الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
احتباس الإِمام أو القائد على مصلحة أهله أو بعض المسلمين، إذا لم يحصل بذلك ضرر على الناس أو مفسدة تربو على تلك المصلحة، وفيه: عتاب الرجل لابنته وتأديبه لها ولو كانت متزوجة، وكذلك أبناؤه الذكور وإن كانوا كبارًا لما جُبل عليه من حب الخير لهم، وفيه: كمال أدب عائشة واحترامها للنبي صلى الله عليه وسلم وصبرها على صغر سنها رضي الله عنها، فإنها كانت إذ ذاك لا تتجاوز الثانية عشرة أو الثالثة عشرة من عمرها، وفيه: جواز نوم الرجل على فخذ امرأته أو بعض بدنها، وتأدب المرأة معه في حال نومه على تلك الحال، وفيه: عدم علمه صلى الله عليه وسلم للغيب إلا ما أطلعه الله عليه، وفيه: بيان سبب نزول التيمم وأنه لم يكن مشروعًا قبل هذا، بخلاف الوضوء وقد تقدم ذلك.
195 - باب التَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ
311 -
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَحْوِ بِئْرِ الْجَمَلِ وَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عليه السلام.
• [رواته: 7]
1 -
الربيع بن سليمان الجيزي: تقدم 173.
2 -
شعيب بن الليث: تقدم 166.
3 -
الليث بن سعد: تقدم 35.
4 -
جعفر بن ربيعة: تقدم 173.
5 -
عبد الرحمن بن هرمز: تقدم 7.
6 -
عمير مولى ابن عباس هو عمير مولى أم الفضل أبو عبد الله المدني الهلالي، روى عن مولاته وعن ابنها عبد الله بن عباس وأبي جهيم بن الحارث بن الصمة وأسامة بن زيد وعبد الله بن يسار مولى ميمونة، وعنه
الأعرج وسالم أبو النضر وإسماعيل بن رجاء الزبيدي وعبد الرحمن بن مهران. قال إسحاق: حدثني الأعرج عن عمير مولى ابن عباس وكان ثقة. أخرجوا له حديثين أحدهما في الصيام والآخر في التيمم وهو هذا الحديث. قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، مات بالمدينة سنة 104.
7 -
أبو جهيم بن الحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن مبذول بن عامر بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي، وقيل في نسبه غير ذلك وهو ابن أخت أبي بن كعب، قيل: اسمه عبد الله، قال أبو حاتم: ويقال: أبو جهيم بن الحارث بن الصمة، ويقال: إنه الحارث بن الصمة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه بشر بن سعيد الحضرمي وأخوه مسلم بن سعيد وعمير مولى ابن عباس وعبد الله بن يسار مولى ميمونة، وصحح أبو حاتم كون الحارث اسم أبيه لا اسمه، وقال ابن أبي حاتم: عبد الله بن جهم أبو جهيم فرق بينه وبين ابن الصمة، وفي "المفيد الغاية" عن الإستيعاب في المعرفة: عن عبد الله بن جهيم بن الحارث بن الصمة؛ جعل الحارث جده وهكذا قال ابن منده، وكأنه أراد أن يجمع بين الأقوال المختلفة ومع ذلك فما سلم، ذكره في التهذيب.
• التخريج
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والشافعي والدارقطني وابن خزيمة وابن الجارود.
• اللغة والإعراب والمعنى
قوله: (من نحو بئر الجمل) أي من جهة الموضع الذي يعرف بهذا الإسم، ويروى:"بئر جمل" وهي رواية غير المصنف، وهو موضع في ناحية من نواحي المدينة فيه بعض بساتينها.
وقوله: (فلقيه رجل) وفي رواية رواها البغوي في شرح السنة عن الشافعي أن الذي لقيه أبو جهيم راوي الحديث، رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عن الأعرج عن أبي جهيم بن الصمة قال: مررت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلمت عليه فلم يرد علي حتى قام إلى الجدار، فحته
بعصا كانت معه، ثم وضع يده على الجدار فمسح وجهه وذراعيه ثم رد علي.
قال: هذا حديث حسن، فهذه الرواية تدل على أن الذي لقيه أبو جهيم، ولكن فيها: أنه كان يبول في حين ما سلم عليه، وليس هذا اللفظ في رواية المصنف ولا في رواية البخاري ولا أكثر روايات الحديث.
وقوله: (لم يرد) ثلاثي مضعف، ومثله إذا جزم جاز فيه ثلاثة أوجه إذا لم يفك إدغامه: الكسر وهو الأصل عند التقاء الساكنين، والفتح لأنه عندهم أخف، والضم إتباعا لضمة الراء.
وقوله: (حتى) لغاية امتناعه من الرد، وأل في الجدار للعهد الحضوري أي الذي كان عنده وإن لم يتقدم له ذكر، وقد ذكر بعض العلماء أَنَّ تيممه على الجدار لعله علم طيب نفس صاحبه بذلك، أو أنه لخفة أمره لا ضرر فيه فلا يحتاج فيه للاستئذان.
قلت: وهو الظاهر لأنه لا يضر الجدار فلا يتوقف فيه على الإذن، كالتيمم في الأرض المملوكة للغير فإنه لا يتوقف على الإذن، فلو أن شخصًا أدركته الصلاة ولم يجد ماء وعنده أرض مملوكة للغير؛ لم يلزمه طلب الإذن في التيمم عليها لعدم الضرر في ذلك، وقال بعضهم: لعله كان مشاعًا، وهذا لا يخلو من تكلف لما قدمنا من أنه لا يحتاج في مثله إلى الإستئذان. وللطبراني في الأوسط:"حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة، ضرب بيده الحائط فمسح ذراعيه ثم رد على الرجل السلام، وقال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت على غير طهر"، وعند أبي داود من حديث حيوة عن ابن الهاد أن نافعًا حدثه عن ابن عمر قال:"أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغائط فلقيه رجل عند بئر جمل، فسلم عليه فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الحائط، فوضع يده عليه ثم مسح وجهه ويديه ثم رد على الرجل السلام"، وعند البزار بسند صحيح عن نافع عن ابن عمر:"أن رجلًا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه الرجل فرد عليه السلام، فلما جاوزه ناداه عليه السلام فقال: إنما حملني على الرد خشية أن تذهب فتقول: سلمت على النبي فلم يرد علي، فإذا رأيتني على هذه الحالة فلا تسلم علي، فإنك إن تفعل لا أرد عليك". وهذا ظاهره أنه رد عليه في حال البول، وهو محمول على أنه بعد الفراغ من البول، لأن النهي عن الكلام في حال البول والغائط
يصرفه عن ظاهره، فيحمل على أنه رد عليه بعد الفراغ في محل البول.
وأكثر هذا تقدم في حديث المهاجر بن قنفذ رقم (38).
• الأحكام والفوائد
فيه: جواز التيمم في الحضر كما ترجم له المصنف، وبوب له البخاري رحمه الله فذكر حديث الباب، وقد قال بعض العلماء: الحديث وإن كان فيه التيمم في الحضر؛ إلا أنه لم يكن فيه دليل على رفع الحدث حتى يستبيح به الصلاة، وهو مردود بأن الحدث الذي ذكر أنه منعه ذكر الله على غير طهارة هو المنافي للطهارة، وإذا فعل ما تزول كراهة ذكر الله على تلك الحال؛ لا فرق فيه بين الصلاة وغيرها ، لعدم وجود فرق في الشرع في مثل ذلك. وفيه: كراهة ذكر الله عز وجل على غير طهارة، قال ابن الجوزي: كره أن يرد السلام لأنه اسم من أسماء الله تعالى، قال: أو يكون هذا في أول الأمر قبل استقرار الأمر على غير ذلك.
قلت: هذا بعيد لأن التيمم إنما شرع في سنة ست من الهجرة كما تقدم، وذكر العيني عن الطحاوي: أن حديث المنع من رد السلام منسوخ بآية الوضوء، وقيل بحديث عائشة رضي الله عنها:"كان يذكر الله على كل أحيانه"، وفيه حديث ابن الغفواء من رواية جابر الجعفي وفيه:"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراق الماء نكلمه فلا يكلمنا ونسلم عليه فلا يسلم علينا" حتى نزلت الرخصة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} .
قلت: والظاهر أن شواهد الضعف لائحة عليه وهو يدل على عدم جواز الكلام للمحدث، وهذا لم يقل به أحد. وأما دعوى النسخ فتحتاج إلى معرفة التاريخ وهي غير موجودة، وأيضًا الجمع ممكن بين هذا وبين أدلة الجواز: كحديث عائشة السابق وحديث ابن عباس: بِتُّ عند خالتي ميمونة فذكر قراءة النبي صلى الله عليه وسلم آخر سورة آل عمران، وحديث "إنما أمرت بالوضوء للصلاة" ونحو ذلك بحمل ذلك على عدم الوجوب، وبحمل مثل هذا الحديث على الإستحباب، أو أن الذكر على غير طهارة خلاف الأولى، فيحصل بذلك الجمع بين النصوص فلا يحتاج إلى النسخ. ومن العجب استدلال العيني به وهو من رواية الجعفي، وقد قال أبو حنيفة فيه: ما رأيت فيمن رأيت أكذب من جابر الجعفي. ومنها أنه استدل به من أجاز التيمم على الحجر، وهو قول
الحنفية وقول عند المالكية، لأن حيطان المدينة مبنية بالحجارة السود في الغالب. قال ابن بطال: فيه رد على الشافعية في اشتراط التراب، لأنه معلوم أنه لم يعلق به تراب إذ لا تراب على الجدار، وتعقبه الكرماني بأنه قد يكون عليه التراب. قال: لأنه قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم حتَّ الجدار بالعصا ثم تيمم، فيجب حمل المطلق على المقيد. وتعقبه البدر العيني رحمه الله فقال: الجدار إذا كان من حجر لا يحتمل التراب لأنه لا يثبت عليه، خصوصًا جدران المدينة لأنها من صخرة سوداء. وقوله: مع أنه إلخ ممنوع؛ لأن حت الجدار بالعصا رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث كما ذكرناه عن قريب، قال: وهو حديث ضعيف. فإن قلت: حسنه البغوي كما ذكرنا، قلت: كيف حسّنه وشيخ الشافعي وشيخ شيخه ضعيفان لا يحتج بهما، قاله مالك وغيره، وأيضًا فإنه منقطع لأن بين الأعرج وبين أبي جهيم عمير، كما سبق عن البخاري وغيره ونص عليه البيهقي وغيره. وفيه علة أخرى وهي زيادة حك الجدار، لم يأت بها أحد غير إبراهيم، والحديث رواه جماعة كما ذكرناه وليس في حديث أحد منهم هذه الزيادة، والزيادة إنما تقبل من ثقة. قال: ولو وقف الكرماني على ما ذكرنا لما قال: مع أنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم حت الجدار.
