الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اشْتَرَى مَاءً، وَادَّعَى نَجَاسَتَهُ، لِيَرُدّهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِع لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ الْمَاءِ. ادَّعَتْ الرَّجْعِيَّةُ امْتِدَادَ الطُّهْرِ وَعَدَمَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ صُدِّقَتْ وَلَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا.
وَكَّلَ شَخْصًا فِي شِرَاءِ جَارِيَةٍ، وَوَصَفَهَا فَاشْتَرَى الْوَكِيلُ جَارِيَةً بِالصِّفَةِ، وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهَا لِلْمُوَكِّلِ، لَمْ يَحِلَّ لِلْمُوَكِّلِ وَطْؤُهَا ; لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ. وَإِنْ كَانَ شِرَاءُ الْوَكِيلِ الْجَارِيَةَ بِالصِّفَاتِ الْمُوَكَّلِ بِهَا ظَاهِرًا فِي الْحِلّ، وَلَكِنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ، ذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ.
[قَاعِدَةٌ: الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ]
وَلِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ فِي شَغْلِ الذِّمَّةِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، مَا لَمْ يَعْتَضِدْ بِآخَرَ، أَوْ يَمِينِ الْمُدَّعِي، وَلِذَا أَيْضًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، لِمُوَافَقَتِهِ الْأَصْلَ.
وَفِي ذَلِكَ فُرُوعٌ: مِنْهَا: اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمُتْلَفِ، حَيْثُ تَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَى مُتْلِفِهِ، كَالْمُسْتَعِيرِ، وَالْمُسْتَامِ، وَالْغَاصِبِ، وَالْمُودَعِ الْمُتَعَدِّي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَارِمِ، لِأَنَّ الْأَصْل بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِمَّا زَادَ.
وَمِنْهَا: تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَنَكَلَ، لَا يُقْضَى بِمُجَرَّدِ نُكُولِهِ، لِأَنَّ الْأَصْل بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ بَلْ تُعْرَضُ عَلَى الْمُدَّعِي.
وَمِنْهَا: مِنْ صِيَغِ الْقَرْضِ: مَلَّكْتُكَهُ عَلَى أَنْ تَرُدَّ بَدَلَهُ، فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي ذِكْرِ الْبَدَلِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآخِذِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ.
وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ الْجَانِي: هَكَذَا أَوْضَحْت، وَقَالَ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ بَلْ أَوْضَحْت مُوَضِّحَتَيْنِ وَأَنَا رَفَعْت الْحَاجِزَ بَيْنَهُمَا، صُدِّقَ الْجَانِي لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ.
لَطِيفَة:
قَالَ ابْن الصَّائِغ فِيمَا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّهِ: نَظِيرُ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ " إنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، فَلَا يَقْوَى الشَّاهِدُ عَلَى شَغْلِهَا مَا لَمْ يَعْتَضِدْ بِسَبَبٍ آخَرَ " قَوْلُ النُّحَاةِ ": الْأَصْلَ فِي الْأَسْمَاءِ الصَّرْفُ فَلَا يَقْوَى سَبَبٌ وَاحِدٌ عَلَى خُرُوجِهِ عَنْ أَصْلِهِ حَتَّى يَعْتَضِدَ بِسَبَبٍ آخَرَ.
[قَاعِدَة: أَصْلُ مَا انْبَنَى عَلَيْهِ الْإِقْرَارُ إعْمَالُ الْيَقِينِ وَإِطْرَاحُ الشَّكِّ وعدم اسْتِعْمَال الْغَلَبَةَ]
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله عنه " أَصْلُ مَا انْبَنَى عَلَيْهِ الْإِقْرَارُ أَنِّي أُعْمِلُ الْيَقِينَ وَأَطْرَحُ الشَّكَّ وَلَا أَسْتَعْمِلُ الْغَلَبَةَ ".
وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَمَرْجِعُهَا إلَى أَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، كَقَوْلِهِمْ فِيمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَهَبَهُ وَمَلَّكَهُ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِالْقَبْضِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا اعْتَقَدَ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ، وَأَصْلُ الْإِقْرَارِ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ.
فَلَوْ أَقَرَّ لِابْنِهِ بِعَيْنٍ فَيُمْكِن تَنْزِيلُ الْإِقْرَارِ عَلَى الْبَيْع وَهُوَ سَبَبٌ قَوِيٌّ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَعَلَى
الْهِبَة فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، فَأَفْتَى أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ بِإِثْبَاتِ الرُّجُوعِ، تَنْزِيلًا عَلَى أَقَلِّ السَّبَبَيْنِ وَأَضْعَفِ الْمِلْكَيْنِ، وَأَفْتَى أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ بِعَدَمِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمِلْك لِلْمُقَرِّ لَهُ.
وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ مُوَافَقَةَ أَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَوَسَّطَ فَيُقَالُ إنْ أَقَرَّ بِانْتِقَالِ الْمِلْك مِنْهُ إلَى الِابْنِ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْقَاضِيَانِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْعَبَّادِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ، قَوْلُ الْهَرَوِيِّ وَقَبُولُ تَفْسِيرِهِ بِالْهِبَةِ وَرُجُوعِهِ مُطْلَقًا.
وَمِنْ الْفُرُوع: أَنَّ إقْرَارَ الْحَاكِم بِالشَّيْءِ إنْ كَانَ عَلَى جِهَةِ الْحُكْمِ كَانَ حُكْمًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ كَانَ فِي مَعْرِض الْحِكَايَاتِ وَالْإِخْبَارِ عَنْ الْأُمُورِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا. قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَاخِرِ الْإِقْرَارِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُهِمَّة. قَالَ: فَإِذَا شَكَكْنَا فِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى الْإِخْبَارِ وَعَدَمُ نَقْلِهِ إلَى الْإِنْشَاءِ.
وَمِنْهَا لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ أَوْ مَالٍ عَظِيمٍ أَوْ كَثِيرٍ أَوْ كَبِير قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِمَا يَتَمَوَّلُ، وَإِنْ قَلَّ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي سَيْفٌ فِي غِمْدٍ أَوْ ثَوْبٌ فِي صُنْدُوقٍ، لَا يَلْزَمهُ الظَّرْفُ، أَوْ غِمْدٌ فِيهِ سَيْفٌ، أَوْ صُنْدُوقٌ فِيهِ ثَوْبٌ، لَزِمَهُ الظَّرْفُ وَحْدَهُ، أَوْ خَاتَمٌ فِيهِ فَصٌّ لَمْ يَلْزَمهُ الْفَصُّ، أَوْ عَبْدٌ عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ، لَمْ تَلْزَمهُ الْعِمَامَةُ، أَوْ دَابَّةٌ فِي حَافِرِهَا نَعْلٌ، أَوْ جَارِيَةٌ فِي بَطْنِهَا حَمْلٌ، لَمْ يَلْزَمهُ النَّعْلُ وَالْحَمْلُ.
وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ فِي يَوْمٍ آخَر، لَزِمَهُ أَلْفٌ فَقَطْ أَوْ بِأَكْثَرَ دَخَلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ، وَفُرُوعُ الْقَاعِدَةِ كَثِيرَةٌ.
(تَنْبِيهٌ)
سُئِلَ السُّبْكِيُّ عَنْ اتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ، يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ، وَلَمْ يَقُلْ بِلُزُومِ دِرْهَمَيْنِ مَعَ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالَ: إنَّ أَقَلَّ، الْجَمْعِ اثْنَانِ وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ، فَلِمَ لَا قِيلَ بِلُزُومِ دِرْهَمَيْنِ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ، بِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَجَوَّزَ وَأَطْلَقَ الْجَمْعَ عَلَى الِاثْنَيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ شَائِعٌ بِالِاتِّفَاقِ مِنْ الْقَائِلِينَ بِالْمَنْعِ، مَعَ أَنَّ الْإِقْرَارَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْيَقِينِ؟
فَأَجَابَ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَاحْتِمَالُ الْمَجَازِ لَا يَقْتَضِي الْحَمْلَ عَلَيْهِ ; إذْ لَوْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ لَمْ يُتَمَسَّكْ بِإِقْرَارٍ. وَقَدْ قَالَ الْهَرَوِيُّ: إنَّ أَصْلَ، هَذَا مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَلْزَم فِي الْإِقْرَارِ بِالْيَقِينِ وَظَاهِرُ الْمَعْلُوم، وَهُوَ الظَّنُّ الْقَوِيُّ وَلَا يَلْزَم بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ، كَمَا لَا يَلْزَمُ فِي حَالِ الشَّكِّ، إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ. هَذِهِ عِبَارَتُهُ قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْهَرَوِيُّ صَحِيحٌ وَاحْتِمَالُ إرَادَةِ الْمَجَازِ دُونَ الشَّكِّ لِأَنَّهُ وَهْمٌ، فَكَيْف يُعْمَلُ بِهِ. بَلْ لَوْ قَالَ: أَرَدْت بِقَوْلِي " دَرَاهِمَ " دِرْهَمَيْنِ لَمْ يُقْبَل، لَكِنْ لَهُ تَحْلِيفُ غَرِيمِهِ، وَكَوْنُ الْإِقْرَارِ مَبْنِيًّا عَلَى الْيَقِينِ لَا يَقْدَحُ فِي هَذَا ; لِأَنَّ هَذَا يَقِينٌ فَإِنَّهُ مَوْضُوعُ اللَّفْظِ لُغَةً، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْيَقِينِ الْقَطْع