الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(12)
- كِتَابُ الْهِبَاتِ
(1) - (791) - بَابُ الرَّجُلِ يَنْحَلُ وَلَدَ
(1)
- 2336 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ،
===
(12)
(كتاب الهبات)
(1)
- (791) - (باب الرجل ينحل ولده)
والهبات جمع هبة؛ وهي لغةً: مأخوذة من هبوب الريح؛ أي: مروره من جهة إلى أخرى، يقال: هب الريح؛ إذا مر من جانب إلى جانب، ووجه الأخذ من ذلك: أنَّها تمر من يد الواهب إلى يد الموهوب له.
أو مأخوذة من هب من نومه؛ إذا استيقظ منه، فكأن فاعلها استيقظ للإحسان.
وهي في الشرع: تمليك منجز مطلق في عين حالَ الحياة بلا عوض ولو من الأعلى، فخرج بالمنجز: الوصية، وبالمطلق: التمليك المؤقت، وخرج بالعين: هبة المنافع، وخرج بحال الحياة: الوصية.
وأركانها أربعة: واهب، وموهوب له، وموهوب به، وصيغة.
وهي تطلق بالمعنى العام على ما يعم الصدقة والهدية والهبة ذات الأركان؛ أي: على معنىً عام يشمل الثلاثة؛ وهو تمليك تطوع في حال الحياة.
* * *
(1)
- 2336 - (1)(حدثنا أبو بشر بكر بن خلف) البصري ختن المقرئ، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(د ق).
(حدثنا يزيد بن زريع) - بتقديم الزاي مصغرًا - التيمي العيشي أبو معاوية
عَنْ دَاوُودَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: انْطَلَقَ بِهِ أَبُوهُ يَحْمِلُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ مِنْ مَالِي كَذَا وَكَذَا
===
البصري، ثقةٌ ثبت، من الثامنة، مات سنة اثنتين وثمانين ومئة (182 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن داوود بن أبي هند) القشيري مولاهم أبي بكر البصري، واسم أبي هند دينار بن عُذَافِر، ثقةٌ متقن كان يهم بأخرة، من الخامسة، مات سنة أربعين ومئة (140 هـ) وقيل قبلها. يروي عنه:(م عم).
(عن) عامر بن شراحيل الحميري (الشعبي) الكوفي، ثقةٌ ثبت فقيه، من الثالثة، مات بعد المئة. يروي عنه:(ع).
(عن النعمان بن بشير) بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، له ولأبويه صحبة، رضي الله تعالى عنهما، سكن الشام ثم ولي إمرة الكوفة، ثم قتل بحمص سنة خمس وستين (65 هـ)، له أربع وستون سنة. يروي عنه:(ع).
(قال) النعمان: (انطلق به) أي: ذهب به (أبوه) وهو صغير حالة كون أبيه (يحمله) أي: يحمل النعمان لصغره (إلى النبي صلى الله عليه وسلم متعلق بانطلق.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله كلهم ثقات أثبات.
(فقال) أبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (اشهد) - بصيغة الأمر - عليَّ يا رسول الله؛ على (أني قد نحلت) ووهبت ولدي هذا (النعمان من مالي كذا كذا) أي: وهبت له عبدًا صفته كذا وكذا؛ كما في رواية مسلم.
وسبب الإتيان به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه أعطى لولده النعمان عطية، ولم ترضَ زوجته عمرة بنت رواحة والدته حتى يُشهِد رسول الله
قَالَ: "فَكُلَّ بَنِيكَ نَحَلْتَ مِثْلَ الَّذِي نَحَلْتَ النُّعْمَانَ؟ "، قَالَ: لَا، قَالَ:"فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي"، قَالَ:"أَلَيْسَ يَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا لَكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟ "، قَالَ: بَلَى، قَالَ:"فَلَا إِذًا".
===
صلى الله عليه وسلم على تلك الهبة، فأتى به إليه؛ ليشهده عليها.
قوله: (أني قد نحلت) أي: أعطيت، والنحلة - بكسر النون وسكون المهملة -: العطية بغير عوض، والنحل - بضم النون وسكون الحاء -: الشيء المنحول، والعطية: الهبة ابتداء من غير عوض ولا استحقاق.
فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أ (فكل بنيك) وأولادك (نحلت) أي: أعطيتهم (مثل الذي نحلت النعمان؟ ) أي: مثل هذا الذي نحلته للنعمان، فيه استحباب التسوية بين الأولاد المذكور والإناث في العطية.
فـ (قال) أبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) أي: ما نحلت لهم مثل هذا، فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي:(فأشْهِدْ) - بصيغة الأمر - أي: فأشهد (على هذا) العطاء الذي ليس فيه عدل (غيري) وأما أنا .. فلا أشهد على هذا العطاء الذي ليس فيه عدل.
ثم (قال) لوالدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أليس يسرك) ويرضيك (أن يكونوا) أي: يكون أولادك جميعًا (لك في البر) والإحسان إليك (سواء) أي: مستوين؟ (قال) والدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلى) يسرني أن يكونوا سواء في البر والإحسان إِليَّ، فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فلا) تفاضل بينهم في العطاء (إذا) كان يسرك ذلك؛ فإن المفاضلة بينهم في العطاء تورث العقوق بك، في البعض الذين حرمتهم من عطائك.
قال القرطبي: ففي الحديث تنبيه على أن الإنسان إذا أعطى بنيه .. سوَّى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
بينهم؛ ذكرهم وأنثاهم، وأن ذلك هو الأفضل، وإليه ذهب القاضي أبو الحسن بن القصار من أصحابنا، وجماعة من المتقدمين.
وذهب آخرون منهم والثوري ومحمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وابن شعبان من أصحابنا إلى أن الأفضل للذكر مثل حظ الأنثيين، على حسب قسمة الله تعالى للمواريث.
وقال القرطبي أيضًا: حديث النعمان بن بشير في هذا الباب كثرت طرقه فاختلفت ألفاظه، حتى لقد قال بعض الناس: إنه مضطرب، وليس كذلك؛ لأنه ليس في ألفاظه تناقض، بل يمكن الجمع بينها على ما سنبينه إن شاء الله تعالى. انتهى.
قلت: وغاية ما فيه أن بعض الرواة حفظ ما لَمْ يحفظ بعض، أو كان النعمان يقص بعض القصة تارة، ويقص بعضها تارة أخري، فسمع كلّ ما رواه واقتصر عليه، والله أعلم، كذا في "فتح الباري"(51/ 156).
قوله: (اشهد علي أني قد نحلت النعمان من مالي كذا وكذا) وفي أكثر روايات مسلم وغيره أن العطية التي أعطاها بشير بن سعد ابنه نعمان كانت غلامًا، ولكن أخرج ابن حبان والطبراني عن الشعبي أن النعمان خطب بالكوفة، فقال: إن والدي بشير بن سعد أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن عمرة بنت رواحة نفست بغلام، وإني سميته النعمان، وإنها أبت أن تربيه حتى جعلت له حديقةً من أفضل مالٍ هو لي، وإنها قالت: أشهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"هل لك ولد غيره؟ " قال: نعم، قال:"لا تشهدني إلَّا على عدل؛ فإني لا أشهد على جور". انتهى من "مورد الظمآن" في كتاب البر والصلة (501)، رقم (2046)، فهذا يدلُّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
على أن العطية كانت حديقةً، ووقعت القصة فور ولادة النعمان بن بشير.
وذكر الحافظ أن ابن حبان جمع بينه وبين رواية الباب - يعني: رواية الغلام - بحمل الروايتين على تعدد القصة، ولكن يعكر عليه أنه يبعد أن ينسى بشير بن سعد مع جلالته الحكم في المسألة، حتى يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهده على العطية الثانية بعد أن قال له في الأول: لا أشهد على جور.
ثم حكى الحافظ عدة أجوبة عن السلف عن هذا الاعتراض، ولكن ذكر في الأخير وجهًا من عنده هو أحسنها، فقال: إن عمرة لما امتنعت من تربيته إلَّا أن يهب له شيئًا يخصه به .. وهبه الحديقة المذكورة تطييبًا لخاطرها، ثم بدا له فارتجعها؛ لأنه لَمْ يقبضها منه أحد غيره، فعاودته عمرة في ذلك فمطلها سنة أو سنتين، ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة غلامًا، ورضيت بذلك، إلَّا أنَّها خشيت أن يرتجعه أيضًا، فقالت له: أشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ تريد بذلك تثبيت العطية، ويكون مجيئه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم للإشهاد مرةً واحدةً، وهي الأخيرة، وبهذا اندفع الاعتراض.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الهبة، باب الإشهاد في الهبة، ومسلم في كتاب الهبات، باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة، وأبو داوود في كتاب البيوع والإجارة، باب في الرجل يفضل بعض أولاده في النحل، والنسائي في كتاب النحل، باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر النعمان، ومالك في كتاب الأقضية، وأحمد في "المسند".
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
(1)
- 2336 - (م) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، أَخْبَرَاهُ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، أَنَّ أَبَاهُ نَحَلَهُ غُلَامًا وَأَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُشْهِدُهُ
===
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث النعمان رضي الله عنه، فقال:
(1)
- 2336 - (م)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي، صدوق مقرئ، من العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(خ عم).
(حدثنا سفيان) بن عيينة.
(عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب.
(عن حميد بن عبد الرَّحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقةٌ، من الثانية.
يروي عنه: (ع)، مات سنة خمس ومئة (105 هـ).
(ومحمد بن النعمان بن بشير) بن سعد الأنصاري الخزرجي المدني، ثقةٌ، من الثالثة. يروي عنه:(خ م ت س ق).
(أخبراه) أي: أخبرا الزهري (عن النعمان بن بشير) رضي الله عنهما.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات، غرضه: بيان متابعة حميد بن عبد الرَّحمن ومحمد بن النعمان للشعبي في رواية هذا الحديث.
عن النعمان بن بشير (أن أباه) أي: أبا النعمان بشير بن سعد (نحله) أي: وهب للنعمان (غلامًا) أي: عبدًا (وأنه) أي: وأن أبا النعمان بشير بن سعد (جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم حالة كون أبيه يريد أن (يشهده) أي: أن يشهد النبي صلى الله عليه وسلم على نحلته لولده غلامًا.
فَقَالَ: "أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ؟ "، قَالَ: لَا، قَالَ:"فَارْدُدْهُ".
===
وسبب الإتيان به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أعطى لولده النعمان عطية، ولم ترض زوجته عمرة بنت رواحة والدته، حتى يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، فأتى به؛ ليشهده عليها، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بإعطائه له، وأنه يريد إشهاده على ذلك (فقال) له النبي صلى الله عليه وسلم:(أكل ولدك) أي: أولادك (نحلته؟ ) أي: نحلت كلهم مثل ما نحلته للنعمان من الغلام؟
فـ (قال) والدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) أي: ما نحلت لغير هذا الولد شيئًا، فـ (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم:("فاردده") أي: فاردد ما نحلت لهذا الولد إلى ملكك وارجع فيه، والفاء فيه للإفصاح.
وقوله: في هذه الرواية: (أكل ولدك) وفي أخرى: (أكل بنيك) محمول على التغليب إن كان له إناث.
وقوله: في هذه الرواية: (فاردده) وفي أخرى: (فارجعه) كلاهما بهمزة وصل، ومعناهما واحد.
واستدل بها من أوجب التسوية في عطية الأولاد، وبه صرح البخاري، وهو مذهب طاووس والثوري.
وحمل الجمهور الأمر على الندب، والنهي على التنزيه، فيكره للوالد وإن علا أن يهب لأحد ولديه أكثر من الآخر ولو ذكرًا؛ لئلا يفضي ذلك إلى العقوق وفارق الإرث بأن الوارث راضٍ بما فرض الله له، بخلاف هذا، وبأن الذكر والأنثى إنما يختلفان في الميراث بالعصوبة، أما بالرحم المجردة .. فهما سواء؛ كالإخوة والأخوات من الأم، والهبة للأولاد إنما أمر بها؛ صلةً للرحم.
نعم؛ إن تفاوتا في الحاجة .. قال ابن الرفعة: فليس من التفاضل والتخصيص
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
المحذور السابق، وإذا ارتكب التفضيل المكروه .. فالأولى أن يعطي الآخرين ما يحصل به العدل، ولو رجع .. جاز، بل حكى في "البحر" استحبابه.
قال الإسنوي: ويتجه أن يكون محل جوازه أو استحبابه في الزائد. انتهى من "الإرشاد".
وشارك المؤلف في هذه الرواية: البخاري ومسلم والترمذي في كتاب الإحكام، باب ما جاء في النحل والتسوية بين الولد، والنسائي في النحل.
فالحديث كالأول في أعلى درجات الصحة، وغرضه: بيان المتابعة، وكرر المتن؛ لما بين الروايتين من بعض المخالفة.
* * *
ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديثين:
الأول منهما للاستدلال، والثاني للمتابعة.
والله سبحانه وتعالى أعلم