الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(46) - (398) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ
(150)
- 1380 - (1) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي سَوْدَةَ، عَنْ أَخِيهِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سَوْدَةَ، عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
===
(46)
- (398) - (باب ما جاء في الصلاة في مسجد بيت المقدس)
(150)
- 1380 - (1)(حدثنا إسماعيل بن عبد الله) بن خالد بن يزيد العبدري أبو عبد الله (الرقي) السُّكَّري قاضي دمشق، صدوق، من العاشرة، مات بعد الأربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(ق).
(حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة مأمون، من الثامنة، مات سنة سبع وثمانين ومئة (187 هـ)، وقيل: سنة إحدى وتسعين ومئة. يروي عنه: (ع).
(حدثنا ثور بن يزيد) - بزيادة ياء تحتانية في أول اسم أبيه - أبو خالد الحمصي، ثقة ثبت إلا أنه يرى القدر، من السابعة، مات سنة خمسين ومئة (150 هـ)، وقيل: سنة ثلاث أوخمس وخمسين ومئة. يروي عنه: (خ عم).
(عن زياد بن أبي سودة) المقدسي، ثقة، من الثالثة. يروي عنه:(د ق).
(عن أخيه عثمان بن أبي سودة) المقدسي، ثقة، من الثالثة. يروي عنه:(د ت ق).
(عن ميمونة) بنت سعد، ويقال: بنت سعيد (مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وخادمته الصحابية رضي الله تعالى عنها، لها حديث واحد. روت عن: النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عنها: (عم)، وزياد وعثمان ابنا أبي سودة، وغيرهم.
قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ: "أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ؛ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ"، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: "فَتُهْدِي لَهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ؛ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ .. فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ".
===
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قالت) ميمونة: (قلت: يا رسول الله؛ أفتنا) أي أجب سؤالنا واستفتاءنا (في) شأن (بيت المقدس) هل لها فضيلة على غيرها من بقاع الأرض؟ وهل يجوز زيارتها بعد نسخ الاستقبال إليها؟ فـ (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب استفتائها: هي (أرض المحشر) أي: أرض يُحشر ويساق إليها النَّاسُ عند قرب القيامة، (و) أرض (المنشر) أي: أرض يجمع فيها الخلائق عند البعث من القبور، (ائتوه) أي: زوروه واذهبوا إليه (فصلوا فيه) أي: فصلوا في مسجد بيت المقدس؛ فإنه مُصلى الأنبياء والمرسلين ومسجدهم؛ (فإن صلاة) واحدة (فيه) أي؛ في مسجد بيت المقدس (كألف صلاة في غيره) من سائر المساجد في الأجر إلا مسجدي هذا والمسجد الحرام.
قالت ميمونة: (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرأيت) أي: أخبرني يا رسول الله ماذا أفعل (إن لم أستطع) ولم أقدر (أن أتحمل) وأرتحل وأسافر (إليه؟ ) أي: إلى مسجد بيت المقدس؛ لفقد الزاد والراحلة، (قال) لها النبي صلى الله عليه وسلم:(فـ) إن لم تستطيعي أن ترتحلي إليه (تُهدي له) وترسلي (زيتًا يُسْرَجُ) ويوقد ويستصبح (فيه) أي: في مسجده، والزيت هو دُهن الزيتون؛ (فمن فعل ذلك) الإهداء له؛ أي: إهداء الزيت له .. (فهو) أي: فذلك المهدِي له زيتًا (كمن أتاه) وجاءه وزاره في الأجر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال السندي: قوله: (أفتنا) بفتح الهمزة؛ لأنه من الإفتاء (في بيت المقدس) بكسر الدال والتخفيف، أو بفتحها والتشديد، والميم مفتوحة على الأول، مضمومة على الثاني، والمراد: بيِّن لنا هل تَحِلُّ الصلاة فيه بعد أن نسخ التوجه إليه أم لا؟
قوله: "أرض المحشر والمنشر" أي: يوم القيامة، والمراد أنه يكون الحشر إليه في قرب القيامة، كما تدل عليه الأحاديث الصحيحة.
قوله "في غيره" أي: إلا مسجد المدينة والمسجد الحرام، ومقتضاه: أن الصلاة فيه كالصلاة في مسجد المدينة.
قوله: "أن أتحمل إليه" أي: أرتحل إليه، يقال: تحمل إذا ارتحل، وفي "أبي داوود": فكانت البلاد إذ ذاك حربًا، (فتُهدي) من الإهداء، قيل: يشبه أن يكون سببه أن الصلاة نور، كما في "مسلم" وغيره، وكذا الزيت إذا أُسْرِجَ به، ويؤخذ من الحديث حكم السراج في المسجد. انتهى منه، وفي "العون": في الحديث جواز شد الرحال إلى بيت المقدس، وأداء الصلاة فيه، واتخاذ السرج في المساجد.
قال البوصيري: روى أبو داوود بعضه من حديث ميمونة أيضًا عن النفيلي عن مسكين بن بكير عن سعيد بن عبد العزيز عن زياد ابن أبي سودة عن ميمونة، وإسناد طريق ابن ماجه صحيح رجاله ثقات، وهو أصح من طريق أبي داوود؛ فإن بين زياد بن أبي سودة وميمونة .. عثمان بن أبي سودة، كما صرح به ابن ماجه في طريقه، وكما ذكره العلائي صلاح الدين في "المراسيل"، ورواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده": حدثنا أبو موسى إسحاق بن إبراهيم الهروي، حدثنا عيسى بن يونس
…
فذكره بتمامه كما رواه ابن ماجه، ورواه من طريق ثور عن
(151)
- 1381 - (2) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ الْجَهْمِ الْأَنْمَاطِيُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ السَّيْبَانِيِّ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو،
===
زياد عن أبي أمامة، قالت ميمونة: يا رسول الله؛ أفتنا
…
فذكره، وله شاهد من حديث أبي ذر رواه أبو يعلى الموصلي.
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده، ولأن له شاهدًا، إلا قوله:(فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره) فإنه منكر؛ لمخالفته الراوية الصحيحة، فإن فيها:(إن صلاة فيه بخمس مئة صلاة في غيره سوى مسجدي مكة والمدينة)، وغرضه بسوقه: الاستدلال به على الترجمة.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ميمونة بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم، فقال:
(151)
- 1381 - (2)(حدثنا عبيد الله بن الجهم الأنماطي) البصري، مقبول مجهول الحال، من الحادية عشرة، مات بعد الخمسين ومئتين. يروي عنه:(ق).
(حدثنا أيوب بن سويد) الرملي أبو مسعود الحميري السيباني - بمهملة مفتوحة ثم تحتانية ساكنة ثم موحدة - صدوق يخطئ متفق على ضعفه، من التاسعة، مات سنة ثلاث وتسعين ومئة (193 هـ)، وقيل: سنة اثنتين ومئتين. يروي عنه: (د ت ق).
(عن أبي زرعة) الحمصي (السَّيْبَاني يحيى بن أبي عمرو) -بفتح المهملة وسكون التحتانية بعدها موحدة - ثقة، من السادسة، وروايته عن الصحابة مرسلة، مات سنة ثمان وأربعين ومئة (148 هـ)، أو بعدها. يروي عنه:(د س ق).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُودَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ .. سَأَلَ اللهَ ثَلَاثًا حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا اثْنَتَانِ
===
(حدثنا عبد الله بن الديلمي) اسمه فيروز، ثقة، من كبار التابعين، ومنهم من ذكره في الصحابة. يروي عنه:(د س ق).
(عن عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه أيوب بن سويد، وهو متفق على ضعفه، وفيه أيضًا عبيد الله بن الجهم، وهو مجهول الحال.
(عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما فرغ سليمان بن داوود من بناء بيت المقدس) أي: من تجديد بنائه؛ لأن أول من بناه يعقوب وبنوه، كما مر قريبًا .. (سأل الله) عز وجل (ثلاثًا) من الخصال؛ سأله أن يوفقه (حُكْما يصادف) أي: يوافق (حكمه) تعالى؛ يعني: حكمًا موافقًا للحق عنده عند فصل الخصوم، والمراد: التوفيق للصواب عند الاجتهادِ وفصلِ الخصومات بين الناس، (و) أن يعطيه (ملكًا لا ينبغي) ولا يحصل (لأحد) من الناس (من بعده)، ولعلَّ مراده: لا يكون لعِظمِه معجزةٌ له فيكون سببًا للإيمان به والهداية، ولكونه ملكًا أراد أن تكون معجزتُه ما يناسب حالَه.
(و) سأله (ألَّا يأتي هذا المسجد) الذي بناه؛ يعني: مسجدَ بيت المقدس؛ يعني: لا يَدْخُل فيه (أحد) من الناس حالة كونه إلا يريد إلا الصلاة فيه إلا خَرجَ من ذنوبه كيوم ولدته أمه) أي: صافيًا مغفورًا له، (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمَّا اثنتان) من الخصالِ الثلاث؛ وهما الأُوليَان ..
فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ".
(152)
- 1382 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
===
(فقد أُعطيهما) أي: أُجيبت دعوتُه فيهما، (وأرجو) له من الله تعالى (أن يكون) سليمان (قد أُعطِيَ) الخصلةَ (الثالثة) أي: الأخيرة؛ وهي غفران ذنوبِ مَنْ صلى في مسجد بيت المقدس، ومعنى الرجاءِ له: أن يَدْعُوَ له قبولها.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: النسائي في كتاب المساجد، باب فضل المسجد الأقصى والصلاة فيه، وروى أبو داوود بعضه أيضًا من حديث ابن عمرو أيضًا، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" من حديث ابن عمر أيضًا.
فدرجة الحديث: أنه صحيح وإن كان سنده ضعيفًا؛ لأن له شاهدًا، فالحديث ضعيف السند، صحيح المتن، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ميمونة بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما، فقال:
(152)
-1382 - (3)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى الساميُّ البصريُّ، ثقة، من الثامنة، مات سنة تسع وثمانين ومئة (189 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من السابعة، مات سنة أربع وخمسين ومئة (154 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى".
===
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى").
قال السندي: شد الرحال كناية عن السفر، والمعنى: لا ينبغي شد الرحال في السفر من بين المساجد إلا إلى ثلاثة مساجد، أما السفر للعلم وزيارة العلماء والصلحاء وللتجارة ونحو ذلك .. فغير داخل في حيز المنع، وكذلك زيارة المساجد بلا سفر؛ كزيارة مسجد قباء لأهل المدينة غير داخل في حيز النهي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، ومسلم في كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى الحج، وباب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، وأحمد بن حنبل في "مسنده".
فدرجة هذا الحديث: أنه في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.
قوله: "لا تشد" بالبناء للمفعول "الرحال" نائب فاعل؛ أي: لا تُرحَّل الرواحل والمراكب إلى أي مسجد كان "إلا إلى" واحد من هذه الثلاثة؛ فإنها ترحل إليها؛ لفضلها على غيرها، قال القاضي عياض: شد الرحال كناية عن السفر البعيد، وقد فسر هذا المعنى بقوله في الحديث: إنما يسافر لثلاثة مساجد، فالمعنى: لا يسافر لمسجد بعيد للصلاة فيه إلا لأحد هذه الثلاثة، واختصت الثلاثة بذلك؛ لفضلها على غيرها.
وجملة الشد خبرية اللفظ إنشائية المعنى، فهي في معنى النهي، وهو أبلغ في ثبوت الحكم من صريح النهي؛ لأنه يعطي أن الحكم ثبت وتقرر حتى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
صار يخبر عنه. انتهى من "أبي"، ولا يقال: إن النهي عن شد الرحال عام مخصوص؛ لجواز شده لطلب العلم والجهاد والتجارة ولزيارة الصالحين على قول من يقول بجواز شدها لزيارتهم، لأن هذه المذكورات لا يتناولها اللفظ حتى يخصص. انتهى أبي.
والمعنى: لا تشدوا إلى غيرها، لأن ما سِوى الثلاثة متساوفي الرتبة غير متفاوت في الفضيلة عربًا وعجمًا شرقًا وغربًا، وكان الترحل إليه ضائعًا وعبثًا. انتهى من "المرقاة".
"مسجدي هذا" بدل من ثلاثة بدل تفصيل من مجمل "ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى" قال الأبي: ليس هذا من باب إضافة الشيء إلى نفسه المتفق على منعها، وإنما هي من إضافة الموصوف إلى صفته المختلف في جوازها، فيجيزها الكوفيون، ويمنعها البصريون، ويتأولون ما جاء منها على حذف موصوف؛ فالتقدير: مسجد المكان الحرام، ومسجد المكان الأقصى، كما يقال: مسجد المكان الجامع، ومنه قوله تعالى:{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} (1)؛ أي: المكان الغربي، ونظائره كثير في كلامهم، قال النووي: وسُمي الأقصى؛ لبعده عن المسجد الحرام. انتهى من "الكوكب".
وفي رواية أبي سفيان عن أبي هريرة عند مسلم أنه سمع أبا هريرة يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد: مسجد الكعبة، ومسجدي، ومسجد إيلياء" والإضافة في مسجد الكعبة للمجاورة؛ وهو المحل الذي يصح فيه الطواف، بخلاف البعيد عنها، كما مر.
(1) سورة القصص: (44).
(153)
-1383 - (4) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَإلَى مَسْجِدِي هَذَا".
===
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ميمونة بحديث أبي سعيد وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم، فقال:
(153)
-1383 - (4)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي، صدوق، من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ) على الصحيح يروي عنه:(خ عم).
(حدثنا محمد بن شعيب) بن شابور - بالمعجمة والموحدة - الأموي مولاهم الدمشقي نزيل بيروت، صدوق، من كبار التاسعة، مات سنة مئتين (200 هـ).
يروي عنه: (عم).
(حدثنا يزيد بن أبي مريم) اسم أبيه ثابت الأنصاري الدمشقي، إمام الجامع، لا بأس به، من السادسة، مات سنة أربعين ومئة (140 هـ)، أو بعدها. يروي عنه:(خ عم).
(عن قزعة) بن يحيى البصري، ثقة، من الثالثة. يروي عنه:(ع).
(عن أبي سعيد وعبد الله بن عمرو بن العاص) رضي الله عنهم.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ إلى المسجد الحرام، وإلى المسجد الأقصى، وإلى مسجدي هذا").
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وشارك المؤلف في روايةِ حديثِ أبي سعيد الخدري: البخاريُّ في كتاب الصلاة، باب مسجد بيت المقدس، ومسلم في كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى الحج وغيره، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في أيُّ المساجد أفضلُ عن أبي سعيد الخدري، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وأحمد في "مسنده".
وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص .. فانفرد به ابن ماجه.
وأما حديث أبي سعيد .. فهو في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه.
وأما حديث عبد الله بن عمرو .. فهو صحيح أيضًا؛ لصحة سنده، ولأن له شواهد، وغرضه بسوقهما: الاستشهاد بهما.
قال القرطبي: ولا شك في أن هذه المساجد الثلاثة إنما خصت بهذا لفضلها على سائر المساجد كما تقدم، فمن قال في نذره: لله على صلاة في أحدها، وهو في غيرها .. فعليه إتيانها بَعُدَ أو قَرُبَ، فإن قال في نذره: ماشيًا .. فلا يلزمه المشي على المشهور إلا في مسجد مكة خاصة، وأما المسجدان الآخران .. فالمشهور أنه لا يلزم المشي إليهما من نذره، ويأتيهما راكبًا، وقال ابن وهب: يأتيهما ماشيًا كما سمَّى، وهو القياس؛ لأن المشي إلى مكة إنما يلزم من حيث إنه كان قربة موصلة إلى عبادة تفعل في مسجد له حرمة عظيمة، فكذلك يلزم كلُّ مشيِ قربةٍ بتلك الصفة، ولا يلزمه المشي إلى سائر المساجد؛ لأن البعيد منها قد نُهي عن السفر إليها، والقريبة منها متساوية الفضيلة، فيصلي حيث شاء منها، وقد قال بعض أصحابنا: إن كانت قريبة على أميال يسيرة .. فيأتيها، وإن نذر أن يأتيها ماشيًا .. أتى ماشيًا؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
لأن المشي إلى الصلاة طاعة ترفع به الدرجات وتحط به الخطايا. انتهى من "المفهم" باختصار.
قال المازري: ذهب بعض مشايخنا إلى أن المكي والمدني إذا نذر أحدهما الصلاة في مسجد بيت المقدس .. لا يخرج إليه؛ لأن مسجده أفضل، وأن المقدسي إذا نذر الصلاة في مسجد أحد الحرمين .. يأتيه؛ لأنهما أفضل من مسجده، وقياس قول مالك على هذه الطريقة أن المدني إذا نذر مسجد مكة .. لا يأتيه؛ لأن المدينة عنده أفضل، وإن نذر المكي مسجد المدينة .. أتاه، وقال بعض شيوخنا: الأولى للمكي والمدني أن يأتي كل واحد منهما مسجد الآخر؛ ليخرج من الخلاف الواقع في تفضيل أحدهما على الآخر.
قال الحافظ ابن حجر: واستدل بحديث شد الرحال على أن من نذر إتيان أحد هذه الثلاثة .. لزمه ذلك، وبه قال مالك والشافعي وأحمد والبويطي، واختاره أبو إسحاق المروزي، وقال أبو حنيفة: لا يجب مطلقًا، وقال الشافعي في "الأم": يجب في المسجد الحرام؛ لتعلق النسك به، بخلاف المسجدين الآخرين، وهذا هو المنصور لأصحاب الشافعي، وقال ابن المنذر: يجب إلى الحرمين، وأما الأقصى .. فلا، واستأنس بحديث جابر. انتهى "فتح الملهم".
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: أربعة أحاديث:
الأول للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم