الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(49) - (401) - بَابُ مَا جَاءَ فِي بَدْءِ شَأْنِ الْمِنْبَرِ
(157)
- 1387 - (1) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ
===
(49)
- (401) - (باب ما جاء في بدء شأن المنبر)
(157)
-1387 - (1)(حدثنا إسماعيل بن عبد الله) بن خالد بن يزيد العبدري أبو عبد الله (الرقي) السكري قاضي دمشق، صدوق، نسب لرأي جَهْم، من العاشرة، مات بعد أربعين ومئتين. يروي عنه:(ق).
(حدثنا عبيد الله بن عمرو) بن أبي الوليد (الرقي) أبو وهب الأسدي، ثقة فقيه ربما وهم، من الثامنة، مات سنة ثمانين ومئة (180 هـ) عن ثمانين إلا سنة. يروي عنه:(ع).
(عن عبد الله بن محمد بن عقيل) -بفتح المهملة- ابن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي محمد المدني، صدوق، في حديثه لين، من الرابعة، مات بعد الأربعين ومئة. يروي عنه:(د ت ق).
(عن الطفيل بن أُبي بن كعب) الأنصاري الخزرجي، يقال له: أبو بطن؛ لعظم بطنه، ثقة، يقال: ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، من الثانية. يروي عنه:(ت ق).
(عن أبيه) أُبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن النجار الأنصاري الخزرجي أبي المنذر، من فضلاء الصحابة رضي الله تعالى عنه، اختلف في سنة موته اختلافًا كثيرًا: قيل: سنة تسع عشرة، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين (32 هـ). يروي عنه: (ع).
قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إِلَى جِذْعٍ إِذْ كَانَ الْمَسْجِدُ عَرِيشًا، وَكَانَ يَخْطُبُ إِلَى ذَلِكَ الْجِذْعِ، فَقَالَ رَجُل مِنْ أَصْحَابِهِ: هَلْ لَكَ
===
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو لين الحديث.
(قال) أُبي: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) مستقبلًا (إلى جذع) نخل - بكسر فسكون - أي: إلى أصل نخلة، قيل: الجذع: ساقُ النخلة اليابسُ، وقيل: لا يختص؛ لقوله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} (1)، (إذ كان المسجد) أي: المسجد النبوي (عريشًا) أي: مَظلَّة ظُللت بخوص النخلة، والعريش: ما يستظل به كعريش الكرم، وكان المسجد أولًا على تلك الهيئة، (وكان) النبي صلى الله عليه وسلم أولًا (يخطب) ويعظ الناس مستندًا بظهره (إلى ذلك الجذع) كما في "التحفة".
(فقال) له صلى الله عليه وسلم (رجل من أصحابه) وفي "أبي داوود" أن القائل تميم الداري، ولا منافاة بين هذا وبين ما في الصحيح أنه أرسل إلى امرأة من الأنصار: مُري غلامَكِ، أو فإنها جاءت، فقالت: إن لي غلامًا نجارًا؛ لأنه يمكن أن تميمأ هو الذي دله على المنبر أولًا، ثم أرسل صلى الله عليه وسلم إلى المرأة، ولعل تميمًا هو الذي قال للمرأة بذلك أيضًا، فجاءت المرأة إليه صلى الله عليه وسلم بذلك الغلام، ثم أرسل صلى الله عليه وسلم إليها في ذلك للإسراع والتعجيل حين أَخَّرَتْ في الأمر، وبهذا يظهر التوفيقُ بين الأحاديث التي وردت في هذا الباب. انتهى "سندي".
أي: قال ذلك الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل لك) رغبة في
(1) سورة مريم: (25).
أَنْ نَجْعَلَ لَكَ شَيْئًا تَقُومُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَرَاكَ النَّاسُ وَتُسْمِعَهُمْ خُطْبَتَكَ؛ قَالَ: "نَعَمْ"، فَصَنَعَ لَهُ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ فَهِيَ الَّتِي أَعْلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا وُضِعَ الْمِنْبَرُ .. وَضَعُوهُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُومَ إِلَى الْمِنْبَرِ .. مَرَّ إِلَى الْجِذْعِ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا جَاوَزَ الْجِذْعَ .. خَارَ حَتَّى تَصَدَّعَ وَانْشَقَّ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا سَمِعَ صَوْتَ الْجِذْعِ
===
(أن نجعل لك شيئًا) مرتفعًا (تقوم عليه يوم الجمعة) حينَ تعظُ الناس (حتى يراك الناس) وقتَ الخطبة (وتُسمعهم خطبتَك) -بضم التاء- من الإسماع؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) لي رغبة في ذلك، (فصَنَع له) صلى الله عليه وسلم الرجل (ثلاثَ درجات) أي: منبرًا له ثلاثُ درجات، (فهي) أي: الدرجات الثلاث هي (التي) كانَتْ (أَعْلَى المنبر) وأرفعَه؛ إذ أدنى المنبر درجةٌ وأوسطُه درجتان وأعلاه ثلاثُ درجات.
(فلما) صُنع و (وضع المنبر) لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. (وضعوه) أي: وضعت الصحابة المنبرَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم (في موضعه) أي: في موضعِ المنبر (الذي) كان (هو) أي: المنبر (فيه) الآن، (فلما أراد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم) مستندًا (إلى المنبر .. مر) منتهيًا (إلى الجذع الذي كان) صلى الله عليه وسلم (يخطُب) مستندًا (إليه، فلما جاوز الجذعَ) أي: وصل إليه ومر عليه .. (خار) الجذعُ؛ أي: صاح صياحَ البقرة وبكَى، له حَنِينٌ كحنين الإبل (حتى تصدَّع) من الصدع وهو الشقُّ، وقوله:(وانشق) تفسير له، وقوله:(خار) من الخُوار - بالضم - وأصله صياح البقرة، ثم استعير لكل صياح.
(فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر (لما سمع صوت الجذع)
فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ حَتَّى سَكَنَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ إِذَا صلَّى .. صَلَّى إِلَيْهِ، فَلَمَّا هُدِمَ الْمَسْجِدُ وَغُيِّرَ .. أَخَذَ ذَلِكَ الْجِذْعَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَكَانَ عِنْدَهُ فِي بَيْتِهِ حَتَّى بَلِيَ، فَأَكَلَتْهُ الْأَرَضَةُ وَعَادَ رُفَاتًا.
===
وحنينَه، (فـ) جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم و (مسحه بيده) الشريفة (حتى سكن) الجذع وسكت وترَكَ حنينَه، (ثم) بَعْدَ سكونهِ وسكوتِهِ (رجع) رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (إلى المنبر) وخطب الناس، وصياحُ الجذع وحنينهُ هو من المعجزات الباهرة التي جاءت متواترة، كما صرَّح به عياض وغيره من أصحابِ السير، (فكان) صلى الله عليه وسلم بعد ذلك (إذا صلى) أي: أراد الصلاةَ (صلى) متوجهًا (إليه) خوفًا مِن صياحه.
(فلما هُدم المسجد) النبوي للتوسعة (وغُيِّرَ) عن حاله الأول بالبناء للمفعول في الفعلين؛ أي: غُيِّر في عهد عمر رضي الله تعالى عنه حين زاد في المسجد .. (أخذ ذلك الجذعَ أُبيُّ بن كعب) رضي الله تعالى عنه، (وكان) ذلك الجذعُ (عنده) أي: عند أُبَيٍّ (في بيته حتى بَلِي) ذلك الجذع من بابِ سمع؛ أي: حتى صار عتيقًا مُفتَّتًا، (فأكلَتْهُ الأَرَضَةُ) -بفتحات-: دويبة صغيرة تأكل الخشسب وغيرَه، (وعاد) ذلك الجذع؛ أي: صار (رفاتًا) بوزن غراب؛ أي: فتاتًا، والرفاتُ: ما يتكسَّر ويتقطَّع حتى صار ترابًا مختلطًا به.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن رواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده"، ودرجته: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا، كما مر، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى له بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه، فقال:
(158)
-1388 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ
===
(158)
-1388 - (2)(حدثنا أبو بكر) محمد (بن خلاد) بن كثير (الباهلي) البصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(م د س ق).
