الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(36) - (826) - بَابُ كِرَاءِ الْأَرْضِ
(78)
- 2413 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَأَبُو أُسَامَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ أَوْ قَالَ: عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ،
===
(36)
- (826) - (باب كراء الأرض)
(78)
- 2413 - (1)(حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة سبع وأربعين ومئتين (247 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي أبو محمد الكوفي، قيل: اسمه: عبد الرحمن، ثقة ثبت، من صغار الثامنة، مات سنة سبع وثمانين ومئة (187 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
(وأبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي مشهور بكنيته، ثقة ثبت ربما دلس، من كبار التاسعة، مات سنة إحدى ومئتين (201 هـ). يروي عنه:(ع).
(ومحمد بن عبيد) - بغير إضافة - ابن أبي أمية، واسمه عبد الرحمن، وقيل: إسماعيل الطنافسي الكوفي أبو عبد الله الأحدب مولى إياد، ثقة يحفظ، من الحادية عشرة. يروي عن: عبيد الله بن عمر بن حفص، مات سنة أربع ومئتين (204 هـ). يروي عنه:(ع).
كلهم يروون (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني، ثقة متقن، من الخامسة، مات سنة بضع وأربعين. يروي عنه:(ع).
(أو قال) لنا أبو كريب - والشك من المؤلف -: روى هؤلاء لنا عن (عبد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم العمري المدني، وهو أخو عبيد الله بن
عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُكْرِي أَرْضًا لَهُ مَزَارِعَ، فَأَتَاهُ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَهُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارعِ، فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ وَذَهَبْتُ مَعَهُ حَتَّى أَتَاهُ بِالْبَلَاطِ
===
عمر، وهو ضعيف، والصواب عن عبيد الله بن عمر؛ لأن الثلاثة لم يرووا عن عبد الله بن عمر؛ كما في "التهذيب".
(عن نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(أنه) أي: أن ابن عمر (كان يكري) ويؤجر للناس (أرضًا) كانت مملوكة (له) ليتخذوها (مزارع) بلا تنوين؛ لعدم صرفه للجمع، جمع مزرعة؛ وهو موضع زرع الزروع؛ أي: يكريها ببعض ما يخرج منها.
قال نافع: (فأتاه) أي: فأتى ابن عمر (إنسان) من المسلمين وهو أبو النجاشي مولى رافع بن خديج، اسمه عطاء بن صهيب التابعي؛ كما هو مصرح به في رواية البخاري ورواية أبي داوود (فأخبره) أي: أخبر ذلك لابن عمر حالة كون ذلك الإنسان راويًا (عن رافع بن خديج) الأنصاري، وجملة أن في قوله:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في محل النصب مفعول ثان لأخبر (نهى عن كراء المزارع) ببعض ما يخرج منها من الزرع نهي تحريم (فـ) لما سمع ابن عمر ذلك الخبر من ذلك الإنسان .. (ذهب ابن عمر) إلى رافع بن خديج؛ ليسأله عن ذلك الحديث المنسوب إليه.
قال نافع: (وذهبت) أنا (معه) أي: مع ابن عمر إلى رافع بن خديج، فذهب ابن عمر إليه (حتى أتاه) أي: حتى أتى ابن عمر رافعًا وهو (بالبلاط) أي: جالس في البلاط لا في المسجد - وهو بفتح الباء الموحدة، وقيل: بكسرها -: اسم موضع بالمدينة بين المسجد النبوي والسوق التي كانت قدام باب السلام.
فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ، فَتَرَكَ عَبْدُ اللهِ كِرَاءَهَا.
===
وسمي بلاطًا؛ لكونه مبلطًا؛ أي: مفرشًا بالحجارة المنحوتة، وهو متصل بباب السلام، وقد رأيته أنا، وصليت فيه وقت الزحام في المسجد، في أول حجتي، في تاريخ (1375 هـ) فلله الحمد والشكر على تعميري.
(فسأله) أي: فسأل ابن عمر رافعًا (عن ذلك) الحديث الذي أخبره ذلك الإنسان؛ يعني: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض (فأخبره) أي: فأخبر رافع ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع) ببعض ما يخرج منها.
قال نافع: (فترك عبد الله) بن عمر (كراءها) أي: كراء الأرض ببعض ما يخرج منها بعد ذلك تورعًا.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الحرث والمزارعة، باب ما كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضًا في الزراعة والثمر، ومسلم في كتاب البيوع، باب كراء الأرض، وأبو داود في كتاب البيوع والإجارات، باب في التشديد في ذلك، والنسائي في كتاب المزارعة، باب ذكر الأحاديث في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع واختلاف ألفاظ الناقلين في الخبر.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
ولفظ حديث ابن عمر عند مسلم من طريق يزيد بن زريع عن أيوب عن نافع (أن ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي إمارة أبي بكر وعمر وعثمان وصدرًا من خلافة معاوية حتى بلغه في آخر خلافة معاوية
(79)
- 2414 - (2) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ
===
أن رافع بن خديج يحدث فيها بنهي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه وأنا معه فسأله، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن كراء المزارع، فتركها ابن عمر بعد، فكان إذا سئل عنها بعد .. قال: زعم ابن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها.
وقوله في رواية مسلم: (وصدرًا من خلافة معاوية) قال الأبي: تقدم في أول الباب حديث جابر بالنهي عن كراء الأرض البتة - كما سيأتي لابن ماجه بعد هذا الحديث - وحديث رافع هذا إنما هو النهي عن كرائها بجزء مما يخرج منها؛ كالثلث مثلًا، والذي لم يصل إلى ابن عمر إلا في آخر خلافة معاوية إنما هو كراؤها بالجزء، فيحتمل أن رافعًا كان غائبًا عن المدينة هذه المدة؛ إذ من البعيد أن يكون بالمدينة وتنتشر المخابرة فيها ولا يغيرها بذكر الحديث، ويكون حديث رافع هذا من انفراد العدل بالزيادة، وكراء ابن عمر أرضه ومخابرته فيها مع نهيه صلى الله عليه وسلم في حديث جابر عن كرائها .. يحتمل أيضًا أنه لم يبلغه النهي، أو بلغه ولم يحمله على التحريم؛ كما حمل حديث رافع الذي ترك المخابرة لأجله على التحريم، فهو إنما ترك الأول المفهوم من حديث جابر بترك العمل به. انتهى من "الأبي".
وقد بسطنا الكلام على هذا الحديث في "الكوكب"، فراجعه.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث رافع بحديث جابر رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(79)
- 2414 - (2) (حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن
دِينَارٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ مَطَرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
===
دينار) القرشي مولاهم أبو حفص (الحمصي) صدوق، من العاشرة، مات سنة خمسين ومئتين (250 هـ). يروي عنه:(د س ق).
(حدثنا ضمرة بن ربيعة) الفلسطيني أبو عبد الله أصله دمشقي، صدوق يهم قليلًا، من التاسعة، مات سنة اثنتين ومئتين (202 هـ). يروي عنه:(عم).
(عن) عبد الله (بن شوذب) - بوزن جعفر منصرف - الخراساني أبي عبد الرحمن سكن البصرة ثم الشام، صدوق عابد، من السابعة، مات سنة ست أو سبع وخمسين ومئة (157 هـ). يروي عنه:(عم)، وقال أبو طالب: كان من الثقات، وقال سفيان: كان ابن شوذب من ثقات مشايخنا، وقال ابن معين وابن عمار والنسائي: كان ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات". انتهى "تهذيب".
(عن مطر) بن طهمان الوراق أبي رجاء الخراساني السلمي مولاهم سكن البصرة، صدوق كثير الخطأ، وحديثه عن عطاء ضعيف، من السادسة، مات سنة خمس وعشرين ومئة (125 هـ)، ويقال: سنة تسع وعشرين ومئة. يروي عنه: (م عم)، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال العجلي: بصري صدوق، وقال مرة: لا بأس به، أخرج له مسلم في المتابعات لا في الأصول، وبالجملة: فهو مختلف فيه.
(عن عطاء) بن أبي رباح القرشي مولاهم المكي، ثقة فقيه فاضل كثير الإرسال، من الثالثة، مات سنة أربع عشرة ومئة (114 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن جابر بن عبد الله) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه مطرًا، وهو مختلف فيه.
قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ .. فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعْهَا وَلَا يُؤَاجِرْهَا".
(80)
- 2415 - (3) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى،
===
(قال) جابر: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال) في خطبته: (من كانت له أرض) فارغة .. (فليزرعها) - بفتح الياء - من زرع الثلاثي؛ أي: فليحرثها بنفسه؛ أي: فليجعلها مزرعة لنفسه بالانتفاع بها (أو ليزرعها) - بضم الياء - من أزرع الرباعي؛ أي: فإن لم يحتج إلى زرعها وحرثها بأن استغنى عنها بأرض أخرى .. فليمنحها أخاه؛ أي: فليعطها منحةً له عارية؛ ليجعلها ذلك الأخ مزرعة لنفسه، و (أو) فيه للتخيير لا للشك.
(ولا يؤاجرها) أي: لا يُكريها بجزء ما يخرج منها؛ كالثلث والربع؛ لأنها تكون مخابرة، وهي حرام على المشهور.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب البيوع، باب كراء الأرض، والنسائي في كتاب المزارعة، والبيهقي في كتاب المزارعة، باب من أباح المزارعة بجزء مشاع، وحمل النهي على التنزيه وعلى ما لو تضمن العقد شرطًا فاسدًا، والطبراني وأحمد.
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح، وإن كان سنده حسنًا؛ للمشاركة فيه، ولأن له شواهد؛ كما هي مبسوطة في "مسلم"، وغرضه: الاستشهاد به، والله أعلم.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث رافع بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(80)
- 2415 - (3)(حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد
حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ دَاوُودَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُحَاقَلَةِ؛
===
الذهلي النيسابوري، ثقة، من الحادية عشرة. يروي عنه:(خ عم)، مات سنة ثمان وخمسين ومئتين (258 هـ).
(حدثنا مطرف بن عبد الله) بن مطرف اليساري - بالتحتانية والمهملة المفتوحتين - أبو مصعب المدني ابن أخت مالك بن أنس. روى عن: خاله مالك بن أنس الإمام، ويروي عنه:(خ ت ق)، والذهلي، ثقة لم يصب ابن عدي في تضعيفه، من كبار العاشرة، مات سنة عشرين ومئتين (220 هـ).
(حدثنا مالك) بن أنس إمام الفروع المدني الأصبحي، ثقة، من السابعة، مات سنة تسع وسبعين ومئة (179 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن داوود بن الحصين) الأموي مولاهم أبي سليمان المدني، ثقة إلا في عكرمة، ورمي برأي الخوارج، من السادسة، مات سنة خمس وثلاثين ومئة (135 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي سفيان) الأسدي، اسمه وهب أو قزمان (مولى) عبد الله (بن أبي أحمد) بن جحش الأسدي، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأما أبو سفيان .. فهو ثقة، من الثالثة. يروي عنه:(ع).
(أنه) أي: أن أبا سفيان (أخبره) أي: أخبر لداوود بن الحصين (أنه) أي: أن أبا سفيان (سمع أبا سعيد الخدري) سعد بن مالك رضي الله عنه (يقول). وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة) قال الراوي:
وَالْمُحَاقَلَةُ: اسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ.
===
(والمحاقلة: استكراء الأرض) واستئجارها بجزء ما يخرج منها.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب البيوع، باب بيع المزابنة، ومسلم في كتاب البيوع، باب كراء الأرض، ومالك في "الموطأ": في كتاب البيوع، باب ما جاء في المزابنة والمحاقلة، وأحمد في "المسند"(3/ 8).
فهو في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.
ثم اعلم: أن اشتراك صاحب الأرض والعامل في إنتاج الزرع له ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن تكون الأرض لواحد والعمل لآخر، ويشترط أحدهما وزنًا أو كيلًا مسمىً مَن الخارج؛ مثل أن يقول صاحب الأرض: أعطيتك هذه الأرض للزراعة على أن تعطيني عشر أمناي من الخارج، جمع منًا؛ على وزن عصًا؛ وهو ما يزن رطلين، وهذه الصورة باطلة شرعًا لا جواز لها عند أحد من الفقهاء فيما نعلم؛ فإنه في معنى الربا، ولا يدري أحد هل يخرج منها شيء أو لا يخرج؛ كما لا يعلم أحد قدر الخارج منها، فيمكن ألا يخرج شيء، ويمكن أن يخرج أقل من عشرة أمناء، ويمكن ألا يخرج إلا عشرة أمناء، واشتراط القدر المعلوم من الغرر المؤدي إلى الربا، ويندرج في هذا القسم ما إذا عين أحدهما حصة من الأرض معلومة فاشترط لنفسه ما يخرج منها، وهو باطل بإجماع الفقهاء أيضًا؛ لكون الخارج من تلك الحصة على خطر لا يدري أحد هل يخرج منها شيء أو لا، وهل يخرج من باقي الأرض شيء أو لا.
الصورة الثانية: إجارة الأرض بغير ما يخرج منها؛ مثل أن يؤجر أرضه بذهب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أو فضة أو نقود غيرهما أو ثياب أو غيرها، فاتفق الأئمة الأربعة وجمهور الفقهاء على جوازه، ثم قصر ربيعة الرأي جوازه على الذهب والفضة، فتجوز إجارة الأرض عنده بالنقدين دون غيرهما، وقال مالك: تجوز بالذهب والفضة وغيرهما إلا الطعام.
وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة والجمهور: تجوز إجارتها بالذهب والفضة وبالطعام والثياب وسائر الأشياء، سواء كان من جنس ما يزرع فيها أو من غيره؛ كما في "النووي".
ومن الفقهاء من قال بحرمة هذه الصورة مطلقًا، وهو قول طاووس والحسن البصري؛ كما حكى عنهما النووي، وهو مذهب ابن حزم، وقد حكاه أيضًا عن عطاء وعكرمة ومجاهد ومسروق والشعبي وابن سيرين والقاسم بن محمد، راجع "المحلى" لابن حزم (5/ 213).
واستدل ابن حزم ومن وافقه في تحريم إجارة الأرض بحديث الباب؛ حيث وقع فيه النهي عن كراء الأرض مطلقًا، ولفظ كراء الأرض لا يطلق إلا على إجارتها بالنقود أو بشيء معلوم من غير ما يخرج منها، ومثل هذا النهي المرفوع ورد عن رافع بن خديج وأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما أيضًا؛ كما ذكره المؤلف وغيره من أصحاب الأمهات.
وحجة الجمهور ما ذكره مسلم رحمه الله تعالى في باب كراء الأرض من طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن حنظلة بن قيس أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض، فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض، قال: فقلت: أبالذهب والورق؟ فقال: أما بالذهب والورق .. فلا بأس به.
وقد أخرج البخاري في باب كراء الأرض بالذهب والفضة عن حنظلة بن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قيس عن رافع بن خديج قال: حدثني عماي أنهم كانوا يكرون الأرض على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بما ينبت على الأربعاء أو شيء يستثنيه صاحب الأرض، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقلت: فكيف هي بالدينار والدرهم؟ فقال: رافع ليس بها بأس بالدينار والدرهم.
والصورة الثالثة: هي المزارعة بحصة شائعة من الخارج؛ مثل أن يقول صاحب الأرض: أعطيتك هذه الأرض للزراعة على أن ثلث الخارج أو ربعه أو نصفه لي، والباقي لك.
واختلف فقهاء الأمة على أربعة أقوال:
الأول منها: أنه جائز مطلقًا، وهو مذهب الإمام أحمد وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، واختاره بعض الشافعية؛ كابن المنذر والخطابي والماوردي؛ كما في "مغني المحتاج"(2/ 324) وهو قول علي وابن مسعود وسعد وعمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وآل أبي بكر وآل علي وابن سيرين وسعيد بن المسيب وطاووس وعبد الرحمن بن الأسود والزهري وعبد الرحمن ابن أبي ليلى، وروي عن معاذ والحسن وعبد الرحمن بن يزيد وخلق؛ كما في "المغني" لابن قدامة (5/ 416)، وهو قول ابن حزم في "المحلى".
والثاني: أنه غير جائز مطلقًا، وهو قول أبي حنيفة وزفر، وروي ذلك عن عكرمة ومجاهد والنخعي أيضًا؛ كما في "المغني".
والثالث: مذهب الشافعي؛ وهو أنه لا يجوز إلا بشروط:
الأول: أن يكون في ضمن مساقاة الأشجار؛ بأن تكون بين الأشجار أرض بيضاء، فتعقد فيها المزارعة تبعًا لمساقاة الأشجار.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
والثاني: أن يكون العامل في كل من المساقاة والمزارعة واحدًا.
والثالث: ألا يفصل بين المساقاة والمزارعة في العقد؛ بأن يؤتى بهما معًا؛ فلو ساقاه مثلًا على الشجر فقط، ثم زارعه على البياض .. لم تصح المزارعة؛ لأن تعدد العقد يزيل التبعية.
والرابع: ألا يقدم المزارعة على المساقاة في العقد.
والخامس: أن يكون إفراد النخل بالسقي وإفراد البياض بالعمارة متعسرًا.
والسادس: أن يكون البذر في المزارعة مشروطًا على المالك لا على العامل.
واشترط بعض الشافعية شرطًا سابعًا؛ وهو أن يكون بياض الأرض قليلًا بالنسبة إلى الأرض المغروسة فيها الأشجار، ولكن الأصح عندهم عدم الاشتراط، راجع لتفصيل هذه الشروط "منهاج النووي" وشرحه "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (2/ 323 إلى 325).
والرابع: مذهب مالك؛ وهو أن المزارعة لا تجوز إلا في ضمن المساقاة بشرط ألا تزيد الأرض البيضاء على ثلث الأرض المغروسة فيها الأشجار، راجع "موطأ الإمام مالك" مع "شرحه" للزرقاني (3/ 370).
فالفرق بين مذهب الشافعي ومذهب مالك يسير جدًّا؛ لأن كليهما يشترطان لجواز المزارعة أن تكون في ضمن المساقاة، إلا أن مالكًا يشترط أن تكون الأرض البيضاء أقل من الثلث، ولا يشترط الشافعي ذلك في الأصح من مذهبه.
وبالجملة: فالمزارعة بحصة شائعة من الخارج ممنوعة عند أبي حنيفة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
والشافعي ومالك، غير أن الشافعي ومالكًا رحمهما الله تعالى يقولان بجوازها في ضمن المساقاة على شروط وتفاصيل عندهما.
ولا يقول أبو حنيفة بجوازها ولو في ضمن المساقاة؛ لأن المساقاة عنده غير جائزة، واستدل هؤلاء الفقهاء على عدم جواز المزارعة بالأحاديث التي وردت في منعها؛ وهي حديث رافع بن خديج، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر، وأبي هريرة، وزيد بن ثابت، وثابت بن الضحاك رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وسيأتي متن أكثرها في هذا الباب من الكتاب؛ يعني: من "مسلم".
وأما القائلون بجواز المزارعة .. فاستدلوا بما سيأتي في كتاب المساقاة والمزارعة في "صحيح مسلم" عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من تمر أو زرع.
وأجاب الشافعية والمالكية رحمهم الله تعالى بأن المزارعة ها هنا كانت في ضمن المساقاة، وهي جائزة عندهم.
وأما أبو حنيفة رحمه الله تعالى .. فأجاب عن أحاديث المزارعة بخيبر بأنها لم تكن مزارعة، وإنما أقر النبي صلى الله عليه وسلم يهود خيبر على أراضيهم بأن يؤدوا شطر الخارج منها؛ كخراج المقاسمة وللإمام في الأرض الممنون بها على أهلها الخيار؛ إن شاء .. جعل عليها خراج الوظيفة، وإن شاء .. جعل عليها خراج المقاسمة، ولكن هذا التأويل غير سائغ في واقعة خيبر؛ لأن خراج المقاسمة إنما كان يمكن إذا كانت الأرض مملوكة للكفار، وأما إذا كانت للمسلمين .. فلا يجعل فيها الخراج، وكانت أرض خيبر مملوكة للمسلمين، وتدل على هذه روايات كثيرة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وبالجملة: فالقول بجواز المزارعة هو القول المنصور بالأحاديث وتعامل الأمة المتواتر، وأما الأحاديث الواردة في النهي عن المزارعة .. فلا تخلو من أمرين؛ إما هي تتعلق بصورة مخصوصة من المزارعة؛ وهو دفع الأرض بقدر مسمىً غير شائع من الخارج، وإما هي محمولة على الإرشاد والمشورة دون الحرمة، والدليل قائم على كل من التأويلين.
فتبين من الأحاديث الواردة في المزراعة وكراء الأرض أن كلًّا منهما في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بصورة مخصوصة؛ وهي أن رب الأرض كان يعين حصة الأرض، فيشترط خارجها لنفسه، ونهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه غررًا لا يدرى أيخرج منها أو من أرض سواها أو لا، ولا يدرى كم يخرج من كل حصة، وكانوا يطلقون على هذه المعاملة أسماء كراء الأرض والمزارعة والمخابرة والمحاقلة، فوقع النهي عن جميعها مطلقًا، جريًا على عرف ذلك الزمان، ولم تكن هذه الأسماء في أحاديث النهي تشمل كراء الأرض بالنقود ولا المزارعة بحصة شائعة من الخارج.
وأما بعض الأحاديث التي ورد فيها التصريح بالنهي عن المزارعة بالثلث أو الربع .. فمحمول على التنزيه والإرشاد؛ وهي ما أخرجه أبو داوود عن رافع بن خديج قال: كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أن بعض عمومته أتاه، فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعًا، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا، قال: قلنا: وما ذاك؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له أرض .. فليزرعها، أو ليزرعها أخاه ولا يكارها بثلث ولا ربع ولا طعام مسمىً".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وقد ثبت عن غير واحد من الصحابة أن هذا النهي لم يكن للتحريم، وإنما كان للإرشاد والتنزيه.
ومما يدل على ذلك ما أخرجه النسائي (2/ 151) من طريق إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن رافع بن خديج قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على أرض رجل من الأنصار قد عرف أنه محتاج، فقال:"لمن هذه الأرض؟ " قال: لفلان أعطانيها بالأجرة، فقال:"لو منحها أخاه"، فأتى رافع الأنصاري، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاكم عن أمر كان لنا نافعًا، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفع لكم.
فتبين من هذه الرواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو منحها أخاه" يعني: كان خيرًا، فحمله رافع على النهي، فقد أخرج أبو داوود والنسائي عن عروة بن الزبير قال: قال زيد بن ثابت: يغفر الله لرافع بن خديج، أنا والله، أعلم بالحديث منه، إنما أتاه رجلان من الأنصار وقد اقتتلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن كان هذا شأنكم .. فلا تكروا المزارع"، فسمع رافع قوله:"لا تكروا المزارع"، فحدث به.
وأخرج أبو داوود والترمذي والنسائي عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عمر يقول: ما كنا نرى بالمزارعة بأسًا حتى سمعت رافع بن خديج يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه، فذكرته لطاووس، فقال: قال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه، ولكن قال: لأن يمنح أحدكم أرضه أخاه .. خير له من أن يأخذ منه خرجًا معلومًا.
فهؤلاء فقهاء الصحابة والتابعين لم يقبلوا عموم النهي في أحاديث رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه. انتهى من "التكملة".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال القرطبي: ثم إن ابن عمر ترك ذلك لما بلغه حديث رافع بن خديج ترك ورع وتقية، لا أنه جزم بالتحريم، ويظهر من قوله التوقف في حديث رافع، لكنه غلب حكم الورع فعمل على عادته رضي الله تعالى عنه.
وبالجملة: فحديث رافع بن خديج مضطرب غاية الاضطراب؛ كما وقع في "صحيح مسلم" وفي غيره من كتب الحديث، فينبغي ألا يعتمد عليه.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ثلاثة أحاديث:
الأول للاستدلال، والأخيران للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم