الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(43) - (395) - بَابُ مَا جَاءَ فِي أَن الصَّلَاةَ كَفَّارَةٌ
(138)
- 1368 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَنَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ وَسُفْيَانُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الْوَالِبِيِّ، عَنْ أَسْمَاءِ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِيِّ،
===
(43)
- (395) - (باب ما جاء في أن الصلاة كفارة)
(138)
-1368 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ونصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان الجهضمي البصري، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة خمسين ومئتين، أو بعدها. يروي عنه:(ع).
(قالا: حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(حدثنا مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي أبو سلمة الكوفي، ثقة، من السابعة، مات سنة ثلاث أو خمس وخمسين ومئة. يروي عنه:(ع).
(وسفيان) بن سعيد الثوري الكوفي ثقة حجة، من السابعة، مات سنة إحدى وستين ومئة (161 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عثمان بن المغيرة الثقفي) مولاهم أبي المغيرة الكوفي الأعشى وهو عثمان بن أبي زرعة، ثقة، من السادسة. يروي عنه:(خ عم).
(عن علي بن ربيعة) بن نضلة (الوالبي) -بكسر اللام وبالموحدة- أبي المغيرة الكوفي، ثقة، من كبار الثالثة. يروي عنه:(ع).
(عن أسماء بن الحكم الفزاري) وقيل: السلمي، أبي حسان الكوفي، صدوق، من الثالثة. يروي عنه: أعم).
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا .. يَنْفَعُنِي اللهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُ، وَإِذَا حَدَّثَنِي عَنْهُ غَيْرُهُ .. اسْتَحْلَفْتُهُ، فَإِذَا حَلَفَ .. صَدَّقْتُهُ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَنِي وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
===
(عن علي بن أبي طالب) رضي الله تعالى عنه (قال) علي: (كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا .. ينفعني الله بما شاء) نفعي به (منه) أي: من ذلك الحديث، وجملة النفع جواب إذا الشرطية؛ أي: ينفعني بالمبادرة إلى العمل به حتى أعمل به، وإن لحقه النسخ قريبًا، كما روي في العمل بالتصدق بين يدي النجوى. انتهى "سندي"، (وإذا حدثني عنه) صلى الله عليه وسلم (غيره) صلى الله عليه وسلم .. (استحلفته) أي: استحلفت ذلك الغير، (فإذا حلف) لي ذلك الغير على أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم .. (صدقته) أي: صدقت ذلك الغير فيما حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال السندي: قوله: (وإذا حدثني غيره
…
) إلى آخره، ظاهره أنه لا يصدقه إلا بحلف، وهو مخالف لما عُلم من قبول خبر الواحد العدل بلا حلف، فالظاهر أن مراده بذلك زيادة التوثيق بالخبر والاطمئنان به؛ إذ الحاصل بخبر العدل الظن وهو مما يقبل الضعف والقوة. ومعنى (صدقته) أي: على وجه الكمال والاطمئنان به، وإن كان القبول الموجب للعمل حاصلًا بدونه. انتهى منه.
قال علي: (وإن أبا بكر حدثني) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، (وصدق أبو بكر) فيما حدثنيه عنه، أي: علمت صدقه في ذلك على وجه الكمال بلا حلف، (قال) أبو بكر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
"مَا مِنْ رَجُل يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ ألْوُضوءَ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ -وَقَالَ مِسْعَرٌ: ثُمَّ يُصَلِّي- وَيَسْتَغْفِرُ اللهَ .. إِلَّا غَفَرَ اللهُ لَهُ".
===
وهذا السند من ثمانياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(ما من رجل يذنب ذنبًا) أي: أيًا كان (فيتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يصلي ركعتين -وقال مسعر) في روايته: (ثم يصلي-) بلا ذكر ركعتين، بل إنما ذكرهما سفيان (ويستغفر الله) من ذنبه .. (إلا غفر الله له) ذلك الذنب، فدل الحديث على أن الصلاة تكون كفارة للذنب.
قوله: (وصدق أبو بكر) وقال ابن حجر: بيَّن بهذه المقالة علي رضي الله تعالى عنه جلالة أبي بكر رضي الله تعالى عنه، ومبالغته في الصدق حتى سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم صديقًا، وقال القاري في "المرقاة": وفيه وجه آخر وهو أن الصديق رضي الله تعالى عنه كان ملتزمًا ألا يروي إلا إذا كان محفوظه بالمبنى دون المروي بالمعنى، بخلاف أكثر الصحابة، ولذا قلَّت روايته كأبي حنيفة تبعًا له في هذه الخصوصية، فهذا وجه لقوله:(وصدق أبو بكر) انتهى كلام القاري.
قلت: قال الحافظ في "تهذيب التهذيب": قال محمد بن سعد العوفي: سمعت ابن معين يقول: كان أبو حنيفة ثقة لا يحدث بالحديث إلا بما يحفظه، ولا يحدث بما لا يحفظ. انتهى.
قوله: (يقول ما من رجل) أي: أو امرأة، ومن زائدة لزيادة إفادة الاستغراق (يذنب ذنبًا) أي: أيَّ ذنب كان صغيرة كانت أو كبيرة، وفي رواية الترمذي زيادة:(ثم يقوم) قال الطيبي: ثم للتراخي في الرتبة، والأظهر أنه للتراخي الزماني؛ يعني: ولو تأخر القيام بالتوبة عن مباشرة المعصية؛ لأن التعقيب ليس بشرط، فالإتيان بثم للرجاء، والمعنى: ثم يستيقظ من نوم الغفلة؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
كقوله تعالى: {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ} (1). انتهى "تحفة الأحوذي".
قوله: (فيتوضأ) كما في رواية ابن السُنيّ، وفي رواية الترمذي:(فيتطهر)، قوله:(ثم يصلي ركعتين) كما في رواية ابن السني وابن حبان والبيهقي، (ثم يستغفر الله) أي: لذلك الذنب، كما في رواية ابن السني، والمراد بالاستغفار: التوبة بالندامة والإقلاع عن الذنب، والعزم على ألا يعود إليه أبدًا، وأن يتدارك الحقوق إن كانت هناك، وثم في الموضعين لمجرد العطف التعقيبي.
وفي رواية أبي داوود والترمذي زيادة لفظة: (ثم قرأ) النبي صلى الله عليه وسلم استشهادًا واعتضادًا، أو قرأ أبو بكر تصديقًا وتوفيقًا قولَه تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} أي: ذنبًا قبيحًا كالزنا {أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} أي: بما دونه كالقبلة، قال الطيبي: أَيْ: أَيُّ ذنب كان مما يؤاخذون به.
انتهى، فيكون تعميمًا بعد تخصيص {ذَكَرُوا اللَّهَ} أي: ذكروا عقابه، قاله الطيبي
…
إلى آخر الآية، تمام الآية:{فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (2). انتهى "تحفة الأحوذي".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود والترمذي والنسائي، ورواه ابن حبان في "صحيحه" والبيهقي، وقالا: ثم يصلي ركعتين، وذكره ابن خزيمة في "صحيحه" بغير إسناد، كذا في "الترغيب" للمنذري.
(1) سورة سبأ: (46).
(2)
سورة آل عمران: (135 - 136).
(139)
- 1369 - (2) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَنْبَأَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ -أَظُنُّهُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ-
===
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده، ولأن له شواهد، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة، والله أعلم.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي بكر الصديق بحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(139)
- 1369 - (2)(حدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومئتين (242 هـ). يروي عنه:(م ق).
(أنبأنا الليث بن سعد) الفهمي المصري، ثقة، من السابعة، مات سنة خمس وسبعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس المكي الأسدي، صدوق، من الرابعة، مات سنة ست وعشرين ومئة (126 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن سفيان بن عبد الله) بن ربيعة بن الحارث الثقفي الطائفي الصحابي رضي الله تعالى عنه، عن أبي أيوب الأنصاري، قال الليث بن سعد:(أظنه) أي: أظن أبا الزبير روى عن عاصم بن سفيان بن عبد الله الثقفي الطائفي عن أبي أيوب الأنصاري لا عن سفيان، والحاصل: أن الليث شك في أن أبا الزبير روى له عن سفيان بن عبد الله الثقفي الصحابي عن أبي أيوب
…
إلى آخره. يروي عنه: (م ت س ق).
