الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَاتِمَةٌ:
مِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَة، فِي الْعَرَبِيَّةِ: إذَا دَارَ الْأَمْرُ فِي ضَرُورَة الشِّعْرِ، أَوْ التَّنَاسُبِ، بَيْن قَصْرِ الْمَمْدُودِ وَمَدِّ الْمَقْصُورِ.
فَالْأَوَّلُ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِهِ، وَالثَّانِي مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
[الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: الدَّفْعُ أَقْوَى مِنْ الرَّفْعِ]
ِ " وَلِهَذَا: الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ، إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ، فِي عَوْدِهِ طَهُورًا، وَجْهَانِ.
وَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْقُلَّتَيْنِ ابْتِدَاءً لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا، بِلَا خِلَافٍ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَثْرَة فِي الِابْتِدَاءِ دَافِعَةٌ، وَفِي الْأَثْنَاءِ رَافِعَةٌ. وَالدَّفْعُ أَقْوَى مِنْ الرَّفْعِ. وَمِنْ ذَلِكَ: لِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ حَجّ الْفَرْضِ، وَلَوْ شَرَعَتْ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَفِي جَوَازِ تَحْلِيلِهَا قَوْلَانِ.
وَوُجُودُ الْمَاءِ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِلْمُتَيَمِّمِ، يَمْنَعُ الدُّخُولَ فِيهَا، وَفِي أَثْنَائِهَا لَا يُبْطِلُهَا، حَيْثُ تَسْقُطُ بِهِ.
وَاخْتِلَافُ الدِّين الْمَانِع مِنْ النِّكَاحِ يَدْفَعُهُ ابْتِدَاءً، وَلَا يَرْفَعُهُ فِي الْأَثْنَاءِ، بَلْ يُوقَفُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
وَالْفِسْقُ: يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْإِمَامَةِ ابْتِدَاءً، وَلَوْ عَرَضَ فِي الْأَثْنَاءِ، لَمْ يَنْعَزِلْ.
[الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: الرُّخَصُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي]
" وَمِنْ ثَمَّ لَا يَسْتَبِيحُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ شَيْئًا مِنْ رُخَصِ السَّفَر: مِنْ الْقَصْر وَالْجَمْع وَالْفِطْرِ وَالْمَسْحِ ثَلَاثًا، وَالتَّنَقُّلِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَتَرْك الْجُمُعَةِ، وَأَكْل الْمَيْتَةِ ; وَكَذَا التَّيَمُّمُ، عَلَى وَجْه اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَيَأْثَمُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ إثْمَ تَارِكٍ لَهَا، مَعَ إمْكَانِ الطَّهَارَةِ ; لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِبَاحَةِ التَّيَمُّمِ بِالتَّوْبَةِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّيَمُّم لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، وَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ التَّوْبَةِ.
وَلَوْ وَجَدَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ مَاءً، وَاحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ بِلَا خِلَاف. وَكَذَا مَنْ بِهِ مَرَض وَهُوَ عَاصٍ بِسَفَرِهِ ; لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّوْبَةِ.
قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ ; فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ حَرَّمْتُمْ أَكْلَ الْمَيْتَةِ عَلَى الْعَاصِي بِسَفَرِهِ مَعَ أَنَّهُ مُبَاحٌ لِلْحَاضِرِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ، وَكَذَا مَنْ بِهِ مَرَضٌ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ فِي الْحَضَرِ؟ فَالْجَوَّابُ: أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فِي الْحَضَرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لَكِنَّ سَفَرَهُ سَبَبٌ لِهَذِهِ الضَّرُورَة، وَهُوَ مَعْصِيَةٌ، فَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْمَيْتَةُ فِي الضَّرُورَة، كَمَا لَوْ سَافَرَ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ
فَجُرِحَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ لِذَلِكَ الْجُرْح، مَعَ أَنَّ الْحَاضِرَ الْجَرِيحَ يَجُوزُ لَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: تَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ وَالتَّيَمُّمِ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ
فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِبَاحَتِهِ بِالتَّوْبَةِ، انْتَهَى.
وَهَلْ يَجُوزُ لِلْعَاصِي بِسَفَرِهِ: مَسْحُ الْمُقِيمِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ لِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بِلَا سَفَرٍ.
وَالثَّانِي: لَا، تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ.
وَحُكِيَ الْوَجْهَانِ فِي الْعَاصِي بِالْإِقَامَةِ كَعَبْدٍ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِالسَّفَرِ، فَأَقَامَ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَالْمَشْهُورُ: الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ.
وَطَرَدَ الْإِصْطَخْرِيُّ الْقَاعِدَةَ فِي سَائِرِ الرُّخَصِ، فَقَالَ: إنَّ الْعَاصِي بِالْإِقَامَةِ لَا يَسْتَبِيحُ شَيْئًا مِنْهَا.
وَفَرَّقَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّ الْإِقَامَةَ نَفْسَهَا لَيْسَتْ مَعْصِيَةً ; لِأَنَّهَا كَفٌّ، وَإِنَّمَا الْفِعْلُ الَّذِي يُوقِعُهُ فِي الْإِقَامَةِ مَعْصِيَة. وَالسَّفَرُ فِي نَفْسِهِ مَعْصِيَةٌ.
وَمِنْ فُرُوعِ الْقَاعِدَةِ: لَوْ اسْتَنْجَى بِمُحْتَرَمٍ أَوْ مَطْعُومٍ، لَا يُجْزِئُهُ فِي الْأَصَحِّ ; لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْحَجَرِ رُخْصَةٌ فَلَا يُنَاطُ بِمَعْصِيَةٍ.
وَمِنْهَا: لَوْ اسْتَنْجَى بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَفِي وَجْهٍ لَا يُجْزِيهِ ; لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ وَاسْتِعْمَالُ النَّقْدِ حَرَامٌ، وَالصَّحِيحُ الْإِجْزَاءُ.
وَمِنْهَا: لَوْ لَبِسَ خُفًّا مَغْصُوبًا. فَفِي وَجْهٍ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ لِمَشَقَّةِ النَّزْعِ، وَهَذَا عَاصٍ بِالتَّرْكِ وَاسْتِدَامَةِ اللُّبْسِ، وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَالتَّيَمُّمِ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ، مَعَ أَنَّ التَّيَمُّمَ رُخْصَةٌ.
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَنَظِيرُهُ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ مَغْصُوبٍ: غَسْلُ الرِّجْلِ الْمَغْصُوبَةِ فِي الْوُضُوءِ. وَصُورَتُهُ: أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ التَّمْكِينُ مِنْ قَطْعِهَا فِي قِصَاصٍ أَوْ سَرِقَةٍ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ لَبِسَ خُفًّا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ فِي الْمَغْصُوب.
وَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي هُنَا بِالْمَنْعِ، لِأَنَّ التَّحْرِيمَ هُنَا لِمَعْنًى فِي نَفْسِ الْخُفِّ، فَصَارَ كَاَلَّذِي لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي شَرْح الْمُهَذَّبِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحَرِيرُ مِثْلَهُ.
وَلَوْ لَبِسَ الْمُحْرِمُ الْخُفَّ، فَلَا نَقْلَ فِيهِ عِنْدَنَا، وَالْمُصَحَّحُ عِنْد الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْمَسْحُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الْمَعْصِيَة هُنَا فِي نَفْسِ اللُّبْسِ، ثُمَّ رَأَيْت الْإِسْنَوِيَّ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي أَلْغَازِهِ وَقَالَ: إنَّ الْمُتَّجَهَ الْمَنْعُ جَزْمًا، وَلَا يَتَخَرَّجُ
عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ ; فَإِنَّ الْمَنْعَ هُنَاكَ بِطَرِيقِ الْعَرْضِ، لَا لِمَعْنًى فِي اللُّبْسِ، وَلِهَذَا يُلْبَسُ غَيْرُهُ، وَيُمْسَحُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْمُحْرِمُ: فَقَامَ بِهِ مَعْنَى آخَرُ، أَخْرَجَهُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْمَسْحِ لِامْتِنَاعِ اللُّبْسِ مُطْلَقًا. وَمِنْهَا: لَوْ جُنَّ الْمُرْتَدُّ، وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَلَوَاتِ أَيَّامِ الْجُنُونِ أَيْضًا، بِخِلَافِ مَا إذَا حَاضَتْ الْمُرْتَدَّةُ لَا تَقْضِي صَلَوَاتِ أَيَّامِ الْحَيْضِ ; لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ عَنْ الْحَائِضِ عَزِيمَةٌ وَعَنْ الْمَجْنُونِ رُخْصَةٌ، وَالْمُرْتَدُّ لَيْسَ مِنْ أَهْل الرُّخْصَةِ.
وَمِنْهَا: لَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً فَأَسْقَطَتْ، فَفِي وَجْهٍ تَقْضِي صَلَوَاتِ أَيَّامِ النِّفَاسِ ; لِأَنَّهَا عَاصِيَةٌ، وَالْأَصَحُّ: لَا، لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ عَنْ النُّفَسَاءِ عَزِيمَةٌ لَا رُخْصَةٌ.
وَمِنْهَا: لَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ، فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهُ وَصَلَّى قَاعِدًا، فَفِي وَجْهٍ: يَجِبُ الْقَضَاءُ لِعِصْيَانِهِ، وَالْأَصَحُّ: لَا.
وَمِنْهَا: يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ رُخْصَةً، فَلَوْ كَانَ الْحِنْثُ بِمَعْصِيَةٍ فَوَجْهَانِ ; لِأَنَّ الرُّخَصَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي
وَمِنْهَا: لَوْ صَبَّ الْمَاءَ بَعْدَ الْوَقْتِ لِغَيْرِ غَرَضٍ وَتَيَمَّمَ، فَفِي وَجْهٍ: تَجِبُ الْإِعَادَةُ لِعِصْيَانِهِ وَالْأَصَحُّ: لَا ; لِأَنَّهُ فَاقِدٌ.
وَمِنْهَا: إذَا حَكَمْنَا بِنَجَاسَةِ جِلْدِ الْآدَمِيّ بِالْمَوْتِ ; فَفِي وَجْهٍ: لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ مَعْصِيَةٌ، وَالرُّخَصُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي، وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ يَطْهُر كَغَيْرِهِ وَتَحْرِيمُهُ لَيْسَ لِعَيْنِهِ، بَلْ لِلِامْتِهَانِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ ; وَلِأَنَّهُ يُحَرَّم اسْتِعْمَالُهُ، وَإِنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ.
تَنْبِيهٌ:
مَعْنَى قَوْلُنَا " الرُّخَصُ: لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي " أَنَّ فِعْلَ الرُّخْصَةِ مَتَى تَوَقَّفَ عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ، نُظِرَ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَإِنْ كَانَ تَعَاطِيهِ فِي نَفْسِهِ حَرَامًا، امْتَنَعَ مَعَهُ فِعْلُ الرُّخْصَة، وَإِلَّا فَلَا، وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْن الْمَعْصِيَةِ بِالسَّفَرِ وَالْمَعْصِيَةِ فِيهِ.
فَالْعَبْدُ الْآبِقُ، وَالنَّاشِزَةُ، وَالْمُسَافِرُ لِلْمَكْسِ، وَنَحْوُهُ. عَاصٍ بِالسَّفَرِ: فَالسَّفَرُ نَفْسُهُ مَعْصِيَةٌ وَالرُّخْصَةُ مَنُوطَةٌ بِهِ مَعَ دَوَامِهِ، وَمُعَلَّقَةٌ، وَمُتَرَتِّبَةٌ عَلَيْهِ تَرَتُّبَ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، فَلَا يُبَاحُ.
وَمَنْ سَافَرَ مُبَاحًا، فَشَرِبَ الْخَمْرَ فِي سَفَرِهِ، فَهُوَ عَاصٍ فِيهِ، أَيْ مُرْتَكِبُ الْمَعْصِيَةِ فِي السَّفَرِ الْمُبَاحِ ; فَنَفْسُ السَّفَرِ: لَيْسَ مَعْصِيَةً، وَلَا آثِمًا بِهِ فَتُبَاحُ فِيهِ الرُّخَصُ ; لِأَنَّهَا مَنُوطَةٌ بِالسَّفَرِ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مُبَاحٌ. وَلِهَذَا جَازَ الْمَسْحُ عَلَى، الْخُفِّ الْمَغْصُوبِ، بِخِلَافِ الْمُحْرِم ; لِأَنَّ الرُّخْصَةَ مَنُوطَة بِاللُّبْسِ، وَهُوَ لِلْمُحْرِمِ مَعْصِيَةٌ ; وَفِي الْمَغْصُوب لَيْسَ مَعْصِيَة لِذَاتِهِ، أَيْ لِكَوْنِهِ لُبْسًا، بَلْ لِلِاسْتِيلَاءِ عَلَى حَقّ الْغَيْرِ، وَلِذَا لَوْ تَرَكَ اللُّبْسَ، لَمْ تَزُلْ الْمَعْصِيَةُ، بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ.