الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُل يَطْلُبُ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم بدَيْنٍ أَوْ بِحَقٍّ، فَتَكَلَّمَ بِبَعْضِ الْكَلَامِ،
===
(عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
تتمة
قالوا حنش: هذا لقب لحسين بن قيس الرحبي أبي علي الواسطي، وهو متروك، من السادسة. يروي عنه:(ت ق). انتهى "تقريب".
وسليمان بن طرخان من الرابعة، فكيف يروي عن حسين بن قيس الملقب بحنش، وهو من السادسة، وبينهما مسافة؟ ! والصواب ما قلنا، فتدبر فيه.
ولم أر من ذكر حسين بن قيس الملقب بحنش فيمن روى عن عكرمة البربري.
(قال) ابن عباس: (جاء رجل) حالة كونه (يطلب نبي الله صلى الله عليه وسلم بدين) له عليه (أو) قال ابن عباس: يطلبه (بحق) له عليه، والمعنى واحد، والشك من عكرمة أو ممن دونه (فتكلم) ذلك الرجل في طلبه (ببعض الكلام) الشديد الغليظ الذي لا يليق أن يخاطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية مسلم في حديث أبي هريرة: (فأغلظ) أي: ذلك الرجل وشدد في الطلب (له) صلى الله عليه وسلم بدينه؛ أي: عنفه ولم يرفق به في طلب حقه منه، ولم أر من ذكر اسمه، ولعله كان من جفاة العرب، أو ممن لم يتمكن الإيمان في قلبه. انتهى من "المرقاة".
وليس المعنى: أنه تكلم بكلام مؤذ له صلى الله عليه وسلم؛ فإن ذلك كفر.
ويحتمل أن يكون ذلك الرجل يهوديًا؛ فإن اليهود كانوا أكثر من يعامل بالدين، قيل: إن الكلام الذي أغلظ فيه هو أنه قال: (يا بني عبد المطلب؛
فَهَمَّ صَحَابَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَهْ؛ إِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ لَهُ سُلْطَان عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يَقْضِيَهُ".
===
إنكم مطل)، وكذب اليهودي؛ فإنه لم يكن في أجداده صلى الله عليه وسلم ولا في أعمامه من هو كذلك، بل هم أهل الكرم والوفاء، ويبعد أن يكون هذا القائل مسلمًا؛ إذ مقابلة النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إذاية له، وإذايته كفر، كذا في "شرح الأبي على مسلم".
(فهم) أي: قصد (صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم به) أي: بذلك الرجل؛ أي: قصدوا أن يأخذوه؛ ليزجروه ويؤذوه بقول أو فعل، لكن لم يفعلوا تأدبًا معه صلى الله عليه وسلم، قاله علي القاري في "المرقاة".
(فقال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم مخاطبًا لأحدهم مريدًا به كلهم: (مه) أي: اكففوا عنه ولا تتعرضوا له بسوء في قول ولا في فعل.
وفي رواية البخاري: (دعوه) أي: اتركوه ولا تعزروه على ما قال، ولم ترد هذ؛ اللفظة ولا لفظة ابن ماجه في رواية مسلم، ولكنها في رواية البخاري واردة رقم (2306).
وفي هذه اللفظة منه صلى الله عليه وسلم دليل على حسن خلقه وحلمه وقوة صبره على الجفاء مع القدرة على الانتقام.
(إن صاحب الدين) والحق (له سلطان) وسيطرة في الكلام (على صاحبه) وغريمه؛ يعني: المدين (حتى يقضيه) ويؤديه دينه؛ أي: له صولة الطلب وقوة الحجة، لكن على من يمطل أو يسيء المعاملة.
وأما من أنصف من نفسه، فبذل ما عنده، واعتذر عما ليس عنده، فيقبل عذره ولا تجوز الاستطالة عليه واستقباله بالكلام الفاحش؛ يعني: أن الدائن معذور في بعض التغليظ عند طلب الحق.
(51)
- 2386 - (2) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ أَبُو شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَظُنُّهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ،
===
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه؛ ولكن له شاهد في "الصحيحين" وغيرهما من حديث أبي هريرة.
فدرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده؛ كما مر آنفًا، ولأن له شاهدًا؛ كما مر آنفًا، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عباس بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(51)
- 2386 - (2)(حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن محمد) بن إبراهيم (بن عثمان أبو شيبة) كنية إبراهيم بن عبد الله شيخ المؤلف، العبسي الكوفي، صدوق، من الحادية عشرة، مات سنة خمس وستين ومئتين (265 هـ). يروي عنه:(س ق).
(حدثنا) محمد (بن أبي عبيدة) عبد الملك بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود المسعودي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة خمس ومئتين (205 هـ). يروي عنه:(م د س ق).
قال إبراهيم بن عبد الله شيخ المؤلف: (أظنه) أي: أظن شيخي محمد بن أبي عبيدة (قال: حدثنا أبي) عبد الملك بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود أبو عبيدة الكوفي الهذلي المسعودي، ثقة، من السابعة. يروي عنه:(م د س ق).
(عن) سليمان (الأعمش) ثقة، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَقَاضَاهُ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ لَهُ: أُحَرِّجُ عَلَيْكَ إِلَّا قَضَيْتَنِي؛ فَانْتَهَرَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا: وَيْحَكَ! تَدْرِي مَنْ تُكَلِّمُ؟
===
(عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني.
(عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك رضي الله عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة، لأن رجاله ثقات.
(قال) أبو سعيد: (جاء أعرابي) أي: شخص من سكان البوادي (إلى النبي صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يتقاضاه) أي: يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم (دينًا كان له عليه) صلى الله عليه وسلم؛ أي: يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم قضاء دين كان له على النبي صلى الله عليه وسلم (فاشتد) ذلك الرجل الطلب (عليه) فأغلظ الكلام عليه (حتى قال) ذلك الرجل (له) صلى الله عليه وسلم (أحرج) وأضيق (عليك) الطلب وأُشدِّدُه عليكَ في جميع الأحوال (إلا قضيتني) أي: إلَّا في حال قضائك وأدائك إياي ديني.
فالاستثناء من أعم الأحوال، أو من أعم الأوقات؛ والمعنى حينئذ: أحرج عليك الطلب في جميع الأحوال إلا في حالة قفائك ديني، فإلا استثنائية من العموم (فانتهره) أي: فانتهر ذلك الرجل وزجره وخوفه (أصحابه) صلى الله عليه وسلم من التحريج في الطلب والقول (وقالوا) أي: وقال أصحابه صلى الله عليه وسلم للرجل في الزجر والانتهار والتخويف: (ويحك) أي: ألزمك الله الرحمة أو الهلاك؛ والويح: كلمة تقال من وقع في هلكة، أو لمن يستحق دعاء الرحمة له؛ لوقوعه في هلكة.
أ (تدري) وتعلم قدر (من تكلمـ) ـه وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
قَالَ: إِنِّي أَطْلُبُ حَقِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"هَلَّا مَعَ صَاحِبِ الْحَقِّ كُنْتُمْ"، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، فَقَالَ لَهَا:"إِنْ كَانَ عِنْدَكِ تَمْرٌ فَأَقْرِضِينَا حَتَّى يَأْتِيَنَا تَمْرُنَا فَنَقْضِيَكِ"، فَقَالَتْ: نَعَمْ، بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَأَقْرَضتْهُ،
===
والكلام على تقدير همزة الاستفهام الإنكاري التوبيخي؛ كما قدرناه آنفًا، ولو علمته .. لخاطبته خطاب المتأدب معه، لا خطاب الفاحش المتفحش؟ ! فـ (قال) الرجل لهم:(إني أطلب حقي) منه، فلا لوم عليَّ في سَلَطة لساني في طلب حقي منه (فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:("هلا مع صاحب الحق كنتم") بالمساعدة والمناصرة له عليَّ في طلب حقه؛ هلا هنا للتحضيض، وهو الطلب بحث وإزعاج، أراد حثهم على القيام مع صاحب الحق إلى أن يصل إليه حقه.
