الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَائِدَةٌ: ضَبَطَ الْأَوْدَنِيُّ هَذِهِ الصُّوَرَ: بِأَنَّ مَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، يَسْقُطُ حُكْمُهُ بِالْإِكْرَاهِ، وَمَا لَا فَلَا، نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا.
قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَقَدْ أُورِدَ عَلَيْهِ شُرْبُ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ، وَلَا يَسْقُطُ حَدُّهُ بِالتَّوْبَةِ وَكَذَلِكَ الْقَذْفُ.
[مَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَمَا لَا]
قَالَ الْعُلَمَاءُ: لَا يُتَصَوَّرُ الْإِكْرَاهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ.
وَفِي الزِّنَا: وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ ; لِأَنَّهُ مَنُوطٌ بِالْإِيلَاجِ وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّ الْإِيلَاجَ، إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الِانْتِشَارِ، وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى الِاخْتِيَارِ وَالشَّهْوَةِ.
وَفِي التَّنْبِيهِ: وَلَا يُعْذَرُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الصَّلَاةِ فِي تَأْخِيرِهَا عَنْ الْوَقْتِ، إلَّا نَائِمٌ أَوْ نَاسٍ، أَوْ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى تَأْخِيرِهَا، وَاسْتُشْكِلَ تَصَوُّرُ الْإِكْرَاهِ عَلَى تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ كُلِّ حَالَةٍ تَنْتَقِلُ لِمَا دُونَهَا إلَى إمْرَارِ الْأَفْعَالِ عَلَى الْقَلْبِ، وَهُوَ شَيْءٌ لَا يُمْكِنُ الْإِكْرَاهُ عَلَى تَأْخِيرِهِ. وَهُوَ يَفْعَلُهُ غَيْرَ مُؤَخَّرٍ.
وَصَوَّرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِالْإِكْرَاهِ عَلَى التَّلَبُّسِ بِمُنَافٍ.
وَقَالَ الْقَاضِي زَيْنُ الدِّينِ الْبُلْغِيَائِيُّ: الْمُرَادُ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمُجْزِئِ مِنْ الطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا. وَلَا يَكُونُ الْإِكْرَاهُ عُذْرًا فِي الْإِجْزَاءِ لِنُدُورِهِ، أَوْ يُكْرَهُ الْمُحْدِثُ عَلَى تَأْخِيرِهَا عَنْ الْوَقْتِ. وَيُمْنَعُ مِنْ الْوُضُوءِ فِي الْوَقْتِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ، فِي التَّوْشِيحِ: قَدْ يُقَالُ: الْمُكْرَهُ قَدْ يُدْهَشُ، حَتَّى عَنْ الْإِيمَاءِ بِالطَّرْفِ. وَيَكُونُ مُؤَخَّرًا مَعْذُورًا، كَالْمُكْرَهِ عَلَى الطَّلَاقِ. لَا يَلْزَمُهُ التَّوْرِيَةُ إذَا انْدَهَشَ قَطْعًا.
[مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِكْرَاهُ]
ُ قَالَ الرَّافِعِيُّ: الَّذِي مَالَ إلَيْهِ الْمُعْتَبِرُونَ: أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْقَتْلِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتَّخْوِيفِ بِالْقَتْلِ، أَوْ مَا يُخَافُ مِنْهُ الْقَتْلُ.، وَأَمَّا غَيْرُهُ، فَفِيهِ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَتْلِ.
الثَّانِي: الْقَتْلُ، أَوْ الْقَطْعُ، أَوْ ضَرْبٌ يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ.
الثَّالِثُ: مَا يَسْلُبُ الِاخْتِيَارَ، وَيَجْعَلُهُ كَالْهَارِبِ مِنْ الْأَسَدِ الَّذِي يَتَخَطَّى الشَّوْكَ وَالنَّارَ وَلَا يُبَالِي، فَيَخْرُجُ عَنْهُ الْحَبْسُ.
الرَّابِعُ: اشْتِرَاطُ عُقُوبَةٍ بَدَنِيَّةٍ، يَتَعَلَّقُ بِهَا قَوَدٌ.
الْخَامِسُ: اشْتِرَاطُ عُقُوبَةٍ شَدِيدَةٍ تَتَعَلَّقُ بِبَدَنِهِ، كَالْحَبْسِ الطَّوِيل.
السَّادِسُ: أَنَّهُ يَحْصُلُ بِمَا ذُكِرَ وَبِأَخْذِ الْمَالِ، أَوْ إتْلَافِهِ، وَالِاسْتِخْفَافِ بِالْأَمَاثِلِ، وَإِهَانَتِهِمْ، كَالصَّفْعِ بِالْمَلَأِ، وَتَسْوِيدِ الْوَجْهِ. وَهَذَا اخْتِيَارُ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ.
السَّابِعُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ النَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ -: أَنَّهُ يَحْصُلُ بِكُلِّ مَا يُؤْثِرُ الْعَاقِلُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ، حَذَرًا مَا هُدِّدَ بِهِ وَذَاكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، وَالْأَفْعَالِ الْمَطْلُوبَةِ، وَالْأُمُورِ الْمَخُوفِ بِهَا فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ إكْرَاهًا فِي شَيْءٍ دُونَ غَيْرِهِ، وَفِي حَقِّ شَخْصٍ دُونَ آخَرَ.
فَالْإِكْرَاهُ عَلَى الطَّلَاقِ يَكُونُ بِالتَّخْوِيفِ بِالْقَتْلِ، وَالْقَطْعِ، وَالْحَبْسِ الطَّوِيلِ وَالضَّرْبِ الْكَثِيرِ وَالْمُتَوَسِّطِ لِمَنْ لَا يَحْتَمِلُهُ بَدَنُهُ وَلَمْ يَعْتَدْهُ، وَبِتَخْوِيفِ ذِي الْمُرُوءَةِ بِالصَّفْعِ فِي الْمَلَإِ وَتَسْوِيدِ الْوَجْهِ، وَنَحْوِهِ، وَكَذَا بِقَتْلِ الْوَالِدِ وَإِنْ عَلَا وَالْوَلَدِ، وَإِنْ سَفَلَ عَلَى الصَّحِيحِ. لَا سَائِرِ الْمَحَارِمِ. وَإِتْلَافِ الْمَالِ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَإِنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْقَتْلِ، فَالتَّخْوِيفُ بِالْحَبْسِ، وَقَتْلِ الْوَلَدِ لَيْسَ إكْرَاهًا.
وَإِنْ كَانَ عَلَى إتْلَافِ مَالٍ فَالتَّخْوِيفُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ إكْرَاهٌ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا الْوَجْهُ أَصَحُّ لَكِنْ فِي بَعْض تَفْصِيلِهِ الْمَذْكُورِ نَظَرٌ، وَالتَّهْدِيدُ بِالنَّفْيِ عَنْ الْبَلَدِ إكْرَاهٌ عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الْوَطَنِ شَدِيدَةٌ، وَلِهَذَا جُعِلَتْ عُقُوبَةً لِلزَّانِي.
وَكَذَا تَهْدِيدُ الْمَرْأَةِ بِالزِّنَا، وَالرَّجُلِ بِاللِّوَاطِ، وَلَا بُدَّ فِي كُلِّ ذَلِكَ مِنْ أُمُورٍ:
أَحَدُهَا: قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ بِوِلَايَةٍ، أَوْ تَغَلُّبٍ، أَوْ فَرْطِ هُجُومٍ.
ثَانِيهَا: عَجْزُ الْمُكْرَهِ عَنْ دَفْعِهِ بِهَرَبٍ، أَوْ اسْتِغَاثَةٍ، أَوْ مُقَاوَمَةٍ.
ثَالِثُهَا: ظَنُّهُ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ أُوقِعَ بِهِ الْمُتَوَعَّدُ.
رَابِعُهَا: كَوْنُ الْمُتَوَعَّدِ مِمَّا يَحْرُمُ تَعَاطِيهِ عَلَى الْمُكْرَهِ.
فَلَوْ قَالَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ لِلْجَانِي: طَلِّقْ امْرَأَتَك، وَإِلَّا اقْتَصَصْت مِنْكَ. لَمْ يَكُنْ إكْرَاهًا.
خَامِسُهَا: أَنْ يَكُونَ عَاجِلًا. فَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا وَإِلَّا قَتَلْتُك غَدًا، فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ.