المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(8) - (798) - باب الرجوع في الصدقة - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ١٤

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْهِبَاتِ

- ‌(1) - (791) - بَابُ الرَّجُلِ يَنْحَلُ وَلَدَ

- ‌(2) - (792) - بَابُ مَنْ أَعْطَى وَلَدَهُ ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ

- ‌(3) - (793) - بَابُ الْعُمْرَى

- ‌(4) - (794) - بَابُ الرُّقْبَى

- ‌(5) - (795) - بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ

- ‌(6) - (796) - بَابُ مَنْ وَهَبَ هِبَةً رَجَاءَ ثَوَابِهَا

- ‌(7) - (797) - بَابُ عَطِيَّةِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا

- ‌بشارة عظيمة

- ‌كِتَابُ الصَّدَقَاتِ

- ‌(8) - (798) - بَابُ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ

- ‌(9) - (799) - بَابُ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَوَجَدَهَا تُبَاعُ هَلْ يَشْتَرِيهَا

- ‌(10) - (800) - بَابُ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ وَرِثَهَا

- ‌(11) - (801) - بَابُ مَنْ وَقَفَ

- ‌تتمة

- ‌(12) - (802) - بَابُ الْعَارِيَّةِ

- ‌(13) - (803) - بَابُ الْوَدِيعَةِ

- ‌(14) - (804) - بَابُ الْأَمِينِ يَتَّجِرُ فِيهِ فَيَرْبَحُ

- ‌(15) - (805) - بَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌(16) - (806) - بَابُ الْكَفَالَةِ

- ‌تتمة

- ‌تتمة

- ‌(17) - (807) - بَابُ مَنِ ادَّانَ دَيْنًا وَهُوَ يَنْوِي قَضَاءَهُ

- ‌(18) - (808) - بَابُ مَنِ ادَّانَ دَيْنًا لَمْ يَنْوِ قَضَاءَهُ

- ‌(19) - (809) - بَابُ التَّشْدِيدِ فِي الدَّيْنِ

- ‌(20) - (810) - بَابٌ: مَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا .. فَعَلَى اللهِ وَعَلَى رَسُولِهِ

- ‌(21) - (811) - بَابُ إِنْظَارِ الْمُعْسِرِ

- ‌فائدة

- ‌(22) - (812) - بَابُ حُسْنِ الْمُطَالَبَةِ وَأَخْذِ الْحَقِّ فِي عَفَافٍ

- ‌(23) - (813) - بَابُ حُسْنِ الْقَضاءِ

- ‌(24) - (814) - بَابٌ: لِصَاحِبِ الْحَقِّ سُلْطَانٌ

- ‌تتمة

- ‌(25) - (815) - بَابُ الْحَبْسِ فِي الدَّيْنِ وَالْمُلَازَمَةِ

- ‌(26) - (816) - بَابُ الْقَرْضِ

- ‌(27) - (817) - بَابُ أَدَاءِ الدَّيْنِ عَنِ الْمَيِّتِ

- ‌(28) - (818) - بَابٌ: ثَلَاثٌ مَنِ ادَّانَ فِيهِنَّ .. قَضَى اللهُ عز وجل عَنْهُ

- ‌كتاب الرّهون

- ‌(29) - (819) - بَابُ رَهْنِ الدِّرْعِ

- ‌فائدة

- ‌(30) - (820) - بَابٌ: الرَّهْنُ مَرْكوبٌ وَمَحْلُوبٌ

- ‌(31) - (821) - بَابُ لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ

- ‌(32) - (822) - بَابُ أَجْرِ الْأُجَرَاءِ

- ‌(33) - (823) - بَابُ إِجَارَةِ الْأَجِيرِ عَلَى طَعَامِ بَطْنِهِ

- ‌(34) - (824) - بَابُ الرَّجُلِ يَسْتَقِي كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ وَيَشْتَرِطُ جَلْدَةً

- ‌(35) - (825) - بَابُ الْمُزَارَعَةِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ

- ‌(36) - (826) - بَابُ كِرَاءِ الْأَرْضِ

- ‌(37) - (827) - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ

- ‌(38) - (828) - بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْمُزَارَعَةِ

- ‌(39) - (829) - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الْمُزَارَعَةِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ

- ‌(40) - (830) - باب اسْتِكْرَاءِ الْأَرْضِ بِالطَّعَامِ

- ‌(41) - (831) - بَابُ مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ

- ‌كتابُ المساقاة

- ‌(42) - (832) - بَابُ مُعَامَلَةِ النَّخِيلِ وَالْكُرُومِ

- ‌فائدة

- ‌(43) - (833) - بَابُ تَلْقِيحِ النَّخْلِ

- ‌(44) - (834) - بَابٌ: الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ

- ‌(45) - (835) - بَابُ إِقْطَاعِ الْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ

- ‌(46) - (836) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ

- ‌(47) - (837) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ

- ‌(48) - (838) - بَابُ الشُّرْبِ مِنَ الْأَوْدِيَةِ وَمِقْدَارِ حَبْسِ الْمَاءِ

- ‌(49) - (839) - بَابُ قِسْمَةِ الْمَاءِ

- ‌(50) - (840) - بَابُ حَرِيمِ الْبِئْرِ

- ‌(51) - (841) - بَابُ حَرِيمِ الشَّجَرِ

- ‌(52) - (842) - بَابُ مَنْ بَاعَ عَقَارًا وَلَمْ يَجْعَلْ ثَمَنَهُ فِي مِثْلِهِ

- ‌كتاب الشُّفْعة

- ‌(53) - (843) - بَابُ مَنْ بَاعَ رِبَاعًا .. فَلْيُؤْذِنْ شَرِيكَهُ

- ‌(54) - (844) - بَابُ الشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ

- ‌(55) - (845) - بَابٌ: إِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ .. فَلَا شُفْعَةَ

- ‌(56) - (846) - بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ

- ‌كتابُ اللُّقَطة

- ‌(57) - (847) - بَابُ ضَالَّةِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ

- ‌(58) - (848) - بَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌(59) - (849) - بَابُ الْتِقَاطِ مَا أَخْرَجَ الْجُرَذُ

- ‌(60) - (850) - بَابُ مَنْ أَصَابَ رِكَازًا

- ‌كتابُ العتق

- ‌(61) - (851) - بَابُ الْمُدَبَّرِ

- ‌تتمة

- ‌(62) - (852) - بَابُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ

- ‌(63) - (853) - بَابُ الْمُكَاتَبِ

- ‌(64) - (854) - بَابُ الْعِتْقِ

- ‌(65) - (855) - بَابٌ: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ .. فَهُوَ حُرٌّ

- ‌(66) - (856) - بَابٌ: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَاشْتَرَطَ خِدْمَتَهُ

- ‌(67) - (857) - بَابٌ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ

- ‌(68) - (858) - بَابٌ: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ

- ‌(69) - (859) - بَابُ عِتْقِ وَلَدِ الزِّنَا

- ‌(70) - (860) - بَابُ مَنْ أَرَادَ عِتْقَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ .. فَلْيَبْدَأْ بِالرَّجُلِ

الفصل: ‌(8) - (798) - باب الرجوع في الصدقة

(13)

- كِتَابُ الصَّدَقَاتِ

(8) - (798) - بَابُ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ

(15)

- 2350 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

===

(13)

- (كتاب الصدقات)

(8)

- (798) - (باب الرجوع في الصدقة)

وهي: تمليك للمحتاج بلا عوض؛ لثواب الآخرة.

* * *

(15)

- 2350 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، حدثنا هشام بن سعد) المدني أبو عباد، صدوق له أوهام، ورمي بالتشيع، من كبار السابعة، مات سنة ستين ومئة (160 هـ)، أو قبلها. يروي عنه:(م عم).

(عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم؛ مولى عمر أبي عبد الله المدني، ثقةٌ عالم وكان يرسل، من الثالثة، مات سنة ست وثلاثين ومئة (136 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبيه) أسلم العدوي مولى عمر، ثقةٌ مخضرم، من الثانية، مات سنة ثمانين (80 هـ)، وقيل: بعد سنة ستين، وهو ابن أربع عشرة ومئة سنة. يروي عنه:(ع).

(عن عمر بن الخطاب) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) لعمر حين أراد أن يشتري فرسه

ص: 53

"لَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ".

===

الذي تصدق عمن تصدق عليه حين ضيعه، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شرائه هل يجوز لي شراؤه أم لا؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:("لا تعد في صدقتك") يا عمر؛ بشرائها عمن تصدقت عليه؛ فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه في القبح والاستقذار.

قال الحافظ: وإنما سمي الشراء عودًا في الصدقة؛ لأن العادة جرت بالمسامحة من البائع في مثل ذلك للمشتري، فأطلق على القدر الذي يسامح به رجوعًا، كذا في "فتح الباري".

قلت: ويدل عليه قوله: (فظننت أنه بائعه برخص).

قال النووي: هذا نهي تنزيه لا تحريم، فيكره إن تصدق بشيء، أو أخرجه في زكاة، أو كفارة أو نذر، أو نحو ذلك من القربات .. أن يشتريه ممن دفعه هو إليه أو يتهبه أو يتملكه باختياره منه، فأما إذا ورثه منه .. فلا كراهة، وكذا لو انتقل إلى ثالث فاشتراه منه المتصدق .. فلا كراهة. انتهى منه.

والحاصل: أن عود الشيء المتصدق به إلى ملك المتصدق؛ إن كان بسبب غير اختياري؛ كالميراث .. فلا كراهة فيه عند أحد، إلَّا ما شذ به بعض أهل الظاهر، وإن كان بسبب اختياري؛ كالشراء: فإن كان ذلك طمعًا في المحاباة .. فهو مكروه تحريمًا؛ لأنه يتضمن العود في بعض صدقته، وإن لَمْ يكن طمعًا في المحاباة .. فيكره تنزيهًا، والبيع صحيح على كلّ حال، إلَّا في قول بعض أهل الظاهر.

ولعل السبب في كون الصورة الأخيرة مكروهة تنزيهًا: أن شراء المتصدق به صورته سورة التأسف على تصدقه، فكأنه ندم على فعله وأراد الرجوع، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 54

(16)

- 2351 - (2) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ،

===

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الزكاة، باب هل يشتري صدقته، ومسلم في كتاب الهبات، باب كراهية شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه مطولًا، وأبو داوود في كتاب الزكاة، باب الرجل يبتاع صدقته، والترمذي في كتاب الزكاة، باب ما جاء في كراهية العود في الصدقة، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، والنسائي في كتاب الزكاة، باب شراء الصدقة، ومالك في "الموطأ"، وأحمد في "المسند".

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

* * *

ثم استشهد المؤلف لحديث عمر بن الخطاب بحديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(16)

- 2351 - (2)(حدثنا عبد الرَّحمن بن إبراهيم) بن عمرو العثماني مولاهم الأموي (الدمشقي) أبو سعيد، لقبه دحيم - مصغرًا - ابن اليتيم، ثقةٌ حافظ متقن، من العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(خ د س ق).

(حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي مولاهم الدمشقي، ثقةٌ مدلس، من الثامنة، مات آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا الأوزاعي) عبد الرَّحمن بن عمرو الدمشقي، ثقةٌ، من السابعة،

ص: 55

حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الْعَبَّاسِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الَّذِي يَتَصَدَّقُ ثُمَّ يَرْجِعُ فِي صَدَقَتِهِ .. مَثَلُ الْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَأْكُلُ قَيْئَهُ".

===

مات سنة سبع وخمسين ومئة (157 هـ). يروي عنه: (ع).

(حدثنا أبو جعفر محمد بن علي) بن الحسين.

(حدثني سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني، ثقةٌ، من كبار التابعين، من الثانية، مات بعد التسعين. يروي عنه:(ع).

(حدثني عبد الله بن العباس) رضي الله تعالى عنهما.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) ابن عباس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل الذي يتصدق، ثم يرجع في صدقته مثل الكلب يقيء، ثم يرجع) إلى قيئه (فيأكل قيئه) في القبح والاستقذار؛ أي: سمعمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما (مثل) وصفة (الذي يتصدق) بصدقة واجبة أو مندوبة (ثم يرجع) ويعود (في صدقته) بمعاوضة أو باتهاب؛ يعني: بملك اختياري؛ كـ (مثل) وصفة (الكلب يقيء) أي: يخرج ما في جوفه (ثم) بعدما أخرجه (يرجع) إلى قيئه (فيأكل قيئه) أي: يأكل ما أخرجه من جوفه؛ يعني: كمثل الكلب أكل أولًا حتى إذا شبع .. أخرج ما أكله، فيأكل ما أخرجه مرّة ثانية في الاستقذار والقبح والعيافة المنفرة من ذلك، لا أنه يحرم العود في القيء إلَّا أن يتغير، فحينئذ يحرم؛ لكونه نجسًا لا لكونه قيئًا.

فالحديث يدلُّ على النهي عن العود في الصدقة، واختلف هل هذا النهي للتحريم؛ لظاهر الحديث؛ كما قاله ابن المواز من المالكية، أو للكراهة؛ كما قاله الداوودي. انتهى من "المفهم" باختصار.

ص: 56

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قال القرطبي: إن كان المراد بالهبة: الصدقة؛ كما جاء في هذين الحديثين المذكورين .. فقد تكلمنا عليها، وإن كان المراد مطلق الهبة .. فهي مخصوصة؛ إذ يخرج منها الهبة للثواب، وهبة أحد الأبوين، فأما هبة الثواب .. فقد قال بها مالك وإسحاق والطبري والشافعي في أحد قوليه؛ إذا علم أنه قصد الثواب إما بالتصريح به، وإما بالعادة والقرآئن؛ كهبةِ الفقيرِ للغنيِّ والرجل للأمير، وبها قال أبو حنيفة إذا شرط الثواب، وكذلك قال الشافعي في القول الآخر، وقد روي عنهما وعن أبي ثور منعها مطلقًا، ورأوا أنَّها من البيع المجهول الثمن والأجل.

والأصل في جواز هبة الثواب ما أخرجه الدارقطني من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من وهب هبة .. فهو أحق بها ما لَمْ يُثَبْ منها" رواه الدارقطني (3/ 42)، وقال: رواته كلهم ثقات، والصواب: عن ابن عمر عن عمر، وما أخرجه مالك عن عمر أنه قال: من وهب هبة لصلة الرحم أو على وجه الصدقة .. أنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب .. فهو على هبته يرجع فيها ما لَمْ يرض منها، وما أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة قال: أهدى رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ناقة، فعوضه ست بكرات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر:"إن رجالا من العرب يُهدي أحدُهم الهديةَ فأُعوِّضه منها بقدرِ ما عندي، فيظلُّ يتسخَّطُ عليَّ، وأيم الله؛ لا أقبلُ بعدَ يومي هذا من رجل من العرب إلَّا مِن قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي". رواه الترمذي (3945)، وهذا الحديث وإن لَمْ يكن إسناده بالقوي .. فيعضده كلّ ما تقدم، وما حكاه مالك؛ من أن هبة الثواب مجمع عليها عندهم، وكيف لا تجوز وهي معاوضة تشبه البيع في جميع وجوهه إلَّا وجهًا واحدًا؛ وهو أن العوض فيها غير معلوم حالة العقد؟ !

ص: 57

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وإنما سامح الشرع في هذا القدر؛ لأنهما - يعني: المتعاقدين - دخلا في ذلك على وجه المكارمة لا المشاحة، فعفا عن تعيين العوض فيها؛ كما فعل في نكاح التفويض. انتهى منه.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الهبات، باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض إلَّا ما وهبه لولده وإن سفل، وأحمد في "المسند"، وابن خزيمة، وأبو نعيم في "حلية الأولياء".

فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح، لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديثين:

الأول للاستدلال، والثاني للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 58