المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(43) - (833) - باب تلقيح النخل - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ١٤

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْهِبَاتِ

- ‌(1) - (791) - بَابُ الرَّجُلِ يَنْحَلُ وَلَدَ

- ‌(2) - (792) - بَابُ مَنْ أَعْطَى وَلَدَهُ ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ

- ‌(3) - (793) - بَابُ الْعُمْرَى

- ‌(4) - (794) - بَابُ الرُّقْبَى

- ‌(5) - (795) - بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ

- ‌(6) - (796) - بَابُ مَنْ وَهَبَ هِبَةً رَجَاءَ ثَوَابِهَا

- ‌(7) - (797) - بَابُ عَطِيَّةِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا

- ‌بشارة عظيمة

- ‌كِتَابُ الصَّدَقَاتِ

- ‌(8) - (798) - بَابُ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ

- ‌(9) - (799) - بَابُ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَوَجَدَهَا تُبَاعُ هَلْ يَشْتَرِيهَا

- ‌(10) - (800) - بَابُ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ وَرِثَهَا

- ‌(11) - (801) - بَابُ مَنْ وَقَفَ

- ‌تتمة

- ‌(12) - (802) - بَابُ الْعَارِيَّةِ

- ‌(13) - (803) - بَابُ الْوَدِيعَةِ

- ‌(14) - (804) - بَابُ الْأَمِينِ يَتَّجِرُ فِيهِ فَيَرْبَحُ

- ‌(15) - (805) - بَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌(16) - (806) - بَابُ الْكَفَالَةِ

- ‌تتمة

- ‌تتمة

- ‌(17) - (807) - بَابُ مَنِ ادَّانَ دَيْنًا وَهُوَ يَنْوِي قَضَاءَهُ

- ‌(18) - (808) - بَابُ مَنِ ادَّانَ دَيْنًا لَمْ يَنْوِ قَضَاءَهُ

- ‌(19) - (809) - بَابُ التَّشْدِيدِ فِي الدَّيْنِ

- ‌(20) - (810) - بَابٌ: مَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا .. فَعَلَى اللهِ وَعَلَى رَسُولِهِ

- ‌(21) - (811) - بَابُ إِنْظَارِ الْمُعْسِرِ

- ‌فائدة

- ‌(22) - (812) - بَابُ حُسْنِ الْمُطَالَبَةِ وَأَخْذِ الْحَقِّ فِي عَفَافٍ

- ‌(23) - (813) - بَابُ حُسْنِ الْقَضاءِ

- ‌(24) - (814) - بَابٌ: لِصَاحِبِ الْحَقِّ سُلْطَانٌ

- ‌تتمة

- ‌(25) - (815) - بَابُ الْحَبْسِ فِي الدَّيْنِ وَالْمُلَازَمَةِ

- ‌(26) - (816) - بَابُ الْقَرْضِ

- ‌(27) - (817) - بَابُ أَدَاءِ الدَّيْنِ عَنِ الْمَيِّتِ

- ‌(28) - (818) - بَابٌ: ثَلَاثٌ مَنِ ادَّانَ فِيهِنَّ .. قَضَى اللهُ عز وجل عَنْهُ

- ‌كتاب الرّهون

- ‌(29) - (819) - بَابُ رَهْنِ الدِّرْعِ

- ‌فائدة

- ‌(30) - (820) - بَابٌ: الرَّهْنُ مَرْكوبٌ وَمَحْلُوبٌ

- ‌(31) - (821) - بَابُ لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ

- ‌(32) - (822) - بَابُ أَجْرِ الْأُجَرَاءِ

- ‌(33) - (823) - بَابُ إِجَارَةِ الْأَجِيرِ عَلَى طَعَامِ بَطْنِهِ

- ‌(34) - (824) - بَابُ الرَّجُلِ يَسْتَقِي كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ وَيَشْتَرِطُ جَلْدَةً

- ‌(35) - (825) - بَابُ الْمُزَارَعَةِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ

- ‌(36) - (826) - بَابُ كِرَاءِ الْأَرْضِ

- ‌(37) - (827) - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ

- ‌(38) - (828) - بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْمُزَارَعَةِ

- ‌(39) - (829) - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الْمُزَارَعَةِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ

- ‌(40) - (830) - باب اسْتِكْرَاءِ الْأَرْضِ بِالطَّعَامِ

- ‌(41) - (831) - بَابُ مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ

- ‌كتابُ المساقاة

- ‌(42) - (832) - بَابُ مُعَامَلَةِ النَّخِيلِ وَالْكُرُومِ

- ‌فائدة

- ‌(43) - (833) - بَابُ تَلْقِيحِ النَّخْلِ

- ‌(44) - (834) - بَابٌ: الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ

- ‌(45) - (835) - بَابُ إِقْطَاعِ الْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ

- ‌(46) - (836) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ

- ‌(47) - (837) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ

- ‌(48) - (838) - بَابُ الشُّرْبِ مِنَ الْأَوْدِيَةِ وَمِقْدَارِ حَبْسِ الْمَاءِ

- ‌(49) - (839) - بَابُ قِسْمَةِ الْمَاءِ

- ‌(50) - (840) - بَابُ حَرِيمِ الْبِئْرِ

- ‌(51) - (841) - بَابُ حَرِيمِ الشَّجَرِ

- ‌(52) - (842) - بَابُ مَنْ بَاعَ عَقَارًا وَلَمْ يَجْعَلْ ثَمَنَهُ فِي مِثْلِهِ

- ‌كتاب الشُّفْعة

- ‌(53) - (843) - بَابُ مَنْ بَاعَ رِبَاعًا .. فَلْيُؤْذِنْ شَرِيكَهُ

- ‌(54) - (844) - بَابُ الشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ

- ‌(55) - (845) - بَابٌ: إِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ .. فَلَا شُفْعَةَ

- ‌(56) - (846) - بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ

- ‌كتابُ اللُّقَطة

- ‌(57) - (847) - بَابُ ضَالَّةِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ

- ‌(58) - (848) - بَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌(59) - (849) - بَابُ الْتِقَاطِ مَا أَخْرَجَ الْجُرَذُ

- ‌(60) - (850) - بَابُ مَنْ أَصَابَ رِكَازًا

- ‌كتابُ العتق

- ‌(61) - (851) - بَابُ الْمُدَبَّرِ

- ‌تتمة

- ‌(62) - (852) - بَابُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ

- ‌(63) - (853) - بَابُ الْمُكَاتَبِ

- ‌(64) - (854) - بَابُ الْعِتْقِ

- ‌(65) - (855) - بَابٌ: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ .. فَهُوَ حُرٌّ

- ‌(66) - (856) - بَابٌ: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَاشْتَرَطَ خِدْمَتَهُ

- ‌(67) - (857) - بَابٌ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ

- ‌(68) - (858) - بَابٌ: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ

- ‌(69) - (859) - بَابُ عِتْقِ وَلَدِ الزِّنَا

- ‌(70) - (860) - بَابُ مَنْ أَرَادَ عِتْقَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ .. فَلْيَبْدَأْ بِالرَّجُلِ

الفصل: ‌(43) - (833) - باب تلقيح النخل

(43) - (833) - بَابُ تَلْقِيحِ النَّخْلِ

(94)

- 2429 - (1) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ

===

(43)

- (833) - (باب تلقيح النخل)

(94)

- 2429 - (1)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي أبو محمد الكوفي، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه: (ق).

(حدثنا عبيد الله بن موسى) بن أبي المختار باذام العبسي الكوفي أبو محمد، ثقة، كان يتشيع، من التاسعة، قال أبو حاتم: كان أثبت الناس في إسرائيل من أبي نعيم، مات سنة ثلاث عشرة ومئتين (213 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق الهمداني السبيعي أبي يوسف الكوفي، ثقة، من السابعة، مات سنة ستين ومئة (160 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).

(عن سماك) بن حرب بن أوس بن خالد الذهلي البكري الكوفي أبي المغيرة، صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، من الرابعة، مات سنة ثلاث وعشرين ومئة (123 هـ). يروي عنه:(م عم).

(أنه) أي: أن سماكًا (سمع موسى بن طلحة بن عبيد الله) القرشي التيمي أبا عيسى أو أبا محمد المدني نزيل الكوفة، ثقة فاضل، من الثانية، ويقال: إنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة ثلاث ومئة (103 هـ). يروي عنه:(ع).

ص: 295

يُحَدِّثُ عَنْ أَبيهِ قَالَ: مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَخْلٍ، فَرَأَى قَوْمًا يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ فَقَالَ:"مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟ "، قَالُوا: يَأْخُذُونَ مِنَ الذَّكَرِ فَيَجْعَلُونَهُ فِي الْأُنْثَى، قَالَ:"مَا أَظُنُّ ذَلِكَ يُغْنِي شَيْئًا"،

===

حالة كون موسى (يحدث عن أبيه) طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي أبي محمد المدني رضي الله تعالى عنه، وهو المسمى طلحة الفياض، أحد العشرة المبشرة المشهور، استشهد يوم الجمل سنة ست وثلاثين (36 هـ)، وهو ابن ثلاث وستين. يروي عنه:(ع).

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قال) طلحة بن عبيد الله: (مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا من الأيام (في) بساتين (نخل، فرأى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قومًا) كائنين على رؤوس النخل وأعاليها حالة كونهم (يلقحون النخل) ويؤبرونها؛ من التلقيح؛ وهو التأبير؛ وهو أن يشق طلع الإناث فيؤخذ من طلع الذكور فيوضع فيها؛ ليكون الثمر بإذن الله تعالى أجود مما لم يؤبر (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده: ("ما يصنع هؤلاء؟ ") أي: أي شيء يفعل هؤلاء المتعلقون بالنخل؟ فـ (قالوا) أي: فقال الحاضرون عنده صلى الله عليه وسلم في جواب سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم: هم (يأخذون من) طلع (الذكر، فيجعلونه) أي: يجعلون ما أخذوا من طلع الذكر (في) طلع (الأنثى).

فـ (قال: ما أظن ذلك) التلقيح الذي يفعلونه (يغني) وينفع (شيئًا) في الثمر من الزيادة أو الجودة، بل النافع فيها هو الله تعالى؛ فإن المثمر هو الله تعالى، إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على سبيل الظن؛ لأنه لم

ص: 296

فَبَلَغَهُمْ فَتَرَكُوهُ فَنَزَلُوا عَنْهَا، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إِنَّمَا

===

يمارس الفلاحة والزراعة، ولم يكن عنده علم باستمرار هذه العادة بينهم؛ لأنه لم يكن ممن عانى الزراعة والفلاحة ولا باشر شيئًا من ذلك، فخفيت عليه تلك الحالة، وتمسك بالقَاعِدَةِ الكلّيةِ المعلومةِ التي هي:(أنه ليس في الوجود ولا في الإمكان فاعل ولا خالق ولا مؤثر إلا الله تعالى) فإذا نسب شيء إلى غيره تعالى نسبة التأثير .. فتلك النسبة مجازية عرضية لا حقيقية، فصدق قوله صلى الله عليه وسلم:"ما أظن ذلك يغني شيئًا" فإن الذي يغني في الأشياء عن الأشياء بالحقيقة هو الله تعالى، غير أن الله تعالى قد أجرى عادته؛ بأن ستر تأثير قدرته في بعض الأشياء بأسباب معتادة، فجعلها مقارنة لها، ومغطاة بها؛ ليؤمن من سبقت له السعادة بالغيب، وليضل من سبقت له الشقاوة بالجهل والريب:{لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} (1).

(فبلغهم) أي: بلغ ووصل أولئك القوم ذلك القول الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم؛ يعني: قوله: "ما أظن ذلك يغني شيئًا"، وفي رواية مسلم بدل هذا:(فأُخْبِرُوا) بالبناء للمجهول المسند إلى ضمير الجمع؛ أي: فأخبر أولئك القوم الملقحون للنخل (بذلك) أي: بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "ما يغني ذلك شيئًا"(فتركوه) أي: فترك القوم الملقحون ذلك التلقيح؛ تمسكًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (فنزلوا) أي: هبطوا (عنها) أي: عن النخيل.

(فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم أي: وصل إليه ذلك؛ أي: تَرْكُهم التلقيح بسبب قوله ذلك (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لمن عنده: قولوا لهم: لا تتركوا التلقيح بسبب قولي: "ما أظن ذلك يغني شيئًا"(إنما) قولي

(1) سورة الأنفال: (42).

ص: 297

هُوَ الظَّنُّ؛ إِنْ كَانَ يُغْنِي شَيْئًا .. فَاصْنَعُوهُ؛ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وَإِنَّ الظَّنَّ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، وَلكِنْ مَا قُلْتُ لَكُمْ: قَالَ اللهُ، فَلَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ".

===

ذلك (هو الظن) لا اليقين من الله تعالى، ثم قال:(إن كان) ذلك التلقيح في عادتكم (يغني) وينفع (شيئًا) من الأثمار .. (فاصنعوه) أي: فاصنعوا ذلك التلقيح ولا تتركوه لأجل قولي ذلك، وفي رواية مسلم زيادة:(فإني إنما ظننت) ذلك؛ أي: عدم نفع التلقيح في الأثمار (ظنًّا) يخطئ ويصيب، وقلت ذلك بالرأي والظن لا بالوحي من الله تعالى (فلا تؤاخذوني) أي: لا تلوموني بما قلته بالظن والرأي.

(فإنما أنا بشر مثلكم) في عدم علم الغيب (وإن الظن) الذي قلته لكم من عدم نفع التلقيح شيئًا .. قد (يخطئ) عن الواقع ولا يقع (و) قد (يصيب) أي: يوافق الواقع فيقع (ولكن ما قلت لكم) في مقالتي تلك: (قال الله) ما يغني ذلك شيئًا، (فـ) حينئذ (لن أكذب على الله) أي: فلن أكون كاذبًا على الله بذلك الظن الذي قلته لكم؛ لأني لم أنسبه إلى الله تعالى، والله أعلم.

قال النووي: قال العلماء: ورأيه صلى الله عليه وسلم في أمور المعاش وظنه فيها كغيره، فلا يمتنع وقوع مثل هذا الخطأ ولا نقص في ذلك، وسببه تعلق همه بالآخرة ومعارفها. انتهى.

قال القرطبي: قوله: "إنما ظننت ظنًّا، فلا تؤاخذوني بالظن"، وقوله في الرواية الأخرى:"إنما أنا بشر" هذا كله منه صلى الله عليه وسلم اعتذار لمن ضعف عقله؛ مخافة أن يزله الشيطان فيكذِّب النبي صلى الله عليه وسلم فيكفر، وإلا .. فما وقع منه شيء يحتاج فيه إلى اعتذار، غاية ما جرى منه مصلحة دنيوية خاصة بقوم مخصوصين لم يعرفها من لم يباشرها ولا كان من أهلها المباشرين لعملها، وأوضح ما في هذه الألفاظ المعتذر بها في هذه

ص: 298

(95)

- 2430 - (2) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى،

===

القصة قوله: "أنتم أعلم بأمر دنياكم"، وكأنه قال: وأنا أعلم بأمر دينكم، "ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئًا - من الوحي - .. فخذوا به" أي: بالذي حدثتكم عن الله تعالى.

وهذا أَمْرُ جزمٍ بوجوب الأخذ عنه في كل أحواله؛ من الغضب والرضا والمرض والصحة، وإنما أمرتكم بالأخذ به "فإني" أي: لأني "لن أكذب" - بكسر الذال من باب ضرب - أي: لن أقول "على الله عز وجل" بالكذب ولن أنسب إليه ما لم يقله ولم يأمرني به؛ أي: لا يقع منه فيما يبلغه عن الله تعالى كذب ولا غلط لا سهوًا ولا عمدًا، وقد قلنا: إن صدقه في ذلك هو مدلول المعجزة، وأما الكذب العمد المحض .. فلم يقع منه قط في خبر من الأخبار، ولا جرب عليه شيء من ذلك منذ أنشأه الله تعالى إلى أن توفاه الله تعالى، وقد كان في صغره معروفًا بالصدق والأمانة، ومجانبة أهل الكذب والخيانة، حتى إنه كان يسمى بالصادق الأمين، يشهد له بذلك كل من عرفه وإن كان من أعدائه وممن خالفه. انتهى.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الإمام مسلم في كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعًا دون ما ذكره في معاش الدنيا على سبيل الرأي، والبيهقي في "السنن الكبرى".

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

* * *

ثم استشهد المؤلف لحديث طلحة بن عبيد الله بحديث أنس وعائشة رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(95)

- 2430 - (2)(حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد الذهلي النيسابوري، ثقة حافظ فاضل، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان

ص: 299

حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ أَصْوَاتًا فَقَالَ:"مَا هَذَا الصَّوْتُ؟ "، قَالُوا:

===

وخمسين ومئتين (258 هـ). يروي عنه: (خ عم).

(حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الباهلي أبو عثمان الصفار البصري، ثقة ثبت، قال ابن المديني: كان إذا شك في حرف من الحديث .. تركه، من كبار العاشرة، مات سنة تسع عشرة ومئتين (219 هـ)، وقيل مات بعدها بيسير. يروي عنه:(ع).

(حدثنا حماد) بن سلمة بن دينار البصري أبو سلمة، ثقة عابد، أثبت الناس في ثابت وتغير حفظه في آخره، من كبار الثامنة، مات سنة سبع وستين ومئة (167 هـ). يروي عنه:(م عم).

(حدثنا ثابت) بن أسلم البناني أبو محمد البصري، ثقة عابد، من الرابعة، مات سنة بضع وعشرين ومئة (123 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري رضي الله تعالى عنه.

(و) حدثنا حماد بن سلمة أيضًا، حدثنا (هشام بن عروة) فهو معطوف على ثابت.

(عن أبيه) عروة بن الزبير.

(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.

فالسند الأول من خماسياته، والثاني من سداسياته.

كل من أنس وعائشة رضي الله تعالى عنهما حدثا (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع أصواتًا) من اصطكاك الأشجار (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم: ("ما هذا الصوت؟ ") أي: ما سببه؟ (قالوا) أي: قال الحاضرون

ص: 300

النَّخْلُ يُؤَبِّرُونَهَا فَقَالَ: "لَوْ لَمْ يَفْعَلُوا .. لَصَلَحَ"، فَلَمْ يُؤَبِّرُوا عَامَئِذٍ فَصَارَ شِيصًا، فَذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"إِنْ كَانَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ .. فَشَأْنَكُمْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أُمُورِ دِينِكُمْ .. فَإِلَيَّ".

===

عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: (النخل) أي: هذا الصوت الذي سمعته صوت النخل، يظهر من اصطكاكها عندما (يؤبرونها) ويشققون طلعها؛ لوضع طلع الذكور فيها (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم:(لو لم يفعلوا) أي: لو لم يفعل هؤلاء المؤبرون تأبيرها وتَركُوها على حالها .. (لصلح) ثمرها؛ لأن المُثْمِرَ والمُؤثِّر فيه هو الله تعالى لا غيره؛ لأنه خالق كل شيء.

قال الراوي - كما في رواية مسلم -؛ إما عائشة وإما أنس بن مالك: فتركوا التأبير (فلم يؤبروا) أي: لم يؤبر الملقحون النخل (عامئذ) أي: عام إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو لم يفعلوا التأبير .. لصلح الثمر؛ تمسكًا بقوله صلى الله عليه وسلم.

قال الراوي: (فصار) الثمر (شيصًا) أي: خرج الثمر من النخل حالة كونه شيصًا - بكسر الشين المعجمة - أي: بسرًا رديئًا.

قال المازري: الشيص: البسر الذي لا نوى له، وقال القاضي: الشيص: هو رديء البسر، وإذا يبس .. كان حشفًا. انتهى "أبي".

(فذكروا) أي: ذكر الذين تركوا (لتلقيح اللنبي صلى الله عليه وسلم أنهم لما تركوا التلقيح .. صار الثمر شيصًا (فقال) لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (إن كان) الأمر من أموركم (شيئًا من أمر دنياكم) أي: متعلقًا بها؛ كالتلقيح هنا .. (فـ) عليكم (شأنكم) أي: أن تفعلوا (به) أي: بذلك الأمر شأنكم وعادتكم فيه؛ كتلقيح الثمر (وإن كان) ذلك الأمر أمرًا (من أمور دينكم .. فـ) فوضوا أمره (إليَّ) فاسألوني عنه؛ فأنا أعلم به منكم؛ أي: فأنتم أعلم

ص: 301

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

مني بأمر دنياكم ومعاشكم بالتجربة، فامشوا على عادتكم فيما يستقبل من أمور دنياكم، وكأنه قال: وأنا أعلم بأمر دينكم، فاقتدوا بي في أمور الدين.

والمعنى: وأنتم أعلم بالأمور التي وكلها الشرع إلى التجربة، ولم يأت فيها بأمر أو نهي جازم. انتهى من "الكوكب".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعًا

إلى آخره.

فدرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين:

الأول للاستدلال، والثاني للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 302