أو روى له أبو الزبير (عن) ولده (عاصم بن سفيان) بن عبد الله (الثقفي)
أَنَّهُمْ غَزَوْا غَزْوَةَ السَّلَاسِلِ فَفَاتَهُمُ الْغَزْوُ، فَرَابَطُوا، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى مُعَاوِيَةَ وَعِنْدَهُ أَبُو أَيُّوبَ وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، فَقَالَ عَاصِمٌ: يَا أَبَا أَيُّوبَ؛ فَاتَنَا الْغَزْوُ الْعَامَ، وَقَدْ أُخْبِرْنَا أَنَّهُ مَنْ صَلَّى فِي الْمَسَاجِدِ الْأَرْبَعَةِ
===
وهو صدوق، من الثالثة. يروي عنه:(عم) عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: شك هل روى له أبو الزبير عن سفيان عن أبي أيوب، أو روى له أبو الزبير عن عاصم بن سفيان؟ أي: أظن أبا الزبير روى عن عاصم عن أبي أيوب الأنصاري (أنهم) أي: أن المسلمين (غزوا غزوة السلاسل) زمن معاوية، سميت بذلك؛ لأنهم يربطون الأسير بالسلسة، (ففاتهم الغزو، فرابطوا) أي: حبسوا أنفسهم لحراسة العدو في أطراف بلاد المسلمين، (ثم) بعد المرابطة (رجعوا إلى معاوية) بن أبي سفيان وهو أمير المسلمين يومئذ.
(وعنده) أي: والحال أن عند معاوية (أبو أيوب) الأنصاري خالد بن زيد بن كليب، من كبار الصحابة، شهد بدرًا، مات بالروم غازيًا سنة خمسين (50 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
(و) عند معاوية أيضًا (عقبة بن عامر) الجهني الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، ولي إمرة مصر لمعاوية ثلاث سنين، وكان فقيهًا فاضلًا، مات في قرب الستين سنة من الهجرة. يروي عنه:(ع)، (فقال عاصم) بن سفيان الثقفي:(يا أبا أيوب؛ فاتنا الغزو) في هذا (العام، وقد أُخْبِرْنَا) بالبناء للمجهول؛ أي: قال عاصم بن سفيان لأبي أيوب: وقد أُخبرنا ممن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه) أي: أن الشأن والحال (من صلى في المساجد الأربعة) قال السندي: أي: مساجد كانت، أو الثلاثة المعهودة والرابع مسجد قباء. انتهى منه.
غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ، فَقَالَ: يَا بْنَ أَخِي؛ أَدُلُّكَ عَلَى أَيْسَرَ مِنْ ذَلِكَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ تَوَضَّأَ كَمَا أُمِرَ، وَصلَّى كَمَا أُمِرَ .. غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَمَلٍ"، أَكَذَلِكَ يَا عُقْبَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
===
(غُفر له ذنبه، فقال) أبو أيوب الأنصاري لعاصم بن سفيان: (يا بن أخي) يعني: أخوة الدين.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
هل (أدلك على) أمر (أيسر) وأسهل (من ذلك) الذي ذكرته؛ أي: من الصلاة في المساجد الأربعة؛ وذلك الأيسر (أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ) وضوءًا كاملًا، (كما أمر) به من استكمال فرائضه وآدابه، (وصلى) بذلك الوضوء (كما أمر) باستكمال فرائضها وسننها .. (غُفر له ما تقدم من عمل) سيئ وذنب أيًا كان، ثم قال أبو أيوب لعقبة بن عامر؛ استشهادًا له على ما حدث:(أكذلك يا عقبة؟ ) قال: أي: هل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما قلته وحدثته يا عقبة؟ (قال) عقبة: (نعم) قال رسول الله كذلك مثل ما قلته.
قال السندي: قوله: "كما أمر" ظاهره الأمر وجوبًا، فيكفي في هذا الاقتصار على الواجبات، ويحتمل أن المراد مطلق الطلب الشامل للواجب والمندوب، فلا بد في العمل بهذا من الإتيان بالمندوب.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: النسائي؛ أخرجه في كتاب الطهارة، باب ثواب من توضأ كما أمر.
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لما قبله، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(140)
- 1370 - (3) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ أَبِي زِيَادٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ أَنَّ عَامِرَ بْنَ سَعْدٍ
===
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي بكر بحديث عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(140)
- 1370 - (3)(حدثنا عبد الله) بن الحكم (بن أبي زياد) القطواني -بفتح القاف والمهملة- وقد ينسب لجده، أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق، من العاشرة، مات سنة خمس وخمسين ومئتين (255 هـ). يروي عنه:(د ت ق).
(حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من التاسعة، مات سنة ثمان ومئتين (208 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثني) محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني (ابن أخي ابن شهاب) محمد بن مسلم، صدوق له أوهام، من السابعة، مات سنة اثنتين وخمسين ومئة (152 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
(عن عمه) محمد بن مسلم الزهري الإمام المشهور، ثقة، من الرابعة، مات سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه: (ع).
(حدثني صالح بن عبد الله بن أبي فروة) أبو عروة الأموي مولاهم المدني، وثقه ابن معين، من السادسة. يروي عنه:(ق).
(أن عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة أربع ومئة (104 هـ). يروي عنه:(ع).
أَخْبَرَهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ يَقُولُ: قَالَ عُثْمَانُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ بِفِنَاءِ أَحَدِكُمْ نَهْرٌ يَجْرِي يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، مَا كَانَ يُبَقِّي مِنْ دَرَنِهِ؟ ! "، قَالَ: لَا شَيْءَ، قَالَ:"فَإِنَّ الصَّلَاةَ تُذْهِبُ الذُّنُوبَ كَمَا يُذْهِبُ الْمَاءُ الدَّرَنَ".
===
(أخبره) أي: أخبر لصالح بن عبد الله، (قال) عامر:(سمعت أبان بن عثمان) بن عفان الأموي أبا سعيد المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة خمس ومئة (105 هـ). يروي عنه:(م عم).
(يقول) أبان: (قال) والدي (عثمان) بن عفان رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من ثمانياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أرأيت) أي: أخبرني أيها المخاطب (لو كان بفناء) وساحة دار (أحدكم) وبقربها (نهر يجري) أي: يسيل ماء (يغتسل فيه) أي: في ذلك الماء (كل يوم خمس مرات، ما كان) وكلمة ما استفهامية؛ أي: هل كان ذلك الماء (يبقي) ويترك (من درنه؟ ! ) أي: من وسخ ذلك الأحد من شيء لا قليل ولا كثير، والاستفهام إنكاري بمعنى النفي؛ أي: ما يبقي شيئًا من الدرن والوسخ، أو ما كان درنه يبقى عليه قليله ولا كثيره.
(قال) عثمان: (لا شيء) من درنه يبقى عليه، (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فإن الصلاة) الخمس المفروضة (تذهب) وتمحو (الذنوب) كلها؛ فإن الظاهر العموم، (كما يذهب) ويزيل (الماء الدرن) أي: الوسخ.
قال السندي: الفناء -بكسر الفاء والمد-: ما قرب من الدار من المكان الفاضي، والدرن -بفتحتين-: الوسخ، قوله:"فإن الصلاة تذهب الذنوب" خصها العلماء بالصغائر، ولا يخفى أنه بحسب الظاهر لا يناسب التشبيه بالماء
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
في إزالة الدرن؛ إذ ماء النهر المذكور لا يبقي من الدرن شيئًا أصلًا، وعلى تقدير أن يبقى فإبقاء القليل والصغير أقرب من إبقاء الكثير والكبير، فاعتبار بقاء الكبير وارتفاع الصغير قلب لما هو المعقول نظرًا إلى التشبيه، فلعل ما ذكروا من التخصيص مبني على أن للصغائر تأثيرًا في درن الظاهر فقط، كما يدل عليه ما ورد من خروج الصغائر عن الأعضاء عند التوضؤ بالماء، بخلاف الكبائر؛ فإن لها تأثيرًا في درن الباطن، كما جاء: أن العبد إذا ارتكب المعصية .. تحصل في قلبه نقطة سوداء ونحو ذلك، وقد قال تعالى:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (1)، وقد عُلم أن أشد الكبائر يذهبها التوبة؛ التي هي ندامة بالقلب، فكما أن الغُسل إنما يذهب بدرن الظاهر دون الباطن .. فكذلك الصلاة تُكَفِّر.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن رواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده"، فقال: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، فذكره بإسناده ومتنه، وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه الشيخان والترمذي والنسائي، ورواه النسائي في "الصغرى والكبرى"، والحاكم في "المستدرك" من طريق سعد بن أبي وقاص، قال الترمذي: وفي الباب عن جابر وأنس وحنظلة الأسدي.
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده، ولأن له شواهد كما بيناه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي بكر بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(1) سورة المطففين: (41).
(141)
- 1371 - (4) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ -يَعْنِي: مَا دُونَ الْفَاحِشَةِ- فَلَا أَدْرِي مَا بَلَغَ غَيْرَ أَنَّهُ دُونَ الزِّنَا، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ،
===
(141)
- 1371 - (4)(حدثنا سفيان بن وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، كان صدوقًا إلا أنه ابتلي بوراقه، فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنُصح فلم يقبل، فسقط حديثه، من العاشرة. يروي عنه:(ت ق).
(حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي مولاهم البصري المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه، ثقة، من الثامنة، مات سنة ثلاث وتسعين ومئة (193 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن سليمان) بن طرخان (التيمي) البصري أحد سادة التابعين، ثقة، من الرابعة، مات سنة ثلاث وأربعين ومئة (143 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي عثمان النهدي) عبد الرحمن بن مَلّ بن عمرو بن عدي، ثقة مخضرم، من الثانية، مات سنة خمس وتسعين، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
(عن عبد الله بن مسعود) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(أن رجلًا) من الصحابة (أصاب من امرأة) أجنبية (يعني) الراوي: أنه أصاب منها وفعل بها (ما دون الفاحشة) أي: الزنا؛ يعني: فعل بها ما عدا الجماع من المقدمات؛ كالقبلة والمعانقة، قال الراوي:(فلا أدري) ولا أعلم (ما بلغ) وفعل بها من المقدمات (غير أنه) أي: غير أن ما فعل بها (دون الزنا) أي: غير الزنا (فأتى) ذلك الرجل وجاء إلى (النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك) أي: فأخبر ذلك الذي فعل بها من المقدمات (له) صلى الله عليه وسلم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قوله: (أن رجلًا) من الأنصار واختلف في اسمه: قيل: اسمه أبو اليسر كعب بن عمرو، وقيل: عمرون بن غزية بن عمرو الأنصاري أبو حية التمار، وقيل: ابن مُعَتَّب رجل من الأنصار، وقيل: أبو مقبل عامر بن قيس الأنصاري، وقيل: سيهان التمار، وقيل: عباد (أصاب) أي: نال (من امرأة) أجنبية شيئًا من المباشرة (يعني) الراوي: أصاب منها (ما دون الفاحشة) أي: نال منها ما دون الجماع، وفي رواية مسلم (أصاب من امرأة قبلة) بفمه لفمها، ولم أر من ذكر اسمها. انتهى "تنبيه المعلم على مبهمات مسلم".
وذكر العيني في "عمدة القاري"(2/ 515) ستة أقوال في تعيين هذا الرجل، ورجح أنه أبو اليَسَر -بفتح المِاء والسين- الأنصاري رضي الله تعالى عنه، كما وقع في رواية الترمذي التصريح بذلك، ولفظها عن أبي اليسر، قال: أتتني امرأة تبتاع تمرًا، فقلت: إن في البيت تمرًا أطيب منه، فدخلت معي في البيت فأهويت إليها فقبلتها، فأتيت أبا بكر رضي الله تعالى عنه، فذكرت ذلك له، فقال: استر على نفسك وتب ولا تخبر أحدًا، فأتيت عمر رضي الله تعالى عنه، فذكرت ذلك له، فقال: استر على نفسك وتب ولا تخبر أحدأ، فلم أصبر حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال:"أخلفت غازيًا في سبيل الله في أهله بمثل هذا؟ ! " حتى تمنى أنه لم يكن أسلم إلى تلك الساعة، حتى ظن أنه من أهل النار.
قال: فأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلًا حتى أوحى الله تعالى إليه قوله: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ
…
} الآية (1)، قال أبو اليسر: فأتيته فقرأها عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أصحابه: يا رسول الله؛ ألهذا
(1) سورة هود: (114).
فَأَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَلِي هَذِهِ؟ قَالَ: "لِمَنْ أَخَذَ بِهَا".
===
خاصة أم للناس عامة؟ قال: بل للناس عامة. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وأبو اليسر هو بفتح الياء والسين، واسمه كعب بن عمرو السلمي، وهو من البدريين. انتهى كلام الترمذي.
أي: أصاب منها قبلة؛ أي: دون الفاحشة، وهي الزنا في الفرج، (فأتى) ذلك الرجل (النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك) الذي فعل بها (له) صلى الله عليه وسلم.
قال ابن مسعود: (فأنزل الله سبحانه) في شأن ذلك الرجل قوله تعالى: ({أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (1)، فقال) ذلك الرجل:(يا رسول الله؛ أ) خاصة (لي هذه) الآية؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم له: بل هي عامة (لمن أخذ) وعمل (بها) أي: اعتقدها وآمن أو عمل بها؛ بأن أتى بالحسنات بعد السيئات، والله أعلم. انتهى "سندي".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب المواقيت، باب الصلاة كفارة، ومسلم في كتاب التوبة، باب قوله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} ، والترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة هود، رقم (3114)، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.
(1) سورة هود: (114).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وتفسير الآية: {وَأَقِمِ} أنت يا محمد وأُمتك {الصَّلَاةَ} المفروضة في {طَرَفَيِ النَّهَارِ} أي: في جانبيه؛ يعني: في أوله وفي آخره؛ وهما الغداة والعشي، كما فسره به الثعلبي، وروي عن ابن عباس أنه فسرهما: بصلاة الفجر وصلاة المغرب، وفسره الضحاك: بالفجر والعصر، ومقاتل: بالفجر والظهر، كما في "عمدة القاري"، {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} أي: في ساعات من الليل، والزُّلَفُ -بضم الزاي وفتح اللام- جمع زُلْفَةٍ -بضم الزاي وسكون اللام- كغرف وغرفة؛ وهي ساعة من أول الليل المتصل بالنهار وفيها المغرب، وساعة من آخر الليل المتصل بالنهار وفيها العشاء.
{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} يعني: أن الحسنات تكون كفارة للصغائر؛ فإن ارتكب الإنسان صغيرة .. فإن الحسنات التي يأتي بها بعدها تكفر هذه الصغيرة، ولا يتعدى هذا الحكم إلى الكبائر؛ لما تقرر في موضعه أن الحسنات إنما تكفر الصغائر دون الكبائر؛ لقوله تعالى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (1) قال النووي: قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (2)، اختلف العلماء في المراد بالحسنات هنا: فنقل الثعلبي أن أكثر المفسرين على أنها الصلوات الخمس، واختاره ابن جرير وغيره من الأئمة، وقال مجاهد: هي قول العبد: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)، ويحتمل أن المراد بالحسنات هنا: الحسنات مطلقًا. انتهى منه.
أقول: ويؤيد الوجه الأول ما رواه أبو نعيم في "الحلية" عن أنس: (الصلوات كفارة لما بينهن
…
) الحديث.
(1) سورة النساء: (31).
(2)
سورة هود: (114).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
{ذَلِكَ} المذكور من الآيات السابقة {ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} أي: عظة للمتعظين، (قال) ابن مسعود:(فقال) ذلك (الرجل) الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن واقعته: (ألي) خاصة (هذه) الآية (يا رسول الله) أم عامة لجميع الأمة؟ يعني بها: مَحْوَ السيئاتِ بالحسنات، فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي عامة (لمن عمل)(أخذ وبها) أي: بهذه الآية؛ بأن فعل الحسنات بعد السيئات (من أمتي) إلى يوم القيامة، وفي رواية للبخاري في المواقيت: الجميع أمتي كلهم) والمراد: أن كون الحسنات مكفرة للصغائر يعم جميع المسلمين؛ فإن الله تعالى يغفر لهم سيئاتهم بما فعلوه من الحسنات، والله تعالى أعلم.
وقد بسطنا الكلام على هذه الآية في تفسيرنا "حدائق الروح والريحان"، فراجعه إن شئت. انتهى من "الكوكب الوهاج على مسلم بن الحجاج".
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث: أربعة:
الأول منها: وهو حديث أبي بكر، ذكره للاستدلال.
والثاني: وهو حديث أبي أيوب، ذكره للاستشهاد.
والثالث: وهو حديث عثمان، ذكره للاستشهاد.
والرابع: وهو حديث ابن مسعود، ذكره للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم