الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(17)
- كِتَابُ اللُّقَطَةِ
(57) - (847) - بَابُ ضَالَّةِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ
===
(17)
- (كتاب اللقطة)
(57)
- (847) - (باب ضالة الإبل والبقر والغنم)
واللقطة - بضم اللام وفتح القاف وإسكانها - لغةً: اسم للشيء الملقوط، ومقتضى القاعدة أنها بفتح القاف بمعنى اللاقط، وبإسكانها بمعنى الملقوط.
قال ابنُ بريٍّ: وهو الصواب؛ لأن الفُعَلة بالفتح للفاعل؛ كالضُّحَكة بالفتح بمعنى الضاحك كثيرًا، وبالإسكان للمفعول؛ كالضُحْكة بالسكون بمعنى المضحوك عليه كثيرًا، ومجيءُ فُعَلَة بالتحريك للمفعول نادر، فعلى ظاهر كلامهم يكون ما هنا من النادر، ويقال فيها: لُقَاطَة - بضم اللام مع الألف - ولقَطَ؛ كسَبَب.
وشرعًا معناها: ما ضاع من صاحبه - أي: شيء ضاع، فيشمل المال والاختصاص؛ كالسرجين، وجلد الميتة - بسقوط أو غفلة؛ كأن سقط عن صاحبه، أو غفل عنه فضاع فيهما أو نحوهما؛ كنوم وهرب وإعياءِ بعير ترَكَه صاحبه، وعَجْزِه عن حَمْلِ ثقيلٍ فألقاه، بخلاف ما ضاع بغير ذلك؛ كأن ألقت الريحُ ثوبًا في داره، أو أَلْقى في حُجْره من لا يعرفه كيسًا وهو هارب، أو مات مورّثه عن ودائع لا يُعرف مُلَّاكُها، وما يلقيه البحر على الساحل من أموال الغَرْقَى ونحوها، فهو ضائع، الأمرُ فيه لبيت المال، فإن لم ينتظم .. صرفه في وجوه الخير بنفسه إن عرفها، وهو مأجور على ذلك، وإلا .. أعطاه لعدل يعرفها.
(126)
- 2461 - (1) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ،
===
وأركانها ثلاثة:
لاقط، وملقوط، ولقط. انتهى "ب ج على ابن القاسم".
* * *
(126)
- 2461 - (1)(حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري.
(حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي البصري، ثقة ثبت، من التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة (198 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن حميد) بن أبي حميد (الطويل) اختلف في اسم أبيه على نحو عشرة أقوال: منها: أنه تير أو تيرويه أو زادويه أو دوار، أو غير ذلك، مولى طلحة الطلحات، أبي عبيدة البصري، ثقة مدلس، من الخامسة، مات سنة اثنتين، ويقال: ثلاث وأربعين ومئة (143 هـ) وهو قائم يصلي. يروي عنه: (ع).
(عن الحسن) بن أبي الحسن، اسمه يسار - بالتحتانية والمهملة - الأنصاري مولاهم أبي سعيد البصري، رأس أهل الطبقة الثالثة، ثقة فقيه فاضل، مات سنة عشر ومئة (110 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن مطرف بن عبد الله بن الشخير) - بكسر الشين المعجمة وتشديد الخاء المعجمة المكسورة بعدها تحتانية ساكنة ثم راء - العامري الحرشي أبي عبد الله البصري، ثقة عابد فاضل، من الثانية، مات سنة خمس وتسعين (95 هـ). يروي عنه:(ع).
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرَقُ النَّارِ".
===
(عن أبيه) عبد الله بن الشخير بن عوف العامري الصحابي الفاضل رضي الله تعالى عنه، من مسلمة الفتح. يروي عنه:(م عم).
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) عبد الله بن الشخير: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضالة المسلم حَرقُ النار").
قال في "النهاية": قوله: "حرق النار" - بالتحريك -: لهبها، وقد تسكن.
والمعنى: ضالة المسلم إذا أخذها ليتملكها لا للتعريف .. أدته إلى النار، ذكره السيوطي في "حواشي النسائي".
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، لكن رواه النسائي عن عبيد الله بن سعد عن يحيى بن سعيد به، وعن محمد بن عبد الأعلى عن خالد بن الحارث عن أشعث عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ضالة المسلم
…
" الحديث مرسلًا، والترمذي في كتاب الأشربة، باب ما جاء في النهي عن الشرب قائمًا.
وفي "تحفة الأحوذي": قال في "النهاية": الضالة: هي ما كان من كل ما يَسْتَغْنِي من الحيوانِ وغيرِه، يقال: ضل الشيء؛ إذا ضاع، وهي في الأصل فاعلة، ثم اتسع فيها فصارت من الصفات الغالبة، وتقع على الذكر والأنثى، والاثنين والجمع، وتجمع على ضوال؛ والمراد بها في هذا الحديث: الضالة من الإبل والبقر مما يَحْمِي نفسه، ويقدر على الإبعاد في المَرْعى والماء، بخلاف الغنم. انتهى منه.
(127)
- 2462 - (2) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ خَالُ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ
===
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث عبد الله بن الشخير بحديث جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(127)
- 2462 - (2)(حدثنا محمد بن بشار) العبدي بندار.
(حدثنا يحيى بن سعيد) القطان التميمي البصري.
(حدثنا أبو حيان) - بفتح المهملة والتحتانية المشددة - يحيى بن سعيد بن حيان (التيمي) الكوفي، ثقة عابد، من السادسة، مات سنة خمس وأربعين ومئة (145 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا الضحاك خال المنذر بن جرير) بن عبد الله البجلي، ويقال: الضحاك خال المنذر، روى حديث الضالة عن جرير، واختلف فيه اختلافًا كثيرًا.
وقال ابن المديني وقد ذكر هذا الحديث: والضحاكُ لا يعرفونه، ولم يرو عنه غير أبي حيان التيمي، وقال في "التقريب": مقبول، من الرابعة. يروي عنه:(س ق).
(عن المنذر بن جرير) بن عبد الله البجلي الكوفي، مقبول، من الثالثة.
يروي عنه: (م د س ق).
قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي بِالْبَوَازِيجِ فَرَاحَتِ الْبَقَرُ، فَرَأَى بَقَرَةً أَنْكَرَهَا فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قَالُوا: بَقَرَةٌ لَحِقَتْ بِالْبَقَرِ، قَالَ: فَأَمَرَ بِهَا فَطُرِدَتْ حَتَّى تَوَارَتْ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يُؤوِي الضَّالَّةَ إِلَّا ضَالٌّ".
===
(قال) المنذر: (كنت مع أبي) جرير بن عبد الله البجلي الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه (بالبوازيج) قال السندي في "القاموس": بوازيج: اسم بلد قرب تَكْرِيت، فتحها جرير بن عبد الله البجلي.
وفي كتب الأنساب: هي بلدة قديمةٌ على الدجلةِ فوقَ بغدادَ دُون سُرَّ مَنْ رَأَى. انتهى.
(فراحت) أي: رجعت (البقر) لنا عند الغروب إلى مراحها في الليل (فرأى) جرير في بقرتنا (بقرةً) غريبة (أنكرها) جرير؛ أي: جهلها ولا يعرفها.
(فقال) لنا جرير: (ما هذه) البقرة التي جاءت مع بقرتنا ولا نعرفها؟ (قالوا) أي: قال الحاضرون مع جرير في جواب سؤاله: هي (بقرة) غريبة ليس معها صاحبها (لحقت) وصحبت (بالبقر) لنا، وجاءت معها من المرعى إلى مراحنا (قال) المنذر:(فأمر) والدي جرير (بها) أي: بطردها من بين بقرنا (فطردت) تلك البقرة، وأخرجت من بين بقرنا وأبعدت (حتى) تباعدت منا و (توارت) أي: استترت عنا وخفيت عنا (ثم) بعد طردنا إياها وخفائها علينا (قال) جرير: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يؤوي الضالة) ولا يضمها إلى ماله ولا يخلطها معه (إلا ضال) أي: مخطئ عن طريق الحق؛ لأنه يشبه السرقة إذا أخفاها، والضالة: هي البهيمة التي ضاعت عن صاحبها.
(128)
- 2463 - (3) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَلَاءِ الْأَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَّنِ،
===
وهذا الحديث سنده من سداسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه الضحاك بن المنذر، وهو مختلف فيه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب اللقطة، باب التعريف باللقطة، وله شاهد في "مسلم" من حديث زيد بن خالد الجهني في كتاب اللقطة، باب في لقطة الحاج، ولفظه:"من آوى ضالة .. فهو ضال ما لم يعرفها"، وأحمد في "مسنده".
فدرجته أنه: صحيح، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عبد الله بن الشخير بحديث زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(128)
- 2463 - (3)(حدثنا إسحاق بن إسماعيل بن العلاء) وقيل: ابن عبد الأعلى (الأيلي) - بفتح الهمزة وسكون التحتية - أبو يعقوب، صدوق، من العاشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومئتين (258 هـ). يروي عنه:(س ق).
(حدثنا سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني أبي سعيد القاضي، ثقة ثبت، من الخامسة، مات سنة أربع وأربعين ومئة (144 هـ)، أو بعدها. يروي عنه:(ع).
(عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) التيمي مولاهم أبي عثمان المدني المعروف بربيعة الرأي، واسم أبيه فروخ، ثقة فقيه مشهور، قال ابن سعد: كانوا
عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، فَلَقِيتُ رَبيعَةَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: سُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ؛ فَغَضِبَ وَاحْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ
===
يتقونه؛ لموضع الرأي، من الخامسة، مات سنة ست وثلاثين ومئة (136 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(ع).
(عن يزيد مولى المُنْبَعِثِ) - بضم الميم وسكون النون وفتح الموحدة وكسر المهملة بعدها مثلثة - مدني، صدوق، من الثالثة. يروي عنه:(ع).
(عن زيد بن خالد الجهني) المدني الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، مات بالمدينة، وقيل: بالكوفة سنة ثمان وستين أو وسبعين، وله خمس وثمانون سنة. يروي عنه:(ع).
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
قال يحيى بن سعيد: (فلقيت) أنا (ربيعة) بن أبي عبد الرحمن (فسألته) أي: فسألت ربيعة عن حكم الضالة من الإبل (فقال) ربيعة: (حدثني يزيد) مولى المنبعث (عن زيد بن خالد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال) زيد بن خالد: (سئل) النبي صلى الله عليه وسلم، زعم ابن بشكوال أن اسم السائل بلال المؤذن رضي الله عنه، وتعقبه الحافظ، واستظهر الحافظ في "الفتح" أن اسمه سويد الجهني.
قال الحافظ: وهو أولى ما يفسر به هذا المبهم، وتعقبه العيني في "العمدة" بأنه لا يتعين كونه هو السائل في حديث زيد بن خالد؛ أي: سأله ذلك السائل (عن) حكم (ضالة الإبل) أي: ضائعتها ما حكمها هل تلتقط أو تترك؟ (فغضب) رسول الله صلى الله عليه وسلم من سؤاله عنها (و) اشتد غضبه حتى (احمرت) وتلونت بلون الحمرة (وجنتاه) أي: خداه الشريفتان تثنية وجنة؛
وَقَالَ: "مَا لَكَ وَلَهَا؟ ! مَعَهَا الْحِذَاءُ وَالسِّقَاءُ؛ تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا"،
===
والوجنة - بفتح الواو وقد تكسر وتضم وسكون الجيم -: ما ارتفع من الخدين؛ كأنه صلى الله عليه وسلم كره السؤال عن أخذها مع عدم ظهور الحاجة إليه، ومال الغير لا يباح أخذه إلا لحاجة، قيل: وكان كذلك إلى زمن عمر، وظهرت الحاجة إلى حفظها بعد ذلك؛ لكثرة السراق والخائنين، فالأخذ والحفظ بعد ذلك أحوط. انتهى "سندي".
(وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للسائل: (ما لك) علقة بها؛ لأنها ليست مالك (و) ما (لها) حاجة إليك؛ لأنها مستغنية عنك؟ ! وهذا منع له من أخذها لقلة حاجتها إلى الصيانة؛ لأنها تقوى على منع نفسها من المهالك؛ ففي كرشها رطوبة تغنيها أيامًا عن الشراب، وهذا معنى قوله:"معها سقاؤها" أي: قربتها تحمل فيها الماء (معها الحذاء) - بكسر الحاء وبذال معجمة - أي: الخف، فتقتدر به على السير وقطع المسافة البعيدة.
(والسقاء) - بكسر السين - أراد به الجوف؛ أي: حيث وردت الماء شربت ما يكفيها حتى ترد ماءً آخر (ترد الماء) بخفها وحذائها (وتأكل الشجر) المرتفع لطول عنقها، أشار بذلك إلى استغنائها عن الحفظ لها بما ركب في طباعها من الجلادة على العطش وتناول المأكول بغير تعب؛ لطول عنقها، فلا تخاف من السباع ولا تحتاج إلى ملتقط.
وقوله: (حتى يلقاها ربها) أي: صاحبها، غاية لمحذوف؛ تقديره: دعها واتركها حتى يلقاها صاحبها فيأخذها، وفي الحديث دليل صريح لمذهب الأئمة الحجازيين في أن الأفضل في البعير والبقر والفرس ألا يأخذها، بل يتركها حتى يلقاها ربها.
وَسُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْغَنَمِ فَقَالَ: "خُذْهَا؛ فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ"،
===
وقال الحنفية: الالتقاط اليوم أفضل؛ لفساد أحوال الناس، وقال السرخسي رحمه الله تعالى في حديث الباب: ذلك كان إذ ذاك؛ لغلبة أهل الصلاح والأمانة، لا تصل إليها يد خائنة، فإذا تركها .. وجدها، وأما في زماننا .. فلا يؤمن من وصول يدٍ خائنة إليها بعده، ففي أخذها إحياؤها وحفظها على صاحبها، وهو أولى، حكاه ابن الهمام في "فتح القدير"(5/ 354).
(وسئل) رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: سأله ذلك السائل عن ضالة الإبل (عن ضالة الغنم) أي: عن ضائعتها ما حكمها يا رسول الله؟ وقال العلماء: الضالة لا تقع إلا على الحيوان، وما سواه يقال له: لقطة، ويقال للضوال أيضًا: الهوامي - بالميم - والهوافي - بالفاء - والهوامل، كذا في "فتح الباري"(5/ 82).
قال الفيومي: الأصل في الضَّلَال: الغَيْبَةُ، ومنه قيل للحيوان الضائع: ضالة - بالهاء - في الذكر والأنثى، والجمع ضوال؛ مثل دابة ودواب، ويقال لغير الحيوان: ضائع ولقطة. انتهى.
(فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤال السائل: (خذها) أي: خذ ضالة الغنم (فإنما هي لك) إن أخذتها (أو لأخيك) ممن التقطها إن تركتها (أو للذئب) يأكلها إن لم تلتقطها أنت ولا أخوك، وهذا ندب إلى أخذ ضالة الغنم صيانة لها عن الضياع؛ أي: لك أخذها، وإن لم تأخذها أنت .. يأخذها غيرك، أو يأخذها الذئب.
قال النووي: ثم إذا أخذها وعرفها سنة وأكلها، ثم جاء صاحبها .. لزمته غرامتها عندنا وعند الأحناف.
وَسُئِلَ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: "اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَعَرِّفْهَا سَنَةً؛ فَإِنِ اعْتُرِفَتْ، وَإِلَّا .. فَاخْلِطْهَا بِمَالِكَ".
===
(وسئل) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: سأله ذلك الرجل الأول (عن اللقطة) أي: عن حكمها من أخذها أو تركها؛ والمراد بها هنا: غير الحيوان من النقود والجواهر وغيرها (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للسائل: (اعرف) أولًا (عفاصها) أي: وعاءها جلدًا كان أو خرقةً أو غير ذلك (ووكاءها) أي: خيطها، الذي شد به رأس الكيس والجراب والقربة ونحو ذلك؛ أي: اعرف عفاصها ووكاءها؛ لتعلم صدق واصفها من كذبه، ولئلا تختلط بماله فتشتبه به (وعرفها سنة) كاملة بالتكرير وقتًا بعد وقت، وبهذا استدل جمهور الفقهاء على أن مدة تعريف اللقطة سنة (فإن اعترفت) تلك اللقطة؛ أي: عرفها صاحبها فأدها إليه (وإلا .. فاخلطها بمالك) وتملكها.
قال السندي: قوله: " فإن اعترفت" بالبناء للمفعول؛ أي: عرفها صاحبها بتلك العلامات .. دفعها إليه، وإلا .. فليَمْلِكْهَا، وإنما حَذفَ ذِكْر الدفع؛ إشارةً إلى أنه المتعين، ففي الحذف زيادة تأكيد لإيجابِ الدفع عند بيان العلامة، وهو مذهب مالك وأحمد، وعند أبي حنيفة والشافعي يجوز الدفع على الوصف ولا يجب؛ لأن صاحبها مدع، فيحتاج في الوجوب إلى البينة؛ لعموم حديث:"البينة على المدعي"، فيحمل الأمر بالدفع في الحديث على الإباحة جمعًا بين الأحاديث.
وأشار الحافظ ابن حجر إلى ترجيح مذهب مالك وأحمد، فقال: يُخصُّ الملتقط من عموم البينة ما جعله الشارع بينةً لا الشهود فقط، وقد جعل الشارع البينة في اللقطة الوصف، فإذا وصف .. فقد أقام البينة، فيجب قبولها، وأي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
دليل يدل على كل ذلك، وأما ثانيًا .. فلأن حديث:"البينة على المدعي" إنما هو في القضاء، ووجوب الدفع أعم من ذلك، فيجب على كل من كان في يده حق لأحد من غير استحقاقٍ أن يدفع إليه إذا علم به، وإن كان القاضي لا يقضي عليه بالدفع بلا شهود، فيجب القول بوجوب الدفع لهذا الحديث، وإن قلنا: إن القاضي لا يجبر عليه بالدفع. انتهى منه.
قوله: (فغضب واحمرت وجنتاه) واختلف العلماء في وجه غضب النبي صلى الله عليه وسلم: فقال الحافظ في "الفتح"(1/ 187): إما لأنه نهى قبل ذلك عن التقاطها، وإما لأن السائل قصر في فهمه، فقاس ما يتعين التقاطه على ما لا يتعين. انتهى.
وقال الخطابي: إنما كان غضبه استقصارًا لعلم السائل وسوء فهمه؛ إذ لم يراع المعنى المشار إليه ولم ينتبه له، فقاس الشيء على غير نظيره؛ فإن اللقطة إنما هي اسم للشيء الذي سقط من صاحبه ولا يدري أين موضعه، وليس كذالك الإبل؛ فإنها مخالفة للقطة اسمًا وصفةً؛ فإنها غير عادمة أسباب القدرة على العود إلى صاحبها؛ لقوة سيرها وكون الحذاء والسقاء معها؛ لأنها ترد الماء ربعًا وخمسًا وتمتنع من الذئاب وغيرها من صغار السباع، ومن التردي وغير ذلك، بخلاف الغنم؛ فإنها بالعكس، فجعل سبيل الغنم سبيل اللقطة. انتهى.
قلت: ويحتمل أن يكون الغضب على كثرة السؤال في المسائل المفروضة التي لم تقع بعد، فكأنه صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: (وعرفها سنة) وفي هذه المسألة مذاهب:
الأول: مدة التعريف سنة في كل شيء خسيس ونفيس، وهو مذهب أحمد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ابن حنبل ورواية الطحاوي عن أبي حنيفة، وبه قال الشعبي وسعيد بن المسيب، وهو رواية عن الشافعي ومالك، راجع له "المغني" لابن قدامة.
الثاني: إذا كانت اللقطة شيئًا حقيرًا أو خسيسًا .. لا يجب تعريف سنةٍ، بل يعرف زمنًا يظن أن فاقده يعرض عنه غالبًا؛ فدانق الفضة يعرف في الحال، ودانق الذهب يومًا أو يومين أو ثلاثة، وأما الشيء الخطير .. فيجب تعريفه سنة كاملة، وليس هناك في التفريق بين الحقير والخطير معيار مضبوط، بل كل ما يغلب على ظن الملتقط أن فاقده لا يكثر أسفه عليه ولا يطول طلبه غالبًا .. يعتبر حقيرًا.
وقدره بعضهم بدرهم، وبعضهم بدينار، وهذا المذهب هو الأصح عند الشافعية؛ كما في "مغني المحتاج" للشربيني (2/ 414)، وهو قول أكثر الفقهاء من المالكية؛ كما يظهر من "مواهب الجليل"(6/ 73).
والثالث: إن كانت اللقطة ما دون الخَمْسِينَ درهمًا .. يعرفها ثلاثة أيام إلى سبعة أيام، وهو قول أبي أيوب الهاشمي؛ كما في "المغني" لابن قدامة (6/ 320).
والرابع: إن كانت اللقطة أقل من عشرة دراهم .. عرفها أيامًا، وإن كانت عشرة فصاعدًا .. عرفها حولًا، وهو المشهور من مذهب الحنفية؛ كما في "الهداية"، وهو قول الثوري وإسحاق والحسن بن صالح.
ثم اختلفوا في تحديد الأيام التي يعرف فيها عند كون اللقطة أقل من عشرة دراهم: فقال الحسن بن صالح: يعرفها ثلاثة أيام، وقال الثوري: في الدرهم يعرف أربعة أيام، وقال إسحاق: ما دون الدينار يعرفه جمعة أو نحوها؛ كما في "المغني" لابن قدامة، وروي عن أبي حنيفة: إن كانت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ثلاثة دراهم فصاعدًا؛ يعني: إلى العشرة .. يعرفها عشرة أيام، وإن كانت درهمًا فصاعدًا؛ يعني: إلى ثلاثة .. يعرفها ثلاثة أيام، وإن كانت دانقًا فصاعدًا؛ يعني: إلى درهم .. يعرفها يومًا، وإن كانت دون الدانق .. ينظر يمنةً ويسرةً، ثم يضعه في كف فقير؛ كما في "فتح القدير" لابن الهمام (5/ 350 - 351).
واختار صاحب "الهداية" عدم التقدير فيما دون عشرة دراهم، بل يعرفه على حسب ما يرى.
والخامس: إن كانت اللقطة مئتين فصاعدًا .. عرفها حولًا، وإن كانت أقل من مئتين إلى عشرة .. عرفها شهرًا، وإن كانت أقل من عشرة .. يعرفها على حسب ما يرى، وهو رواية عن أبي حنيفة، ذكرها ابن الهمام في "فتح القدير"(6/ 350).
والسادس: ليس لتعريف اللقطة مدة مقدرة شرعًا في حال من الأحوال، وإنما يعرفها بقدر ما يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك، فتختلف المدة باختلاف الأشياء وقيمتها؛ فربما يعرف الشيء يومًا أو يومين، وربما يعرفه أكثر من سنة، إذا كان الشيء له قيمة عظيمة، وهو الذي اختاره شمس الأئمة السرخسي من الحنفية، وهو القول المؤيد بالدلائل، راجع "مبسوط السرخسي"(3/ 11). انتهى من "التكملة".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في مواضع كثيرة؛ منها: كتاب اللقطة، باب ضالة الإبل، ومسلم في كتاب اللقطة، وأبو داوود في كتاب اللقطة، والترمذي في كتاب الأحكام، باب ما جاء في اللقطة وضالة الإبل والغنم، وقال: حديث زيد بن خالد حديث حسن صحيح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فالحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ثلاثة أحاديث:
الأول للاستدلال، والأخيران للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم