الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ السُّبْكِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْجِنُّ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ مُكَلَّفُونَ مُخَاطَبُونَ. وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ: لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ، وَالْقُرْآنُ نَاطِقٌ بِذَلِكَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ.
[فُرُوعٌ]
وَهَذِهِ فُرُوعٌ: الْأَوَّل: هَلْ يَجُوزُ لِلْإِنْسِيِّ نِكَاحَ الْجِنِّيَّةِ قَالَ الْعِمَادُ بْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ: نَعَمْ وَفِي الْمَسَائِلِ الَّتِي سَأَلَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ عَنْهَا قَاضِيَ الْقُضَاةِ شَرَفَ الدِّينِ الْبَارِزِيَّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ مِنْ الْجِنِّ - عِنْدَ فَرْضِ إمْكَانِهِ - فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَوْ يُمْتَنَع فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [الروم: 21] فَامْتَنَّ الْبَارِّي تَعَالَى بِأَنْ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ مَا يُؤْلَفُ.
فَإِنْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ - وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ لِابْنِ يُونُسَ - فَهَلْ يُجْبِرُهَا عَلَى مُلَازَمَةِ الْمَسْكَن أَوْ لَا؟ وَهَلْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ التَّشَكُّلِ فِي غَيْرِ صُوَرِ الْآدَمِيِّينَ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ قَدْ تَحْصُلُ النَّفْرَةُ أَوْ لَا، وَهَلْ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِشُرُوطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ مِنْ أَمْرِ وَلِيّهَا وَخُلُوِّهَا عَنْ الْمَوَانِعِ أَوْ لَا، وَهَلْ يَجُوزُ قَبُولُ ذَلِكَ مِنْ قَاضِيهمْ أَوْ لَا، وَهَلْ إذَا رَآهَا فِي صُورَةٍ غَيْرِ الَّتِي أَلِفَهَا وَادَّعَتْ أَنَّهَا هِيَ، فَهَلْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا وَيَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا أَوْ لَا، وَهَلْ يُكَلَّفُ الْإِتْيَانَ بِمَا يَأْلَفُونَهُ مِنْ قُوتِهِمْ، كَالْعَظْمِ وَغَيْرِهِ إذَا أَمْكَنَ الِاقْتِيَاتُ بِغَيْرِهِ أَوْ لَا.
فَأَجَابَ: لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ مِنْ الْجِنّ، لِمَفْهُومِ الْآيَتَيْنِ الْكَرِيمَتَيْنِ، قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّحْلِ {وَاَللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: 72] وَقَوْلُهُ فِي سُورَةِ الرُّومِ {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [الروم: 21] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى الْآيَتَيْنِ {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [النحل: 72] أَيْ مِنْ جِنْسِكُمْ وَنَوْعِكُمْ وَعَلَى خَلْقِكُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128] أَيْ مِنْ الْآدَمِيِّينَ ; وَلِأَنَّ اللَّاتِي يَحِلّ نِكَاحُهُنَّ: بَنَاتُ الْعُمُومَةِ وَبَنَاتُ الْخُؤُولَةِ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ مَنْ هِيَ فِي نِهَايَةِ الْبُعْدِ كَمَا هُوَ الْمَفْهُوم مِنْ آيَةِ الْأَحْزَابِ {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ} [الأحزاب: 50] وَالْمُحَرَّمَاتُ غَيْرُهُنَّ، وَهُنَّ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ، وَفُرُوعُ أَوَّلِ الْأُصُولِ وَأَوَّلُ الْفُرُوعِ مِنْ بَاقِي الْأُصُولِ، كَمَا فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ فِي النِّسَاءِ، فَهَذَا كُلُّهُ فِي النَّسَبِ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْآدَمِيِّينَ وَالْجِنِّ نَسَبٌ. هَذَا جَوَابُ الْبَارِزِيِّ.
فَإِنْ قُلْت: مَا عَنْدك مِنْ ذَلِكَ. قُلْت: الَّذِي أَعْتَقِدُهُ التَّحْرِيمَ، لِوُجُوهٍ: مِنْهَا: مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْآيَتَيْنِ.
وَمِنْهَا: مَا رَوَى حَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَسَائِلِهِ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْقَطِيعِيُّ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ «: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نِكَاحِ الْجِنِّ» وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَقَدْ اُعْتُضِدَ بِأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ.
