الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
منها بنفسه ويطعم صديقًا، حالة كونه غير متخذ منها مالًا؛ أي: مالًا مملوكًا له منها في أكله وإطعامه منها، والمراد: أنه لا يتملك شيئًا من رقابها، قاله القسطلاني، وقال القاري: أي: غير مدخر منها؛ يعني: لا يجوز أن يكون أكله وإطعامه على وجه التمول والتمليك وتكثير المال، وإنما يكون المعتاد في أكله وإطعامه. انتهى من "الكوكب".
تتمة
قوله: (فتصدق بها عمر على ألا يباع أصلها ولا يوهب
…
) إلى آخره، كذا وقع لأكثر الرواة، وظاهره أن هذا الشرط من كلام عمر رضي الله تعالى عنه، ولكن وقع في بعض الروايات الأخرى ما ظاهره أنه كان من كلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ فمنها: ما أخرجه البخاري في الوصايا، في باب قوله تعالى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} (1)، من طريق صخر بن جويرية عن نافع، وفيه:(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ولكن ينفق ثمره").
ومنها: ما أخرجه الطحاوي من طريق أبي عاصم وسعيد بن سفيان الجحدري عن ابن عون عن نافع، وفيه:(قال: "إن شئت .. حبست أصلها لا تباع ولا توهب") قال أبو عاصم: وأراه قال: (لا تورث)، ذكره في "شرح معاني الآثار"، في كتاب الهبة والصدقة، باب الصدقات الموقوفات (2/ 207).
ومنها: ما أخرجه الطحاوي أيضًا، والبيهقي في "سننه"(6/ 160) من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع، وفيه:(فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "تصدق بثمره، واحبس أصله لا يباع ولا يورث") ولفظ
(1) سورة النساء: (6).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الطحاوي: "تصدق به؛ تقسم ثمره، وتحبس أصله لا تباع ولا تورث" فهؤلاء الأربعة: صخر بن جويرية، وأبو عاصم، وسعيد الجحدري، ويحيى بن سعيد الأنصاري .. كلهم يجعلون هذا الشرط من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولا مانع من أن يكون من كلامهما جميعًا، فذكر بعض الرواة ما لم يذكره الآخر، والظاهر: أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي بين هذا الشرط أولًا، فلما وقف عمر رضي الله تعالى عنه أرضه فعلًا .. ذكر هذا الشرط في وقفه، والله تعالى أعلم.
قوله: (فتصدق عمر في الفقراء
…
) إلى آخره، ظاهره أنه وقف أرضه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ربما يشكل عليه ما أخرجه أبو داوود في رقم (2879) من كتاب هذا الوقف لعمر، وفيه: أن كاتب هذا الوقف لعمر هو معيقيب، وهذا يقتضي أن عمر إنما كتب كتاب وقفه في خلافته؛ لأن معيقيبًا كان كاتبه في زمن خلافته، وقد وصفه فيه بأنه أمير المؤمنين.
وجمع بينهما الحافظ في "الفتح"(5/ 301) بأنه يحتمل أن يكون وقفه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم باللفظ، وتولى هو بنفسه النظر عليه إلى أن حضرته الوصية، فكتب حينئذ الكتاب، ويحتمل أن يكون آخر وقفيته، ولم يقع منه قبل ذلك إلا استشارته في كيفيته.
وقد روى الطحاوي وابن عبد البر من طريق مالك عن ابن شهاب، قال: قال عمر: لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. لرددتها، فهذا يشعر بالاحتمال الثاني، وأنه لم ينجز الوقف إلا عند وصيته.
وقد يقال: يستبعد من مثل عمر رضي الله تعالى عنه أن يؤخر ما أشار به
(22)
- 2357 - (2) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ،
===
النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخر حياته، والظاهر أنه لم يؤخر الوقف، وإنما أخر كتابته، وأما ما رواه الطحاوي وابن عبد البر .. فعلى تقدير صحته، فإنه من مرسل ابن شهاب، يحتمل أن يكون عمر يرى أن مثل هذا الوقف يجوز فيه الرجوع؛ كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى، ويحتمل أن يكون مراده: أني لو لم أعمل بنيتي في الوقف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لرجعت في نيتي ولما وقفته، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في مواضع كثيرة؛ منها: كتاب الشروط، باب الشروط في الوقف، وكتاب الوصايا، وكتاب الأيمان، ومسلم في كتاب الوصية، باب الوقف، وأبو داوود في كتاب الوصايا، باب ما جاء في الرجل يوقف الوقف، والترمذي في كتاب الأحكام، باب في الوقف، والنسائي في كتاب الإحباس، باب كيف يكتب الحبس، وأحمد في "المسند".
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث عمر رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(22)
-2357 - (2)(حدثنا محمد) بن يحيى (بن أبي عمر العدني) المكي، ويقال: إن أبا عمر كنية يحيى، صدوق صنف "المسند"، وكان لازم ابن عيينة، لكن قال أبو حاتم: كانت فيه غفلة، من العاشرة، مات سنة ثلاث وأربعين ومئتين (243 هـ). يروي عنه:(م ت س ق).
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّ الْمِئَةَ سَهْمٍ الَّتِي بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهَا وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "احْبِسْ أَصْلَهَا
===
(حدثنا سفيان) بن عيينة، ثقة، من الثامنة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة (198 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري أبي عثمان المدني، ثقة ثبت، من الخامسة، مات سنة بضع وأربعين ومئة (143 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن نافع) مولى ابن عمر، ثقة، من الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومئة، أو بعد ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما.
(قال) ابن عمر: (قال عمر بن الخطاب) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته؛ لأنه من مسندات عمر، وحكمه: الصحة؛ لأنَّ رجاله ثقات أثبات.
(يا رسول الله؛ إن المئة سهم) أي: إن السهام المئة (التي) أخذتها (بخيبر) حيث قسمت الغنيمة بين المسلمين، وجملة قوله:(لم أصب) خبر إن في قوله: إن المئة سهم؛ أي: إن تلك السهام لم أصب أنا (مالًا قط) أي: لم آخذ أنا قط مالًا (هو أحب إلي منها) أي: من تلك السهام المئة (وقد أردت) أي: قصدت (أن أتصدق بها) أي: بتلك السهام المئة في سبيل الله تعالى (فقال) لي (النبي صلى الله عليه وسلم: احبس أصلها) أي: أرضها
وَسَبِّلْ ثَمَرَهَا".
(22)
- 2357 - (م) قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: (فَوَجَدْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي كِتَابِي عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ،
===
وشجرها في سبيل الله؛ من الحبس؛ وهو الوقف؛ أي: اجعلها محبوسة في سبيل الله لا تباع ولا توهب ولا تورث.
(وسبل ثمرها) قال السندي: أي: اجعل ثمرتها في سبيل الله؛ أي: في طاعة الله؛ من التسبيل؛ وهو الإباحة؛ أي: أبحها للفقراء والمساكين؛ كأنك جعلت عليها طريقًا مطروقة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث بلفظ عبيد الله: النسائي في كتاب الإحباس، باب حبس المتاع.
فدرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عمر، فقال رحمه الله تعالى:
(22)
-2357 - (م)(قال) لي شيخي محمد (بن أبي عمر) بعدما حدثني الحديث السابق: (فوجدت هذا الحديث) الذي حدثتكه عن سفيان عن عبيد الله عن نافع؛ أي: وجدته (في موضع آخر في كتابي) أي: من كتابي وثبتي؛ أي: وجدته بلفظ (عن سفيان، عن عبد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبي عبد الرحمن العمري المدني، ضعيف عابد، من السابعة، مات سنة إحدى وسبعين ومئة (171 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(م عم).
عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ).
===
(عن نافع، عن ابن عمر قال: قال) والدي (عمر) بن الخطاب.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف، غرضه: بيان متابعة عبد الله بن عمر بن حفص لعبيد الله بن عمر بن حفص في الرواية عن نافع.
(فذكر) عبد الله (نحوه) أي: نحو حديث عبيد الله؛ أي: قريبه لفظًا ومعنىً.
وحديث عبد الله انفرد به ابن ماجه، فهو ضعيف؛ لضعف سنده؛ لأن فيه عبد الله بن عمر بن حفص، فهو ضعيف (2)(247)، وغرضه: بيان المتابعة؛ كما مر آنفًا.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ثلاثة أحاديث:
الأول للاستدلال، والثاني للاستشهاد، والثالث للمتابعة.
والله سبحانه وتعالى أعلم