِ عَلَى وَجْهٍ حَكَاهُ فِي الْحَاوِي وَجَزَمَ بِهِ الْخَفَّافُ فِي الْخِصَالِ.
وَمِنْهَا: صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ عَلَى وَجْهٍ، حَكَاهُ فِي الْكِفَايَةِ وَمِنْهَا: إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ كُلُّ سَنَةٍ بِالْحَجِّ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: هَكَذَا أَطْلَقُوهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ، بَلْ الِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنَّ التَّعْظِيمَ وَإِحْيَاءَ الْبُقْعَةِ يَحْصُلُ بِكُلِّ ذَلِكَ، وَاسْتَدْرَكَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُحَصِّلُ مَقْصُودَ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الرَّمْيِ وَالْوُقُوفِ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَإِحْيَاءِ تِلْكَ الْبِقَاعِ بِالطَّاعَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ لَا يُلَاقِي كَلَامَ الرَّافِعِيِّ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي إحْيَاءِ الْكَعْبَةِ لَا فِي إحْيَاءِ هَذِهِ الْبِقَاعِ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْمُتَّجِهُ فِي الصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ وَلَوْ كَانَ الِاعْتِكَافُ دَاخِلَهَا لِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ، قَالَ: وَالْمُتَّجِهُ أَنَّ الطَّوَافَ كَالْعُمْرَةِ.
وَأَجَابَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ بَحْثِ الرَّافِعِيِّ: بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ بِبِنَاءِ الْبَيْتِ: الْحَجُّ، فَكَانَ إحْيَاؤُهُ بِهِ بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ وَالِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَلَا يُشْتَرَطُ عَدَدٌ مَخْصُوصٌ بَلْ الْفَرْضُ حَجُّهَا فِي الْجُمْلَةِ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ: الْمُتَّجِهُ اعْتِبَارُ عَدَدٍ يَظْهَرُ بِهِ الشِّعَارُ تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ: أَنَّ إحْيَاءَ الْكَعْبَةِ كُلَّ سَنَةٍ بِالْحَجِّ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا قَامَ بِهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَنْ يُسْقِطُهُ فَالْكُلُّ فَرْضٌ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ الْحَجِّ نَفْلًا، وَأَنَّ قَاعِدَةَ " إنَّ الْفِعْلَ لَا يَجِبُ إتْمَامُهُ بِالشُّرُوعِ " غَيْرُ مَنْقُوضَةٍ الثَّانِي إنْ ثَبَتَ مَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا يَحْصُلُ بِهَا الْإِحْيَاءُ زَالَ الْإِشْكَالُ فِي كَوْنِ الطَّوَافِ أَفْضَلَ مِنْهَا لِكَوْنِهَا تَقَعُ مِنْ الْمُتَطَوِّعِ نَفْلًا، وَمَسْأَلَةُ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالْعُمْرَةِ: مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَأَلَّفَ فِيهَا الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ كِتَابًا قَالَ فِيهِ: ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا إلَى تَفْضِيلِ الْعُمْرَةِ وَرَأَوْا أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهَا أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ وَذَلِكَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ وَأَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى خَطَئِهِ مُخَالَفَةُ السَّلَفِ الصَّالِحِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ تَكْرَارُ الْعُمْرَةِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَقَدْ رَوَى الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: الطَّوَافُ أَفْضَلُ أَمْ الْعُمْرَةُ؟ فَقَالَ: الطَّوَافُ.
وَقَالَ طَاوُسٌ: الَّذِينَ يَعْتَمِرُونَ مِنْ التَّنْعِيمِ مَا أَدْرِي: يُؤْجَرُونَ أَمْ يُعَذَّبُونَ؟ قِيلَ: لِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّ أَحَدَهُمْ يَدَعُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، وَيَخْرُجُ إلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ، وَيَجِيءُ وَقَدْ ذَهَبَ أَحْمَدُ إلَى كَرَاهَةِ تَكْرَارِهَا فِي الْعَامِ وَلَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إلَى كَرَاهَةِ تَكْرَارِ الطَّوَافِ بَلْ أَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ.
وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ مَنْ يُفَضِّلُ الطَّوَافَ عَلَيْهَا، هُوَ الَّذِي نَصَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَبُو شَامَةَ وَحَكَى بَعْضُهُمْ فِي التَّفْضِيلِ بَيْنَهُمَا احْتِمَالَاتٍ ثَالِثُهَا: إنْ اسْتَغْرَقَ زَمَانَ الِاعْتِمَارِ، فَالطَّوَافُ أَفْضَلُ وَإِلَّا، فَهِيَ أَفْضَلُ وَقَالَ فِي الْخَادِمِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ حِكَايَةَ الْخِلَافِ فِي التَّفْضِيلِ لَا تَتَحَقَّقُ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ بَيْنَ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ ; فَلَا تَفْضِيلَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَقَعُ مِنْ الْمُتَطَوِّعِ إلَّا فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَالْكَلَامُ فِي الطَّوَافِ الْمَسْنُونِ. نَعَمْ إنْ قُلْنَا إنَّ إحْيَاءَ الْكَعْبَةِ يَحْصُلُ بِالطَّوَافِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْحَجِّ وَالِاعْتِمَارِ وَقَعَ الطَّوَافُ أَيْضًا فَرْضَ كِفَايَةٍ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ اهـ.
قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ الطَّوَافِ أَفْضَلَ: الْإِكْثَارُ مِنْهُ دُونَ أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْعُمْرَةِ وَزِيَادَةٌ قُلْت: وَنَظِيرُهُ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: أَنَّ قَوْلَنَا: الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّوْمِ، الْمُرَادُ بِهِ الْإِكْثَارُ مِنْهَا بِحَيْثُ تَكُونُ غَالِبَةً عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَصَوْمُ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ بِلَا شَكٍّ.
وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ الْجِهَادُ. حَيْثُ الْكُفَّارُ مُسْتَقِرُّونَ فِي بُلْدَانِهِمْ وَيَسْقُطُ بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُحَصِّنَ الْإِمَامُ الثُّغُورَ بِجَمَاعَةٍ يُكَافِئُونَ مَنْ بِإِزَائِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ.
الثَّانِي: أَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ دَارَ الْكُفَّارِ غَازِيًا بِنَفْسِهِ: أَوْ بِجَيْشٍ يُؤَمِّرُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَصْلُحَ لِذَلِكَ وَأَقَلُّهُ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَإِنْ زَادَ، فَهُوَ أَفْضَلُ. وَلَا يَجُوزُ إخْلَاءُ سَنَةٍ عَنْ جِهَادٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ، وَفِي الْعَدُوِّ كَثْرَةٌ، وَيُخَافُ مِنْ ابْتِدَائِهِمْ الِاسْتِئْصَالُ لِعُذْرٍ بِأَنْ يَعِزَّ الزَّادُ وَعَلَفُ الدَّوَابِّ فِي الطَّرِيقِ فَيُؤَخَّرَ إلَى زَوَالِ ذَلِكَ، أَوْ يُنْتَظَرَ لَحَاقُ مَدَدٍ أَوْ يَتَوَقَّعَ إسْلَامُ قَوْمٍ فَيَسْتَمِيلَهُمْ بِتَرْكِ الْقِتَالِ.
وَمِنْهَا: الْتِقَاطُ الْمَنْبُوذِ وَمِنْهَا: اللُّقَطَةُ عَلَى وَجْهٍ. وَمِنْهَا: رَدُّ السَّلَامِ، حَيْثُ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ.
وَمِنْهَا: دَفْعُ ضَرَرِ الْمُسْلِمِينَ كَكِسْوَةِ عَارٍ وَإِطْعَامِ جَائِعٍ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بِزَكَاةٍ وَبَيْتِ مَالٍ، وَهَلْ يَكْفِي سَدُّ رَمَقٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ الْكِفَايَةِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ؟ خِلَافٌ.
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: الْأَصَحُّ: الْأَوَّلُ.
قَالَ: وَمَحَاوِيجُ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَالْمُسْلِمِينَ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَمُولِيُّ فِي الْجَوَاهِرِ وَيَخْتَصُّ الْوُجُوبُ بِأَهْلِ الثَّرْوَةِ. وَمِنْهَا: إغَاثَةُ الْمُسْتَغِيثِينَ فِي النَّائِبَاتِ وَيَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْقُدْرَةِ. وَمِنْهَا: فَكُّ الْأَسْرَى، ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ نَقْلًا عَنْ التَّجْرِيدِ لِابْنِ كَجٍّ. وَمِنْهَا إقَامَةُ الْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ وَمَا تَتِمُّ بِهِ الْمَعَايِشُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْحَرْثِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ: حَتَّى الْحِجَامَةِ وَالْكَنْسِ.
وَمِنْهَا تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا وَتَوَلِّي الْإِمَامَةِ وَالْقَضَاءِ وَإِعَانَةُ الْقُضَاةِ عَلَى اسْتِبْقَاءِ الْحُقُوقِ. وَمِنْهَا: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَا يَخْتَصُّ بِأَرْبَابِ الْوِلَايَاتِ وَلَا بِالْعَدْلِ وَلَا بِالْحُرِّ وَلَا الْبَالِغِ وَلَا يَسْقُطُ بِظَنٍّ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ أَوْ عَلِمَ ذَلِكَ عَادَةً مَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ مَفْسَدَةً أَعْظَمَ مِنْ ضَرَرِ الْمُنْكَرِ الْوَاقِعِ.
وَمِنْهَا: النِّكَاحُ. عَدَّهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَرْضَ كِفَايَةٍ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ أَهْلُ قُطْرٍ أُجْبِرُوا. حَكَاهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَسِيطِ، وَمَالَ السُّبْكِيُّ إلَى قِتَالِهِمْ، وَإِنْ قَنَعُوا بِالتَّسَرِّي مَعَ تَضْعِيفِهِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَكِنْ قَالَ الْقَمُولِيُّ فِي الْجَوْهَرِ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ مَا إذَا طَلَبَهُ رَجُلٌ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى نِسَاءِ الْبَلَدِ إجَابَتُهُ، وَيَسْقُطُ بِوَاحِدَةٍ ; وَكَذَا عَلَى الْأَوْلِيَاءِ الْمُجْبَرِينَ وَخَطَّأَهُ فِي الْخَادِمِ وَقَالَ: الْمُرَادُ تَرْكُهُ لِلْأَمَةِ ; لِانْقِطَاعِ النَّسْلِ
. وَمِنْهَا: تَعْلِيمُ الطَّالِبِينَ، وَالْإِفْتَاءُ، وَلَا يَكْفِي فِي إقْلِيمٍ مُفْتٍ وَاحِدٌ وَالضَّابِطُ: أَنْ لَا يَبْلُغَ مَا بَيْنَ مُفْتِيَيْنِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ قَالَ الْفَزَارِيّ: وَلَا يُسْتَغْنَى بِالْقَاضِي عَنْ الْمُفْتِي ; لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُلْزِمُ مَنْ رُفِعَ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ، وَالْمُفْتِي يَرْجِعُ إلَيْهِ الْمُسْلِمُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ الْعَارِضَةِ.
وَمِنْهَا: إسْمَاعُ الْحَدِيثِ. وَمِنْهَا: تَصْنِيفُ الْكُتُبِ. أَشَارَ إلَيْهِ الْبَغَوِيّ فِي أَوَّلِ التَّهْذِيبِ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ: مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ: تَصْنِيفُ الْكُتُبِ لِمَنْ مَنَحَهُ اللَّهُ فَهْمًا وَاطِّلَاعًا، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الْأُمَّةُ - مَعَ قِصَرِ أَعْمَارِهَا - فِي ازْدِيَادٍ، وَتَرَقٍّ فِي الْمَوَاهِبِ وَالنَّوَادِرِ. وَالْعِلْمُ: لَا يَحِلُّ كَتْمُهُ فَلَوْ تُرِكَ التَّصْنِيفُ لَضُيِّعَ الْعِلْمُ عَلَى النَّاسِ. وَمِنْهَا: الْقِيَامُ بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ وَحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ فِي الدِّينِ، وَبِعُلُومِ الشَّرْعِ، وَهِيَ: التَّفْسِيرُ، وَالْحَدِيثُ، وَالْفِقْهُ، بِحَيْثُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ وَالْإِفْتَاءِ وَآلَاتُهَا كَالْأُصُولِ