المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(19) - (809) - باب التشديد في الدين - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ١٤

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْهِبَاتِ

- ‌(1) - (791) - بَابُ الرَّجُلِ يَنْحَلُ وَلَدَ

- ‌(2) - (792) - بَابُ مَنْ أَعْطَى وَلَدَهُ ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ

- ‌(3) - (793) - بَابُ الْعُمْرَى

- ‌(4) - (794) - بَابُ الرُّقْبَى

- ‌(5) - (795) - بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ

- ‌(6) - (796) - بَابُ مَنْ وَهَبَ هِبَةً رَجَاءَ ثَوَابِهَا

- ‌(7) - (797) - بَابُ عَطِيَّةِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا

- ‌بشارة عظيمة

- ‌كِتَابُ الصَّدَقَاتِ

- ‌(8) - (798) - بَابُ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ

- ‌(9) - (799) - بَابُ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَوَجَدَهَا تُبَاعُ هَلْ يَشْتَرِيهَا

- ‌(10) - (800) - بَابُ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ وَرِثَهَا

- ‌(11) - (801) - بَابُ مَنْ وَقَفَ

- ‌تتمة

- ‌(12) - (802) - بَابُ الْعَارِيَّةِ

- ‌(13) - (803) - بَابُ الْوَدِيعَةِ

- ‌(14) - (804) - بَابُ الْأَمِينِ يَتَّجِرُ فِيهِ فَيَرْبَحُ

- ‌(15) - (805) - بَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌(16) - (806) - بَابُ الْكَفَالَةِ

- ‌تتمة

- ‌تتمة

- ‌(17) - (807) - بَابُ مَنِ ادَّانَ دَيْنًا وَهُوَ يَنْوِي قَضَاءَهُ

- ‌(18) - (808) - بَابُ مَنِ ادَّانَ دَيْنًا لَمْ يَنْوِ قَضَاءَهُ

- ‌(19) - (809) - بَابُ التَّشْدِيدِ فِي الدَّيْنِ

- ‌(20) - (810) - بَابٌ: مَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا .. فَعَلَى اللهِ وَعَلَى رَسُولِهِ

- ‌(21) - (811) - بَابُ إِنْظَارِ الْمُعْسِرِ

- ‌فائدة

- ‌(22) - (812) - بَابُ حُسْنِ الْمُطَالَبَةِ وَأَخْذِ الْحَقِّ فِي عَفَافٍ

- ‌(23) - (813) - بَابُ حُسْنِ الْقَضاءِ

- ‌(24) - (814) - بَابٌ: لِصَاحِبِ الْحَقِّ سُلْطَانٌ

- ‌تتمة

- ‌(25) - (815) - بَابُ الْحَبْسِ فِي الدَّيْنِ وَالْمُلَازَمَةِ

- ‌(26) - (816) - بَابُ الْقَرْضِ

- ‌(27) - (817) - بَابُ أَدَاءِ الدَّيْنِ عَنِ الْمَيِّتِ

- ‌(28) - (818) - بَابٌ: ثَلَاثٌ مَنِ ادَّانَ فِيهِنَّ .. قَضَى اللهُ عز وجل عَنْهُ

- ‌كتاب الرّهون

- ‌(29) - (819) - بَابُ رَهْنِ الدِّرْعِ

- ‌فائدة

- ‌(30) - (820) - بَابٌ: الرَّهْنُ مَرْكوبٌ وَمَحْلُوبٌ

- ‌(31) - (821) - بَابُ لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ

- ‌(32) - (822) - بَابُ أَجْرِ الْأُجَرَاءِ

- ‌(33) - (823) - بَابُ إِجَارَةِ الْأَجِيرِ عَلَى طَعَامِ بَطْنِهِ

- ‌(34) - (824) - بَابُ الرَّجُلِ يَسْتَقِي كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ وَيَشْتَرِطُ جَلْدَةً

- ‌(35) - (825) - بَابُ الْمُزَارَعَةِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ

- ‌(36) - (826) - بَابُ كِرَاءِ الْأَرْضِ

- ‌(37) - (827) - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ

- ‌(38) - (828) - بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْمُزَارَعَةِ

- ‌(39) - (829) - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الْمُزَارَعَةِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ

- ‌(40) - (830) - باب اسْتِكْرَاءِ الْأَرْضِ بِالطَّعَامِ

- ‌(41) - (831) - بَابُ مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ

- ‌كتابُ المساقاة

- ‌(42) - (832) - بَابُ مُعَامَلَةِ النَّخِيلِ وَالْكُرُومِ

- ‌فائدة

- ‌(43) - (833) - بَابُ تَلْقِيحِ النَّخْلِ

- ‌(44) - (834) - بَابٌ: الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ

- ‌(45) - (835) - بَابُ إِقْطَاعِ الْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ

- ‌(46) - (836) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ

- ‌(47) - (837) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ

- ‌(48) - (838) - بَابُ الشُّرْبِ مِنَ الْأَوْدِيَةِ وَمِقْدَارِ حَبْسِ الْمَاءِ

- ‌(49) - (839) - بَابُ قِسْمَةِ الْمَاءِ

- ‌(50) - (840) - بَابُ حَرِيمِ الْبِئْرِ

- ‌(51) - (841) - بَابُ حَرِيمِ الشَّجَرِ

- ‌(52) - (842) - بَابُ مَنْ بَاعَ عَقَارًا وَلَمْ يَجْعَلْ ثَمَنَهُ فِي مِثْلِهِ

- ‌كتاب الشُّفْعة

- ‌(53) - (843) - بَابُ مَنْ بَاعَ رِبَاعًا .. فَلْيُؤْذِنْ شَرِيكَهُ

- ‌(54) - (844) - بَابُ الشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ

- ‌(55) - (845) - بَابٌ: إِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ .. فَلَا شُفْعَةَ

- ‌(56) - (846) - بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ

- ‌كتابُ اللُّقَطة

- ‌(57) - (847) - بَابُ ضَالَّةِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ

- ‌(58) - (848) - بَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌(59) - (849) - بَابُ الْتِقَاطِ مَا أَخْرَجَ الْجُرَذُ

- ‌(60) - (850) - بَابُ مَنْ أَصَابَ رِكَازًا

- ‌كتابُ العتق

- ‌(61) - (851) - بَابُ الْمُدَبَّرِ

- ‌تتمة

- ‌(62) - (852) - بَابُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ

- ‌(63) - (853) - بَابُ الْمُكَاتَبِ

- ‌(64) - (854) - بَابُ الْعِتْقِ

- ‌(65) - (855) - بَابٌ: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ .. فَهُوَ حُرٌّ

- ‌(66) - (856) - بَابٌ: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَاشْتَرَطَ خِدْمَتَهُ

- ‌(67) - (857) - بَابٌ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ

- ‌(68) - (858) - بَابٌ: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ

- ‌(69) - (859) - بَابُ عِتْقِ وَلَدِ الزِّنَا

- ‌(70) - (860) - بَابُ مَنْ أَرَادَ عِتْقَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ .. فَلْيَبْدَأْ بِالرَّجُلِ

الفصل: ‌(19) - (809) - باب التشديد في الدين

(19) - (809) - بَابُ التَّشْدِيدِ فِي الدَّيْنِ

(37)

- 2372 - (1) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ،

===

(19)

- (809) - (باب التشديد في الدين)

(37)

- 2372 - (1)(حدثنا حميد بن مسعدة) بن المبارك السامي - بالمهملة - البصري، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربع وأربعين ومئتين (244 هـ). يروي عنه:(م عم).

(حدثنا خالد بن الحارث) بن عُبيد بن سُليم الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة ثبت، من الثامنة، مات سنة ست وثمانين ومئة (186 هـ). يروي عنه (ع).

(حدثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري، ثقة، من السادسة، مات سنة ست، وقيل: سبع وخمسين ومئة. يروي عنه: (ع).

(عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من الرابعة، مات سنة بضع عشرة ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن سالم بن أبي الجعد) رافع الغطفاني الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة، وكان يرسل كثيرًا، من الثالثة، مات سنة سبع أو ثمان وتسعين (98 هـ)، وقيل: مئة، أو بعد ذلك. يروي عنه:(ع).

(عن معدان بن أبي طلحة) ويقال: ابن طلحة اليَعْمَرِي - بفتح التحتانية والميم بينهما عين ساكنة مهملة - شامي، ثقة، من الثانية. يروي عنه:(م عم).

ص: 119

عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ فَارَقَ الرُّوحُ الْجَسَدَ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ثَلَاثٍ .. دَخَلَ الْجَنَّةَ؛ مِنَ الْكِبْرِ وَالْغُلُولِ

===

(عن ثوبان) بن بُجْدَدٍ الهاشمي مولاهم (مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه صَحِب النبيَّ صلى الله عليه وسلم ولازمه في حياته، ونزل بعده الشام، ومات بحمص سنة أربع وخمسين (54 هـ). يروي عنه: (م عم).

وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من فارق الروح) بالرفع على الفاعلية (الجسد) بالنصب على المفعولية؛ أي: من فارق روحه جسده (وهو بريء) أي: والحال أنه بريء (من ثلاث) خصال .. (دخل الجنة) أولًا.

وقوله: (من الكبر

) إلى آخره .. بدل من ثلاث، بدل تفصيل من مجمل، قوله:"من الكبر" بكسر الكاف وسكون الموحدة وبالراء.

(والغلول) وهو ما يأخذه أحد الغزاة من الغنيمة مختصًا به ولا يُحضِرُه إلى أميرِ الجيش ليقسمه بين الغزاة، سواء قل أو كثر، وسواء كان الآخذ أمير الجيش أو أحدهم.

واختلف العلماء في الطعام والعَلُوفة ونحوهما اختلافًا كثيرًا، قاله المنذري في "الترغيب".

وقال الجزري في "النهاية": الغلول: الخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة قبل القسمة، وكل من خان في شيء خفيةً .. فقد غَلَّ.

وسميت غلولًا؛ لأن الأيدي فيها مغلولة؛ أي: ممنوعة مجعول فيها غل؛ وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه، ويقال لها: جامعة أيضًا. انتهى.

ص: 120

وَالدَّيْنِ".

===

(والدين) بفتح الدال المهملة وسكون التحتية.

(دخل الجنة) يفهم منه أن من مات وهو ليس بريئًا من هذه الثلاث .. لا يدخل الجنة أصلًا إن استحلها، أو ابتداءً حتى يعاقب عليها إن لم يستحلها.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب السير، باب ما جاء في الغلول، والبيهقي، والدارمي في كتاب البيوع، باب ما جاء في التشديد في الدين، والحاكم في "المستدرك" في كتاب البيوع، وأحمد في "مسنده".

قوله: "من الكِبْرِ والغلول والدين " قال الترمذي بعد تخريج هذا الحديث: هكذا قال سعيد (الكَنْزِ) - بفتح الكاف وسكون النون وزاي معجمة - وقال أبو عوانة في حديثه: (الكبر) - بكسر الكاف وسكون الموحدة وراء مهملة - قال: ورواية سعيد أصح.

وقال الحافظ أبو الفضل العراقي: المشهور في الرواية بالباء الموحدة والراء، وذكره ابن الجوزي في "مجمع الأسانيد" عن الدارقطني أنه (الكنز) - بالنون والزاي - لما ذكره ابن مردويه في "تفسيره":{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} (1). انتهى.

قلت: فالكبر - بالباء الموحدة - بمعنى التكبر والعلو، قال تعالى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ

} والآية.

وهذا هو الموافق لما بعده؛ إذ الكلام فيما يتعلق بالأموال.

والغلول - بضمتين -: الخيانة في الغنيمة، و (الدين) - بفتح الدال - معروف. انتهى "سندي".

(1) سورة التوبة: (34).

ص: 121

(38)

- 2373 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ الْعُثْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ،

===

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب.

فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

* * *

ثم استشهد المؤلف لحديث ثوبان بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(38)

- 2373 - (2)(حدثنا أبو مروان) محمد بن عثمان بن خالد الأموي (العثماني) المدني، نزيل مكة، صدوق يخطئ، من العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين ومئتين (241 هـ). يروي عنه:(س ق).

(حدثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة حجة، من الثامنة، مات سنة خمس وثمانين ومئة (185 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري المدني قاضيها، ثقة فاضل عابد، من الخامسة، مات سنة خمس وعشرين ومئة (125 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).

(عن عمر بن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني قاضيها، صدوق يخطئ، من السادسة، قتل بالشام سنة اثنتين وئلاثين ومئة (132 هـ) مع بني أمية. يروي عنه:(عم).

(عن أبيه) أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، ثقة ثبت، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين، أو أربع ومئة. يروي عنه:(ع).

ص: 122

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضى عَنْهُ".

===

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نفس المؤمن معلقة) أي: محبوسة عن مقامها الكريم (بـ) سبب (دينه) الذي مات وهو عليه (حتى يقضى) بالبناء للمفعول؛ أي: حتى يوفى (عنه) ذلك الدين. انتهى منه.

قوله: "نفس المؤمن معلقة" قال السيوطي: أي: محبوسة عن مقامها الكريم.

وقال العراقي: أي: أمرها موقوف لا حكم لها بنجاة ولا هلاك حتى ينظر هل يقضى ما عليها من الدين أم لا؟ انتهى.

وسواء ترك الميت وفاء أم لا؛ كما صرح به جمهور أصحابنا، وشذ الماوردي، فقال: إن الحديث محمول على من أخلف وفاءً، كذا في "قوت المغتذي".

وقال الشوكاني في "النيل": فيه الحث للورثة على قضاء دين الميت، والإخبار لهم بأن نفسه معلقة بدينه حتى يقضى عنه، وهذا مقيد بمن له مال يقضى منه دينه.

وأما من لا مال له ومات عازمًا على القضاء .. فقد ورد في الأحاديث ما يدل على أن الله تعالى يقضي عنه، بل ثبت أن مجرد محبة المديون عند موته للقضاء موجبة لتولي الله سبحانه لقضاء دينه، وإن كان له مال ولم يقض منه الورثة، أخرج الطبراني عن أبي أمامة مرفوعًا: "من دان بدين في نفسه وفاؤه

ص: 123

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ومات .. تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء، ومن دان بدين وليس في نفسه وفاؤه ومات .. اقتص الله لغريمه منه يوم القيامة".

وأخرج أيضًا من حديث ابن عمر: "الدين دينان؛ فمن مات وهو ينوي قضائه .. فأنا وليه، ومن مات ولا ينوي قضاءه .. فذلك الذي يؤخذ من حسناته، ليس يومئذ دينار ولا درهم".

وأخرج أحمد وأبو نعيم في "الحلية" والبزَّارُ والطبراني بلفظ: "يدعى بصاحب الدين يوم القيامة حتى يوقف بين يدي الله عز وجل، فيقول: يا بن آدم؛ فيم أخذت هذا الدين، وفيم ضيعت حقوق الناس؟ فيقول: يا رب؛ إنك تعلم أني أخذته، فلم آكل ولم أشرب ولم أضيع، ولكن أتى على يدي إما حرق وإما سرق وإما ضياع، فيقول الله: صدق عبدي، وأنا أحق من قضى عنك، فيدعو الله بشيءٍ فيضعه في كفة ميزانه، فترجح حسناته على سيئاته، فيدخل الجنة بفضل رحمته"، هكذا ذكر الشوكاني هذه الأحاديث بغير الإسناد، ولم يَتكلَّم عليها بشيء من الصحة والضعف.

ثم ذكر حديث أبي هريرة مرفوعًا: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها .. أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها .. أتلفه الله" أخرجه البخاري.

ثم ذكر حديث ميمونة: "ما من مسلم يدانُ دينًا يعلم الله أنه يريد أداءه .. إلا أدى الله عنه في الدنيا والآخرة"، قال: أخرج الحاكم بلفظ: "من تداين بدين في نفسه وفاؤُه، ثم مات .. تجاوز الله عنه، وأرضى غريمه بما شاء"، ثم قال: وقد ورد أيضًا ما يدل على أن من مات من المسلمين مديونًا .. فدَيْنُه على مَن إليه ولايةُ أمور المسلمين يقضيه عنه من بيت مالهم، وإن كان له مال .. كان لورثته.

ص: 124

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

أخرج البخاري من حديث أبي هريرة: "ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة، اقرؤوا إن شئتم: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (1)، فأيما مؤمن مات وترك مالًا .. فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينًا أو ضياعًا .. فليأتني فأنا مولاه".

وأخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه في حديث آخر: "من ترك مالًا .. فلأهله، ومن ترك دينًا أو ضياعًا .. فإلي وعلي، وأنا أولى بالمؤمنين".

قال الشوكاني: وفي معنى ذلك عدة أحاديث ثبتت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قالها بعد أن كان يمتنع من الصلاة على المديون، فلما فتح الله عليه البلاد وكثرت الأموال .. صلى على من مات مديونًا وقضى عنه، وذلك مشعر أن من مات مديونًا .. استحق أن يقضى عنه دينه من بيت مال المسلمين، وهو أحد المصارف الثمانية، فلا يسقط حقه بالموت، ودعوى من ادعى اختصاصه صلى الله عليه وسلم بذلك .. ساقطة، وقياس الدلالة ينفي هذه الدعوى في مثل قوله صلى الله عليه وسلم:"وأنا وارث من لا وارث له، أعقل عنه وأرثه" أخرجه أحمد وابن ماجه وسعيد بن منصور والبيهقي، وهم لا يقولون: إن ميراث من لا وارث له مختص برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد أخرج الطبراني من حديث سليمان ما يدل على انتفاء هذه الخصوصية المدعاة، ولفظه:"من ترك مالًا .. فلورثته، ومن ترك دينًا .. فعلي، والولاة من بعدي من بيت المال". انتهى من "تحفة الأحوذي".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما

(1) سورة الأحزاب: (6).

ص: 125

(39)

- 2374 - (3) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ سَوَاءٍ، حَدَّثَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ،

===

جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نفس المؤمن معلقة بدينه

" الحديث، والدارمي في كتاب البيوع، وأحمد في "المسند".

فدرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ثوبان بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(39)

- 2374 - (3)(حدثنا محمد بن ثعلبة بن سواء) - بفتح الواو والمد - السدوسي - بفتح المهملة - البصري، صدوق، من الحادية عشرة. يروي عنه:(ق).

(حدثنا عمي محمد بن سواء) - بتخفيف الواو والمد - السدوسي العنبري - بنون وموحدة - أبو الخطاب البصري المكفوف، صدوق رمي بالقدر، من التاسعة، مات سنة بضع وثمانين ومئة (183 هـ). يروي عنه:(خ م ت س ق).

(عن حسين) بن ذكوان (المعلم) المكتب العوذي - بفتح المهملة وسكون الواو بعدها معجمة - البصري، ثقة ربما وهم، من السادسة، مات سنة خمس وأربعين ومئة (145 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن مطر) بن طهمان (الوراق) أبي رجاء السلمي مولاهم الخراساني، صدوق كثير الخطأ، وحديثه عن عطاء ضعيف، من السادسة، مات سنة خمس وعشرين ومئة (125 هـ)، ويقال: سنة تسع وعشرين ومئة. يروي عنه: (م عم).

ص: 126

عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ وَعَليْهِ دِينَارٌ أَوْ دِرْهَمٌ .. قُضِيَ مِنْ حَسَنَاتِهِ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ".

===

(عن نافع، عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه مطرًا الوراق، وهو مختلف فيه.

(قال) ابن عمر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات وعليه دينار أو درهم) دينًا .. (قضي من حسناته) للدائن وأعطي له بقدر دينه (ليس ثم) أي: في يوم القيامة (دينار ولا درهم) يقضى للدائن.

قال السندي: قوله: (قضي من حسناته) أي: أخذ من حسناته ويعطى للدائن في مقابلة دينه. انتهى.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه حسن، لكون سنده حسنًا، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ثلاثة أحاديث:

الأول للاستدلال، والأخيران للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 127