فَرُوِيَ الْمَنْعُ مِنْهُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَعُقْبَةَ الْأَصَمِّ. وَقَالَ الْجَمَّالُ السِّجِسْتَانِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ. فِي كِتَابِ " مُنْيَةِ الْمُفْتِي عَنْ الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ " لَا يَجُوز الْمُنَاكَحَةُ بَيْن الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَإِنْسَانِ الْمَاءِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ النِّكَاحَ شُرِعَ لِلْأُلْفَةِ، وَالسُّكُونِ، وَالِاسْتِئْنَاسِ، وَالْمَوَدَّةِ، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي الْجِنِّ، بَلْ الْمَوْجُودُ فِيهِمْ ضِدُّ ذَلِكَ، وَهُوَ الْعَدَاوَةُ الَّتِي لَا تَزُولُ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ الْإِذْنُ مِنْ الشَّرْعِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} [النساء: 3] وَالنِّسَاءِ: اسْمٌ لَإِنَاثِ بَنِي آدَمَ خَاصَّةً، فَبَقِيَ مَا عَدَاهُنَّ عَلَى التَّحْرِيمِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَبْضَاعِ الْحُرْمَةُ حَتَّى يَرِدَ دَلِيلٌ عَلَى الْحِلِّ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ قَدْ مُنِعَ مِنْ نِكَاحِ الْحُرِّ لِلْأَمَةِ ; لِمَا يَحْصُلُ لِلْوَلَدِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْإِرْقَاقِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الضَّرَرَ بِكَوْنِهِ مِنْ جِنِّيَّةٍ وَفِيهِ شَائِبَةُ مِنْ الْجِنِّ خَلْقًا وَخُلُقًا، وَلَهُ بِهِمْ اتِّصَالٌ وَمُخَالَطَةٌ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْإِرْقَاقِ الَّذِي هُوَ مَرْجُوُّ الزَّوَالِ بِكَثِيرٍ، فَإِذَا مُنِعَ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ مَعَ الِاتِّحَادِ فِي الْجِنْسِ لِلِاخْتِلَافِ فِي النَّوْعِ، فَلَأَنْ يُمْنَعَ مِنْ نِكَاحِ مَا لَيْسَ مِنْ الْجِنْسِ مِنْ بَابِ أَوْلَى. وَهَذَا تَخْرِيجٌ قَوِيٌّ، لَمْ أَرَ مَنْ تَنَبَّهَ لَهُ.
وَيُقَوِّيهِ أَيْضًا أَنَّهُ نَهَى عَنْ إنْزَاءِ الْحُمُرِ عَلَى الْخَيْلِ، وَعِلَّةُ ذَلِكَ: اخْتِلَافُ الْجِنْسِ وَكَوْنِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْهَا يَخْرُجُ عَنْ جِنْسِ الْخَيْلِ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ قِلَّتُهَا، وَفِي حَدِيثِ النَّهْي «إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» فَالْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى. وَإِذَا تَقَرَّرَ الْمَنْعُ، فَالْمَنْعُ مِنْ نِكَاحِ الْجِنِّيِّ الْإِنْسِيَّةَ أَوْلَى وَأَحْرَى، لَكِنْ رَوَى أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الرَّازِيّ، فِي كِتَابِ: الْإِلْهَامِ وَالْوَسْوَسَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُقَاتِلٌ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ دَاوُد الزُّبَيْدِيُّ قَالَ: كَتَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ إلَى مَالِكٍ يَسْأَلُونَهُ عَنْ نِكَاحِ الْجِنِّ، وَقَالُوا: إنَّ هَهُنَا رَجُلًا مِنْ الْجِنِّ يَخْطُبُ إلَيْنَا جَارِيَةً يَزْعُمُ أَنَّهُ يُرِيدُ الْحَلَالَ، فَقَالَ " مَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا فِي الدِّين وَلَكِنْ أَكْرَهُ إذَا وُجِدَتْ امْرَأَةٌ حَامِلٌ، قِيلَ لَهَا: مَنْ زَوْجُك؟ قَالَتْ: مِنْ الْجِنِّ، فَيَكْثُر الْفَسَادُ فِي الْإِسْلَامِ بِذَلِكَ " انْتَهَى.
الْفَرْعُ الثَّانِي
: لَوْ وَطِئَ الْجِنِّيُّ الْإِنْسِيَّةَ، فَهَلْ يَجِب عَلَيْهَا الْغُسْلُ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ أَصْحَابُنَا. وَعَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْإِيلَاجِ، وَالْإِنْزَالِ، فَهُوَ كَالْمَنَامِ بِغَيْرِ إنْزَالٍ. قُلْت: وَهُوَ الْجَارِي عَلَى قَوَاعِدِنَا.
الثَّالِث: هَلْ تَنْعَقِدُ الْجَمَاعَةُ بِالْجِنِّ قَالَ صَاحِبُ آكَامَ الْمَرْجَانِ: نَعَمْ. وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الصَّيْرَفِيِّ الْحَنْبَلِيِّ. وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قِصَّةِ الْجِنِّ. وَفِيهِ «فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي أَدْرَكَهُ شَخْصَانِ مِنْهُمْ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نُحِبُّ أَنْ تَؤُمَّنَا فِي صَلَاتِنَا. قَالَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، ثُمَّ صَلَّى بِنَا، ثُمَّ انْصَرَفَ» .
وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ الْبَجَلِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. قَالَ «قَالَتْ الْجِنُّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ لَنَا بِمَسْجِدِكَ أَنْ نَشْهَدَ الصَّلَاةَ مَعَك، وَنَحْنُ نَاءُونَ عَنْكَ؟ فَنَزَلَتْ {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] » . قُلْت: وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا فِي الْحَلَبِيَّاتِ لِلسُّبْكِيِّ: أَنَّ الْجَمَاعَةَ تَحْصُلُ بِالْمَلَائِكَةِ، كَمَا تَحْصُلُ بِالْآدَمِيِّينَ. قَالَ: وَبَعْد أَنْ قُلْت ذَلِكَ بَحْثًا رَأَيْتُهُ مَنْقُولًا.
فَفِي فَتَاوَى الْحَنَّاطِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا: فِيمَنْ صَلَّى فِي فَضَاءٍ مِنْ الْأَرْضِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَكَانَ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ. هَلْ يَحْنَث أَمْ لَا؟ قَالَ: يَكُون بَارًا فِي يَمِينِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ فِي فَضَاءٍ مِنْ الْأَرْضِ، وَصَلَّى وَحْدَهُ، صَلَّتْ الْمَلَائِكَةُ خَلْفَهُ صُفُوفًا» ، فَإِذَا حَلَفَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، لَا يَحْنَثُ اهـ.
قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ لِعُذْرٍ، وَقُلْنَا بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ هَلْ نَقُولُ: يَجِب الْقَضَاءُ كَمَنْ صَلَّى فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ إنْ قُلْنَا: بِأَنَّهَا كَصَلَاةِ الْآدَمِيِّينَ، وَأَنَّهَا تَصِيرُ بِهَا جَمَاعَةٌ، فَقَدْ يُقَال إنَّهَا تَكْفِي لِسُقُوطِ الْقَضَاءِ. قُلْت: وَعَلَى هَذَا يُنْدَبُ نِيَّةُ الْجَمَاعَةِ لِلْمُصَلِّي، أَوْ الْإِمَامَةِ.
الرَّابِعُ: قَالَ فِي آكَامِ الْمَرْجَانِ: نَقَلَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي الْبَقَاءِ الْعُكْبَرِيِّ الْحَنْبَلِيِّ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْجِنِّيِّ، هَلْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ: فَقَالَ نَعَم لِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلٌ إلَيْهِمْ.
الْخَامِس: إذَا مَرَّ الْجِنِّيُّ بَيْن يَدَيْ الْمُصَلِّي، فَهَلْ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، عَنْ أَحْمَدَ. قُلْت أَمَّا مَذْهَبُنَا: فَالصَّلَاةُ لَا يَقْطَعُهَا مُرُورُ شَيْءٍ لَكِنْ يُقَاتَلُ، كَمَا يُقَاتَلُ الْإِنْسُ.
السَّادِسُ:
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْجِنِّيِّ بِغَيْرِ حَقٍّ، كَمَا لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْإِنْسِيِّ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالظُّلْمُ مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ حَالٍ. فَلَا يَحِلّ لِأَحَدٍ أَنْ يَظْلِمَ أَحَدًا، وَلَوْ كَانَ كَافِرًا، وَالْجِنُّ يَتَصَوَّرُونَ فِي صُوَرٍ شَتَّى، فَإِذَا كَانَتْ حَيَّاتُ الْبُيُوتِ قَدْ تَكُون جِنِّيًّا فَيُؤْذَنُ ثَلَاثًا، كَمَا فِي الْحَدِيثِ، فَإِنْ ذَهَبَتْ فَبِهَا، وَإِلَّا قُتِلَتْ، فَإِنَّهَا إنْ كَانَتْ حَيَّةٌ أَصْلِيَّةٌ قُتِلَتْ، وَإِنْ كَانَتْ جِنِّيَّةٌ، فَقَدْ أَصَرَّتْ عَلَى الْعُدْوَان بِظُهُورِهَا لَلْإِنْسِ فِي صُورَةِ حَيَّةٍ تُفْزِعُهُمْ بِذَلِكَ، وَالْعَادِي: هُوَ الصَّائِلُ الَّذِي يَجُوزُ دَفْعُهُ بِمَا يُدْفَعُ ضَرَرُهُ: وَلَوْ كَانَ قَتْلًا. اهـ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا " أَنَّ عَائِشَةَ رَأَتْ فِي بَيْتِهَا حَيَّةً، فَأَمَرَتْ بِقَتْلِهَا، فَقُتِلَتْ، فَأُتِيَتْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَقِيلَ لَهَا: إنَّهَا مِنْ النَّفَرِ الَّذِينَ اسْتَمَعُوا الْوَحْيَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلَتْ إلَى الْيَمَنِ، فَابْتِيعَ لَهَا أَرْبَعِينَ رَأْسًا، فَأَعْتَقَتْهُمْ ". وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، نَحْوَهُ وَفِيهِ " فَلَمَّا أَصْبَحَتْ أَمَرَتْ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَفُرِّقَتْ عَلَى الْمَسَاكِينَ "، وَكَيْفِيَّةُ الْإِيذَانِ - كَمَا فِي الْحَدِيثِ - " نَسْأَلُكِ بِعَهْدِ نُوحٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد: أَنْ لَا تُؤْذِينَا.
السَّابِعُ: فِي رِوَايَةِ الْجِنِّ لِلْحَدِيثِ: أَوْرَدَ فِيهِ صَاحِبُ آكَامِ الْمَرْجَانِ آثَارًا مِمَّا رَوَوْهُ، فَكَأَنَّهُ رَأَى بِذَلِكَ قَبُولَ رِوَايَتِهِمْ. وَاَلَّذِي أَقُولُ: إنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامَيْنِ: رِوَايَتُهُمْ عَنْ الْإِنْسِ، وَرِوَايَةُ الْإِنْسِ عَنْهُمْ. فَأَمَّا الْأَوَّل: فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ رِوَايَتِهِمْ عَنْ الْإِنْسِ مَا سَمِعُوهُ مِنْهُمْ، أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يَسْمَعُونَ، سَوَاءٌ عَلِمَ الْإِنْسِيُّ بِحُضُورِهِمْ أَمْ لَا، وَكَذَا إذَا أَجَازَ الشَّيْخ مَنْ حَضَرَ، أَوْ سَمِعَ، دَخَلُوا فِي إجَازَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، كَمَا فِي نَظِيرِ ذَلِكَ مِنْ الْإِنْسِ. وَأَمَّا رِوَايَةُ الْإِنْسِ عَنْهُمْ.
فَالظَّاهِرُ: مَنْعُهَا، لِعَدَمِ حُصُولِ الثِّقَةِ بِعَدَالَتِهِمْ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ شَيَاطِينُ كَانَ أَوْثَقَهَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد، فَيَقُولُونَ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا» وَأَمَّا الْآثَارُ الَّتِي أَوْرَدَهَا صَاحِبُ آكَامِ الْمَرْجَانِ، وَهِيَ: مَا أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَابِرٍ الرَّمْلِيُّ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَرِيفٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ، حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ جَابِرٍ عَنْ