ومن فوائد الحديث: استدلال الطحاوي به على التيمم للجنازة عند خوف فواتها، وهو قول الكوفيين والليث والأوزاعي، وهو قول المالكية فيمن خاف تغير الجنازة بتأخيرها للماء، أو فوت إمكان الصلاة عليها بسبب من الأسباب. ونسب العيني للمالكية عدم الجواز، وهو ليس بصواب إلا أن بعضهم قال: إنه لا يتيمم لفوات صلاتها، ومحله عند وجود فصل عليها غيره، والأكثرون على الجواز في هذه الحالة أيضًا ومنع ذلك الشافعي وأحمد. ووجه الاستدلال بالحديث: أنه إذا تيمم في الحضر لخوف فوت رد السلام كانت الجنازة أولى.
وفيه -أي الحديث: دليل على جواز التيمم للنوافل خلافًا لبعض المالكية. ومنها -أي فوائد الحديث: أنه يدل على مسح الوجه واليدين في التيمم كما سيأتي إن شاء الله.
واحتج به الحسن بن صالح فحمله على ظاهره فقال بوجوب الطهارة لذكر الله، وقد تقدم أنه معارض بما هو أصرح منه في جواز الذكر من غير طهارة.
312 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ ذَرٍّ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ؟ قَالَ عُمَرُ: لَا تُصَلِّ، فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَا تَذْكُرُ إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدِ الْمَاءَ، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ فَصَلَّيْتُ، فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ:"إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ"، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ نَفَخَ فِيهِمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ -وَسَلَمَةُ شَكَّ لَا يَدْرِي فِيهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ أَوْ الْكَفَّيْنِ- فَقَالَ عُمَرُ: نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ.
• [رواته: 8]
1 -
محمد بن بشار بن عثمان بندار: تقدم 27.
2 -
محمد بن جعفر الهذلي غندر: تقدم 22.
3 -
شعبة بن الحجاج بن الورد أبو بسطام: تقدم 26.
4 -
سلمة بن كهيل بن حصين الحضرمي التنعي أبو يحيى الكوفي، دخل على ابن عمر وزيد بن أرقم، روى عن أبي جحيفة وجندب بن عبد الله وابن أبي أوفى وأبي الطفيل وزيد بن وهب وسويد بن غفلة وإبراهيم التيمي وعبد الرحمن بن يزيد وغيرهم، وعنه سعيد بن مسروق الثوري وابنه سفيان الثوري والأعمش وشعبة والحسن وعلي وصالح بنو صالح بن حي وزيد بن أبي أنيسة وابناه محمد ويحيى ابنا مسلمة وعقيل بن خالد وآخرون. قال أحمد: سلمة بن كهيل متقن للحديث وقيس بن مسلم متقن للحديث، ما أبالي إذا أخذت عنهما حديثهما، ووثقه ابن معين والعجلي وزاد: ثبت في الحديث وفيه تشيع قليل، وهو من ثقات الكوفيين. قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، وكذا قال أبو زرعة وزاد: مأمون ذكي. وقال أبو حاتم: ثقة، وقال يعقوب بن شيبة: ثبت على تشيّعه، ووثقه النسائي وقال: ثبت، وعن سفيان كان ركنًا من الأركان، وقال ابن مهدي: لم يكن بالكوفة أثبت من أربعة، منصور وسلمة وعمرو بن مرة وأبي حصين، وعدّه شعبة من ثقات أصحابه لما سأله أهل البصرة فقالوا: حدثنا عن ثقات أصحابك، فقال: إن حدثتكم فإنما أحدثكم
عن نفر يسير من هذه الشيعة، فذكر الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل وحبيب بن أبي ثابت ومنصور. ولد سنة 47 ومات يوم عاشوراء سنة 121 وقيل: 122 وقيل: 123. قال ابن حجر: عن أبي حاتم أنه لم يلق أحدًا من الصحابة إلا جندبًا وأبا جحيفة. وعن سلمة: سمعت جندبًا ولم أسمع أحدًا غيره يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه مسلم وهو في البخاري من طريق الثوري نحوه، وذكره ابن حبان في الثقات. قال النسائي: هو أثبت من الشيباني والأجلح.
5 -
ذر بن عبد الله بن زرارة المرهبي الهمداني أبو عمر الكوفي، روى عن عبد الله بن شداد بن الهاد وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزى وسعيد بن جبير والمسيب بن نجيبة ووائل بن مهانة ويسيع الحضرمي وغيرهم، وعنه ابنه عمر ومنصور والحكم بن عتيبة والأعمش وزبيد اليامي وسلمة بن كهيل وحبيب بن أبي ثابت وعطاء بن السائب وآخرون. وثقه ابن معين والنسائي وقال أحمد: ما بحديثه بأس، ووثقه ابن خراش وقال أبو حاتم: صدوق. قال أبو داود: كان مرجئًا، وهجره إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير للإرجاء. قال ابن حبان: كان من عبّاد الكوفة، قال البخاري: صدوق في الحديث، وكذا قال الساجي وزاد: كان يرى الأرجاء، ووثقه ابن نمير وقال: لم يسمع من عبد الرحمن بن أبزى، وقيل: إنه شهد حرب ابن الأشعث مع الحجاج وذلك بعد سنة 80.
6 -
سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولاهم الكوفي، روى عن أبيه وعن ابن عباس وواثلة بن الأسقع، وعنه جعفر بن أبي المغيرة وطلحة بن مصرف وعزرة بن عبد الرحمن وقتادة وعبدة بن أبي لبابة وزبيد اليامي وسلمة بن كهيل -وقيل: بينهما ذر بن عبد الله- والحكم بن عتيبة وعطاء بن السائب وآخرون. وثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أحمد: هو حسن الحديث.
7 -
عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولى نافع بن عبد الحارث مختلف في صحبته، استخلفه نافع بن عبد الحارث على أهل مكة أيام عمر، ولما قال له عمر في ذلك قال: إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض، ثم سكن الكوفة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعلي وعمار وأبي بن كعب وغيرهم، وعنه ابنه سعيد وعبد الله بن أبي المجالد والشعبي وأبو مالك غزوان الغفاري
وأبو إسحاق السبيعي وآخرون. ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وقال ابن أبي داود: لم يحدث عبد الرحمن بن أبي ليلة عن رجل من التابعين إلا ابن أبزى، وقال البخاري: له صحبة، وذكره غير واحد في الصحابة، وقال أبو حاتم: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وصلى خلفه، وقال ابن عبد البر: استعمله علي على خراسان، وذكره ابن السكن، وذكره ابن سعد فيمن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أحداث الأسنان. وممن جزم بأن له صحبة: خليفة بن خياط والترمذي ويعقوب بن سفيان وأبو عروبة والدارقطني والبرقي وبقي بن مخلد وغيرهم. وفي صحيح البخاري من حديث أبي المجالد أنه سأل عبد الرحمن بن أبزى وابن أبي أوفى عن السلب فقالا: كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث. وقال ابن سعد: أخبرنا أبو العاص: أخبرنا شعبة عن الحسن بن عمران عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه: أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم "فكان إذا خفض لا يكبر".
8 -
عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوديم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر بن ثامر بن عنس -كذا قال ابن سعد- أبو اليقظان العنسي رضي الله عنه مولى بني مخزوم وأمه سمية من لخم، وكان ياسر قدم من اليمن فحالف أبا حذيفة بن المغيرة، فزوجه مولاته سمية فولدت له عمارًا فأعتقه أبو حذيفة، وأسلم عمار وأبوه وأمه قديمًا وكان ممن يعذب في الله، وقتل أبو جهل أمَّه سُمية على الإِسلام فهي أول شهيد في الإِسلام. وعن مسدد قال: لم يكن في المهاجرين من أبوه وأمه مسلمان غيره.
قلت: وفيه نظر، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن حذيفة بن اليمان، وعنه ابنه محمد بن عمار وابن ابنه سلمة بن محمد على خلاف فيه وابن عباس وأبو موسى الأشعري وعبد الله بن عنمة المزني وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب وعبد الرحمن بن أبزى وآخرون، وقد شهد بدرًا والمشاهد كلها، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين حذيفة -على قول الحاكم أبي أحمد. وعن ابن مسعود أنه من السبعة الذين هم أول من أظهر الإِسلام، وقيل: إنه أول من بنى مسجدًا يصلي فيه، وعن ربعي عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار". وتعددت الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
لعمار: "تقتلك الفئة الباغية"، ولا خلاف أنه قتله جنود أهل الشام وهو مع علي بصفين. قلت: قتل في آخر الأيام، وبعد قتله قويت نفوس أهل العراق بسبب الأحاديث الواردة فيه وأنه تقتله الفئة الباغية، وذلك سنة 37 وهو ابن 93 سنة.
• التخريج
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد وابن خزيمة وابن ماجه وابن الجارود.
• اللغة والإعراب والمعنى
قوله: (أجنبت) أي اتصفت بالجنابة، من قولهم: أجنب الرجل يجنب فهو جنب، وجنب بفتح الجيم أيضًا يجنب كذلك، وقد تقدم معناه في شرح الآية أول الكتاب. والجنابة: الحكم المترتب على البدن بسببه من خروج مني أو إيلاج حشفة في فرج بشهوة يقظة، أو منامًا بشرط الإنزال، كما تقدم في باب غسل الجنابة.
وقوله: (فلم أجد الماء) إما مطلقًا أو الكافي للغسل لأنه المفيد في هذه الحالة، فقال عمر مجيبًا لهذا السائل:(لا تصل) على رأي عمر أن الجنب لا يتيمم في الحضر، كما سيأتي أنه كان يرى ذلك أول الأمر وإن كان رجع عنه بعد ذلك، وكأنه نسي قصة عمار وما مضى فيها من السنة حتى ذكَّره عمار بها، وهي تقتضي وجوب التيمم على الجنب الفاقد للماء، فلما أجاب بهذا الجواب بحضرة عمار ذكَّره بالقصة. وقول عمار:(أما تذكر) الهمزة للإستفهام و (ما) نافية، وقد تقدم أن همزة الإستفهام إذا دخلت على أداة النفي تقتضي الإثبات، لأن فيها معنى النفي ونَفْي النفي إثبات، فالإستفهام حينئذٍ تقريري بمعنى حمل المخاطب على الإعتراف.
وقوله: (إذ أنا وأنت) أي حين كنت أنا وأنت في سريّة، والمراد بها في اصطلاح أهل السير: كل من يبعثه الرسول صلى الله عليه وسلم في حرب ونحوه مما لم يخرج فيه بنفسه الكريمة، ولو لم يكن البعث لمحل بعيد، المعنى: مبعوثين في سرية، فيحتمل أنهما بانفرادهما ويحتمل أن معهما غيرهما، وهو الذي يشهد له قوله في
الرواية الأخرى: "أنهما كانا في رعاية الإبل"، ولا ينافي ذلك أنهما في سرية مع الناس؛ لأن الصحابة كانوا في السفر يتناوبون على إبلهم، ولا يخرجهم ذلك عن كونهم في حاجة الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الرواية الأخرى. والحاصل أن ما هنا لا ينافي ما في الروايات الأخر، غير أن مقتضى الترجمة أنهم لم يكونوا في سفر، بل كان بعثهم قريبًا لا يجري عليهما حكم المسافر. ووقيل في تعريف السرية: أنها تكون بعدد مخصوص، وهو خلاف ما جرى عليه اصطلاح أهل السير والحديث من أنها: الطائفة من الناس لم يكن فيهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (فأجنبنا) أي أصابت كلًا منا جنابة، يعني أنهما احتلما، والفاء في قوله:(فأجنبنا) وقوله: فلم نجد؛ عاطفة في الموضعين. وقوله: (فأما) الفاء للتفصيل، وكذا (أما) هنا للتفصيل وتقدم الكلام عليها في الحديث (31).
وقوله: (فلم تصل) الفاء في جواب (أما) لما فيها من رائحة الشرط، كما تقدم عن سيبويه.
وقوله: (فتمعكت) أي تحككت في التراب، من قولهم: معك الأديم إذا حكّه، أي: تمرغت فيها مثل ما تتمرغ الدابة، كما في الرواية الأخرى: بسائر بدني.
وهذا منه رضي الله عنه اجتهاد: قاس الطهارة الترابية على المائية في التفرقة فيها بين الحدث الأكبر الذي يعمم فيه البدن بالماء والحدث الأصغر الذي يجزئ فيه بعض الأعضاء، ولهذا قال ابن دقيق العيد: إن الحديث فيه دليل على القياس، لأنه لم ينكر عليه قياسه وإنما بين له أن الرخصة خصصت هذه الأعضاء في الحدث الأكبر، كما هو الحال في الحدث الأصغر.
وقوله: (فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم) أي بعد رجوعنا فذكرنا ذلك له، أي: عمل كل منا.
وقوله: (فقال إنما كان يكفيك) أي لاستباحة الصلاة بالتيمم.
وقوله: (فضرب النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى الأرض) أي يكفيك هذا الفعل الذي أمامك، وفي الرواية الأخرى:"أن تفعل هكذا". وقوله: "ثم نفخ فيهما" أي ليخفف من التراب الذي تعلق بهما، و (ثم) عاطفة للمسح على الضرب لأنه الغرض منه.
وقوله: (مسح وجهه وكفيه) تقدم في شرح الآية الخلاف في كيفية التيمم واشتراط التراب وغير ذلك من أحكامه، وسيأتي لذلك زيادة مع بيان مذاهب العلماء فيه.
وقوله: (وسلمة شك) أي: شك هل ذكر المرفقين أو الكفين فقط؟ .
وقوله: (قال عمر: بل نوليك ما توليت) هذا اختصار في الرواية، وسيأتي أن عمر قال لعمار: اتق الله يا عمار، فقال عمار: إن شئت لا أحدث به، فقال عمر: بل نوليك. . . إلخ، ولو لم يعلم صدقه لما قال له ذلك.
• الأحكام والفوائد
الحديث: فيه دليل على بيان هيئة التيمم وذلك من وجهين: الأول: عدد الضربات، والثاني: مقدار ما يمسح من اليدين، وكل من الأمرين فيه خلاف تقدم في شرح الآية، ولابد من ذكر بعضه هنا.
وقد اختلف العلماء في ذلك: فذهب أحمد وإسحاق والأوزاعي في أشهر الروايتين عنه والشعبي في رواية عنه والطبراني وعطاء إلى أنه ضربة واحدة للوجه والكفين. قال أبو عمر: وهو أثبت ما روي في ذلك من عمار.
قلت: إنما قال ذلك لأن أصح ما روي في صفة التيمم هو حديث عمار على اختلاف رواياته، وهو مذهب مكحول وابن المنذر وأهل الظاهر، بل نسبه النووي إلى عامة أهل الحديث.
وذهب، علي وابن عمر رضي الله عنهم والحسن البصري والشعبي في الرواية الأخرى عنه وسالم بن عبد الله والثوري ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأهل الرأي -ونسبه ابن رشد إلى فقهاء الأمصار- إلى أن المسح واجب إلى حدِّ الوضوء، وفيه قول لمالك بأن الواجب الضربة الأولى يمسح بها الوجه والكفين، والضربة الثانية يمسح بها إلى المرفقين سنة، وقال الحسن بن حي وابن أبي ليلى: التيمم ضربتان يمسح بكل منهما وجهه وذراعيه. قال الخطابي: لم يقل ذلك أحد من أهل العلم غيرهما في علمي، وذهب الزهري إلى أنه إلى المرفقين، ونسبه ابن رشد إلى محمد بن مسلمة، وعن الزهري إلى الآباط، وذكر ابن بزيزة في أحكامه: أن طائفة قالت: أربع ضربات: ضربتان للوجه
وضربتان لليدين، وليس له أصل في السنة ومثله قول من قال: ثلاث ضربات: ضربة للوجه وضربة لليدين وضربة لهما معًا، وكذا ما روي عن مالك أن الفرض اثنتان والإستحباب إلى ثلاثة، ذكره عنه ابن رشد ومثله أيضًا ما روي عن ابن سيرين: ضربة للوجه وضربة للذراعين، وكذلك القول المتقدم: ثلاث ضربات ضربة لهما معًا، يروى عن ابن سيرين. فأما من جهة الأحاديث؛ فلا شك أن الثابت في حديث عمار من أكثر طرقه الصحيحة ليس فيه إلا الوجه والكفان والضربة الواحدة، وكذلك حديث أبي جهيم المتقدم، وقد قال ابن حجر رحمه الله: الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها إلا هذان الحديثان، وما عداهما إما ضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه والراجح عدم رفعه. فأما حديث أبي جهيم فورد بذكر اليدين مجملًا، وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين في الصحيحين وبذكر المرفقين في السنن، وفي رواية إلى نصف الذراع، وفي رواية إلى الأباط. فأما رواية إلى المرفقين ونصف الذراع ففيهما مقال، وأما رواية إلى الآباط فقال الشافعي: إن كان ذلك وقع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكل تيمم صح بعد فهو ناسخ له، وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به، اهـ.
والجمع ممكن بأن يكون فعل كلًا من الأمرين مرة أو أمر به، وفعل الآخر مرة أخرى أو أمر به.
وقد احتج القائلون بعدم الإقتصار على اليدين والمسحة الواحدة، بأن هذا الذي وردت فيه صورة الضرب؛ للتعليم وليس جميع ما يحصل به التيمم، وقد أوجب الله غسل اليدين إلى المرفقين في الوضوء، ثم قال في التيمم {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} فالظاهر أن اليد المطلقة هنا هي المقيدة في الوضوء، فلا يترك هذا الصريح إلا بصريح مثله. وقد ذكر ابن حجر رحمه الله الأحاديث الواردة في الزيادة، عن ابن عمر وجابر بن عبد الله والأسلع بن شريك التميمي وعائشة وعمار بن ياسر.
قلت: أما حديث ابن عمر "أنه تيمم بضربتين مسح بإحداهما وجهه وأنه تيمم فمسح وجهه وذراعيه". رواه أبو داود بسند ضعيف، وروى أبو داود قصة الذي سلّم على النبي صلى الله عليه وسلم من طريق ابن عمر، وفيها:"فضرب بيده الحائط ومسح وجهه ثم ضرب أخرى فمسح ذراعيه ثم رد على الرجل" الحديث، ومداره على
أحمد بن ثابت: ضعفه ابن معين وأحمد والبخاري، وقال أحمد والبخاري: ينكر عليه حديث التيمم -يعني هذا. قال البخاري: خالفه أيوب وعبد الله بن عمر والناس فقالوا: عن نافع عن ابن عمر فعله، أي أن الحديث موقوف عند هؤلاء، ورفعه أحمد بن ثابت، والمراد بعبد الله بن عمر الذي خالفه: العمري الذي يروي عن نافع، وقال أبو داود إنه لم يتابع أحد محمد بن ثابت على ضربتين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورووه من فعل ابن عمر. قال ابن حجر رحمه الله: لو كان محمد بن ثابت ثقة لما ضرَّه وقف من وقفه، على طريقة أهل الفقه، وقد قال البيهقي: رفع هذا الحديث غير منكر، لأنه رواه الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا، إلا أنه لم يذكر التيمم يعني أن أصل الحديث مرفوع بدون ذكره، ورواه ابن الهاد عن ابن عمر فذكره بتمامه إلا أنه قال: مسح وجهه ويديه، والذي تفرد به محمد بن ثابت في هذا ذكر الذراعين. وحديث ابن عمر:"التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين" أخرجه الدارقطني والبيهقي، وفيه علي بن ظبيان وقد ضعفه ابن معين ويحيى القطان وغيرهما. قال الدارقطني: وقفه يحيى القطان وهشيم وغيرهما وهو الصواب، ثم رواه من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر موقوفًا، ورواه الدارقطني أيضًا من طريق سالم عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ:"تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ضربنا بأيدينا على الصعيد الطيب ثم نفضنا أيدينا فمسحنا بها وجوهنا، ثم ضربنا ضربة أخرى على الصعيد الطيب ثم نفضنا أيدينا فمسحنا بأيدينا من المرافق إلى الأكف" وفيه سليمان بن أرقم: متروك. قال البيهقي: رواه معمر وغيره عن الزهري موقوفًا وهو الصحيح، ثم ذكر رواية أخرى عن سالم ونافع جميعًا عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ:"التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين" وهو من طريق سليمان بن داود الحراني وهو متروك. قال أبو زرعة: حديث باطل.
قلت: فهذا معظم ما روي عن ابن عمر في هذا الباب، وهو بمجموعه يفيد أن الموقوف منه على ابن عمر صحيح، ولم يصح شيء من رواياته مرفوعًا، ولكن فعل ابن عمر يدل على أن له أصلًا؛ لأنها مسألة في الطهارة وهي من مهمات الدين، وابن عمر معروف بالتحري والإتباع فيبعد أن يفعلها بدون أصل، والله أعلم.
وفي المسألة غير حديث ابن عمر: حديث جابر أخرجه الحاكم والدارقطني من طريق عثمان بن محمد الأنماطي عن عزرة بن ثابت عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: التيمم ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين. قال الحاكم والذهبي: إسناده صحيح، ولا يلتفت إلى قول من يمنع صحته، وقال العيني: أخرجه البيهقي والحاكم من طريق إسحاق الحربي -قال ابن حجر رحمه الله ومن طريق أبي نعيم- عن عزرة بسنده المذكور قال: "جاء رجل فقال: أصابتني جنابة وإني أجنبت فتمعكتُ بالتراب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اضرب، فضرب بيده الأرض فمسح وجهه، ثم قال: اضرب، فضرب يديه فمسح بهما إلى المرفقين". قال ابن حجر: ضعّف ابن الجوزي هذا الحديث بعثمان بن محمد وقال: إنه متكلم فيه، وأخطأ في ذلك، قال ابن دقيق العيد: لم يتكلم فيه، نعم روايته شاذة لأن أبا نعيم رواه عن عزرة موقوفًا، أخرجه الدارقطني والحاكم. قال الدارقطني في حاشية السنن عقب حديث عثمان بن محمد: كلهم ثقات، والصواب موقوف.
قلت: وهذا الحديث أمثل ما روي في الزيادة في الضربة ومسح الذراعين. وفي المسألة أيضًا حديث الأسلع بن شريك خادم النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه:"كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه جبريل بآية الصعيد فأراني التيمم، فضربت بيدي الأرض واحدة فمسحت بهما وجهي، ثم ضربت بهما أخرى فمسحت بهما يدي إلى المرفقين". رواه الدارقطني والطبراني، وفيه الربيع بن بدر هو ضعيف. وحديث عائشة عند البزار وابن عدي مرفوعًا:"التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين"، تفرد به الحريش بن الخريت عن ابن أبي مليكة عنها. قال ابن أبي حاتم: منكر، والحريش شيخ لا يحتج بحديثه. وفيه حديث عمار:"تكفيك ضربة للوجه وضربة للكفين"، رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وأُعل بإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى: ضعيف. قال ابن حجر: لكنه حجة عند الشافعي.
قلت: فتبين بهذا أن الأحاديث الواردة في الزيادة على الضربة الأولى ومسح الذراعين؛ لم يسلم منها شيء من المقال، وأنسبها حديث جابر وحديث عمار، وإن كان ابن عبد البر قال: إن أكثر الروايات عن عمار ضربة واحدة، وما روي عنه من ضربتين فروايات كلها مضطربة. ومع ذلك فالآثار الصحيحة عن ابن عمر وغيره؛ تدل على أن للزيادة أصلًا كما تقدمت الإشارة إليه، ولولا
أن الأحاديث كما قدمنا ليست صالحة لمعارضة الروايات الثابتة في الصحيحين؛ لتحتم المصير إلى الزيادة، ولا شك أن زيادة الضربة والمسح أحوط. والذي يترجح عندي أنه الأصوب إن شاء الله؛ أن يضرب المتيمم ضربة يمسح بها وجهه وكفيه، ثم يضرب أخرى فيمسح بها يديه إلى المرفقين، وهو قول في مذهب المالكية، لأن الفرض إن كان بالضربة الأولى والمسح إلى الكوعين فقط؛ فقد جاء به على وجهه، ثم يحتاط بالثانية كما تقدم.
قال البدر العيني رحمه الله: (ولما كانت الأحاديث عن عمار مختلفة وذهب كل واحد من المذكورين إلى واحد منها، كان الرجوع في ذلك إلى ظاهر الكتاب، وهو يدل على ضربتين: ضربة للوجه وضربة لليدين، قياسًا على الوضوء واتباعًا لما روي في ذلك من أحاديث تدل على ضربتين: إحداهما للوجه والأخرى لليدين إلى المرفقين) اهـ.
قلت: يريد بذلك أن ذكر اليدين في الوضوء محدد بالمرفقين، والتيمم بدل منه والمسح فيه مجمل، فيُحمل الفرع المجمل على أصله المبين، فيؤخذ منه أن نهاية البدل نهاية المبدل منه، أعني أنه يبلغ في المسح إلى محل ما يبلغه في الغسل. وأما الدلالة على الضربتين فغير ظاهرة في الكتاب: إلا أن يقال: لما كان الوضوء لا تغسل فيه اليدان بماء الوجه؛ كان القياس أن التراب كذلك.
قلت: وهذا يأباه أنه قياس مصادم للنص، فهو فاسد لا يعتبر، وهو من نوع قياس عمار للتيمم من الجنابة على الإغتسال لها في تعميم البدن، ففرّق النبي صلى الله عليه وسلم بين حال الطهارتين وبين أن التيمم صفته واحدة للحدثين الأكبر والأصغر.
ومن فوائد الحديث: أنه دل على مشروعية التيمم عند فقد الماء، من غير فرق بين الجنب وغيره. قال الشوكاني رحمه الله:(وقد أجمع العلماء على ذلك ولم يخالف فيه أحد من الخلف ولا من السلف، إلا ما جاء عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وحكي مثله عن النخعي؛ من عدم جوازه للجنب. وقيل: إن عمر وعبد الله رجعا عن ذلك) اهـ.
ومن فوائده على ما قال ابن دقيق العيد: أنه يدل على صحة القياس كما تقدم، وهو عند ابن حزم بعكس ذلك، وسيأتي مزيد فيه في شرح حديث عمار هذا في الرواية الآتية (316).
313 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ خُفَافٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: أَجْنَبْتُ وَأَنَا فِي الإِبِلِ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ تَمَعُّكَ الدَّابَّةِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ:"إِنَّمَا كَانَ يَجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ التَّيَمُّمُ".
• [رواته: 5]
1 -
محمد بن عبيد بن محمد المحاربي: تقدم 226.
2 -
أبو الأحوص سلام بن سليم: تقدم 96.
3 -
عمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي: تقدم 42.
4 -
ناجية بن خفاف هو ناجية بن كعب، يقال له ابن خفاف الأسدي العنزي الكوفي ويقال: إنهما اثنان، روى عن ابن مسعود وعلي وعمار، وعنه أبو إسحاق السبيعي وأبو حسان الأعرج ووائل بن داود وابن السفر الهمداني ويونس بن أبي إسحاق. قال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: ناجية بن كعب صالح، قال أبو حاتم: شيخ قال يعقوب بن شيبة في حديث أبي إسحاق عن ناجية عن عمار في التيمم: رواه جماعة عن أبي إسحاق فقال زائدة: عنه عن ناجية، ولم ينسبه، وقال أبو الأحوص: عن ناجية بن خفاف، وقال أبو بكر بن عياش: عن ناجية العنزي، وقال ابن عيينة عن إسرائيل عن ناجية بن كعب، قال علي بن المديني قول ابن عيينة ناجية بن كعب؛ غلط، وإنما هو ناجية بن خفاف العنزي. قال علي: وأما ناجية بن كعب فهو أسدي، وناجية بن خفاف أبو خفاف العنزي لم يسمع هذا الحديث عندي من عمار، لأن ناجية لقيه يونس بن أبي إسحاق وليس هو بالقديم.
وقال الخطيب أبو بكر: (قال ابن عيينة وإسرائيل ومعلي بن هلال: عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب، وهو وهم، قال: وأحسب أن أبا إسحاق رواه لهم عن ناجية غير منسوب، فظنوه ناجية بن كعب) اهـ.
وقد روى أبو نعيم وخلف بن هشام ومحمد بن عبيد المحاربي عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب في قصة وفاة أبي طالب، وروى الترمذي بهذا الإسناد قول أبي جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنَّا لا