(ثم) بعدما حثهم على القيام مع صاحب الحق بالمناصرة له (أرسل) النبي صلى الله عليه وسلم (إلى خولة بنت قيس) ابن فهر بن ثعلبة بن عبيد الأنصارية النجارية، زوجة حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنها، ثم تزوجها بعده رجل من الأنصار، (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (لها) أي: لخولة بنت قيس بواسطة من أرسله إليها (إن كان) ووُجد (عندكِ تمر .. فأقرضينا (5) حتى يأتينا تمرنا) ويدركنا بنضجه (فنقضيك) أي: فنؤديك بدل ما أَقرضْتِنا من تمرنا إذا أدرك وقطف.
(فقالت) خولة بنت قيس لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) يوجد عندنا تمر يا رسول الله، (بأبي أنت) أي: أنت مفدي بأبي من كل مكروه (يا رسول الله، قال) أبو سعيد الخدري: (فأقرضته) صلى الله عليه وسلم أي: أقرضت خولة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تمرًا يساوي قدر دين الأعرابي
فَقَضى الْأَعْرَابِيَّ وَأَطْعَمَهُ، فَقَالَ: أَوْفَيْتَ، أَوْفَر، اللهُ لَكَ، فَقَالَ:"أُولَئِكَ خِيَارُ النَّاسِ؛ إِنَّهُ لَا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لَا يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ".
===
(فقضى الأعرابيَّ وأطعمه) أي: أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي زيادةً على قدر دينه؛ أي: أعطاه زائدًا على حقه طعمةً له.
(فقال) الأعرابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوفيت) وأديت وقضيت لي ديني يا محمد كاملًا وافيًا (أوفى الله) تعالى؛ أي: كمل الله تعالى الك) حوائجك كلها كما أوفيتني حقي.
(فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أولئك) الموفون لحقوق الناس ويؤدونها إلى أصحابها هم (خيار الناس) وأفاض سلهم؛ (إنه) أي: إن الشأن والحال (لا قُدِّسَتْ) ولا طهرتْ من الذنوب (أُمَّةٌ) أي: قوم (لا يأخذ الضعيفُ فيها) أي: في تلك الأمة (حقَّه) من القوَيِّ، حالة كونه (غيرَ مُتَعْتَع) أي: غيرَ مُتْعَب ولا مُزْعَج ولا مصاب بأذىً، قليلًا كان أو كثيرًا. انتهى.
قال السندي: قوله: (أحرج عليك) من التحريج بمعنى التضييق؛ أي: أضيق عليك إلا وقت قضائك ديني، والأقرب أنا، من باب اجتماع إن الشرطية ولا النافية.
قلت: وليس كذلك، كما مر بيانه.
(فانتهر) أي: زجره، (هلا مع صاحب الحق كنتم) حثهم على القيام مع صاحب الحق إلى أن يصل إليه حقه، (وأطعمه) أي: أعطاه زائدًا على حقه طعمةً له (لا قدست) من التقديس؛ وهو التطهير من الذنوب، والظاهر أنه دعاء عليهم؛ فإنَّ كلمةَ (لا) لا تدخل على الماضي في غير الدعاء إلا مكررةً غالبًا؛ مثل قوله تعالى:{فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} (1).
(1) سورة القيامة: (31).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
(غير مُتَعْتَع) بفتح التاء الثانية، على صيغة اسم المفعول؛ من تعتع الرباعي، من باب زلزل؛ أي: من غير أن يصيبه أذىً يقلقه ويزعجه، وغير منصوب على الحالية من الضعيف. انتهى منه.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن أخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد جيد، والبيهقي، وأبو يعلى في "مسنده"، وابن أبي شيبة في "مصنفه"، والمنذري في "الترغيب والترهيب"، والبزار من حديث عائشة مطولًا. انتهى منه.
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده ولأن له شواهد، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين:
الأول للاستدلال، والثاني للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم