الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: 130] فَتَأَوَّلُوهُ عَلَى أَنَّهُمْ رُسُلٌ عَنْ الرُّسُلِ، سَمِعُوا كَلَامَهُمْ، فَأَنْذَرُوا قَوْمَهُمْ، لَا عَنْ اللَّهِ. وَذَهَبَ الضَّحَّاكُ، وَابْنُ حَزْمٍ إلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ أَنْبِيَاءُ. وَاسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً» . قَالَ: وَلَيْسَ الْجِنُّ مِنْ قَوْمِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ قَدْ أُنْذِرُوا، فَصَحَّ أَنَّهُمْ. جَاءَهُمْ أَنْبِيَاءُ مِنْهُمْ.
الثَّانِيَةُ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّ كُفَّارَ الْجِنِّ فِي النَّارِ. وَاخْتُلِفَ: هَلْ يَدْخُلُ مُؤْمِنُهُمْ الْجَنَّةَ، وَيُثَابُونَ عَلَى الطَّاعَةِ؟ عَلَى أَقْوَالٍ، أَحْسَنُهَا: نَعَم، وَيُنْسَبُ لِلْجُمْهُورِ وَمِنْ أَدِلَّتِهِ: قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 46] إلَى آخِر السُّورَة، وَالْخِطَابُ لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ، فَامْتَنَّ عَلَيْهِمْ بِجَزَاءِ الْجَنَّةِ وَوَصَفَهَا لَهُمْ، وَشَوَّقَهُمْ إلَيْهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ يَنَالُونَ مَا امْتَنَّ بِهِ عَلَيْهِمْ إذَا آمَنُوا. وَقِيلَ: لَا يَدْخُلُونَهَا، وَثَوَابُهُمْ النَّجَاةُ مِنْ النَّارِ. وَقِيلَ: يَكُونُونَ فِي الْأَعْرَافِ. الثَّالِثَة: ذَهَبَ الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ إلَى أَنَّ الْجِنَّ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يَكُونُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَرَاهُمْ وَلَا يَرَوْنَا، عَكْس مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا.
الرَّابِعَة: صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ فِي الْجَنَّةِ لَا يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى. قَالَ: لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] وَقَدْ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ مُؤْمِنُو الْبَشَرِ، فَبَقِيَ عَلَى عُمُومِهِ فِي الْمَلَائِكَةِ. قَالَ فِي آكَامِ الْمَرْجَانِ: وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْجِنَّ لَا يَرَوْنَهُ ; لِأَنَّ الْآيَةَ بَاقِيَةٌ عَلَى الْعُمُومِ فِيهِمْ أَيْضًا.
[الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ الْمَحَارِم]
قَالَ الْأَصْحَابُ: الْمَحْرَمُ مِنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ، بِنَسَبٍ أَوْ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا فَخَرَجَ بِالْأَوَّلِ: وَلَدُ الْعُمُومَةِ، وَالْخُؤُولَةِ. وَبِقَوْلِنَا " عَلَى التَّأْبِيدِ " أُخْتُ الزَّوْجَةِ وَعَمَّتِهَا، وَخَالَتِهَا. وَبِقَوْلِنَا " بِسَبَبٍ مُبَاحٍ " أُمُّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ، وَبِنْتُهَا، فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةُ النِّكَاحِ، وَلَيْسَتْ مَحْرَمًا ; إذْ وَطْءُ الشُّبْهَةِ لَا يُوصَفُ بِالْإِبَاحَةِ. وَبِقَوْلِنَا " لِحُرْمَتِهَا " الْمُلَاعَنَةُ فَإِنَّهَا حُرِّمَتْ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَالْأَحْكَامُ الَّتِي لِلْمَحْرَمِ مُطْلَقَا، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، أَوْ مُصَاهَرَةٍ:
تَحْرِيمُ النِّكَاحِ وَجَوَازُ النَّظَرِ، وَالْخَلْوَةِ، وَالْمُسَافَرَةِ، وَعَدَمِ نَقْضِ الْوُضُوءِ.
أَمَّا تَحْرِيمُ النِّكَاحِ فَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ عَلَى التَّأْبِيدِ إلَّا الْمَلَائِكَةُ، وَسَائِرُ الْمُحَرَّمَاتِ، فَلَيْسَتْ عَلَى التَّأْبِيدِ، فَأُخْتُ الزَّوْجَةِ، وَعَمَّتُهَا، وَخَالَتُهَا: تَحِلّ بِمُفَارَقَتِهَا، وَالْأَمَةُ: تَحِلُّ إذَا عَتَقَتْ، أَوْ أُعْسِرَ. وَالْمَجُوسِيَّةُ: تَحِلُّ إذَا أَسْلَمَتْ. وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا: تَحِلُّ إذَا نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ.
وَأَمَّا جَوَازُ النَّظَرِ فَهَلْ يُشَارِكُهُ فِيهِ الْعَبْدُ؟ وَجْهَانِ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ مِنْهُمَا: الْجَوَازَ وَوَافَقَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ زَوَائِدِهِ: فِيهِ نَظَرٌ وَصَحَّحَ فِي مَجْمُوعٍ لَهُ عَلَى الْمُهَذَّبِ: التَّحْرِيمَ. وَبَالَغَ فِيهِ، وَعِبَارَتُهُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى. وَيَكْثُرُ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهَا، وَالْخِلَافُ فِيهَا مَشْهُورٌ. وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ مَحْرَمٌ لَهَا، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ. وَنُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ تَصْحِيحُهُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنْ لَا يَكُونَ مَحْرَمًا لَهَا. لِأَنَّ الْحُرْمَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بَيْن الشَّخْصَيْنِ لَمْ تُخْلَقْ بَيْنهمَا شَهْوَةٌ، كَالْأَخِ، وَالْأُخْتِ، وَغَيْرِهِمَا. وَأَمَّا الْعَبْدُ، وَسَيِّدَتُهُ: فَشَخْصَانِ خُلِقَتْ بَيْنهمَا الشَّهْوَةُ. قَالَ: وَأَمَّا الْآيَةُ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] فَقَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِيهَا: الْمُرَادُ بِهَا: الْإِمَاءُ دُون الْعَبِيدِ.
وَأَمَّا الْخَبَرُ: وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ، وَقَدْ وَهَبَهُ لَهَا، وَعَلَى فَاطِمَةَ ثَوْبٌ إذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا، لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا تَلْقَى قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ، إنَّمَا هُوَ أَبُوكِ، وَغُلَامُكِ» فَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْغُلَامُ صَغِيرًا.
قَالَ: وَهَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: هُوَ الصَّوَابُ، بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ خِلَافٌ بَلْ يُقْطَعُ بِتَحْرِيمِهِ، وَكَيْف يُفْتَح هَذَا الْبَابُ لِلنِّسْوَةِ الْفَاسِقَاتِ؟ مَعَ حِسَانِ الْمَمَالِيكِ، الَّذِينَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ الْفِسْقُ، بَلْ الْعَدَالَةُ فِيهِمْ فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ؟ وَكَيْفَ يَسْتَجِيزُ الْإِنْسَانُ الْإِفْتَاءَ بِأَنَّ هَذَا الْمَمْلُوكَ يَبِيتُ وَيَقِيلُ مَعَ سَيِّدَتِهِ، مُكَرِّرًا ذَلِكَ، مَعَ مَا هُمَا عَلَيْهِ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي الدِّينِ؟
وَكُلّ مُنْصِفٍ يَقْطَعُ بِأَنَّ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ تَسْتَقْبِحُ هَذَا وَتُحَرِّمُهُ أَشَدَّ تَحْرِيمٍ.