(حدثنا بهز بن أسد) العمي أبو الأسود البصري، ثقة ثبت، من التاسعة، مات بعد المئتين، وقيل قبلها. يروي عنه:(ع).
(حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار البصري أبو سلمة، ثقة عابد أثبت الناس في ثابت، من كبار الثامنة، مات سنة سبع وستين ومئة (167 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن عمار بن أبي عمار) مولى بني هاشم - ويقال: مولى بني الحارث - ابن نوفل أبي عمرو المكي، صدوق، من الثالثة، مات بعد العشرين ومئة (120 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما.
(و) حدثنا أيضًا حماد بن سلمة (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من الرابعة، مات سنة بضع وعشرين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن أنس) بن مالك رضي الله تعالى عنهما.
وهذان السندان من خماسياته، وحكمهما: الصحة؛ لأن رجالهما ثقات أثبات.
كلاهما حدثا (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب) مستندًا (إلى جذع) النخلة، (فلما اتخذ) النبي صلى الله عليه وسلم (المنبر) وصنع له ..
ذَهَبَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَحَنَّ الْجِذْعُ فَأَتَاهُ، فَاحْتَضَنَهُ فَسَكَنَ، فَقَالَ:"لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ .. لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
(159)
- 1389 - (3) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ الْجَحْدَرِيُّ،
===
(ذهب إلى المنبر) ليخطب عليه، (فحن الجذع) أي: صاح وبكى، من الحنين؛ وهو صوت كالأنين يكون عند الشوق لمن يهواه إذا فارقه، ويوصف به الإبل كثيرًا، قال الجوهري: الحنين: الشوق وتوَقَانُ النفس، تقول حَنَّ إليه، وحنين الناقة صوتها في نزعها إلى ولدها.
(فأتاه) النبي صلى الله عليه وسلم (فاحتضنه) أي: التزمه واعتنقه من الحضن؛ والحضن ما تحت الإبط إلى الكشح، واحتضن الشيء إذا جعله في حضنه. انتهى "مختار" أي: فضمه إلى حضنه، (فسكن) الجذع؛ أي: سكت وترك الحنين، (فقال) صلى الله عليه وسلم:(لو لم أحتضنه) أي: لو لم أضمه إلى حضني .. (لَحَنَّ) وبكى (إلى يوم القيامة).
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن رواه أحمد بن منيع في "مسنده"، قال: حدثنا أبو نصر، حدثنا حماد
…
فذكره بإسناده ومتنه، ورواه عبد بن حميد والحارث بن أبي أمامة، وأحمد بن حنبل في "المسند" والدارمي في المقدمة، وأبو نعيم في "دلائل النبوة".
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده، ولأن له شواهد، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أُبي بن كعب بحديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(159)
-1389 - (3)(حدثنا أحمد بن ثابت الجحدري) أبو بكر
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَيِّ شَيءٍ هُوَ؛ فَأَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي، هُوَ مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ
===
البصري، صدوق، من العاشرة، مات بعد الخمسين ومئتين. يروي عنه:(ق).
(حدثنا سفيان بن عيينة) الكوفي ثم المكي، ثقة إمام، من الثامنة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة (198 هـ). يروي عنه (ع).
(عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني القاضي مولى الأسود بن سفيان، ثقة عابد، من الخامسة، مات في خلافة المنصور. يروي عنه:(ع).
(قال) أبو حازم: (اختلف الناس في منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أي شيء) من الأشجار (هو؟ ) أي: منبره صلى الله عليه وسلم، (فأتوا) أي: فأتى الناس (سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي رضي الله تعالى عنه، مات سنة ثمان وثمانين (88 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
وهذا السند من رباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(فسألوه) أي: فسأل الناس سهل بن سعد من أي شجر منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ (فقال) سهل: (ما بقي أحد من الناس) على الأرض (أعلم به) أي: بشيء صنع منه منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم (مني) أي: أنا أعلم من على الأرض به؛ لأن الذين يعلمون به ماتوا، وأنا أخبركم به وأقول لكم:(هو) أي: منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم نحت (من) خشب (أثل الغابة) أي: من خشب شجر ينبت في الغابة يسمى بالأثل، قال
عَمِلَهُ فُلَانٌ مَوْلَى فُلَانَةَ نَجَّارٌ، فَجَاءَ بِهِ فَقَامَ عَلَيْهِ حِينَمَا وُضِعَ، فَاسْتَقْبَلَ وَقَامَ النَّاسُ خَلْفَهُ فَقَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَرَجَعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَرَأَ
===
السندي: الأثل اسم نوع من الشجر، والغابة موضع قريب من المدينة معروف من عوالي المدينة جهة الشام. انتهى "كوكب"، فيه أشجار كثيرة ملتفة متراكمة، قال في "المختار": وهو نوع من الطرفاء في الأرميا (بربرس)، والغابة الأجمة -بفتح الهمزة والجيم- جمعها غاب. انتهى منه. وفي رواية مسلم: وهو من طرفاء الغابة، والطرفاء في الأرميا (غاثرًا).
(عمله) أي: نحته (فلان مولى فلانة) من الأنصار هو (نجار) أي: صناع للأبواب والصناديق، (فـ) نحته و (جاء به) أي: بذلك المنبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، (فقام) النبي صلى الله عليه وسلم (عليه) أي: على ذلك المنبر (حينما وضع) له ذلك المنبر في موضعه الذي كان فيه الآن، (فاستقبل) رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة (وقام الناس خلفه) أي: وراءه مقتدين به (فقرأ) الفاتحة وما تيسر له من القرآن.
(ثم ركع) أي: هوى للركوع وهو على المنبر، (ثم رفع رأسه) من الركوع، (فرجع) رجوع (القهقرى) أي: وراءه ونزل من المنبر للسجود على الأرض؛ أي: رجع رجوع الماشي إلى ورائه؛ لئلا ينحرف عن القبلة، قالوا: وهذا عمل قليل لا يبطل الصلاة، وقد فعله صلى الله عليه وسلم؛ ليظهر كيفية الصلاة للقريب والبعيد، ولبيان جواز هذا العمل القليل، فلا إشكال. انتهى "سندي".
(حتى سجد بالأرض) أي: فسجد على الأرض لضيق المنبر عن السجود، (ثم) بعد السجود على الأرض (عاد) أي: رجع (إلى المنبر فقرأ) الفاتحة وما
ثُمَّ رَكَعَ فَقَامَ ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ بِالْأَرْضِ.
===
تيسر له من القرآن، (ثم ركع) ركوع الركعة الثانية على المنبر، (فقام) أي: رفع رأسه من الركوع، (ثم رجع القهقرى حتى) نزل إلى الأرض، فـ (سجد) السجدتين للركعة الثانية (بالأرض) أي: على الأرض.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الصلاة، باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب، رقم (377)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة، رقم (44/ 544).
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.
قوله: (عمله فلان مولى فلانة) من الأنصار، اسمها عائشة، واسم الغلام باقوم، أو ميمون، أو مينا - بكسر الميم - أو قبيصة، أو باقول - باللام - أو صباح -بضم الصاد- أو تميم الداري، أو غير ذلك، ويحتمل أن يكون المراد به تميمًا الداري؛ لأنه كثير السفر إلى الروم وأشبه الأقوال بالصواب أنه ميمون، ولا اعتداد بالأخرى لوهائها، وحمله بعضهم على أن الجميع اشتركوا في عمله، وعورض بقوله في كثير من الروايات:(ولم يكن بالمدينة إلا نجار واحد).
وأجيب باحتمال أن المراد بالواحد: الماهر في صناعته، والبقية أعوان له، كذا في "الفتح" و"الإرشاد". انتهى من "الكوكب"، قال الأبي: وأساتيذ المغرب، بل فجميع أساتيذ أهل الأرض الآن يجلسون للتدريس على الكراسي، وهذا الحديث أصل وحجة لهم. انتهى.
وفي رواية هشام بن سعد عن أبي حازم عند الطبراني: (فخطب الناس عليه، ثم أقيمت الصلاة، فكبر وهو على المنبر) فأفادت هذه الرواية تقدم الخطبة على الصلاة. انتهى من "العون".
(160)
- 1390 - (4) حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا ابْن أَبِي عدِيٍّ،
===
وفي رواية مسلم زيادة: (ثم أقبل على الناس، فقال: يا أيها الناس؛ إني صنعت هذا) العمل من صلاتي على المنبر (لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي) فبين صلى الله عليه وسلم أن صعوده على المنبر وصلاته عليه إنما كان للتعليم؛ ليرى جميعهم أفعال صلاته، بخلاف ما إذا كان على الأرض؛ فإنه لا يراه إلا بعضهم.
وفي الحديث جواز العمل اليسير في الصلاة، وكذا الكثير إن تفرق، وجواز قصد تعليم المأمومين أفعال الصلاة بالفعل، وارتفاع الإمام على المأمومين، وتشريع الخطبة على المنجر لكل خطيب، واتخاذ المنبر؛ لكونه أبلغ في مشاهدة الخطيب والسماع منه، كذا ذكره القسطلاني في "إرشاد الساري".
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أُبي بن كعب بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم، فقال:
(160)
- 1390 - (4)(حدثنا أبو بشر بكر بن خلف) البصري ختن المقرئ عبد الله بن يزيد المكي أبي عبد الرحمن المقرئ، أصله من البصرة، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(د ق).
(حدثنا ابن أبي عدي) محمد بن إبراهيم السلمي مولاهم أبو عمرو البصري، ثقة، من التاسعة، مات سنة أربع وتسعين ومئة (194 هـ). يروي عنه:(ع).
عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ إِلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ أَوْ قَالَ: إِلَى جِذْعٍ، ثُمَّ اتَّخَذَ مِنْبَرًا قَالَ: فَحَنَّ الْجِذْعُ قَالَ جَابِر: حَتَّى سَمِعَهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، حَتَّى أَتَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَسَحَهُ فَسَكَنَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
===
(عن سليمان) بن طرخان (التيمي) أبي المعتمر البصري، ثقة، من الرابعة، مات سنة ثلاث وأربعين ومئة (143 هـ) عن سبع وتسعين (97) سنة. يروي عنه:(ع).
(عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي العوقي -بفتح المهملة والواو ثم قاف- البصري، ثقة، من الثالثة، مات سنة ثمان أو تسع ومئة (108 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) جابر: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب (يقوم) مستندًا (إلى أصل شجرة) وخشبها، (أو قال) جابر: مستندًا (إلى جذع) من سواري المسجد، كما في رواية النسائي، (ثم اتخذ منبرًا) يقوم عليه عند الخطبة، فلما صنع المنبر واستوى عليه .. (قال) جابر:(فحن الجذع) أي: صاح وبكى، (قال جابر: حتى سمعه) أي: سمع صوت الجذع (أهل المسجد) وفي رواية النسائي: (اضطربت تلك السارية كحنين الناقة حتى سمعها أهل المسجد).
(حتى) نزل من المنبر و (أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسحه) بيده الشريفة واعتنقها، (فسكن) الجذع؛ أي: سكت وترك الحنين، (فقال بعضهم) أي: بعض الرواة مرفوعًا -كما في حديث ابن عباس رضي الله تعالى
لَوْ لَمْ يَأْتِهِ .. لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
===
عنهما-: (لو لم يأته) أي: لم يأت ذلك الجذع النبي صلى الله عليه وسلم فمسحه بيده واعتنقه .. (لحن) ذلك الجذع وصاح وبكى (إلى يوم القيامة).
قوله: (فقال بعضهم) لا ينافي ما تقدم في حديث ابن عباس وأنس من أن هذا قد قاله هو صلى الله عليه وسلم؛ لجواز أن هذا البعض قال بعد أن سمعه منه صلى الله عليه وسلم، بل هذا هو المتعين؛ لأن مثله لا يمكن أن يقال مِنْ قِبَلِ الرَأْيِ، فهذا مؤيد لما تقدم لا مناف له.
نعم؛ ظاهره أن جابرًا ما سمعه منه صلى الله عليه وسلم، ولا بُعْدَ فيه.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن رواه النسائي في "الصغرى" بسند آخر عن جابر بن عبد الله، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: أربعة أحاديث:
الأول منها للاستدلال، والبواقي للاستشهاد، وكلها صحيحة.
والله سبحانه وتعالى أعلم