الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
194 - باب بَدْءِ التَّيَمُّمِ
310 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ ذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَتَى النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ - رضى الله عنه - فَقَالُوا: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ؟ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَمَا مَنَعَنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِي. فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل آيَةَ التَّيَمُّمِ فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ. قَالَتْ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ.
• [رواته: 5]
1 -
قتيبة بن سعيد: تقدم 1.
2 -
مالك بن أنس: تقدم 7.
3 -
عبد الرحمن بن القاسم بن محمد: تقدم 166.
4 -
القاسم أبوه بن محمد بن أبي بكر: تقدم 166.
5 -
عائشة رضي الله عنها: تقدمت 5.
• التخريج
أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه وابن خزيمة، وأخرجه الإِمام أحمد وفيه:"أنهم صلوا بغير وضوء"، وعند أبي داود طرف منه وكذا ابن ماجه والدارمي مع مغايرة في اللفظ.
• اللغة والإعراب والمعنى
قوله: (بدء التيمم) أي أول مشروعيته، وتقدم تفسير التيمم في أول الكتاب في شرح الآية الكريمة والحمد لله. قولها:(خرجنا) بنون الجمع على إرادة الجماعة الذين خرجوا في الغزو أي من المدينة، ويمكن أن تكون أرادت نفسها على سبيل التعظيم عند العرب، وهو جائز في الكلام ولو لم يقصد التعظيم. قولها:(في بعض أسفاره) هي غزاة بني المصطلق من خزاعة سنة ست من الهجرة، ويقال لها: غزوة المريسيع وهو الماء الذي كانوا عليه، وغزوة الإفك أيضًا لأن قصة الإفك كانت في رجوعهم، والتيمم عند خروجهم. وسببها أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن سيدهم الحارث بن أبي ضرار -وهو والد جويرية- يجمع لحرب المسلمين فغزاه النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها قال ابن أُبَي -قبحه الله-:"لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل". والمريسيع ماء بالساحل من ناحية قديد ما بين مكة والمدينة، وهو محل القوم الذي قصدهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم عليه، فأغار عليهم وقتل منهم عشرة وأخذ سبيهم وأموالهم، ثم بعد ذلك أعتق السبي وأعتقه المسلمون؛ لما علموا أنه صلى الله عليه وسلم أعتق جويرية وتزوجها وأسلموا بعد ذلك. وقولها:(حتى إذا كنا) تقدم الكلام على معنى (حتى) و (إذا) مستوفى في شرح الآية الكريمة أول الكتاب، وهي هنا للغاية. وكنا بمعنى وصلنا البيداء ونزلنا بها، والبيداء أصلها الأرض المتسعة الخالية وجمعها بيد، قال جرير بن الخطفي:
نظرت من الرصافة أين حَجْر
…
ورمل بين أهلهما وبيد
بها الثيران تحسب حين تضحى
…
مرازبة لها بهراة عيد
والبيداء: عَلَم على المكان المرتفع الذي بعد الحليفة، وفي حديث ابن عمر لما سمع الناس يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم من البيداء قال:(بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أحرم إلَّا من عند الشجرة) ويروي بيت حسان يخاطب ضرار بن الخطاب المحاربي من بني محارب بن فهر:
فلولا أبو وهب لمرت قصائد
…
على شرف البيداء يهوين حسرا
ويروى البرقاء والظاهر أن البيداء أصوب، وقولها:(أو ذات الجيش) على الشك في المكان الذي نزلوا به؟ هل هو آخر البيداء أو أول ذات الجيش وهي بعد البيداء متصلة بها؟ فالبيداء تنتهي بأول ذات الجيش على طريق مكة،
وقولها: (انقطع عقد لي) العقد: هي القلادة تكون من خرز وغيره تلبسها النساء للتجمل، قال كثير يمدح عبد الله بن مروان:
إذا ما أراد الغزو لم تثن عزمه
…
حصان عليها نظم در يزينها
نهته فلما لم تر النهي عاقه
…
بكت فبكى مما عراها قطينها
فالمراد بنظم الدر القلادة منه. وجمع العقد عقود قال الشاعر:
ومرتجة الأعطاف زانت عقودها
…
بأحسن مما زينتها عقودها
فالعقد: هو الخرز أو الجوهر المنظوم في سلك، وقال الآخر:
حتى إذا أطاح عنها المرط من دهش
…
وانحل بالضم عقد السلك في الظلم
تبسمت فأضاء الليل فالتقطت
…
حبات مُنْتَثَر في ضوء منتظم
وقولها: (لي) أضافته إلى نفسها وفي الرواية الأخرى: "عقد لأسماء" وهي أختها بنت أبي بكر، وذلك محمول على أن العقد لأسماء كانت عائشة قد استعارته منها، فنسبته أحيانًا لنفسها لأنه عندها وأحيانًا نسبته لأسماء لأنها صاحبته. وفي رواية:"أنه من جزع ظفار" والجزع نوع من الخرز، وظفار بلدة باليمن نسب إليها هذا الخرز لأنه يأتي منها. وقولها:(فأقام) الفاء سببية أو عاطفة أي مكث في ذلك المكان ولم يرتحل منه، والناس تبع له فأقاموا معه. وقولها:(على التماس) أي على طلبه، والطلب يطلق عليه التماس لأن الطالب للشيء كأنه يحاول مسه، وعلى التماسه أي لأجل التماسه وفي الرواية الأخرى:"أنه بعث رجالًا في طلبه" ولا منافاة؛ لأنه إذا بعث في طلبه وأقام ينتظر من بعثهم فقد أقام على التماسه. وقولها: (ليسوا على ماء) جملة في محل الحال، أي لم ينزلوا بمكان فيه ماء. وقولها:(ليس معهم ماء) أي ليس عندهم ماء لشربهم ووضوئهم. وقولها: (فأتى الناس إلى أبي بكر) أي جاء بعض الصحابة إلى أبي بكر وشكوا إليه وأسندوا الفعل إليها بقولهم: (أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم)، لأن سبب الإحتباس طلب عقدها فرأوا أنها هي التي سببت ذلك. وقولهم:(ألا ترى) ألا أداة استفتاح لتعظيم الأمر، و"ترى" بمعنى تنظر، وقولهم:(حبست إلخ) جملة تفسيرية "لِمَا" الموصولة أي الذي صنعته حبست الناس.
وقولها: (فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي) الفاء
سببية، وجملة و (رسول الله واضع) حالية من قولها:"جاء أبو بكر".
وقولها: (قد نام) حالية أيضًا، أي أتى أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الحالة.
وقولها: (فعاتبني) الفاء عاطفة، وعاتبني: أي لامني، وقال:(ما شاء الله)، أي ما شاء الله أن يقوله من اللوم والعتاب كما جرت به عادة الأب مع ابنته.
وقولها: (يطعن) أي يضرب بيده، وهو بضم العين من قولهم: طعن يطعن إذا ضرب؛ من باب نصر، أما طعن يطعن من باب فتح فهو العيب والقدح، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بعث أسامة:"إنْ تطعنوا في إمرته فقد طعنتم في إمرة أبيه من قبل"، والخاصرة جانب الظهر والبطن.
وقولها: (فما يمنعني) الفاء استئنافية أي ما يحول بيني وبين التحرك من ألم الطعن إلا كون رسول الله صلى الله عليه وسلم نائمًا على فخذي، فقولها:(إلا مكان) مكان: فاعل (يمنع)، والمراد: محله مني في ذلك الوقت، ولو تحركت لأحس أو انقطع نومه، وهذا من كمال فضلها وأدبها رضي الله عنها.
وقولها: (فنام) أي استمر نائمًا حتى أصبح، وقولها:(على غير ماء) أي في المحل الذي ليس فيه ماء.
وقولها: (فأنزل الله آية التيمم) الفاء سببية، وآية التيمم قد تقدم الخلاف فيها أول هذا الشرح المبارك في تفسير الآية أول الكتاب: هل هي آية النساء أو آية المائدة؟ لأن كلًا من السورتين فيها آية يصح أن يقال فيها آية التيمم، وتقدم هناك ترجيح أنها آية المائدة.
• الأحكام والفوائد
فيه دليل على جواز السفر بالنساء في الجهاد وغيره ما لم تخش عليهن الضيعة والتعرض للفساد، وجواز النزول على غير ماء إذا أمن العطب والهلاك، وفيه: استعمال النساء للحلي ولبس القلادة ونحوها، وهو أمر معلوم من الدين بالضرورة، قال تعالى:{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)} ، وفيه: جواز استعارة الحلي للتزين للأزواج به، وإن كانت هذه الرواية ليس فيها التصريح بأن العقد لأسماء، لكنه في غيرها من الروايات كما تقدم، وفيه: