الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَهَذِهِ النَّظَائِرُ الْخَمْسَةُ قَدْ اسْتَوَتْ فِي الْأَحْكَامِ الثَّلَاثَةِ: وُجُوبُ النَّقْلِ مِنْ قُرْبٍ، دُونَ بُعْدٍ، وَإِجَابَةُ الْمُسْتَحِقُّ إلَى الصَّبْرِ وَعَدَمُ الرُّجُوعِ إنْ لَمْ يَصْبِرْ، وَأَخْذُ الْقِيمَةِ، وَاسْتِوَاءُ السَّلَمِ، وَالْقَرْضِ، وَالْغَصْبِ، وَالْإِتْلَافِ عَلَى الْمُخْتَارِ فِي وُجُوبِ التَّحْصِيلِ بِأَكْثَرَ. مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ. وَفَارَقَهَا فِي ذَلِكَ: الدِّيَةُ.
فُرُوعُ:
مِنْ نَظَائِرِ الْفُرُوعِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ، فِي عَدَمِ الرُّجُوعِ عِنْدَ أَخْذِ الْقِيمَةِ لِلتَّعَذُّرِ: مَا لَوْ كَانَ لَهُ يَدَانِ عَامِلَتَانِ وَلَمْ تُعْرَفْ الزَّائِدَةُ، فَقَطَعَ قَاطِعٌ إحْدَاهُمَا، فَلَا قِصَاصَ، وَيَجِبُ فِيهَا: نِصْفُ دِيَةِ الْيَدِ، وَزِيَادَةُ حُكُومَةٍ، فَلَوْ عَادَ الْجَانِي، فَقَطَعَ الْأُخْرَى، فَأَرَادَ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، لِإِمْكَانِهِ حِينَئِذٍ، وَرَدَّ مَا أَخَذَهُ غَيْرَ قَدْرِ الْحُكُومَةِ، فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟
وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا لِأَنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ الْقِصَاص، فَلَا عَوْدٌ إلَيْهِ، وَالثَّانِي نَعَمْ ; لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا، وَإِنَّمَا أَخَذَ الْأَرْشَ لِتَعَذُّرِهِ لَا لِإِسْقَاطِهِ. كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا بِلَا تَرْجِيحٍ قُلْت: أَصَحُّهُمَا الثَّانِي.
[قَاعِدَةٌ: كُلُّ الْمُتْلَفَاتِ تُعْتَبَرُ فِيهَا قِيمَةُ الْمُتْلَفِ إلَّا الصَّيْدَ]
[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي التَّقْوِيمِ]
قَاعِدَةٌ كُلُّ الْمُتْلَفَاتِ تُعْتَبَرُ فِيهَا قِيمَةُ الْمُتْلَفِ، إلَّا الصَّيْدَ الْمِثْلِيَّ، فَإِنَّهُ تُعْتَبَرُ فِيهِ قِيمَةُ مِثْلِهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْغَصْبِ وَالدِّيَةِ. وَقَدْ آلَ بِنَا الْقَوْلُ إلَى عَقْدِ فَصْلَيْنِ مُهِمَّيْنِ الْأَوَّلُ فِي التَّقْوِيمِ وَسَيَأْتِي: أَنَّهُ لَا يَكْفِي تَقْوِيمُ وَاحِدٍ، وَاَلَّذِي يُذْكَرُ هُنَا مِنْ أَحْكَامِهِ أَمْرَانِ. أَحَدُهُمَا أَنَّهُ خَاصٌّ بِالنَّقْدِ فَلَا تَقْوِيمَ بِغَيْرِ النَّقْدِ الْمَضْرُوبِ، وَلِهَذَا لَوْ سُرِقَ وَزْنُ رُبْعٍ مِنْ ذَهَبٍ خَالِصٍ غَيْرِ مَضْرُوبٍ، كَسَبِيكَةٍ، وَحُلِيٍّ، وَلَا يَبْلُغُ رُبْعًا مَضْرُوبًا بِالْقِيمَةِ فَلَا قَطْعَ فِي الْأَصَحِّ، كَمَا لَوْ سُرِقَ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ مَا يُسَاوِي رُبْعًا مِنْ الْمَضْرُوبِ، وَلَا يُسَاوِيهِ مِنْ الْمَضْرُوبِ.
وَبِنَقْدِ الْبَلَدِ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ، بَلْ كُلِّهَا وَإِنَّمَا يَقَعُ الِاخْتِلَاطُ فِي أَيِّ بَلَدٍ يُعْتَبَرُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْأَمْثِلَةِ، وَبَقِيَ الْكَلَامُ فِي تَقْوِيمِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ
فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَى بِهِ نَقْدًا قُوِّمَ بِهِ سَوَاءً كَانَ نِصَابًا أَمْ دُونَهُ.
وَفِي الثَّانِيَةِ: وَجْهٌ: أَنَّهُ يُقَوَّمُ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَحَكَى قَوْلًا فِي الْأُولَى، وَلَوْ مَلَكَهُ بِالنَّقْدَيْنِ، قُوِّمَ بِهِمَا بِنِسْبَةِ التَّقْسِيطِ، أَوْ بِغَيْرِ نَقْدٍ: قُوِّمَ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ غَلَبَ نَقْدَانِ، وَاسْتَوَيَا فَإِنْ بَلَغَ بِأَحَدِهِمَا نِصَابًا، دُونَ الْآخَرِ: قُوِّمَ بِهِ. وَإِنْ بَلَغَ بِهِمَا: فَأَوْجُهٌ: أَحَدُهَا يُقَوَّمُ بِالْأَغْبَطِ لِلْفُقَرَاءِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ.
وَالثَّانِي يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ، فَيُقَوِّمُ بِمَا شَاءَ، وَصَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، أَخْذًا مِنْ حِكَايَةِ الرَّافِعِيِّ لَهُ عَنْ - الْعِرَاقِيِّينَ - وَالرُّويَانِيِّ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَبِهِ الْفَتْوَى.
وَالثَّالِثُ يَتَعَيَّنُ التَّقْوِيمُ بِالدَّرَاهِمِ ; لِأَنَّهَا أَرْفَقُ.
وَالرَّابِعُ يُقَوَّمُ بِغَالِبِ نَقْدِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ. وَنَظِيرُ هَذَا الْفَرْعِ: مَا إذَا اتَّفَقَ الْعَرْضَانِ، كَمِائَتَيْ بَعِيرٍ، وَاجِبُهَا: أَرْبَعُ حِقَاقٍ. أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ. فَإِنْ وُجِدَ بِمَالِهِ أَحَدُهُمَا: أُخِذَ، وَلَا يُكَلَّفُ الْحِقَاقَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ فُقِدَا، فَلَهُ تَحْصِيلُ مَا شَاءَ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الْأَغْبَطُ عَلَى الْأَصَحّ. وَإِنْ وُجِدَا تَعَيَّنَ الْأَغْبَطُ عَلَى الصَّحِيحِ. ضَابِطٌ:
: لَا تُقَوَّمُ الْكِلَابُ إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى قَوْلٍ. وَلَا الْحُرُّ، إلَّا فِي الْجِنَايَاتِ، فَيُقَدَّرُ رَقِيقًا لِلْحُكُومَةِ.
وَلَا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ فِي الْأَصَحِّ. وَفِي قَوْلٍ: يُقَوَّمَانِ فِي الصَّدَاقِ، فَقِيلَ: يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُمَا عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهُمَا قِيمَةً. وَقِيلَ: يُقَدَّرُ الْخَمْرُ خَلًّا، وَالْخِنْزِيرُ: شَاةً.
الْأَمْرُ الثَّانِي إذَا اخْتَلَفَ الْمُقَوِّمُونَ، بِمَا يُؤْخَذُ؟ فِيهِ فُرُوعٌ مِنْهَا: إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ بِسَرِقَةٍ، فَقَوَّمَ أَحَدُهُمَا الْمَسْرُوقَ نِصَابًا، وَالْآخَرُ دُونَهُ، فَلَا قَطْعَ ; لِلشُّبْهَةِ.
وَأَمَّا الْمَالُ: فَإِنْ رَضِيَ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ، فَذَاكَ، وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الَّذِي شَهِدَ بِالْأَكْثَرِ وَيَأْخُذَهُ، وَلَوْ شَهِدَ بِأَنَّهُ نِصَابٌ، وَقَوَّمَ آخَرَانِ بِدُونِهِ، فَلَا قَطْعَ. وَيُؤْخَذُ فِي الْغُرْم بِالْأَقَلِّ، وَلَهُ مَأْخَذَانِ: أَحَدُهُمَا - وَهُوَ الْأَظْهَرُ - أَنَّ الْأَقَلَّ مُتَيَقَّنٌ، وَالزَّائِدُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ.
وَالثَّانِي - أَنَّ الَّتِي شَهِدَتْ بِالْأَقَلِّ، رُبَّمَا اطَّلَعَتْ عَلَى عَيْبٍ.
وَمِنْهَا: سُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ مِلْكِ الْيَتِيمِ، اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِهِ، فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ قِيمَتَهُ. مِائَةٌ وَخَمْسُونَ، فَبَاعَهُ الْقَيِّمُ بِذَلِكَ، وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ، ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِأَنَّ قِيمَتَهُ حِينَئِذٍ: مِائَتَانِ فَهَلْ يُنْقَضُ الْحُكْمُ، وَيُحْكَمُ بِفَسَادِ الْبَيْعِ؟ .
فَأَجَابَ بَعْدَ التَّمَهُّلِ أَيَّامًا، وَالِاسْتِخَارَةِ - أَنَّهُ يُنْقَضُ الْحُكْمُ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ بِنَاءً عَلَى الْبَيِّنَةِ السَّالِمَةِ عَنْ الْمُعَارَضَةِ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي مِثْلُهَا، وَأَرْجَحُ. وَقَدْ بَانَ خِلَافُ ذَلِكَ، وَتَبَيَّنَ اسْتِنَادُ مَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ إلَى حَالَةِ الْحُكْم، فَهُوَ كَمَا قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ لِلْخَارِجِ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ بِبَيِّنَةِ، فَانْتُزِعَتْ الْعَيْنُ مِنْهُ، ثُمَّ أَتَى صَاحِبُ الْيَدِ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ لِمِثْلِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ رَجَعَ الشَّاهِدُ بَعْدَ الْحُكْمِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ اسْتِنَادُ مَانِعٍ إلَى حَالَةِ الْحُكْمِ ; لِأَنَّ قَوْلَ الشَّاهِدِ مُتَعَارِضٌ وَلَيْسَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ اهـ.
وَنَازَعَهُ فِي ذَلِكَ السُّبْكِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، وَمَنَعَ النَّقْضَ. قَالَ: لِأَنَّ التَّقْوِيمَ حَدْسٌ وَتَخْمِينٌ، وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ التَّعَارُضُ إلَّا إذَا كَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَإِنْ سَلَّمْنَا الْمُعَارَضَةَ فَهِيَ مُعَارَضَةٌ لِلْبَيِّنَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلَيْسَتْ رَاجِحَةً عَلَيْهَا، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ مَسْأَلَةِ الْمُهَذَّبِ. وَكَيْفَ يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ رَاجِحٍ؟ وَمَعَنَا بَيِّنَتَانِ مُتَعَارِضَتَانِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ وُجِدَ دَلِيلَانِ مُتَعَارِضَانِ فِي حُكْمٍ، لَيْسَ لَنَا أَنْ نَنْقُضَهُ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ تَعَارُضَ الدَّلِيلَيْنِ مَانِعٌ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْحُكْمِ، فَيَكُونُ مُوجِبًا لِنَقْضِهِ ; لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ كُلُّ مَا مَنَعَ الِابْتِدَاءَ مَنَعَ الدَّوَامَ. وَأَيْضًا قَدْ يَكُونُ تَرَجَّحَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَحَدُهُمَا، فَحَكَمَ بِهِ لِرُجْحَانِهِ عِنْدَهُ، وَكَمَا أَنَّهُ لَا يُقْدَمُ عَلَى الْحُكْمِ إلَّا بِمُرَجِّحٍ، لَا نَقْدَمُ نَحْنُ عَلَى نَقْضِهِ إلَّا بِمُرَجِّحٍ، وَلَمْ يُوجَدْ.
وَقَوْلُهُ: (وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ) : مَمْنُوعٌ، لَمْ يَبِنْ خِلَافُهُ بَلْ أَكْثَرُ مَا فِيهِ - إنْ أُشْكِلَ الْأَمْرُ عَلَيْنَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إشْكَالِ الْأَمْرِ عَلَيْنَا - أَنْ نُوجِبَ النَّقْضَ، ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَامَتْ بَيِّنَتَانِ مُتَعَارِضَتَانِ، وَاحْتَاجَ الْيَتِيمُ إلَى الْبَيْعِ الْوَجْهُ أَنَّهُ