الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والليث وأبي حنيفة ومحمد والشافعي وأحمد وإسحاق، ثم قال: وقال مالك: حيض في أيام الحيض وغيرها، وأظن أن حديث أم عطية لم يبلغه) اهـ.
قلت: ومذهب مالك أنها حيض في أيام الحيض بلا خلاف بين أصحابه كما ذكره ابن عبد البر، وأما في غيرها فعلى المشهور عندهم. فتحصّل من هذا الإتفاق على أنها بعض الحيض لها حكمه، وبعده في الطهر لا تدل على الحيض على الصحيح والله أعلم.
226 - باب مَا يُنَالُ مِنَ الْحَائِضِ وَتَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} الآيَةَ
367 -
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَنْبَأَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهُنَّ وَلَا يُشَارِبُوهُنَّ وَلَا يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} الآيَةَ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنْ يُؤَاكِلُوهُنَّ وَيُشَارِبُوهُنَّ وَيُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، وَأَنْ يَصْنَعُوا بِهِنَّ كُلَّ شَىْءٍ مَا خَلَا الْجِمَاعَ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: مَا يَدَعُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا مِنْ أَمْرِنَا إِلَّا خَالَفَنَا. فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَأَخْبَرَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَا: أَنُجَامِعُهُنَّ فِي الْمَحِيضِ؟ فَتَمَعَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَمَعُّرًا شَدِيدًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ غَضِبَ فَقَامَا، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَدِيَّةَ لَبَنٍ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمَا فَرَدَّهُمَا فَسَقَاهُمَا، فَعُرِفَ أَنَّهُ لَمْ يَغْضَبْ عَلَيْهِمَا.
• [رواته: 5]
1 -
إسحاق بن إبراهيم: وتقدم 2.
2 -
سليمان بن حرب: تقدم 288.
3 -
حماد بن سلمة: تقدم 288.
4 -
ثابت البناني: تقدم 53.
5 -
أنس بن مالك رضي الله عنه: تقدم 6.
• التخريج
أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي بدون قصة أسد وعباد.
• اللغة والفوائد
قوله: (قالت اليهود: ما يدع) أي ما يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقولهم:(من أمرنا) أي ما يعملون به ويموّهون به على الناس أنه من الدين، وذلك أنهم كرهوا مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم لعلمهم بصحة نبوته وإن كانوا لا يعترفون بذلك، فكان يسوؤهم خلافه لهم لأنه يدل إما على بطلان قولهم مما أحدثوه في الشرع، أو نسخ ما كانوا عليه إن كان شرعًا ثابتًا، ولهذا كرهوا تحويل القبلة وتكلموا فيه، على ما يأتي إن شاء الله. وقوله:(فقام أسيد) هو بالتصغير ابن حضير بن عتيك بن سماك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، أبو يحيى وأبو عتيك، كان أبوه حضير يقال له: حضير الكتائب، وهو فارس الأوس ورئيسهم يوم بعاث وبه قتل. وأسيد هذا من السابقين إلى الإِسلام، أسلم هو وسعد بن معاذ في يوم واحد على يد مصعب بن عمير -رضي الله عن الجميع- وكان إسلام أسيد قبل إسلام سعد، وقصتهما مشهورة وبإسلامهما أسلم سائر قومهم بنو عبد الأشهل. وهو أحد النقباء ليلة العقبة، ولكن اختلفوا في شهوده بدرًا فأثبته ابن السكن، ونفاه غيره. قال ابن سعد: كان شريفًا كاملًا، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين زيد بن حارثة، وكان ممن ثبت يوم أحد وجُرح يومئذ سبع جرحات، وله أحاديث في الصحيحين وغيرهما. وروى البغوي عن ابن زنبور بسنده إلى أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نعم الرجل أسيد بن حضير". وروى ابن إسحاق عن عائشة قالت: "ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يلحق بهم في الفضل كلهم من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وعبّاد بن بشر"، وأخرج أحمد في مسنده عنها قالت:"كان عباد بن بشر من أفاضل الناس". وروى الواقدي عن أبي بكر "أنه كان لا يقدم أحدًا من الأنصار على أسيد بن حضير". وروى البخاري في تاريخه عن ابن عمر قال: "لما مات أسيد بن حضير قال عمر لغرمائه، فذكر قصة تدل على أنه مات في خلافته". وروى ابن السكن من طريق ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه: لما مات أسيد بن
حضير باع عمر ماله بثلاث سنين فوفى بها دينه، وقال: لا أترك بني أخي عالة، فردَّ الأرض وباع ثمرها. مات سنة 20 هـ، أو 21 هـ.
أما عباد فهو ابن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل، شهد بدرًا على ما قاله موسى بن عقبة، واستشهد باليمامة وهو ابن خمس وأربعين سنة، وكان ممن قتلوا كعب بن الأشرف، وتقدم قول عائشة رضي الله عنها: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يلحقهم في الفضل، كما تقدم. وصحح الخبر عنها بذلك ابن حجر رحمه الله، وفي الصحيح عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوت عباد بن بشر فقال:"اللهم ارحم عبادًا". وثبت في الصحيح أيضًا أن أسيد بن حضير وعباد بن بشر كانا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فخرجا من عنده في ليلة مظلمة فأضاء سوط أحدهما، فلما افترقا أضاءت عصا كل واحد منهما. وتقدم قول موسى بن عقبة أنه قتل باليمامة وذلك سنة 11 هـ، والله أعلم.
وقوله: "فأخبرا رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي بقول يهود.
وقوله: (قالا) أي أسيد وعباد المذكوران، (أنجامعهن في المحيض؟ ) أي نطؤهن، لأن المجامعة بمعنى الإجتماع تقدم الإذن فيها، (في المحيض) أي في وقت حيضهن. والهمزة للإستفهام، وحملهما على ذلك حب المبالغة في مخالفة اليهود، لما عرفا أن ذلك يسوؤهم.
وقوله: (تمعَّر وجه رسول الله): أي تغير تغيرًا شديدًا من كراهته لقولهما، لما فيه من مصادمة النص لأن النهي صريح في الآية:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} ، وإنما كان صلى الله عليه وسلم يغضب إذا انتهكت حرمات الله، وهذا طرق باب الإنتهاك وإن كانت نية المتكلمين حسنة، لأنهما لم يقصدا الخلاف وإنما قصدا النكاية على اليهود.
وقوله: (فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية) أي قابلته بمعنى: أتي بها من قبل وجهه.
وقوله: (هدية لبن) الإضافة بيانية بمعنى: من لبن.
وقوله: (فبعث في آثارهما فردهما) أي ليعلم الحاضرون أنه لم يغضب عليهما، وليطيّب خواطرهما ويزيل ما لعله وقع في نفسيهما. وفي الحديث خلاف ما تقدم من الفوائد: مراجعة أهل الفضل فيما يتعلق بالمصالح الشرعية