الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
له أجران والمخطئ له أجر. وقد حكم الشام أربعين سنة عشرين أميرًا وعشرين خليفة تخللها عزل علي له، ولكنه لم يبايعه ولم يطعه لما أراد الله من الفتنة كما تقدم. توفي رضي الله عنه في رجب سنة 60 وعمره 78، وقيل: عمره 86، فسبحان من يرث الأرض ومن عليها.
7 -
أم حبيبة بنت أبي سفيان: تقدمت 180.
• التخريج
أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن الجارود.
• الأحكام والفوائد والمعنى
قولها: (إذا لم ير فيه أذى) أي يصلي فيه إذا لم ير فيه أذى، أي: شيئًا من أثر الجماع، وهو يقتضي اشتراط عدم رؤية المني في الثوب لمن أراد أن يصلي فيه، وهو حجة قوية للقائلين بنجاسة المني لأنّ الأذى -وقد تقدم في تفسير قوله تعالى:{قُلْ هُوَ أَذًى} في الحيض وأنه ما يتأذى به الإنسان- يمنع من الصلاة في الثوب أو البدن لنجاسته. ومفهوم قولها رضي الله عنها: أنه إذا رأى منيًا أنه لا يصلي فيه، ولا يمنع من الصلاة في الثوب المباح الساتر إلا تنجسه، وقد اتفقوا على نجاسة دم الحيض ولا نص عليها إلا الأمر بغسله أو كونه أذى. وفيه أن كون الثوب عرضة للنجاسة لا يؤثر في طهارته التي هي الأصل حتى ترى عليه النجاسة، لأنّ الطهارة أصل لا يزول بالشك إلا على قول بعض المالكية ينضحه احتجاجًا بقول عمر رضي الله عنه:"أغسل ما رأيت وأنضح ما لم أر"، وبنضح أنس للحصير في حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وقول النبي صلى الله عليه وسلم:"قوموا فلأصلي لكم، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لُبس فنضحته" الحديث، وسيأتي البحث في الحديث التالي.
187 - باب غَسْلِ الْمَنِيِّ مِنَ الثَّوْبِ
295 -
أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْجَزَرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ وَإِنَّ بُقَعَ الْمَاءِ لَفِي ثَوْبِهِ.
• [رواته: 5]
1 -
سويد بن نصر المروزي: تقدم 55.
2 -
عبد الله بن المبارك: تقدم 36.
3 -
عمرو بن ميمون بن مهران الجزري أبو عبد الله وقيل: أبو عبد الرحمن الرقي، أمه أم عبد الله بنت سعيد بن جبير، روى عن أبيه وسليمان بن يسار وأبي حاضر عثمان بن حاضر والشعبي وأبي قلابة ونافع مولى ابن عمر وعمر بن عبد العزيز والزهري وغيرهم، وعنه ابنه عبد الله وابن أخيه بزيع الرقي وابن أخيه أيضًا عبد الحميد بن عبد الحميد بن ميمون والد أبي الحسن عبد الملك الميموني ومحمد بن إسحاق وهو من أقرانه والثوري وابن المبارك وآخرون. قال أحمد: ليس به بأس، وقال ابن خراش: شيخ صدوق، وقال ابن معين: وكذا قال ابن سعد وقال: إن شاء الله، ويقال: وجّه ميمون بن مهران عمروًا إلى عمر يستعفيه من ولاية الجزيرة فلم يعفه. مات عمرو سنة 148 وقيل: 147، له حديث واحد عند البخاري ومسلم والنسائي هو حديث عائشة هذا، وثقه النسائي وابن نمير وذكره ابن حبان في الثقات.
4 -
سليمان بن يسار: تقدم 156.
5 -
عائشة رضي الله عنها: تقدمت 5.
• التخريج
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد وابن الجارود، وأخرجه الطبراني مع مخالفة يسيرة في الألفاظ.
• اللغة والإعراب والمعنى
(المني): هو النطفة، وأصل اللفظ من الإراقة، ولذا سميت منى لما يُراق فيها من الدماء، وقال تعالى:{مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} و {مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46)} وكله بمعنى الإراقة وقد جاء بمعنى: ما يقدره الله على العبد، وهو الأصل فيه من قولهم: مناه الله أي قدره، والماني القادر، منه قول أبي قلابة على ما ذكره الجوهري:
فلا تقولن لشيء سوف أفعله
…
حتى تلاقي ما يمني لك الماني
وقول مسلم المصطلقي:
لا تأمن وإن أمسيت في حرم
…
حتى تلاقي ما يمني لك الماني
فالخير والشر مقرونان في قرن
…
بكل ذلك يأتيك الجديدان
فكل صاحب يومًا يفارقه
…
وكل زاد وإن أبقيته فان
ويسمى المني جنابة: لأنه سببها في الأصل وهو غالب أسبابها. (والبقع) هو أثر الماء، جمع بقعة وهي الأثر في الشيء المتخلل لغيره، والمراد هنا أثر الماء في الثوب متفرقًا على حسب إصابة المني للثوب، فالبقعة المحل الذي ابتل بالماء من أجل غسل المني منه، وقولها:(فيخرج إلى الصلاة) أي بذلك الثوب بعد غسله، ففيه أنه لا يصلى به وفيه المني وأن غسله من أجل المني، وذلك كما تقدم حجة لمن قال بنجاسة المني.
• الأحكام والفوائد
الحديث استدل به القائلون بنجاسة المني وهم مالك وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي ورواية عن أحمد -رحمة الله علينا وعلى الكل- لأن الغسل في مثل هذا لا يكون إلا للنجاسة، ودعوى أنه للاستقذار فيه بُعد لاسيما عند من يرى غسل اليدين عند القيام من النوم بعلة الشك في طهارتهما، ويرى الأمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب دليل على نجاسته مع عدم التصريح بالنجاسة في شيء من ذلك. والأصل الطهارة حتى يدل الدليل على خلافها، وقد اتفقوا على أن الأمر بغسل دم الحيض دليل على النجاسة، وصب الماء على البول دليل على نجاسته، والحال في الكل واحد من عدم ورود لفظ يصرح فيه بالنجاسة، وأشباه هذا من الأمور التي اعتمدوا الغسل فيها دليلًا على النجاسة، وقولها:(فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء لفي ثوبه) مما يقوي ذلك، فإن خروج الإنسان في هذه الحال بثوبه فيه بلل الماء ونحوه؛ لا يفعله في الغالب إلا بنوع من الإضطرار، فلو كان المني غير نجس مناف للصلاة لما احتاج إلى ذلك، وإزالته في غير هذه الحالة بعد الصلاة ممكنة. وهذه المسألة مما اختلف فيه العلماء قديمًا وحديثًا، وكثر فيها الإستدلال والقيل والقال وانتشر بينهم فيها النزاع والجدال، وقد ورد فيها حديث عائشة في غسله وهو متفق على صحته أخرجه أهل الكتب الستة وغيرهم ممن تقدم ذكرهم، وثبت
حديثها أيضًا في الفرك عند الجماعة إلا البخاري، وقد أشار إليه في الترجمة ولفظه:"كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذهب فيصلي فيه"، ولفظ الترمذي:"ربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصبعي"، وفي رواية:"إني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بظفري"، وللدارقطني والبيهقي وابن حبان:"أنها كانت تحتُّ المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي"، وفي رواية لابن خزيمة عن عائشة:"أنها كانت تسلت المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق الأذخر ثم يصلي فيه، وتحكّه من ثوبه يابسًا ثم يصلي فيه".
وفي رواية لمسلم عن عائشة: "لقد رأيتني وإني لأحكّه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسًا بظفري"، وفي الترمذي وصححه من حديث همام بن الحارث:"أن عائشة أنكرت على ضيفها غسله الثوب فقالت: لم أفسد علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه فربما فركته بأصابعي"، في رواية:"أنه لما غسل الثوب قالت: كان يجزئك إن رأيته أن تغسل مكانه فإن لم تر نضحت حوله" وذكر العيني أن الطحاوي أخرجه من أربع عشرة طريقًا، والضيف هو همام نفسه.
وأخرج مالك وغيره من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، فذكر قصة احتلام عمر في سفره للعمرة وأنه أخّر الصلاة فقال له عمرو بن العاص:"إنه يدع ثوبه يغسل ويصلي في غيره من ثياب الركب إلى إن قال: بل أغسل ما رأيت وأنضح ما لم أر"، وفيه أيضًا قصة صلاة عمر الصبح بالمدينة وخروجه إلى أرضه بالجرف فرأى أثر احتلام، فقال: ما أراني إلا قد أجنبت وما دريت وصليت وما اغتسلت، قال: فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه ونضح ما لم ير. فهذه الأحاديث منها ما يدل على وجوب الغسل وهو الأكثر، ومنها ما هو محتمل له مع الفرك ولتركه، ومن العجب في هذه المسألة أن الحافظ ابن حجر رحمه الله يقدح في الإستدلال على النجاسة بالغسل لأنه من فعل عائشة، ويستدل بالفرك والحك على الطهارة وهما فعل عائشة، فسبحان من حبب إلى النفوس الميل إلى ما ترى أو ما سبق إليها.
فهذه الآثار في الحك والفرك عمدة القائلين بالطهارة وهم الشافعي
ورواية عن أحمد وبه قال داود وإسحاق بن راهويه، وهي مع كون أكثرها لم يصرح فيه بنفي الغسل مع الفرك كلها تدل على الإزالة وعدم جواز الصلاة به، ومن أمعن النظر في هذه الأدلة علم أن الثابت عن النبي- صلى الله عليه وسلم والصحابة إزالته بغسل وهو أصح أو بالحك والفرك على تسليم أن ذلك بدون غسل، ولا نص على ترك الغسل، والإحتمال قوي لتتفق روايات الغسل مع روايات الحك، ومن أقوى الأدلة على ذلك حديث الباب وفعل عمر الثابت عنه كما تقدم، وليس هناك دليل على طهارته إلا الحك والفرك كما تقدم، وهما من نوع الإزالة على فرض أنهما حصلا بدون غسل زائد عليهما، والإزالة بهما محتملة لقصد التطهير بهما على سبيل الرخصة، ولهذا ذهب الإِمام أبو حنيفة إلى أن تطهيره يابسًا بالحك رخصة، مع قوله بنجاسته فهو بمثابة الرخصة في الخف وذيل المرأة ونحو ذلك. واحتمال الغسل معهما موجود كما تقدم، ودعوى أن العطف بالفاء يدل على أن الصلاة والفرك ليس بينهما غسل؛ مردود كما قال العيني رحمه الله: (من أن العطف بالفاء لا يمنع تخليل شيء بين المعطوف والمعطوف عليه، كقولهم: تزوج فلان فلانة فولدت أولادًا، مع احتمال أن
الفاء بمعنى ثم فيدل على التراخي كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا} فسوّى بين أطواره المتساوية في الزمن بالعطف أحيانًا بثم وأحيانا بالفاء) اهـ.
فدل هذا: على أن الفاء وثم قد يستعمل أحدهما بدل الآخر، وذلك يبطل التعلق بأن العطف بالفاء يدل على عدم الغسل.
وإذا كان الثابت إزالته بقي النظر في وجه تلك الإزالة وعلتها: هل هي النجاسة؟ ويرجحه المواظبة عليها بالغسل والحك والفرك، وكونه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى به قط في ثوبه، وغسله له وتأخيره الصلاة من أجل ذلك مع عدم وجود نص فيه التصريح بالطهارة؛ هذا كله يدل على عدم جواز الصلاة به، وتقدم أنه لا وجه يمنع الصلاة بالثوب المباح إلا النجاسة، ولو هناك وجه لجواز الصلاة به لبيّنه صلى الله عليه وسلم لما عرف من حرصه على التيسير على الأمة، واحتمال النجاسة في المواظبة على الإزالة والإمتناع من الصلاة مع وجوده لا
شك عند من أنصف أنه أقرب إلى النجاسة من الطهارة، وقول عائشة لهمام: إنما كان يجزئك إن رأيته أن تغسل مكانه، فإن لم تر نضحت حوله.
وقول عمر لعمرو لما رآه مشتغلًا بغسل المني من ثوبه وقد أخر صلاة الفجر فقال له عمرو: أصبحت وفي الركب ثياب فلو تركت ثوبك يغسل وصليت بغيره فقال له: عجبًا لك يا عمرو لو فعلتها لكانت سنة بل أغسل ما رأيت وأنضح ما لم أر؛ لا وجه لحمله على الإستقذار، ولو كان يعلم أن هناك رخصة لما أخر الصلاة لغسله، ولم يثبت نفي الغسل مع الفرك حتى يكون معارضًا لما ذكرنا. والحديث السابق وفيه قولها: إذا لم ير فيه أذى؛ تقدم أنه دليل على عدم جواز الصلاة مع وجوده.
أما الوجه الثاني من الوجهين المحتملين في الإزالة: وهو حملها على النظافة واستقذار المني من غير نجاسته، فليس في شيء من هذه الروايات ما يدل عليه أو يرجحه غير ما تقدم من حمل الحك والفرك عليه، وقد تقدم ما في ذلك من البعد على الفرض والتسليم أن الحك والفرك لم يكن معهما غسل، فمن الجائز إن لم يكن هو الظاهر أن يكون ذلك على سبيل الرخصة في التطهير لكثرة وقوعه بالإنسان، ولهذا ذهب بعض الفقهاء الذين يقولون بنجاسته إلى الترخيص في تطهير يابسه، فيطهره الحك والفرك عنده على ما تقدم عن أبي حنيفة -رحمه الله تعالى-.
أما التعليل بكونه أصل الإنسان والإنسان طاهر: فهو في غاية السقوط، لأنّ كونه منيًا بين حالتين كل منهما يكون فيها نجسًا باتفاق، وهو كونه دمًا قبل أن يصير منيًا بالشهوة وبعد الشهوة ووقوعه منيًا في الرحم يصير بعده علقة وهي الدم الجامد، ولا خلاف في نجاسة ذلك الدم في الحالتين قبل كونه منيًا وبعد صيرورته علقة. والإحتجاج بكون الأصل الطهارة مدفوع بوجهين أولًا: عدم تسليم ذلك في المني لأنّ أصله الدم، وثانيًا: ورود الشرع بالإزالة عند قصد الصلاة بأنواع الإزالة من غسل وحك وفرك بعد تسليم أنه لم يكن معهما غسل، هذا لا يكون إلا وهو مناف لصحة الصلاة به. وتقدم أن ذلك يستلزم كونه نجسًا لعدم مبرر لمنع الصلاة فيه إلا ذلك كما تقدم.
ولهذا قال محمَّد بن علي الشوكاني رحمه الله: والصواب أن المني نجس