الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(30) - (820) - بَابٌ: الرَّهْنُ مَرْكوبٌ وَمَحْلُوبٌ
(65)
- 2400 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الظَّهْرُ يُرْكَبُ
===
(30)
- (820) - (باب: الرهن مركوب ومحلوب)
(65)
- 2400 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي.
(عن زكريا) ابن أبي زائدة خالد بن ميمون بن فيروز، وقيل: هبيرة بن ميمون الهمداني الوادعي أبي يحيى الكوفي، ثقة، وكان يدلس، وسماعه من أبي إسحاق بأخرة، من السادسة، مات سنة سبع أو ثمان أو تسع وأربعين ومئة (149 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن الشعبي) عامر بن شراحيل أبي عمرو، ثقة مشهور فقيه فاضل، من الثالثة، قال مكحول: ما رأيت أفقه منه، مات بعد المئة وله نحو ثمانين. يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الظهر) أي: ظهر الدابة (يركب) بالبناء للمجهول، وكذلك يشرب المذكور بعده، وهو خبر بمعنى الأمر؛ والمراد من الظهر: ظهر الدابة، وقيل: الظهر: الإبل القوي، يستوي فيه الواحد والجمع، ولعله سمي بذلك؛ لأنه يقصد لركوب الظهر؛ أي: يركب المرتهن ظهر الدابة المرهونة في مقابلة إنفاقه عليها إذا أنفق عليها، ولبن
إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ نَفَقَتُهُ".
===
الدر - بفتح الدال وتشديد الراء - مصدر بمعنى الدارة؛ أي: لبن البهيمة التي هي ذات الضرع، ويحتمل كون قوله:"ولبن الدر" من إضافة الشيء إلى نفسه؛ كقوله تعالى: {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} (1)، قاله الحافظ.
(إذا كان) ذلك الظهر (مرهونًا) لصاحب الدين (ولبن) ذات (الدر) يحلب و (يشرب إذا كان) صاحب الدر (مرهونًا، وعلى الذي يركب) الظهر (ويشرب) اللبن أيًّا كان، سواء كان راهنًا أو مرتهنًا (نفقته) أي: نفقة ذلك الحيوان دابةً كان أو بهيمة ذات لبن.
قيل: إن فاعل الركوب والحلب لم يتعين، فيكون الحديث مجملًا، فلا يصح الاستدلال به.
وأجيب عنه: بأنه لا إجمال، بل المراد المرتهن؛ بدليل أن انتفاع الراهن بالمرهون لأجل كونه ملكًا له؛ والمراد هنا: الانتفاع في مقابلة النفقة، وذلك يختص بالمرتهن؛ كما وقع التصريح به في بعض الروايات.
وفيه دليل على أنه يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن إذا قام بما يحتاج إليه، ولو لم يأذن له المالك، وبه قال أحمد وإسحاق والليث والحسن وغيرهم، وقال الشافعي وأبو حنيفة وجمهور العلماء: لا ينتفع المرتهن من الرهن بشيء، بل الفوائد للراهن والمؤن عليه، كذا في "النيل". انتهى من "العون".
وفي الحديث حجة من قال: يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن إذا قام بمصلحته، ولو لم يأذن له المالك، وهو قول أحمد وإسحاق وطائفة من أهل
(1) سورة ق: (9).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
العلم؛ قالوا: ينتفع المرتهن من الرهن بالركوب والحلب بقدر النفقة، ولا ينتفع بغيرهما؛ لمفهوم الحديث، وأما دعوى الإجمال في الحديث .. فقد دل بمنطوقه على إباحة الانتفاع في مقابلة الإنفاق، وهذا يختص بالمرتهن؛ لأن الحديث وإن كان مجملًا، لكنه يختص بالمرتهن، لأن انتفاع الراهن بالمرهون؛ لكونه مالك رقبته، لا لكونه منفقًا عليه، بخلاف المرتهن، وذهب الجمهور إلى أن المرتهن لا ينتفع من المرهون، وتأولوا الحديث، لكونه ورد على خلاف القياس من وجهين؛ أحدهما: التجويز لغير المالك أن يركب ويشرب بغير إذنه، والثاني: تضمينه ذلك بالنفقة لا بالقيمة.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث عند جمهور الفقهاء يرده أصول مجمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها، ويدل على نسخه حديث ابن عمر:"لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه" رواه البخاري. انتهى.
وقال الشافعي: يشبه أن يكون المراد من رهن ذات در وظهر لم يمنع الراهن من درها وظهرها، فهي محلوبة ومركوبة له؛ كما كانت قبل الرهن.
واعترضه الطحاوي؛ بما رواه هشيم عن زكريا في هذا الحديث، ولفظه: "إذا كانت الدابة مرهونة .. فعلى المرتهن علفها
…
" الحديث.
قال: فتعين أن المراد المرتهن لا الراهن، ثم أجاب عن الحديث بأنه محمول على أنه كان قبل تحريم الربا، فلما حرم الربا .. ارتفع ما أبيح في هذا للمرتهن، وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، والتاريخ في هذا متعذر، والجمع بين الأحاديث ممكن.
وقد ذهب الأوزاعي والليث وأبو ثور إلى حمله على ما إذا امتنع الراهن من الإنفاق على المرهون، فيباح حينئذٍ للمرتهن الإنفاق على الحيوان؛ حفظًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
لحياته، بشرط ألا يزيد قدر ذلك أو قيمته على قدر علفه، وهي من جملة مسائل الظفر، كذا أفاد الحافظ في "فتح الباري".
قلت: حمل الحديث على ما إذا امتنع الراهن من الإنفاق على المرهون خلاف الظاهر.
وقال في "سبل السلام": إنه تقييد للحديث بما لم يقيد به الشارع، وأما قول ابن عبد البر: يدل على نسخه حديث ابن عمر: "لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه" .. ففيه ما قال الحافظ في جواب الطحاوي؛ من أن النسخ لا يثبت بالاحتمال، والتاريخ في هذا متعذر، والجمع بين الحديثين ممكن.
وقال في "السبل": أما النسخ .. فلا بد له من معرفة التاريخ، على أنه لا يحمل عليه إلا إذا تعذر، ولا تعذر هنا؛ إذ يخص عموم النهي بالمرهونة. انتهى.
وأما قوله: بأن الحديث يرده أصول مجمع عليها وآثار ثابتة .. ففيه أن هذا الحديث أيضًا أصل من أصول الشريعة، والجمع بين هذا الأصل وتلك الأصول المجمع عليه وتلك الآثار الثابتة التي أشار إليها .. ممكن.
وأما قول الجمهور: إن الحديث ورد على خلاف القياس
…
إلى آخره .. ففيه ما قال الحافظ ابن القيم في "إعلام الموقعين": ومن ذلك قول بعضهم: إن الحديث الصحيح؛ وهو قوله: "الرهن مركوب ومحلوب، وعلى الذي يركب ويحلب النفقة" .. على خلاف القياس، فإنه جوز لغير المالك أن يركب الدابة ويحلبها، وضمنه ذلك بالنفقة .. فهو مخالف للقياس من وجهين، والصواب ما دل عليه الحديث، وقواعد الشريعة وأصولها لا تقتضي سواه؛ فإن الرهن إذا كان حيوانًا .. فهو محترم في نفسه بحق الله سبحانه، وكذالك فيه حق الملك، وللمرتهن حق الوثيقة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وقد شرع الله سبحانه الرهن مقبوضًا بيد المرتهن، فإذا كان في يده فلم يركبه ولم يحلبه .. ذهب نفعه باطلًا، وإن مكن صاحبه من ركوبه .. خرج عن يده وتوثيقه، وإن كلف صاحبه كل وقت أن يأتي ويأخذ لبنه .. شق عليه غاية المشقة ولا سيما مع بعد المسافة، وإن كلف المرتهن بيع اللبن، وحفظ ثمنه للراهن .. شق عليه، فكان بمقتضى العدل والقياس ومصلحة الراهن والمرتهن والحيوان أن يستوفي المرتهن منفعة الركوب والحلب ويعوض عنهما بالنفقة، ففي هذا جمع بين المصلحتين وتوفير الحقين؛ فإن نفقة الحيوان واجبة على صاحبه، والمرتهن إذا أنفق عليه .. أدى عنه واجبًا، وله فيه حق، فله أن يرجع ببدله، ومنفعة الركوب والحلب يصح أن يكونا بدلًا، فأخذها خير من أن تهدر على صاحبها باطلًا، ويُلزم بعوض ما أنفق المرتهن، وإن قيل للمرتهن: لا رجوع لك .. كان فيه إضرار به، ولم تسمح نفسه بالنفقة على الحيوان، فكان ما جاءت به الشريعة هو الغاية التي ما فوقها في العدل والحكمة والمصلحة شيء مختار، ثم ذكر ابن القيم كلامًا حسنًا مفيدًا، من شاء الوقوف عليه .. فليرجع إلى "الإعلام".
وقال القاضي الشوكاني في "النيل": ويجاب عن دعوى مخالفة هذا الحديث الصحيح للأصول بأن السنة الصحيحة من جملة الأصول، فلا ترد إلا بمعارض أرجح منها بعد تعذر الجمع، وعن حديث ابن عمر بأنه عام، وحديث الباب خاص، فيبنى العام على الخاص، والنسخ لا يثبت إلا بدليل يقتضي بتأخر الناسخ على وجه يتعذر معه الجمع، لا بمجرد الاحتمال مع الإمكان. انتهى كلام الشوكاني.
فالحاصل: أن حديث الباب صحيح محكم ليس بمنسوخ، ولا يرده أصل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
من أصول الشريعة، ولا أثر من الآثار الثابتة، وهو دليل صريح في جواز الركوب على الدابة المرهونة بنفقتها، وشرب لبن الدر المرهونة بنفقتها، وهو قول أحمد وإسحاق؛ كما ذكره الترمذي، وأما قياس الأرض المرهونة على الدابة المرهونة والدر المرهونة .. فقياس مع الفارق، هذا ما عندي، والله تعالى أعلم. انتهى من "تحفة الأحوذي".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الرهن، باب الرهن مركوب ومحلوب، وأبو داوود في كتاب البيوع والإجارات، باب في الرهن، والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء من الانتفاع بالرهن، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عامر الشعبي عن أبي هريرة، وقد روى غير واحد هذا الحديث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة موقوفًا، والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم: ليس له أن ينتفع من الرهن بشيء.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، ولأن له شواهد، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا هذا الحديث.
والله سبحانه وتعالى أعلم