الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مردود فقد ذهب جماعة، منهم أبو ثور وداود وغيرهما إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء للمحدث، وقد نص أحمد وغيره على أنها عبادة كبرى وصغرى، فتدخل الصغرى في الكبرى كالعمرة والحج.
قلت: ومثله غسل الجنابة مع غسل الجمعة أو غسل العيد أو الإحرام، أو صلاة تحية المسجد مع الفرض، وصوم القضاء في يوم الإثنين والخميس أو يوم عاشوراء، إلا أن أحمد يشترط نية الحدث الأصغر في وضوء الجنابة مع الأكبر.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: (فإن لم ينو الوضوء لم يجزه إلا عن الغسل، فإن نواهما ثم أحدث أثناء وضوئه أتم غسله، ثم توضأ)، والمراد منه -وهذا في شرح قول الخرقي: وإن غسل مرة وعم بالماء رأسه وجسده ولم يتوضأ أجزأ بعد أن يتمضمض ويستنشق وينوي الغسل والوضوء إلخ. اهـ.
قال في الشرح: (يعني أنه يجزئه الغسل عنهما إذا نواهما، نص عليه أحمد وعنه رواية أخرى: لا يجزئه الغسل عن الوضوء) إلى أن قال: (وهو أحد قولي الشافعي) اهـ.
وقال ابن عبد البر: (المغتسل من الجنابة إذا لم يتوضأ وعم جميع جسده فقد أدى ما عليه، لأن الله تعالى إنما افترض على الجنب الغسل من الجنابة دون الوضوء بقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}، وهو إجماع لا خلاف بين العلماء فيه، إلا أنهم أجمعوا على استحباب الوضوء قبل الغسل تأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم) اهـ.
161 - باب غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ الَّذِي يَغْتَسِلُ فِيهِ
253 -
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا عِيسَى عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي خَالَتِى مَيْمُونَةُ قَالَتْ: أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غُسْلَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ بِيَمِينِهِ فِي الإِنَاءِ فَأَفْرَغَ بِهَا عَلَى فَرْجِهِ ثُمَّ غَسَلَهُ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ الأَرْضَ فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِلْءَ كَفِّهِ ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ
جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ. قَالَتْ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ.
• [رواته: 7]
1 -
علي بن حجر السعدي: تقدم 13.
2 -
عيسى بن يونس: تقدم 8.
3 -
الأعمش سليمان بن مهران: تقدم 18.
4 -
سالم بن أبي الجعد: تقدم 77.
5 -
كريب بن مسلم الهاشمي مولاهم أبو رشدين أدرك عثمان، روى عن مولاه ابن عباس وأمه أم الفضل وأختها ميمونة بنت الحارث وعائشة وأم سلمة وأم هانئ بنت أبي طالب وغيرهم، وأرسل عن الفضل بن العباس، وعنه ابناه محمَّد ورشدين وسليمان بن يسار وأبو سلمة بن عبد الرحمن وهما من أقرانه، وشريك بن أبي نمر وبنو عقبة محمَّد وإبراهيم وموسى، وحبيب بن أبي ثابت وسالم بن أبي الجعد وجماعة غيرهم. قال ابن سعد: ثقة حسن الحديث، وقال ابن معين فيه وفي عكرمة: كلاهما ثقة، ووثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات. مات بالمدينة سنة 98 في آخر خلافة سليمان بن عبد الملك.
6 -
عبد الله بن عباس: تقدم 31.
7 -
ميمونة بنت الحارث: تقدمت 236.
• التخريج
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن الجارود وابن أبي شيبة وعبد الرزاق والطيالسي مختصرًا، وكذا للمصنف وفيه: فسترته، وزيادة الستر عند البخاري ومسلم كما في الرواية المشار إليها للمصنف 404.
• اللغة والإعراب والمعنى
قولها: (أدنيت) أي قربت ووضعت له، كما في الروايات الأخر.
وقولها: (غسله) بضم الغين: الماء الذي يغتسل به أو منه كما في رواية البخاري: ماء للغسل، وفي رواية لأبي داود والترمذي وابن ماجه (وضعت) بدل
(أدنيت)، وهما بمعنى إلا أن (أدنيت) فيها زيادة أنها تقربه منه وذلك أخص من قولها (وضعت)، وهي أيضًا رواية للبخاري وفي رواية له:(صببت) ولمسلم كرواية المصنف (أدنيت) وقولها: (غسله) الذي يريد أن يغتسل به من الجنابة.
وقولها: (فغسل يديه مرتين أو ثلاثًا) الشك من الأعمش كما ذكره البخاري من طريق أبي عوانة عن ميمونة وفيه قال سليمان: "لا أدري ذكر ثلاثًا أم لا"، وفي رواية ابن فضيل عن الأعمش:"فصب على يديه ثلاثًا" ولم يشك كما في رواية لأبي عوانة في صحيحه، وذكر ابن حجر أن سماع ابن فضيل منه كان متأخرًا فلهذا قال: لعل الأعمش كان يشك ثم تذكر فجزم.
وقولها: (ثم أدخل يمينه) تقدّم الكلام على الاغتراف من الإناء، وأنه يكون باليمين بعد غسلها وما يتعلّق بذلك؛ في كتاب الوضوء.
وقولها: (فأفرغ بها) أي صب بها الماء على فرجه ليغسله، وهذه الرواية صريحة في كونه غسل فرجه قبل الوضوء. وقد تقدم قول الأعرج في حديث ميمونة "لا تذكر فرجًا ولا تباله" رقم 237، وتقدّم في حديث عائشة التصريح بغسل الفرج أيضًا، فعدم ذكره في رواية الأعرج عن أم سلمة المذكورة لا ينفي حصوله.
وقولها: (غسله بشماله) تقدم أن يمينه كانت لطُهوره وشماله لما عدا ذلك، وتقدّم النهي عن الإستنجاء باليمين وعن مس الذكر باليمين، فلهذا لا يغسل الفرج باليمن ولكن يؤخذ بها الماء فيصب على الفرج ويكون الغسل بالشمال.
وقولها: (ضرب بها الأرض) تعني أنه بعدما استنجى بها ضرب بها على الأرض، مبالغة في التطهير وإزالة ما لعله يعلَق بها من رائحة ونحوها فهو يدلكها بالتراب بعد الماء، والدلك هو الحك والعرك، ومسح العضو ونحوه بالشيء بقوة، قال الشاعر (وهو شاهد لحذف نون الرفع بدون سبب):
أبيت أسرى وتبيتي تدلكي
…
وجهك بالعنبر والمسك الذكي
وقولها: (دلكًا شديدًا) مصدر مبيّن للنوع وقولها: (ثم توضأ وضوءه للصلاة) أي وضوء كوضوئه للصلاة، وظاهره أنه كمل الوضوء حتى غسل رجليه، ولكنها صرحت بأنه غسلهما بعد إنتهائه وذلك محتمل لأمرين: إما أن يكون المعنى غسل الأعضاء التي تغسل في الوضوء، ولكنه كما في بعض الروايات: لما غسل ذراعيه خلل أصول الشعر وأفاض الماء ثم غسل الرجلين
آخر ذلك، فهذا وجه محتمل والوجه الثاني: وهو ظاهر قولها: (وضوءه للصلاة) أنه كمل أعضاء الوضوء لكنه أعاد غسل الرجلين، وحينئذ تصير هذه الرواية فيها مخالفة لسائر الروايات التي دلت على تأخير الرجلين، ويتجه حينئذ القول بأنه إما فعل هذا مرة وهذا مرة أخرى لبيان الجواز، ويبقى النظر في التصريح بكونه غسل رجليه آخر الأمر، فظاهره أنه غسل الرجلين مرتين أو يقال: إنه كان يقدم غسلهما في المكان النظيف ويؤخره في غيره حتى لا يغسلهما مرتين، وربما كان هذا أقرب لما عُرف من حال كراهته للإسراف والمبالغة في الأمور، والروايات الصحيحة صريحة في تأخيرهما في بعض الأحيان كما في البخاري وغيره. وستأتي رواية المصنف عنها 414 وفيها: توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه، وفيها: هذه غسلة الجنابة.
وقولها: (سائر جسده)، السائر: بقية الشيء، ومنه السؤر في الشراب والأكل، وأسأر من الشيء: إذا أبقى منه، ومنه قول الشاعر يصف ليلة تولى ظلامها وأقبل ضياء فجرها فانسلخ الليل إلا بقية ظلمته:
كأن شميط الصبح في أخرياتها
…
ملاء ينقي من طيالسة خضر
تخال بقاياه التي أسأر الدجى
…
تمدو شيعًا فوق أردية الفجر
وقولها: (تنحَّى) أي عن محل الغسل قليلًا فغسل رجليه، فهو كما تقدم إما أعاد غسلهما وإما أخره، والكل جائز كما قدمناه.
• الأحكام والفوائد
الحديث: يدل على خدمة المرأة للزوج في هذا ونحوه، وإن كان ذلك عند الأكثرين على سبيل المكارمة وحسن العشرة وليس بواجب عليها شرعًا، وتقدّم نظير هذا من الخدمة عن عائشة وغيرها، وفيه: الإستعانة على الطهارة بتقديم الماء وتهيئته وكذا بصبه، وقد تقدّم كل ذلك في الوضوء عن المغيرة وحذيفة وغيرهما من الصحابة، وفيه: بيان كيفية الغسل من الجنابة وإن كانت هذه الكيفية ليست شرطًا فيه، وفيه: إستحباب تقديم الوضوء في غسل الجنابة وإن كانت هذه الكيفية ليست شرطًا كما قدمنا، لأن الله قال:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} ولم يقيد بهيئة مخصوصة وقد تقدم ذلك، وفيه: غسل الرجلين عند
الإنتهاء من الغسل على ما تقدم من كونه معادًا أو غير معاد.